Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحكام الإعدام تطارد أنصار "الدعم السريع" في السودان

أصدر القضاء 5 منها وعشرات المتهمين ينتظرون مثيلاتها بعد انقضاء أجل التحري

جدل في شأن قانونية أحكام الإعدام الصادرة بالسودان وسط الحرب    (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ملخص

 أثارت أحكام الإعدام جدلاً قانونياً وسياسياً واسعاً حول مدى قانونيتها وانعكاساتها على الوضع السياسي والاجتماعي في السودان، في ظل الحرب المستعرة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام.

تصاعدت خلال الآونة الأخيرة وتيرة صدور أحكام بالإعدام من المحاكم السودانية في ولايات عدة ضد متهمين بالتعاون مع قوات "الدعم السريع"، بلغت حتى الآن خمسة أحكام قضائية، آخرها الحكم الصادر من إحدى المحاكم بالعاصمة البديلة بورتسودان بالإعدام شنقاً على امرأة، بينما ينتظر عشرات المتهمين الآخرين ممن يواجهون تهماً مماثلة اكتمال إجراءات مرحلة التحري قبل إحالتهم للمثول أمام القضاء.

وأثارت هذه الأحكام جدلاً سياسياً واسعاً حول مدى قانونيتها وانعكاساتها على الوضع السياسي والاجتماعي في السودان، في ظل الحرب المستعرة التي تشهدها البلاد منذ أكثر من عام.

عشرات المتهمين

وكشف النائب العام السوداني ياسر بشير بخاري عن أن هناك 65 متهماً بالتعاون مع قوات "الدعم السريع" أحيلت قضاياهم إلى المحاكم، صدرت فيها أحكام ببراءة بعض المتهمين وإدانة آخرين، وهناك قضايا أخرى في انتظار أن يفصل فيها القضاء.

وفي مطلع يونيو (حزيران) الجاري أصدرت محكمة الدمازين بإقليم النيل الأزرق حكماً بالإعدام على موظف في هيئة الطيران المدني، ودانته بالتعاون مع قوات الدعم السريع، وتحت المادة (50) بتقويض النظام الدستوري.

وفي بورتسودان أصدرت محكمة مكافحة الإرهاب والجرائم الموجهة ضد الدولة حكماً بالإعدام شنقاً على إحدى المتهمات بالتعاون مع الدعم السريع ومصادرة هاتفها، كما أصدرت إحدى محاكم ولاية القضارف في مايو (أيار) الماضي حكماً بالإعدام والسجن 10 سنوات على أحد المحامين بعد إدانته بجريمة التعاون مع قوات الدعم السريع، وإرسال صور لمصلحتها عبر الهاتف تتضمن تحركات الجيش.

تطمين وتشكيك

وبينما أكد بخاري كفالة النظام القانوني السوداني حقوق المتهمين في محاكمة عادلة، وقدرة ونزاهة أجهزة العدالة الوطنية في تنفيذ مبدأ سيادة حكم القانون وصولاً إلى تحقيق العدالة، اعتبر قطاع من الحقوقيين الأحكام بأنها جائرة وتمثل منعطفاً خطراً أثناء الحرب باستخدامها كوسيلة لإسكات الأصوات المعارضة من السياسيين والناشطين المنادين بوقف الحرب، مما يرفع وتيرة التوتر والاضطرابات والشروخ المجتمعية ودفع البلاد نحو الحرب الأهلية.

ويرى قانونيون ومتخصصون في مجال حقوق الإنسان أن تلك المحاكمات تتم في ظروف حرب وصراع سياسي يجعلها تفتقر إلى الأسس والضمانات القانونية السليمة، مما قد ينفي عنها صفة العدالة، إلى جانب الملاحظات الأخلاقية المرتبطة بإصدار أحكام الإعدام.

أوامر قبض

وكانت النيابة العامة السودانية أصدرت في أبريل (نيسان) الماضي أوامر بالقبض على رئيس الوزراء السابق رئيس تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عبدالله حمدوك و15 آخرين من قادة التنسيقية، بتهم إثارة الحرب ضد الدولة وتقويض النظام الدستوري.

 

وأيضاً أصدر المدعي العام السوداني السابق خليفة أحمد خليفة في نهاية سبتمبر (أيلول) 2023 أوامر قبض بحق 250 شخصاً من السياسيين والصحافيين والناشطين بدعوى تعاونهم مع قوات الدعم السريع، وسبقت أوامر خليفة تشكيل قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان لجنة متخصصة بجرائم الحرب وحصر انتهاكات وممارسات قوات الدعم السريع منذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023.

فاعل رئيس

وفي السياق أوضح المحامي أحمد موسى عمر أن "المحاكمات التي انتظمها عدد من المحاكم بولايات السودان المختلفة لمجموعة من المتعاونين مع قوات الدعم السريع، حدثت بموجب القانون الجنائي السوداني لعام 1991 (إثارة الحرب ضد الدولة) والتي تتراوح عقوبتها بين الإعدام أو السجن المؤبد أو السجن لمدة أقل مع جواز مصادرة أمواله".

وأضاف، "المحاكمات تضع المتعاون بمرتبة الفاعل الرئيس، وهو أمر يعيدنا لتوصيف الشريك أو المحرض أو المعاون وفق القانون السوداني الذي يحاكم بذات عقوبة الأصيل".

 لكن على رغم ذلك يلاحظ عمر أن الذين حوكموا لم يحاكموا كشركاء أو معاونين وإنما كفاعلين رئيسين، واتبعت في ذلك الإجراءات الجنائية السودانية التي تلزم المحكمة بمنح المتهم فرصة إحضار محام، وتلزمها بتعيين محام له في حال عجزه عن ذلك وبخاصة في الجرائم الكبيرة، وهذا ما يخضع لمراقبة المحاكم الأعلى درجة.

مراجعات مطلوبة

ونبه المحامي إلى ضرورة عدم إغفال أن القانون السوداني، وإن كان قد وضع مادة تعاقب مثير الحرب ضد الدولة، لكنه لا يزال يحتاج إلى كثير من المراجعات لاستيعاب حال الحرب الدائرة الآن بالسودان، مما يضع بدوره السلطة التشريعية أمام التزام مراجعة القوانين لتستوعب وتواكب المستجدات الآنية بالبلاد.

وأشار عمر إلى وجود التزام إضافي يقع على عاتق منظمات حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني بمراقبة تمتع المتهمين بحقوقهم القانونية والدستورية كافة في الحصول على محاكمة عادلة، كضمانة إضافية على حسن المحاكمة للمتهمين حالياً أو في المستقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أحكام معلقة

من جانبه أشار المحامي في مجال حقوق الإنسان المعز عمر حضرة إلى "صعوبة تنفيذ أي من أحكام الإعدام الصادرة بحق المدانين بتهم تتعلق بالتعاون مع الدعم السريع، إذ يتطلب التنفيذ موافقة المحكمة العليا أولاً، إلى جانب حق المحكوم في الاستئناف لدى المحكمة الدستورية الأعلى التي تمثل آخر مراحل التقاضي، ولأنه لا توجد في البلاد محكمة دستورية حتى الآن، فإن ذلك سيجعل تلك الأحكام في حكم المعلقة.

ووصف حضرة المحاكمات والبلاغات في حق المتهمين بالتعاون مع "الدعم السريع" بأنها تفتقر إلى كل معايير المحاكمة العادلة، بل يرى أنه لم يكن هناك في الأصل أساس قانوني لتلك القضايا، إذ إن تلك البلاغات تأسست على مواد ونصوص قانونية تتعلق بتقويض النظام الدستوري بصورة تؤكد تسييس جهازي النيابة والقضاء، فضلاً عن أن بعض المتهمين وجدت في هواتفهم عبارات تشير إلى تأييدهم ’الدعم السريع‘ أو مراسلات خاصة مع أقارب لهم ينتمون إليه، وجميعها لا تمثل أدلة على التخابر، مما جعل بلاغات النيابة تنطوي على مغالطات قانونية صارخة".

وتابع أنه "من الواضح أن كثيرين ممن فتحت ضدهم بلاغات أو يواجهون محاكمات هم من رافعي شعار ’لا للحرب‘ أو لمجرد انتقادهم للفريق البرهان أو أي من قيادات الجيش، على رغم أن البرهان نفسه مرتكب لجريمة تقويض النظام الدستوري في الـ 25 من أكتوبر (تشرين الأول) 2021.

وأعرب حضرة عن أسفه "لعدم إتاحة السلطات للمتهمين فرصة الدفاع عن أنفسهم باعتقالها وإلقائها القبض على عدد من المحامين ممن سعوا إلى التصدي لتلك المهمة، مما يكشف استغلال السلطات للقانون في تحقيق مآرب سياسية وتصفية حسابات مع رموز الثورة ديسمبر التي أسقطت نظامهم وكل من يقول ’لا للحرب‘".

عدم الترابط

وعلى نحو متصل أوضحت عضو محامي الطوارئ بالسودان رحاب مبارك عدم وجود ترابط بين شكل وطبيعة التهم والمواد التي يواجهها المتهمون بالتعاون مع قوات "الدعم السريع" فيما يخص تقويض النظام الدستوري، كون هذه التهمة ترتبط بالانقلابات العسكرية ولا علاقة لهؤلاء المتهمين المدنيين بها.

وأشارت مبارك إلى أن ثمة علاقة بين الاتهامات بما يسمى بالحواضن الاجتماعية لـ "الدعم السريع"، بحسب اعتقاد السلطات، إذ دين بعض الحالات أشخاص بسبب ارتباطهم ببعض القبائل ذات العلاقة بـ"الدعم السريع"، ومثال لذلك الإدانات التي تمت لأسباب عرقية لكل من محاسب في مدينة الدمازين، إضافة إلى تصنيف السلطات لكل الناشطين ضد الحرب بأنهم يتبعون أو يدعمون "الدعم السريع"، كما في المحاكمات التي تمت في كل من الولايات الشمالية والدمازين والقضارف وكسلا وبورتسودان، وكذلك إقليم النيل الأزرق.

 

شبهة الهواتف

وتضيف عضو محامي الطوارئ أنه "لا يوجد معيار محدد تعتمده السلطات في ملاحقتها لمن تزعم أنهم متعاونون مع ’الدعم السريع‘ فقد طاولت الاعتقالات عدداً من المتهمين والمتهمات لمجرد أنهم وجدوا في هواتفهم فيديوهات قد تكون متوفرة ومتاحة لأي شخص متابع للحرب والأحداث من حوله، وهي الفيديوهات المشاعة التي يبثها كل طرف لتأكيد سيطرته وتقدمه خلال عملياته العسكرية".

وتعتبر مبارك أن "فكرة الملاحقات والبلاغات والمحاكمات معطوبة من الأساس نتيجة الاختلال في موازين العدالة وعدم وجود مؤسسات عدلية حقيقية مستقلة وعادلة، لأن المؤسسات الموجودة حالياً تتبع في حقيقتها للمؤتمر الوطني، ومعظم القائمين عليها هم من اللذين سبق وأبعدتهم لجنة إزالة التمكين بعد ثورة ديسمبر، لكنهم عادوا بعد انقلاب البرهان".

مناشدات حقوقية

من جهته دان "منبر دارفور للعدالة" صدور حكم الإعدام على أحد المواطنين حين احتجز في نيابة مدينة القضارف ثلاثة أشهر قبل المحاكمة، معتبراً أن الحكم يجافي القانون في جميع درجات التقاضي، ويمثل خرقاً لنصوص القانون الجنائي السوداني.

واتهم المنبر في بيان "الحكومة بمحاولة ضرب المكونات الاجتماعية والفرز المتعمد على أساس اللون والجهة والإثنية والثقافة والنوع، بصدور الحكم بهذه الكيفية التي تهدد وحدة البلاد"، مناشداً المنظمات الحقوقية والوطنية والمجتمع الدولي القيام بواجباتهم تجاه حماية المدنيين في السودان، والضغط لإطلاق جميع المحتجزين الأبرياء لدى السلطات على أساس الانتماء الجهوي والإثني والعنصري.

وفي وقت سابق اتهمت مبادرة "لا لقهر النساء" السلطات السودانية باستهداف عشرات النساء وإحالتهن إلى القضاء وصدور أحكام وصفتها بالجائرة بحقهن، من دون الحصول على أدلة تثبت تورطهن في أنشطة معادية للقانون.

اشتباه واعتقالات

ومنذ الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع منتصف أبريل 2023 عززت الأجهزة الأمنية من جانب طرفي القتال انتشارها وشددت قبضتها بصورة لافتة في كل في مناطق سيطرته، وبدأت حملات تفتيش وتوقيف للمواطنين بنقاط الارتكاز التابعة لهم للاشتباه بالانتماء أو التخابر أو التعاون سواء مع الجيش أو قوات "الدعم السريع"، بحسب المسيطر على المكان.

وتصاعدت حملات الاعتقالات المكثفة التي تقوم بها السلطات الأمنية في أعقاب اجتياح قوات الدعم السريع لولاية الجزيرة، شملت كل من يشتبه في تعاونه ودعمه لقوات الدعم السريع، كما تمت اعتقالات واسعة بواسطة أجهزة الاستخبارات العسكرية التابعة لكل من طرفي النزاع ضد ناشطين وسياسيين، تحت ذريعة التعاون مع الطرف الآخر.

ومنذ اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023 دخل السودان في دوامة من المعارك والعنف خلفت نحو 15 ألف قتيل وأكثر من 11 مليون مواطن مشرد بين نازح ولاجئ.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير