Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فوز حزب العمال بالانتخابات البريطانية لا يبشر بهدوء أسعار العقارات

استمرار ارتفاع أسعار الفائدة قد يجعل تعديلات التخطيط العمراني غير مؤثرة في تحسين النشاط

تمثل كلفة السكن أكثر من ثلث إنفاق الأسر البريطانية على حاجاتها الأساس (أ ف ب)

ملخص

تظل أسعار البيوت مرتفعة حتى مع تردد المشترين، ويرجع ذلك أساساً إلى نقص المعروض من البيوت مقابل الطلب، ولا يتوقع أن يتغير ذلك كثيراً في ظل حكومة حزب العمال.

يعد القطاع العقاري من القطاعات المهمة في الاقتصاد البريطاني، ليس فقط لأن أي تغير فيه يمس معظم الأسر البريطانية، حيث النسبة الأكبر من السكان تمتلك مسكنها الذي تعيش فيه، ولكن أيضاً لأنه يمثل ما يصل إلى ثلث الناتج المحلي الإجمالي مع قطاع التشييد والبناء، أي أن النشاط في ذلك القطاع يؤثر بقوة في معدلات النمو الاقتصادي بشكل عام، وبالتالي فإن قطاع العقار إلى جانب الصحة والتعليم، من القضايا الأساس التي يصوت الناخبون لمن يعتقدون أنه الأفضل لإدارتها.

ويركز حزب العمال المعارض في بيانه الانتخابي حول سياسته إذا فاز وشكل الحكومة على استهداف النمو الاقتصادي كحل لمشكلات بريطانيا الاقتصادية المزمنة، وهكذا فإن القطاع العقاري إلى جانب الانفاق الاستهلاكي يحتاج إلى توسع النشاط إذا كان للحكومة المقبلة أن تحقق نمواً اقتصادياً معقولاً.

وصحيح أن هناك عوامل تؤثر في سوق العقار خارجة عن إرادة الحكومة، إلا أن السياسة الاقتصادية والمالية للحكومة تؤثر في مسار النشاط العقاري وأسعار البيوت وعبء مدفوعات القروض العقارية على الأسر البريطانية، ليس فقط تلك التي تملك مساكنها، بل أيضاً المستأجرين وأصحاب العقارات المطروحة للإيجار.

وتمثل كلفة السكن أكثر من ثلث إنفاق الأسر البريطانية على حاجاتها الأساس، لذا فإن ارتفاع أسعار الفائدة الأساس لمواجهة ارتفاع التضخم وارتفاع الفائدة على القروض العقارية يضاعف قيمة الأقساط الشهرية لملايين ممن اشتروا بيوتهم بقرض عقاري.

وعود بناء مزيد من البيوت

ومن أهم البنود في بيان حزب العمال الانتخابي وعده ببناء 1.5 مليون مسكن إضافي خلال مدة البرلمان المقبل، أي بمعدل 300 ألف وحدة سكنية سنوياً، وهو ضعف المستهدف المعلن لعام 2024 – 2025 من قبل حكومة المحافظين الحالية، فيما المعروف أن المشكلة الأكبر في القطاع العقاري البريطاني والتي تضغط على أسعار البيوت ارتفاعاً، هي نقص المعروض من البيوت لتلبية الطلب في السوق.

ومن شأن طرح هذا العدد من البيوت في السوق أن يخفف حدة النقص في جانب العرض مما يجعل الأسعار تتوقف عن الارتفاع الكبير حتى إذا لم تنخفض، ولتحقيق هذا الهدف يعد الحزب في برنامجه أن يغير قوانين التخطيط العمراني وأن يسمح بالبناء في "المناطق الرمادية" من الحزام الأخضر، كما تعهد حزب العمال بإعادة مستهدفات البناء للسلطات المحلية في البلاد.

وليست هذه المرة الأولى التي يعد فيها حزب وحكومة ببناء مزيد من المساكن وتعديل قوانين التخطيط العمراني والحد من سلطة المحليات في وقف تطوير مناطق في نطاق دوائرها المحلية، لكن حكومات كثيرة سابقة من "العمال" و"المحافظين" لم تفلح في تحقيق تلك الوعود بسبب المعارضة الشديدة لها، وحتى محاولات تعديل قوانين التخطيط العمراني وإصدار تصاريح البناء من السلطات المحلية لم تمر من خلال مجلس العموم، وفي أحدث تلك المحاولات اضطرار وزير المحليات في الحكومة الحالية مايكل غوف إلى تعديل مشروع قانون التخطيط وتصاريح البناء أكثر من مرة، بضغط من النواب الذين هددوا بعدم تمريره، وانتهى الأمر بالمشروع بلا أية قوة تغيير حقيقية.

وقبل ذلك صوت معظم النواب من حزب المحافظين الحاكم وحزب العمال المعارض ضد مشروع قانون سابق لحكومة بوريس جونسون بهذا الخصوص، فحتى إن فاز حزب العمال بغالبية في الانتخابات وشكل الحكومة، فمن غير المؤكد أن يصوت كل نواب الحزب في البرلمان لمصلحة قوانين تعديل شروط التخطيط العمراني وتصاريح البناء التي يعارضها الناخبون في دوائرهم.

تعديلات سوق الإيجار

ومع ارتفاع أسعار البيوت في بريطانيا وزيادة نسبة الفائدة على القروض العقارية التي تجعل كثيرين لا يستطيعون تحمل كلفة شراء سكن، فقد زاد الإقبال على الإيجار وأدى ذلك إلى ارتفاع إيجارات المساكن والضغط أكثر على كلفة المعيشة للأسر البريطانية.

ومن بنود برنامج حزب العمال الانتخابي التعهد بأنه بمجرد فوزه في الانتخابات وتشكيل الحكومة سيلغي على الفور البند الـ (21) من قانون الإيجارات الذي يسمح للمالك بما يسمى "الإخلاء من دون سبب".

وفي الوقت نفسه يتعهد الحزب بمنع "استغلال المستأجرين أو التمييز ضد حقوقهم"، وإن كان البيان الانتخابي لا يقدم أية تفاصيل في شأن تحقيق ذلك، إلا أنه يعد بتمكين المستأجرين من معارضة الزيادة غير المنطقية في الإيجار.

ويتعهد الحزب بزيادة التزام أصحاب العقارات المؤجرة بالإصلاحات والصيانة، وتعهدهم بفحص كل المشكلات التي لها آثار صحية على السكان وتعديلها وإصلاحها في فترة زمنية محددة، وتعهد بإنهاء نظام "حق الانتفاع" واستبداله بالملكية العامة للعقارات غير ذات الملكية الخاصة الحرة.

ومرة أخرى تظل كل تلك التعهدات مرهونة بالغالبية التي سيفوز بها الحزب خلال الانتخابات، وأيضاً ضمان أن كل نواب العمال سيصوتون لمصلحتها بما يضمن تمريرها في البرلمان، بخاصة أن محاولات سابقة من جانب حكومة حزب المحافظين لتغيير نظام حق الانتفاع لم تحظ بالتأييد الكافي من النواب في البرلمان لتمريرها.

أسعار الفائدة والتضخم

وصحيح أن تحديد سعر الفائدة في بريطانيا، كما في معظم الدول المماثلة، يجرى من قبل البنك المركزي الذي يتمتع باستقلالية في وضع السياسة النقدية بعيداً من الحكومة، ولا يتوقع أن تغير حكومة حزب العمال المقبلة من تلك الاستقلالية لبنك إنجلترا، لكن البنك يأخذ في الاعتبار عوامل ومؤشرات اقتصادية عدة هي نتاج السياسة الاقتصادية للحكومة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ نهاية عام 2021 وبنك إنجلترا يرفع أسعار الفائدة في محاولة لكبح جماح ارتفاع معدلات التضخم حتى وصلت إلى 5.25 في المئة، ومعها ارتفعت الفائدة على القروض العقارية وزادت المدفوعات الشهرية على ملايين الأسر البريطانية، وبالطبع لا تستطيع الحكومة، "عمالية" أو "محافظة"، أن تجعل البنك يخفض سعر الفائدة، لكن سياساتها يمكن أن تجعل التيسير النقدي ممكناً أو صعباً.

وبالنظر إلى وعود حزب العمال في برنامجه الانتخابي، وبخاصة ما يتعلق بأجور العمال ومعاشات التقاعد يتوقع أن يؤدي ذلك إلى زيادة الضغوط التضخمية في الاقتصاد، وبالتالي يحد من قدرة البنك المركزي على تسريع خفض الفائدة، أما النمو الاقتصادي الجيد الذي يأمل فيه حزب العمال فيمكن بالفعل أن يخفف أعباء كلفة المعيشة على البريطانيين، بما في ذلك بدء خفض سعر الفائدة، لكن ذلك يظل احتمالاً ليس مضموناً تماماً.

وستواجه الحكومة الجديدة في غضون أسابيع مشكلة انتهاء فترة الحسم على القروض العقارية لملايين البريطانيين، مما يعني أنه سيكون عليهم إعادة التفاوض على فترات جديدة بأسعار فائدة مضاعفة، وبالتالي ارتفاع كبير في الأقساط الشهرية للقروض العقارية، ومع أن معدلات التضخم حالياً تقترب من المستهدف للبنك المركزي عند نسبة اثنين في المئة، إلا أن بنك إنجلترا لا يزال متردداً في بدء التيسير النقدي.

ويشكل ارتفاع سعر الفائدة على القروض العقارية ضغطاً على السوق العقارية ويحد من توسع النشاط فيها، ومع ذلك تظل أسعار البيوت مرتفعة حتى مع تردد المشترين، ويرجع ذلك أساساً لنقص المعروض من البيوت في مقابل الطلب، ولا يتوقع أن يتغير ذلك كثيراً في ظل حكومة حزب العمال، على رغم الوعود المتعلقة بالقطاع العقاري في برنامج الحزب الانتخابي.

اقرأ المزيد