ملخص
حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن 26 في المئة من سكان السودان يسيرون أكثر من 50 دقيقة للعثور على مياه ويعرضون أنفسهم لأخطار أمنية لا سيما النساء.
ينعكس التغير المناخي في السودان نقصاً في مياه الشرب فاقمت من حدته الحرب الدائرة منذ أكثر من عام في البلاد.
يقول رب الأسرة عيسى المقيم في مخيم "سرتوني" للنازحين في ولاية شمال دارفور غرب البلاد الذي يضم أكثر من 65 ألف شخص، "منذ بداية الحرب في أبريل (نيسان) 2023 يسير اثنان من أطفالي مسافة 14 كيلومتراً يومياً لجلب المياه".
ويتركز في إقليم دارفور الشاسع العدد الأكبر من مراكز إيواء النازحين في البلاد التي تسببت الحرب الأخيرة فيها بارتفاع عدد النازحين داخلياً ليقترب من 10 ملايين شخص، ويضاف النقص في المياه إلى أزمات أخرى كثيرة يعانيها السودانيون في حياتهم اليومية.
وفي السودان الذي دمرت النزاعات على مدى عقود بناه التحتية، للتغير المناخي تداعيات تتمثل بأمطار غزيرة تليها موجات قيظ مع وصول الحرارة صيفاً إلى حدود الـ50 درجة مئوية.
ففي منتصف أبريل 2023 عندما اندلعت حرب جديدة في البلاد بين الجيش بقيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقوات "الدعم السريع" بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سارع الدبلوماسيون والعاملون في المجال الإنساني إلى مغادرة السودان، فتراجع بصورة كبيرة مستوى المساعدات إلى الفئات الضعيفة.
قصة سورتوني
وهذا ما حصل في سورتوني، إذ يوضح عيسى أن إحدى منظمات العمل الإنساني الإيطالية التي كانت مسؤولة عن محطات مياه الشرب في المخيم، توقفت عن العمل بسبب الحرب، لكن حتى قبل اندلاع النزاع الأخير، حذر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) من أن "26 في المئة من سكان السودان يسيرون أكثر من 50 دقيقة للعثور على مياه ويعرضون أنفسهم لأخطار أمنية لا سيما النساء".
وفي قرية شقرة في دارفور أيضاً التي يقيم فيها 40 ألف نازح تكثر الشكوى من نقص المياه، بحسب المتحدث باسم تنسيقية النازحين آدم رجال.
يقف نازحون غالبيتهم نساء وأطفال ينتظرون دورهم للحصول على مياه وهم يحتمون من أشعة الشمس الحارقة في ظل بعض الأشجار.
ويقول رجال، "بعد الحرب وعلى رغم تضاؤل مصادر المياه يصطف الناس في طوابير يصل طولها إلى 300 متر للحصول على مياه الشرب".
باستثناء المناطق المتاخمة للأنهار في السودان وعلى رأسها نهر النيل يعتمد سكان البلاد على مصدرين للمياه، الأمطار والمياه الجوفية.
لكن على صعيد الأمطار، تشهد منطقة القرن الأفريقي الأوسع التي تشمل السودان منذ نهاية عام 2020 أسوأ موجة جفاف في تاريخها منذ 40 عاماً.
نقص الوقود
وتسببت خمسة مواسم متتالية انحسرت خلالها الأمطار في نفوق الملايين من رؤوس الماشية وتدمير المحاصيل، ودفعت ملايين الأشخاص إلى مغادرة مناطقهم بحثاً عن الماء والغذاء في أماكن أخرى.
وبالنسبة إلى المياه الجوفية، يقف نقص الوقود بسبب الحرب عائقاً أمام استخراج المياه خصوصاً في المناطق البعيدة عن مصادر الماء العذب مثل إقليم دارفور، ولاية القضارف شرق السودان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويقول دبلوماسي أوروبي مطلع على الشأن السوداني طلب عدم ذكر اسمه، لـ" وكالة الصحافة الفرنسية"، "حتى لو توافرت المياه لكن إذا تعطلت المضخة أو لم يكن الوقود متوافراً فلن تتمكن من الوصول إليها".
ويوضح "المياه موجودة لكن عمقها يصل إلى أكثر من 60 متراً، مما يعرقل الوصول إليها باستخدام مضخة يدوية".
ويأتي الدبلوماسي على ذكر مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور البالغ عدد سكانها 1,5 مليون نسمة حيث تدور اشتباكات عنيفة منذ الأسبوع الأول من مايو (أيار) الماضي بين طرفي الحرب، مع حصار شديد ونقص في مصادر الماء والغذاء.
ويضيف "ما لم تسمح قوات "الدعم السريع" بإنفاذ كميات الوقود، تتوقف محطات المياه عن العمل وببساطة لن يتوافر الماء لجزء كبير من السكان".
وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود" الإغاثية "قتل ما لا يقل عن 192 شخصاً وأصيب أكثر من 1230 منذ الـ10 من مايو في الفاشر".
ويقول المسؤول الطبي للمنظمة في دارفور آدم أحمد شومو، "ترك معظم الناس منازلهم وذهبوا إلى المخيمات، خصوصاً مخيم زمزم، لكنهم يواجهون مشكلة كبيرة في توافر المياه ويواجهون زيادة في تكاليف المعيشة مع انعدام الأمن".
من جهتها، حذرت منظمة "يونيسف" من أن الاشتباكات المسلحة للسيطرة على خزان مياه "غولو" غرب الفاشر "تهدد بقطع المياه الآمنة والكافية لنحو 270 ألف شخص في الفاشر والمناطق المحيطة بها".
أزمة متكررة في الخرطوم
في الخرطوم التي تسيطر على غالبيتها قوات "الدعم السريع"، حرمت أحياء بكاملها المياه، ويقول المتطوع في إحدى لجان المقاومة، وهي مجموعات عدة في أنحاء السودان اعتادت تنظيم تظاهرات مؤيدة للديمقراطية قبل الحرب الأخيرة، إن محطة معالجة المياه بمنطقة سوبا في الخرطوم التي تخدم عدداً كبيراً من سكان العاصمة "خرجت من الخدمة منذ بدء الحرب".
ويضيف أن المواطنين يضطرون منذ ذلك الحين إلى شراء "مياه غير معالجة من عربات خشبية تجرها الحيوانات، وهو ما يعرضهم للأمراض".
وأوضح "كنا ننفق 6000 جنيه سوداني (نحو 5 دولارات) يومياً لشراء المياه".
ويؤكد صلاح وهو متطوع آخر أن أحياء بكاملها في مدينة بحري شمال العاصمة "ظلت من دون مياه صالحة للشرب منذ عام".
وعلى البحر الأحمر في بورت سودان حيث مقر الوزارات المؤيدة للجيش فضلاً عن مقار الأمم المتحدة، يقول المواطن الصادق حسين إن "المياه مشكلة كبيرة أيضاً"، معرباً عن قلقه مع اقتراب الصيف.
ومع الحرب وانتقال نازحين بأعداد كبيرة إلى المنطقة، بات السكان يشترون المياه العذبة التي تنقل بواسطة عربات، ويقول طه طاهر المتخصص في الصحة البيئية "يجب مراقبة تلوث" المياه، لكنه يأسف لعدم حصول ذلك خصوصاً أن "المشكلة تفاقمت" مع العدد الكبير للسكان حالياً.
وعلى مدى عام تقريباً منذ بدء الحرب بين أبريل 2023 ومارس 2024، سجلت وزارة الصحة السودانية 11 ألف حالة إصابة بالكوليرا في مناطق عدة من البلاد.
ويلخص الدبلوماسي الأوروبي الوضع بالقول إن "النظام الصحي انهار والناس يشربون المياه الملوثة".