Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا بريطانيا بلا دستور؟

من المفارقات أن كثيراً من الدول الديمقراطية أسست دساتيرها المكتوبة على النسخة البريطانية غير المكتوبة

 شهدت المملكة المتحدة محاولات لوضع دستور مكتوب موحد في وثيقة واحدة (أ ف ب)

ملخص

إن القول بأن المملكة المتحدة ليس لديها دستور مكتوب هو خطأ شائع، بل هو مكتوب في وثائق مختلفة وليس في وثيقة موحدة، فلدى المملكة المتحدة دستور يتمثل في القوانين والاتفاقات والقرارات القضائية والمعاهدات الرائدة

لوزير العدل البريطاني الأسبق جاك سترو عبارة شهيرة أدلى بها عام 2008 قائلاً "إن دستور المملكة المتحدة يوجد في القلوب والعقول والعادات، بقدر ما يوجد في القانون". 

وبينما تشهد بريطانيا انتخاباتها الأولى منذ خروجها من الاتحاد الأوروبي قبل أكثر من أربعة أعوام، حين يواجه حزب المحافظين الذي يسيطر على الحكومة منذ عام 2010، معركة حامية للبقاء في الحكم بمواجهة منافسة حزب العمال، فثمة أمر مثير يتعلق بذلك المشهد الانتخابي الساخن داخل واحدة من أقدم الديمقراطيات الغربية، وهو أنه لا يستند إلى دستور مكتوب كما هو متعارف عليه في كثير من دول العالم، حتى تلك التي تصنف كديكتاتوريات.

ووفق التعريف العلمي فإن الدساتير هي الإطار الأساس للنظام السياسي للدولة، وتحدد العلاقة بين حكومة الدولة ومواطنيها، ويعد الدستور عنصراً أساساً في أي مجتمع ديمقراطي، إذ يوفر إطاراً للحكم المستقر وحماية الحقوق الفردية للمواطنين، كما يشكل إطاراً من التشريعات والمبادئ التي تحكم الدولة، ويحدد صلاحيات مختلف فروع الحكومة والآليات التي تنشأ من خلالها القوانين وتنفيذها، والتي بطبيعة الحال تشمل مجموعة القواعد والقوانين المنظمة للعملية الانتخابية، فلماذا إذاً لا يوجد دستور مدون في وثيقة موحدة لدى المملكة المتحدة؟

استقرار تاريخي

يقول مراقبون إن الأمر تاريخي ويعود بالأساس لأن البلاد كانت مستقرة جداً لفترة طويلة من الزمن، ففي حين اضطرت النخب الحاكمة في كثير من الدول الأوروبية، مثل فرنسا وألمانيا، إلى وضع دساتير للتعامل مع الثورة الشعبية أو الحرب، ظلت بريطانيا العظمى خالية من الحماسة الثورية التي اجتاحت قسماً كبيراً من القارة العجوز خلال القرن الـ 19، ونتيجة لذلك فقد تم إصلاح الديمقراطية في هذا البلد بشكل تدرجي على مدى قرون، وليس في انفجار كبير واحد. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفق كلية لندن الجامعية فإنه عادة ما تنتج الدساتير المكتوبة بعد نقطة تحول تاريخية كبرى، مثل الاستقلال أو الثورة أو الهزيمة في الحرب أو الانهيار الكامل لنظام الحكم السابق، ولم يحدث أي من هذه الأمور للمملكة المتحدة، ولهذا السبب لم يكن لديها سبب لتدوين دستورها، فالثورة الوحيدة في القرن الـ 17 أنتجت لفترة وجيزة دستورا مكتوباً سُمي بـ"أداة كرومويل للحكم".

 وبالنسبة إلى البلدان الأحدث عمراً، بما في ذلك الولايات المتحدة وأستراليا، فقد كان تدوين حقوق مواطنيها وأنظمتهم السياسية خطوة أساساً نحو الاستقلال، ومن المفارقات أن كثيراً منها أسست دساتيرها المكتوبة على النسخة البريطانية غير المكتوبة، فتذكر صحيفة "اندبندنت" أنه عندما أجبر البارونات الملك جون عام 1215 على التوقيع على "الميثاق العظيم للحريات في إنجلترا" أو ما يُعرف بـ "الماغنا كارتا"، كان ذلك حدثاً سيتردد صداه في القانون الدستوري بعد ثمانية قرون.

وكان أصحاب الأراضي مدفوعين بالرغبة في حماية مصالحهم الخاصة وليس مصالح الناس، لكن الوثيقة الناتجة التي ليست لها أية قوة قانونية اليوم داخل المملكة المتحدة، كانت مصدر إلهام رئيس لمهندسي دستور الولايات المتحدة الأميركية، وكانت لها قيمة رمزية ضخمة في تطور الديمقراطية على النمط الغربي، إذ إنها حدت من سلطات الدولة مع حماية بعض حقوق المواطنين، وكانت مبادئها الرئيسة، ومن بينها الحق في محاكمة عادلة والحماية من السجن غير القانوني، بمثابة الأساس للقانون العام.

مكتوب أم غير مكتوب؟

ويعتبر آخرون أن القول بأن المملكة المتحدة ليس لديها دستور مكتوب هو خطأ شائع، بل هو مكتوب في وثائق مختلفة وليس في وثيقة موحدة، فلدى المملكة المتحدة دستور يتمثل في القوانين والاتفاقات والقرارات القضائية والمعاهدات الرائدة، وتشمل أمثلة القوانين الدستورية "ميثاق الحقوق" 1689 و"قوانين الاتحاد" 1707 و1800 و"قانون التسوية" 1701 و"قوانين البرلمان" 1911و1949 و"قانون حقوق الإنسان" لعام 1998 و"قانون اسكتلندا" و"قانون إيرلندا الشمالية" و"قانون حكومة ويلز" لعام 1998. 

ومن الأمثلة على الاتفاقات ما يتضمن أن الملك يتصرف بناء على المشورة الوزارية، وأن يقوم الملك بتعيين رئيس الوزراء ليكون الشخص الذي يحظى أولاً بثقة مجلس العموم، وقد دوّنت هذه الاتفاقات وغيرها في وثائق مثل "دليل مجلس الوزراء".

وتعتبر السيادة البرلمانية عادة بمثابة المبدأ المحدد للدستور البريطاني، فهذه هي السلطة النهائية لوضع القوانين المخولة لبرلمان المملكة المتحدة إنشاء أو إلغاء أي قانون، وتشمل المبادئ الأساس الأخرى للدستور البريطاني سيادة القانون وفصل الحكومة إلى فروع تنفيذية وتشريعية وقضائية، ومساءلة الوزراء أمام البرلمان واستقلال القضاء. 

محاولات لكتابة الدستور

ومع ذلك سعي بعضهم داخل المملكة المتحدة إلى الحصول على دستور مكتوب موحد في وثيقة واحدة، ففي عام 2008  وضمن إصلاحات دستورية اقترحها رئيس الوزراء البريطاني آنذاك غوردون براون، فقد شملت دستوراً مكتوباً في إطار تطوير "ديمقراطية بريطانية أكثر انفتاحاً في القرن الـ 21 وتخدم الشعب البريطاني بشكل أفضل"، وأعرب غوردن عن رغبته في إطلاق نقاش علني حول فرصة التوصل إما إلى إعلان حقوق وواجبات للحكومة والمواطنين، أو دستور مكتوب. 

وفي ذلك الوقت عمل وزير العدل جاك سترو على مشروع قانون جديد للحقوق والمسؤوليات يحدد علاقة الشعب بالدولة ضمن إصلاحات دستورية أخرى، قائلاً إن "مشروع القانون قد يكون خطوة نحو دستور كامل مكتوب، لوضعنا جنباً إلى جنب مع أكثر الديمقراطيات تقدماً حول العالم". 

وبينما تحدث سترو بأن الدستور البريطاني منقوش في العقول والقلوب والتقاليد، إلا أنه استدرك أن "معظم الناس يواجهون صعوبة في وضع إصبعهم على موضع حقوقهم". 

ومع ذلك أقر سترو بصعوبة الأمر مستبعداً أن يكون لدى بريطانيا دستور رائد في أي وقت خلال المستقبل القريب، وهو التوقع الذي لم يخب بعد أكثر من 16 عاماً على محاولته، إذ قال الوزير البريطاني السابق إن الأمر يحتاج إلى "توافق من الأحزاب" على مدى فترة تصل إلى 20 عاماً وإجراء استفتاء وطني للموافقة على الدستور إذا أدى إلى تغييرات كبيرة، ولكن التوافق الذي تحدث عنه سترو كان مستحيلاً خلال العقد الماضي حين انشغل البريطانيون بعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. 

وفي وقت يرى فريق أن الدستور المكتوب سيُمكن الجميع من معرفة القواعد، فإن الموالين لحفظ التقاليد البريطانية يصرون على أن الأمر لا ضرورة له وغير بريطاني، بل إن الوضع القائم يؤكد نجاح "نظام ويستمنستر" للديمقراطية البرلمانية والاستقرار الذي يحققه للبلاد، ولا سيما أنه النظام نفسه الذي تأسست عليه البرلمانات الديمقراطية في كثير من دول العالم، وثمة حقيقة أخرى وهي أن المملكة المتحدة ليست الوحيدة التي تعمل بدستور غير مكتوب، فإسرائيل ونيوزيلندا تعملان أيضاً من دون دستور مكتوب. 

المزيد من تقارير