Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يعني إنشاء تونس منطقة بحث وإنقاذ في المتوسط؟

تأتي بعد المياه الإقليمية الخاضعة للسيادة الكاملة للدولة وتمتد على مسافة 12 ميلاً وهي خاصة فقط بتنظيم نجدة المهاجرين

منطقة البحث والإنقاذ تعني توسيع مهمات الدولة التونسية لتشمل مناطق جديدة في المياه الدولية (رويترز)

ملخص

تباينت المواقف والآراء إزاء إنشاء تونس منطقة البحث والإنقاذ في البحر المتوسط، بين من يراها حملاً ثقيلاً يضاف لأزمات تونس المتفاقمة اقتصادياً واجتماعياً، وبين من يعتبرها تكريساً للتعاون المثمر بين تونس وأوروبا.

أثار إنشاء تونس لمنطقة بحث وإنقاذ في البحر المتوسط خاضعة لمسؤوليتها، جدلاً واسعاً بين من يراها تنفيذاً للإستراتيجية الأوروبية القائمة على تصدير الحدود، ومن يعتبرها تجسيداً للتعاون المثمر بين تونس وأوروبا.

ويندرج إحداث المنطقة في إطار جهود تونس لمكافحة الهجرة غير النظامية، وتنفيذاً للأمر الرئاسي رقم (181) لعام 2024 المتعلق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين.

فماذا تعني منطقة البحث والإنقاذ في المتوسط؟ وما تداعياتها على تونس؟ وهل بدأت تونس فعلياً في تنفيذ سياسة الاتحاد الأوروبي في التعاطي مع ملف الهجرة السرية؟

منطقة البحث والإنقاذ هي منطقة في عرض البحر، تأتي بعد المياه الإقليمية الخاضعة للسيادة الكاملة للدولة التونسية وتمتد على مسافة 12 ميلاً، وهي منطقة خاصة فقط بتنظيم النجدة والبحث والإنقاذ للمهاجرين السريين في عرض البحر، وتحددت بموجب اتفاقيات دولية، وبعد التشاور مع دول الجوار، وإعلام المنظمة البحرية الدولية.

أوروبا المستفيد الأكبر

يؤكد المتحدث الرسمي باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "منطقة البحث والإنقاذ التي أنشأتها تونس تشبه تلك الاتفاقية الموقعة مع ليبيا في 2018 وتندرج في إطار مساعي الاتحاد الأوروبي للحد من تدفقات الهجرة السرية"، مضيفاً أن "الاتحاد الأوروبي هو من بادر بطرح هذه المنطقة في وثيقة بعنوان (الإستراتيجية الأوروبية الخاصة بتونس وليبيا من 2021 إلى 2027) التي تضمنت إحداث منطقة للبحث والإنقاذ في تونس، إلا أن مسارها كان يتطلب استعدادات لوجيستية مثل إعداد وحدات بحرية عسكرية وأمنية، وتركيز منظومة رادار وإنشاء مراكز فرعية للتنسيق والإنقاذ البحريين".

وبينما يستبعد بن عمر تحصيل تونس أية فائدة أو امتياز إثر إحداث هذه المنطقة، يؤكد أن "المستفيد الأول والأخير هو الاتحاد الأوروبي وبخاصة إيطاليا، إذ ستحد هذه المنطقة من تدفق المهاجرين وستكون حاجزاً يحول دون وصولهم إلى السواحل الإيطالية، وستتولى الوحدات البحرية التونسية تأمين عمليات الإنقاذ والنجدة في هذه المنطقة، وإعادة كل المهاجرين الذين يتم اعتراضهم، كما ستكون كل البواخر التي تسهم في عمليات إنقاذ المهاجرين في تلك المنطقة مجبرة على التنسيق مع الجانب التونسي، وتسليمهم إلى السلطات التونسية التي ستحولهم إلى موانئها"، لافتاً إلى أن "الاتحاد الأوروبي يريد العمل بالمناولة وتحميل العبء الإنساني والسياسي والأخلاقي على البحرية التونسية".

توسيع مهمات البحرية التونسية

من جهته، يرى المتخصص في علم الاجتماع والباحث في سياسات الهجرة منير حسين في تصريح خاص أن "منطقة البحث والإنقاذ تعني توسيع مهمات الدولة التونسية لتشمل مناطق جديدة في المياه الدولية، إذ تصل هذه المنطقة إلى حدود جزيرتي سردانيا ولامبيدوزا، في مقابل مساعدة من الحكومة الإيطالية لتونس بـقيمة 9.6 مليون يورو، وستقوم تونس في المقابل باعتراض قوارب الهجرة غير النظامية وإنقاذ المهاجرين ثم إعادتهم إلى الأراضي التونسية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد منير حسين أن "تونس تنفذ حرفياً المقاربة الأمنية التي وضعها الاتحاد الأوروبي وتقوم على منع المهاجرين غير النظاميين من الوصول إلى الحدود الأوروبية، وباتت الوحدات البحرية التونسية تحرس حدود إيطاليا بموجب هذا الاتفاق، مما يعني قطع الطريق أمام المهاجرين حتى لا يصلوا إلى الأراضي الأوروبية".

ويضيف المتخصص في علم الاجتماع، أن "هذا الوضع سيخلق أزمة مزدوجة بتكدس آلاف المهاجرين على الأراضي التونسية"، متسائلاً "هل ستعمل تونس وقتها على حجز المهاجرين لفرزهم، ثم ترحيلهم، أم ستخلي سبيلهم داخل التراب الوطني؟".

ويشير منير حسين إلى أن "تونس أصبحت مصيدة للمهاجرين السريين"، واصفاً إياها بـ"السجن الكبير للمهاجرين الذين يعيشون في ظروف لا إنسانية"، داعياً إلى عدم الرضوخ للمقاربة الأمنية الأوروبية، ومشدداً على ضرورة تبني مقاربة جماعية تجمع دول الانطلاق ودول العبور من أجل حل شامل لمعضلة الهجرة غير النظامية.

نجاح السياسات الأوروبية

وفي الضفة الأخرى من المتوسط، رحبت الأوساط السياسية في إيطاليا بإنشاء تونس منطقة البحث والإنقاذ في المتوسط، واعتبرتها نجاحاً لسياسات روما في التعاطي مع ملف الهجرة السرية الذي يؤرق أوروبا.

وجاء في مقال بصحيفة "لاريبيبليكا" الإيطالية، تحت عنوان "ولادة منطقة البحث والإنقاذ التونسية.. انتصار جورجيا ميلوني الجديد على المهاجرين"، أن "في هذه المنطقة من البحر الأبيض المتوسط وأمام سواحل الدولة المغاربية وخارج مياهها الإقليمية، سيتعين على دوريات خفر السواحل التونسية التدخل للبحث والإنقاذ لأي مهاجرين".

ويؤكد الناشط السياسي المقيم في إيطاليا والنائب السابق في البرلمان، مجدي الكرباعي، في تصريح خاص، أن "أوروبا التي تعمل على إنشاء هذه المنطقة منذ فترة، تعتبر إنشاءها من قبل تونس نجاحاً لها"، لافتاً إلى أن "البرنامج الانتخابي لرئيسة الوزراء الإيطالية، جورجيا ميلوني، تضمن في النقطة السادسة منه جعل دول شمال أفريقيا نقاطاً ساخنة لتجميع المهاجرين، وهي اليوم تسرد للرأي العام في إيطاليا نجاحها في التقليص من تدفقات الهجرة السرية بنسبة 60 في المئة مقارنة بالعام الماضي".

ويرى الكرباعي أن "تقلص أعداد المهاجرين الذين وصلوا إلى أوروبا يعتبر نجاحاً لسياسة الاتحاد الأوروبي في التعاطي مع ظاهرة الهجرة السرية، وهو ما أسهم في صعود اليمين المتطرف في الانتخابات الأوروبية الأخيرة لأن الناخب الأوروبي اكتشف أن اليمين هو من يملك الحل لمعضلة الهجرة".

ويضيف الكرباعي أن "وسائل الإعلام في إيطاليا لم تعد تتحدث عن الاكتظاظ وسوء تعامل المهاجرين في مراكز الإيواء ومراكز احتجاز المهاجرين في لامبيدوزا، بينما يتكدس المهاجرون في كل من تونس وليبيا"، واصفاً المقاربة الأوروبية بكونها "تصديراً لأزمة المهاجرين إلى دول شمال أفريقيا وهي صورة من صور الحدود المتقدمة التي ستخلف أزمات متفاقمة في تلك الدول مما سيمهد لاتفاقات أخرى لتركيز مراكز احتجاز وإيواء قبل ترحيل المهاجرين وهو ما ستذهب إليه أوروبا قريباً" .

تونس في حاجة إلى أوروبا

في المقابل، يقلل الدبلوماسي السابق عبدالله العبيدي من تداعيات منطقة البحث والإنقاذ التي أنشأتها تونس في عرض المتوسط، ويقول في تصريح خاص إن "تونس في حاجة إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة المتوفرة لدى الغرب من أجل حماية حدودها الممتدة على أكثر من 1300 كيلومتر من السواحل، وأمام ضعف إمكاناتنا نحن في حاجة إلى المساعدات الأوروبية".

ويشير العبيدي إلى أن "بعث تلك المنطقة يخدم مصالحنا ومصالح جيراننا الذين تربطنا بهم علاقات تعاون اقتصادية قوية"، لافتاً إلى أن "الاتفاقات الثنائية هي في النهاية تنازل نسبي عن السيادة في مقابل منافع ومكاسب محددة".

تدخل الدولة

يشار إلى أن خطاب رئيس الجمهورية قيس سعيد، يقوم أساساً على سردية السيادة الوطنية ومكافحة الفساد، ويعتبر أن "تونس لن تكون معبراً أو مستقراً للمهاجرين غير النظاميين".

وكان وزير الدفاع عماد مميش، أكد لدى إشرافه في القاعدة العسكرية البحرية الرئيسة بحلق الوادي في اختتام فعاليات تمرين البحث والإنقاذ البحريين، الذي نظمه جيش البحر في نهاية مايو (أيار) الماضي، أن "الهدف من إرساء منظومة البحث والإنقاذ البحريين على المستوى الوطني هو تعزيز نجاعة تدخل الدولة في هذا المجال، بهدف توافر خدمة البحث والإنقاذ البحريين لفائدة جميع مستعملي البحر من التونسيين وغير التونسيين، في منطقة المسؤولية التونسية"، مشدداً على "إيفاء تونس بالتزاماتها وتعهداتها الدولية في هذا المجال".

وينص الأمر رقم (181) المؤرخ في الخامس من أبريل (نيسان) الماضي، المتعلق بتنظيم البحث والإنقاذ البحريين، على أن المقصود بـ"البحث" هو "عملية تهدف إلى الاستدلال على الأشخاص المكروبين بالبحر، يتولى تنسيقها المركز الوطني لتنسيق عمليات البحث والإنقاذ البحريين أو المراكز الفرعية"، بينما المقصود بـ"الإنقاذ" هو "عملية انتشال أشخاص مكروبين بالبحر وتلبية حاجاتهم الأولية الطبية أو غير الطبية ونقلهم إلى مكان آمن".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير