Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سلسلة إجراءات مغربية لـ"أنسنة السجون" وخلق ظروف إيواء مناسبة

محاربة آفة الاكتظاظ من خلال الغرامة اليومية أو عقوبة السوار الإلكتروني وغيرها

تسعى السلطات السجنية في المغرب إلى توفير مساحة ثلاثة أمتار مربعة لكل سجين (أ ف ب)

ملخص

"أنسنة السجون" المغربية خطوة أولى في مسار تأهيل  السجناء للتكيف والاندماج في المجتمع بعد الإفراج

يراهن المغرب على تحقيق هدف رئيس في مجال تدبير قطاع السجون، هو "أنسنة" ظروف الاعتقال والإيواء داخل هذه المؤسسات، على رغم الإكراهات والتحديات التي تفرزها ظاهرة اكتظاظ السجون في البلاد.

وتعمل السلطات المعنية على تحقيق غاية "أنسنة المؤسسات العقابية والسجنية"، متمثلة في احترام كرامة المعتقلين والموقوفين وضمان حق الزيارة وحقوق التطبيب والترفيه.

وتفيد أرقام المرصد المغربي للسجون، في آخر تقرير سنوي له، بأن سرعة الاكتظاظ بلغت في المتوسط نسبة 160 في المئة، مما أفرز تراجعاً في المساحة المخصصة لكل سجين من 1.90 إلى 1.79 متر مربع.

طموحات حكومية

وتسعى الحكومة المغربية جاهدة إلى تفعيل شعارات "أنسنة السجون" على أرض الواقع، بما ينسجم مع المواثيق المحلية والدولية ويواكب التغيرات السياسية والاجتماعية الحاصلة في البلاد.

وصرح مصطفى بايتاس، الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان والمتحدث الرسمي باسم الحكومة، أخيراً بأن هناك مشاريع لإصلاح وترميم البنايات السجنية وإعادة تهيئتها لتحسين ظروف إقامة المساجين واعتماد كثير من التدابير بهدف تحسين الطاقة الإيوائية لهؤلاء.

وعدّد المسؤول الحكومي هذه الإجراءات التي تهدف إلى "أنسنة الفضاء السجني" من قبيل استبدال مؤسسات سجنية قديمة ومتهالكة بأخرى حديثة وتجويد التغذية كماً ونوعية وتحسين تدابير النظافة وتوفير الخدمات الطبية والتعامل الإنساني مع السجناء من دون تمييز قائم على الجنس أو البشرة أو المستوى الطبقي والاجتماعي.

و"تحرص إدارة السجون في المغرب"، وفق مسؤوليها، "على تنويع محاور أنسنة هذه المؤسسات، من بينها رفع الطاقة الاستيعابية وتأهيل البنية التحتية للسجون، مع توفير ظروف اعتقال ملائمة للسجناء لجهة المساحة المخصصة والشروط الواجب توافرها بما يكفل صون كرامتهم وإنسانيتهم".

وتسعى السلطات السجنية في المغرب إلى توفير مساحة ثلاثة أمتار مربعة لكل سجين، تتيح ظروفاً جيدة للإيواء من تهوئة وإنارة ومرافق ضرورية، في وقت تبلغ هذه المساحة في الواقع الراهن 1.79 متر.

إكراهات واقعية

هذه الطموحات الحكومية الرامية إلى أنسنة الفضاء السجني في المملكة تعترضها إكراهات واقعية قوية، على رأسها الاكتظاظ الذي تعانيه المؤسسات السجنية، مما يهدد كل هذه الآمال والشعارات بالانهيار جراء عدم التطبيق على أرض الواقع.

في هذا السياق يرى الكاتب العام للمرصد المغربي للسجون عبدالله مسداد أن الاكتظاظ والازدحام في السجون المغربية يعوقان بصورة مؤثرة هدف أنسنة الفضاء السجني في البلاد، حيث إن "هذا الاكتظاظ لم يعُد مجرد مشكلة عابرة، بل صار إشكالاً بنيوياً يقض مضجع جميع المعنيين بملف تدبير المؤسسات السجنية في المغرب".

ولفت إلى أنه بحل مشكلة الاكتظاظ داخل السجون، بسبب كثرة الاعتقالات الاحتياطية، فإن الأنسنة ستحظى بنصيب من التحقق، إذ سيجد السجين نفسه يحظى بمساحة خاصة أكبر وبظروف اعتقال أحسن وشروط إيواء أفضل.

من جهته، يرى الفاعل المدني في شؤون السجون ربيع بلعافي أنه ما دامت المساحة الشخصية لكل سجين لا تتعدى 1.79 وربما أقل نتيجة الاكتظاظ الزائد، فلا يمكن الحديث أبداً عن أنسنة المؤسسات العقابية والسجنية في البلاد.

وتوقع أن "يكون تشييد مؤسسات سجنية أحد الحلول بالنظر إلى وعود مديرية السجون بتحقيق هذا الهدف"، مردفاً أنه "لن يكون حلاً ناجعاً وكافياً، إلا إذا تم تطبيق ما ورد في قانون العقوبات البديلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويتضمن قانون العقوبات البديلة إدراج عقوبات جديدة من شأنها محاربة آفة الاكتظاظ داخل المؤسسات السجينة من قبيل عقوبة الغرامة اليومية، أو عقوبة السوار الإلكتروني، أو إلزام السجين إجراءات علاجية في حالات الإدمان على المخدرات والخمور.

وأعد وزير العدل المغربي عبداللطيف وهبي مشروع القانون رقم 10.23 المتعلق بتنظيم وتدبير المؤسسات السجنية، يهدف إلى احترام كامل للقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء لعام 1957، ومجموعة مبادئ حماية الأشخاص الخاضعين لأي نوع من أنواع الاحتجاز أو السجن، وقواعد الأمم المتحدة النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء المعروفة بـ"قواعد نيلسون مانديلا".

أنسنة المجتمع السجني

ويبدو أن أنسنة المؤسسات السجنية لا تتوقف على الإجراءات القانونية مثل سن قوانين أو تشييد مؤسسات عقابية جديدة فحسب، بل أيضاً على المعطيين الاجتماعي والإنساني.

وفي هذا الإطار، ترى الباحثة السوسيولوجية ابتسام العوفير أن السجن يمكن اعتباره مجتمعاً مصغراً يتضمن الصالح والطالح، والبريء والمذنب والطيب والشرير، فهو عينة قوية تشكل نموذجاً مصغراً لتركيبة المجتمع ومستوياته الطبقية وتموجاته الإنسانية.

ولفتت إلى أن ما يتشاركه السجناء داخل هذا المجتمع المصغر أكثر بكثير مما لا يتفقون عليه، فهناك الفضاء والانتماء نفسه، فكلهم معتقلون ومحرومون من الحرية لفترة زمنية محددة.

وأكملت العوفير أن المشترك الرئيس الثاني هو أن هؤلاء السجناء يخضعون في معظمهم، مع وجود استثناءات لا تخرق القاعدة، لقوانين وضوابط من وضع إدارات السجون، مما يجعلهم يعيشون أجواء اجتماعية وإنسانية متشابهة في غالبيتها.

وربطت الباحثة ما سبق من نقط التشارك الاجتماعي بين السجناء في المؤسسات العقابية والزجرية وهدف الأنسنة الذي يطغى على خط السلطات المختصة، من خلال استغلال هذه المشتركات وإتاحة أكبر قدر ممكن من الفرص النفسية والمعنوية والاجتماعية للسجناء ليخلقوا هم أنفسهم ظروفاً وأجواء تتسم بالأنسنة واحترام الكرامة.

وتشرح العوفير أنه في هذا السياق يمكن الحديث عن ضرورة خلق وعي جديد لدى المعتقلين بأن مصيرهم واحد فوق أرض واحدة، هي السجن وتحت مأمورية نفس المسؤولين والقوانين، مما يتطلب منهم تيسير الحياة داخل الفضاء السجني حتى تمر العقوبة السجنية بأقل الأضرار، وحتى يخرج السجين بقدرة أكبر على الاندماج داخل المجتمع الواسع".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير