ملخص
طرحت مناقشات أميركية إمكانية فرض عقوبات على وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش بسبب تأثيره المزعزع للاستقرار في الضفة الغربية
في ظل تحذيرات دولية وعربية وحتى إسرائيلية من أن السلطة الفلسطينية على وشك الانهيار بفعل الخطوات العقابية المتلاحقة ضدها يمضي وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قدماً لإنهاء العلاقة معها، وحسم الاستيطان في المنطقة المصنفة "جيم"، فهو إلى جانب رفضه بصورة علنية فكرة التخلي عن السيطرة على الضفة الغربية، يعلن صراحة أنه ماض بتنفيذ خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة المدنية عليها.
سيطرة إسرائيلية يجري تنفيذها عبر نقل مساحات واسعة من السلطة الإدارية من القائد العسكري إلى مستوطنين يعملون في الحكومة ويؤمنون بأن انتزاع الإدارة المدنية أو أجزاء كبيرة منها من أيدي الجيش تشكل الوسيلة الأسرع لتوسيع السيادة الإسرائيلية في الضفة، بما يقلل من احتمالية فرض ضوابط قانونية على توسيع المستوطنات وتطويرها.
وتعد الإدارة المدنية مسؤولة بصورة أساسية عن التخطيط والبناء في المنطقة "جيم" من الضفة الغربية، والتي تشكل قرابة 60 في المئة من الأراضي الفلسطينية الخاضعة للسيطرة الإدارية والأمنية الإسرائيلية الكاملة، وإلى جانب إنفاذ القانون ضد البناء غير المرخص، سواء من قبل المستوطنين الإسرائيليين أو الفلسطينيين، تغطي قوانينها إدارة الزراعة والغابات والمتنزهات ومواقع الاستجمام.
إدارة الاستيطان
جدية المناقشات الأميركية التي طرحت إمكانية فرض عقوبات على سموتريتش بسبب تأثيره المزعزع للاستقرار في الضفة الغربية، لم تمنعه من تنفيذ الخطة، إذ أظهرت وثائق نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية قبل أيام أن الجيش الإسرائيلي نقل بالفعل "صلاحيات قانونية" إلى مستوطنين في الضفة الغربية يترأسهم سموتريتش في إجراء اعتبره محللون ضماً فعلياً للضفة الغربية.
وبحسب المحللين فإنه سبق وتمكن مستوطنون من استحداث وحدة للاستيطان داخل جهاز الإدارة المدنية الإسرائيلي ستعمل حتى عام 2026 على تسوية أوضاع نحو 160 إلى 180 بؤرة استيطانية وتحويل بعضها إلى أحياء من مستوطنات قائمة وأخرى إلى مستوطنات جديدة، إضافة إلى تسوية أوضاع المستوطنات الرعوية التي تقام على نحو 10 في المئة من مساحة المنطقة "ج". كما تسعى الوحدة الجديدة للمسارعة في تسوية أراضي الضفة الغربية عبر تحويل أكبر قدر ممكن منها إلى أراضي دولة.
قديمة وأخرى حديثة ومنها التي استمد منها اسم معهد شيلو المقام في مستوطنة "أفرات" في التجمع الاستيطاني "غوش عتصيون" جنوب بيت لحم
وبينت تقارير لهيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية صدرت أخيراً بأن حجم مصادرة الأراضي عام 2023 تحت تسميات المحميات الطبيعية، وأوامر وضع يد لأغراض عسكرية وإقامة مناطق عازلة واستملاك وغيرها شكل ضعف ما كان عليه عام 2022، إذ تخطت حصيلة عمليات المصادرة منذ بدء عمل وحدة الاستيطان العام الماضي حاجز 50 مليون متر مربع، إلى جانب أنها ناقشت في ذات السنة 173 مخططاً هيكلياً من قبل مجلس التخطيط الأعلى للإدارة المدنية لإقامة أكثر من 18 ألف وحدة استيطانية منها نحو 48 مخططاً هيكلياً لمدينة القدس، و26 مخططاً لبيت لحم و23 لمحافظة سلفيت، ترتب عليها المصادقة على بناء أكثر من 8000 وحدة استيطانية وشرعنة ثلاث بؤر أقيمت حول مستوطنة "عيلي" المقامة على أراضي رام الله ونابلس.
وأكدت الهيئة نفسها أن حصيلة الوحدات الاستيطانية منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 حتى أواخر أبريل (نيسان) الماضي وصلت إلى أكثر من 10 آلاف وحدة وأصدر الجيش قرارات بمصادرة أكثر من 45 مليون متر مربع من أراضي الفلسطينيين الزراعية من أجل إقامة مناطق عازلة حول المستوطنات القائمة، ومنعتهم من دخولها تحت حجج أمنية.
وتتألف حدة "إدارة المستوطنات" التي يترأسها يهودا إلياهو الذي يعد أحد أبرز مؤسسي منظمة "ريغافيم" الاستيطانية، من مقر عام في مستوطنة بيت إيل وهيكلية تضم "السامرة" (نابلس وكل ما يقع شمالها)، و"بنيامين" (رام الله وسلفيت)، و"غوش عتصيون" (ما بين القدس وحلحول) وجبل الخليل، وغور الأردن. ونجحت الوحدة في مارس (آذار) الماضي في تعيين المستوطن هيليل روط، الذي ينتمي للتيار الديني القومي المتطرف في مستوطنة "يتسهار"، نائباً لرئيس الإدارة المدنية، وهو ما شكل نقلة نوعية خطرة في نظام الحكم داخل جهاز الإدارة المدنية، في شأنه وفقاً لمراقبين ومتخصصين حسم مستقبل الأراضي "جيم" في الضفة الغربية لمصلحة المستوطنين.
منتدى شيلو
منتدى شيلو للسياسات (مركز أبحاث وتفكير استراتيجي إسرائيلي) الذي أوصى بإنشاء وحدة إدارة الاستيطان عام 2020 ونجح في تحقيق ذلك عام 2023، يتهم الإدارة المدنية في الجيش الإسرائيلي بأنها بطيئة وتفتقر لسياسة واضحة فيما يتعلق بفرض الأدوات اللازمة للتعامل مع ما سماه "السيطرة الفلسطينية غير الشرعية للمنطقة جيم"، ما دفع القائمين على المنتدى لحشد الدعم والتأييد من كبار المستوطنين، وتولي مهمة جمع المعلومات والأبحاث لإزالة "الاعتداءات الفلسطينية" الزراعية وتلك المتعلقة بالبنية التحتية والعمل على إدارة السياسة المتعلقة بالأراضي والحفاظ على "أراضي الدولة"، بما في ذلك تنسيق جميع المعلومات المطلوبة لإدارة القضايا القانونية في المحاكم، والشروع الفوري بتسوية الأراضي في الضفة الغربية وتسجيلها كأراضي الدولة، والتعاقد مع الجهات الحكومية والخاصة التي ستوفر حلاً للحفاظ على أراضي الدولة من خلال الغابات والغرس والرعي وما إلى ذلك، إلى جانب عرقلة ومنع أي نشاط دولي أو حكومي أو مدني يدعم جهود السلطة الفلسطينية ويعزز وجودها في المنطقة "جيم".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ورصد القائمون على المنتدى "جهوداً فلسطينية حثيثة لتغيير الواقع القانوني لهذه المناطق لمصلحة السلطة الفلسطينية، تهدف إلى عزل المستوطنات اليهودية والسيطرة على المناطق المصنفة (جيم) لإنشاء دولة فلسطينية، وتحقيق تواصل جغرافي بين المنطقتين (أ) و(ب)، وبينهما وبين الخط الأخضر، عبر عزل المستوطنات وقطع التواصل فيما بينها والاستيلاء على طرق المرور الرئيسة، والموارد الطبيعية وتدمير مواقع التراث اليهودي".
ووفقاً لإحصاءات المنتدى، فإن البناء الفلسطيني في المنطقة المصنفة "جيم" ارتفع من 29783 مبنى منذ عام 2008 إلى 65572 مبنى في عام 2019 مدعياً أن الفلسطينيين باتوا يسيطرون على 22 في المئة من المناطق المصنفة "جيم" بحسب اتفاق أوسلو، مقابل سيطرة إسرائيلية لا تتجاوز 7 في المئة فقط (تشمل المستوطنات والمعسكرات والمناطق الصناعية).
وبحسب مراقبين في المنتدى، فإن الفلسطينيين بحلول عام 2019 قاموا بتعبيد قرابة 700 مليون متر مربع أي 19 في المئة من المنطقة "جيم"، منها 3595 كيلومتراً من الطرق التي يستخدمها الفلسطينيون فحسب.
لوبي جديد
حسم الاستيطان في المنطقة المصنفة "جيم"، وإنهاء العلاقة مع السلطة الفلسطينية لم يقتصر على مخططات سموتريتش ومنتدى شيلو للسياسات، فأكبر لوبي فاعل داخل الكنيسيت الإسرائيلي المعروف "لوبي أرض إسرائيل"، يسعى أيضاً لمحاربة الوجود الفلسطيني في المنطقة المصنفة "جيم" وتوسيع الاستيطان وضمان تنفيذ الاتفاقيات الائتلافية المتعلقة به، بما يشمل حماية التلال والاستيطان الرعوي وتحقيق رؤية "أرض إسرائيل" بما في ذلك منح الاستيطان شرعية داخل المجتمع الإسرائيلي.
في المقابل، يعارض اللوبي الذي أعيد تأسيسه أخيراً وعقدت جلسته الأولى في مارس 2023، بشدة أي خطة من شأنها إعادة السيطرة على غزة إلى أيدي الفلسطينيين، معتبرين أن أي اتفاق مع السلطة الفلسطينية سيعيد "حماقة أوسلو" وفك الارتباط، بحسب وصف أعضائه المكونين من 52 عضواً.
من جانبه، اعتبر المحاضر في مركز الدبلوماسية العامة في إسرائيل غولان برهوم إن الوجود العسكري في الضفة الغربية "ضرورة ملحة" وأن وجود دولة فلسطينية مستقلة، ضمن الحدود التي أقرتها أوسلو يضر بالأمن الاستراتيجي لدولة إسرائيل ومواطنيها.