Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سينما عربية انتقدت الاحتلال وعرّت ميثولوجياته

لقد شكّل نقد المستعمر خطوة ناجعة بالنسبة إلى "الفن السابع"

"ما بعد الثورة، بدايات الثمانينيات، تغيّر شكل السينما الفلسطينية ومضمونها" فصارت آتية من الداخل الفلسطيني مع ميشيل خليفي (مواقع التواصل)

ملخص

حين يتحدث المرء عن علاقة السينما بالاحتلال، فإن أوّل سينما تخطر على باله هي السينما الفلسطينية.

فما الذي حققته؟

يعثر المشاهد داخل الفيلموغرافيا العربية على نماذج كثيرة من الأفلام التي انتقدت الاحتلال وعرّت ممارساته وسلوكياته وأفكاره، فجاءت الأفلام بصناعة وطنية عربية، حاولت أن تقطع بصرياً مع أية نظرة خارجية من أجل توجيه نقد حاد للاحتلال وميثولوجياته، مما يعني أن السينما كانت ولا تزال الفن الأكثر قدرة على النقد من بين جميع الصور الفنية التعبيرية الأخرى، لكونها فناً بصرياً مركباً وشعبياً في آنٍ واحد، يمارس سلطته على المُشاهد، ويحول فعل المشاهدة نفسه إلى مساحة للتفكير والتأمل. اختيار السينما وسيلة لنقد الاحتلال وإدانة الواقع، لم يكن صدفة أملاها السياق التاريخي والتحول التقني اللذان كانت ترزح تحتهما البلدان العربية زمن العولمة، وإنما كان اختياراً دقيقاً لعدد من المخرجين الذين جعلوا من الكاميرا وسيلة لإدانة الواقع وفضح تصدعاته.

ولقد شكل نقد الاحتلال أو المستعمر خطوة ناجعة بالنسبة إلى السينما العربية من أجل القضاء على جميع الرواسب السياسية المترسبة في بنية الاجتماع العربي خلال مراحل تاريخية عُرفت بـ "الإصلاح الوطني"، إذ كانت فيها مفاهيم الوحدة والعروبة واليسار طافحة بقوة في المشهد السياسي العربي، بغية خلق وحدة بين البلدان العربية في سبيل تقوية أواصر صداقتها بحكم المشترك الديني والهوياتي الذي يجمعها ويُوحد بعضها بعضاً.

 

النموذج الفلسطيني

حين يتحدث المرء عن علاقة السينما بالاحتلال، فإن أوّل سينما تخطر على باله هي السينما الفلسطينية، سواء الأفلام الجديدة التي تُنتَج داخل الأراضي الفلسطينية وخارجها أو الأفلام التي سمّيت في الأدبيات التاريخية بـ "أفلام الثورة الفلسطينية" الممثلة في أفلام المخرج مصطفى أبوعلي على سبيل المثال لا الحصر. وقد استطاعت السينما الفلسطينية أن تكون النموذج الأكثر قوة في نقد الاحتلال الإسرائيلي، إذ عملت أفلام روائية ووثائقية وقصيرة على استعادة اللحظة الفلسطينية الحالية بكل ما يطبعها من ألم، مع العلم أن المتابع للتجربة الفلسطينية سيجد أن السينما لم تكُن الفن الوحيد الذي رافق نقد تل أبيب، بل نجد الموسيقى بدورها قد أخذت حيزاً كبيراً في نفوس الفنانين، لا سيما داخل التجارب الجديدة الممثلة في ريم بنا وجوان صفدي وشادي زقطان. وأيضاً تجارب غنائية رفيعة جعلت من الأغنية على اختلاف أنواعها ومشاربها أن تكون لحظة استثنائية للتفكير في النكوص الفلسطيني وتوجيه أصابع الاتهام للاحتلال الإسرائيلي.

وبين أفلام إيليا سليمان وهاني أبوأسعد ورشيد مشهراوي ونجوى نجار وآن ماري جاسر، يعثر المشاهد على صور سينمائية مختلفة تتفنن في نقد الاحتلال وتعري زلاته وأعطابه. النقد المباشر ليس مهماً، بقدر ما عمل المخرجون على وضع نسق الحكاية داخل سياقات تاريخية معينة، بما يجعل السيناريو يأخذ حرارته وقيمته من السياق الذي يوجد داخله. وفي طريق البحث عن صور ومشاهد ولقطات، تأخذ حكاية الفيلم مسارات متباينة تتقاطع فيها القصص الهامشية وتلتقي حول قيمة واحدة كامنة في رصد فظائع الاحتلال ويومياته القاهرة.

ويتعدّد الفضاء الفلسطيني بتعدد نسق الحكاية، غير أن هناك مدناً مثل رام الله والقدس والناصرة وحيفا، حظيت باهتمام أكبر دون غيرها من المدن الأخرى، في حين يغيب الاهتمام بالفلسطيني البعيد عن الأراضي المحتلة، مع العلم أن إيليا سليمان في فيلمه "إن شئت كما في السماء" (2019) يعطي قيمة أكبر لفلسطينيي الشتات الذين يعيشون خارج البلد والكشف عن بعض من آلامهم ومعاناتهم في سبيل فرض هويتهم الفلسطينية ككل.

يقول الناقد سليم البيك في كتابه "تأملات في السينما الفلسطينية" (2023) إن "ما بعد الثورة، بدايات الثمانينيات، تغيّر شكل السينما الفلسطينية ومضمونها، فصارت آتية من الداخل الفلسطيني، مع ميشيل خليفي في "عرس الجليل"، ثم رشيد مشهراوي في "حتى إشعار آخر"، وإيليا سليمان في "سجل اختفاء" في التسعينيات، وهي أفلام روائية طويلة أولى لأصحابها الفلسطينيين، وبتمويلات تراوحت ما بين بلجيكا وفرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها.

وبدأ يقال هنا إن الفلسطينيين صاروا يصنعون أفلامهم، في فهم خاطئ لما تعنيه السينما الفلسطينية التي لا يمكن إحالتها إلى بطاقة هوية مخرج الفيلم ولا إلى هويته المعنوية، بل إلى انتماء الفيلم إلى ما هو أعلى من ذلك، هو ما كان يسمى ثورة وصار يسمى قضية.

 

السينما والتحرر

إذا تتبعنا المسار الأنطولوجي عرفته الفنون التعبيرية في علاقتها بمفهوم التحرر، سنجد أن "الفن السابع" أكثر الفنون البصرية قدرة على التأثير، إذ منذ اللحظة التي أعلنت فيها بعض الدول العربية استقلالها، بدأت تعمل بصورة مباشرة في دعم "الفن السابع" من أجل استكمال حركاتها التحررية، بيد أن هذا التحرر كان يتخذ بعداً نقدياً للاستعمار، إذ نجد أنفسنا أمام أعمال متنوعة، تارة تنتقد الاستعمار بلغة مباشرة، وتارة أخرى في جعل النقد مضمراً داخل النص أو الصورة، إلا أن النموذج الثاني ظل الأهم والأكثر قدرة على صناعة عمل فني أصيل يستجيب لخصوصيات ومميزات العمل الفني، في حين بقي النموذج الأول خاضعاً للنقد والصراخ، فجاءت الأفلام مطبوعة بالأيديولوجيا وملتحمة بالسياسة وأحياناً لا تمت للعمل الفني بصلة. إن الفيلم السينمائي مهما تضمّن من إشارات نقدية أو تناول قضية سياسية أو إشكالية مجتمعية عليه أن يبقى أميناً من ناحية الجمالية للصناعة السينمائية، إذ يوجد كثير من الأفلام التي تطغى عليها الأبعاد السياسية، فيصبح خطابها الجمالي مؤدلجاً.

الحالة اللبنانية

استغل المخرجون العرب السينما وجعلوها أداة لنقد الاحتلال بمختلف سلطاته الداخلية والخارجية. في الحالة اللبنانية (السينما البديلة) مع جان شمعون وبرهان علوية ومارون بغدادي ورندة الشهال وجوسلين صعب، تصبح الكاميرا أداة لـ "المقاومة"، سواء في نقد الداخل اللبناني أو الخارجي المتمثل في الاحتلال الإسرائيلي. وبغض النظر عن مدى تلاقي السياسة بالفن في التجربة اللبنانية وحدود الالتزام ومصداقيته أمام السينما، فقد اعتبر كثير من النقاد أن هذه المرحلة قدمت إشارات ضوئية مشرقة للتفكير في سينما جديدة. والمقصود بالسينما الجديدة هنا، سينما لا تقبل الشروط التي عليها الواقع العربي، بقدر ما تتطلع أن تصنع واقعها كما تريد. وعملت هذه التجارب على التعامل مع الواقع بنظرة "مينيمالية" (مصغرة) فيها نوع من التقاط الذات وتحويله إلى صور مجتمعية باقية في الذاكرة والوجدان.

المزيد من سينما