Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محسن الموسوي يدعو الكتّاب العرب إلى التآلف مع "إسلام الشارع"

كتاب يطرح أسئلة مهمة حول الفجوة التي تفصل المثقف العربي عن العامة

غرافيتي الفن الإسلامي (سوشيل ميديا)

ملخص

 يسلط كتاب "إسلام الشارع: الدين في الأدب العربي الحديث"، للناقد الأكاديمي والروائي العراقي محسن جاسم الموسوي الضوء على العلاقة الديناميكية التي تربط الدين بالشارع كما صورها الأدب العربي الحديث، ويطرح أسئلة مهمة حول الفجوة التي تفصل المثقف العربي عن العامة.

لئن استند محسن جاسم الموسوي في كتابه الذي صدر بالإنجليزية عام 2009 على طرح سوسيولوجي بالأساس، فإن الكاتب انتهج قراءة متأنية فاحصة لعدد من النصوص السردية والشعرية، مثبتاً بذلك تجديداً في التحليل من جهة، وأهمية تقاطع الدراسات من جهة أخرى.

وبحسب النسخة العربية من الكتاب والتي صدرت عن "مشروع كلمة" التابع لمركز أبوظبي للغة العربية بالتعاون مع المركز القومي المصري للترجمة، وأنجزتها أستاذة الأدب الإنجليزي في جامعة تونس هاجر بن إدريس وراجعها المؤلف، فإنه "لم يصدر من قبل كتاب بهذا الثراء والتنوع في رصد سمات القطيعة بين النخبة والعامة، وهو إذ يستطلع مسببات ذلك يفسر أيضاً الفجوة التي سمحت لتيارات سلفية بالظهور ثانية في فضاء إنتاج المعرفة، وقد فاز هذا الكتاب عقب نشره بواسطة دار "رومان ولتفيلد" بجائزة مجلة choice، وهي مجلة الناشرين الأميركيين التي تنتقي كتباً مميزة في الأسلوب والطرح والعرض.

ويهدف هذا الكتاب، كما يقول الموسوي في مقدمته، إلى درس الإسلام كما يراه العامة وكما يتجلى في الأدب العربي الحديث، وهو يحاول أيضاً الإجابة عن سؤال ملح يتعلق بالتحول الأيديولوجي "الصادم والمباغت" للمثقفين اليساريين، وخصوصاً الروائيين والشعراء منهم والذين انتهجوا جادة التصوف في مرحلة ما من حياتهم.

ومع أن بعض الدارسين كانوا، بحسب الموسوي، قد ألموا بالعلاقة الوطيدة بين التصوف والوجودية والماركسية، فإن المجال لا يزال متسعاً لدرس أشمل للنتاج الأدبي، من شأنه أن يضع هذا التحول على المحك وأن يؤدي إلى فهم أعمق لهذا المنحى في الأدب الذي ظهرت بداياته خلال سبعينيات القرن الماضي.

ويضيف المؤلف الذي يعمل أستاذاً للدراسات العربية والمقارنة في جامعة كولومبيا في نيويورك، "ولئن تركّز اهتمامنا على النتاج الأدبي العربي، فإن ذلك لا يعني انتقاصاً من الدور الذي لعبته الكتابات غير الأدبية التي أنتجها العرب وغيرهم منذ أواسط القرن الـ 19"، مشيراً إلى أن هذا الكتاب يطرح أساساً مسألة تخطي النتاج الأدبي للحدود الضيقة للاختصاصات، "وهو نتاج ثري يمكننا من الوقوف على زوايا مختلفة والنظر في مواقف معينة نحن بأشد الحاجة إليها، لنتلمس الإجابة على أسئلة ما فتئ القارئ يطرحها، تتعلق بما يسمى بالطفرة الجديدة لإسلام العامة".

قراءات وتحليلات

ومن النصوص التي رجع إليها الموسوي "مقابلة خاصة مع ابن نوح" لأمل دنقل، وعصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم، و"محمد رسول الحرية" لعبدالرحمن الشرقاوي، و"عمارة يعقوبيان" لعلاء الأسواني، و"أيام الإنسان السبعة" لعبدالحكيم قاسم، و"الزيني بركات" لجمال الغيطاني، و"كيف كنت عفريتاً من الجن" لإبراهيم المازني، و"اللص والكلاب" لنجيب محفوظ، و"عرس الزين" للطيب صالح، و"لغة الآ آي" ليوسف إدريس، و"طواحين بيروت" لتوفيق يوسف عواد، و"قنديل أم هاشم" ليحيى حقي.

وكانت الغلبة لنصوص مصرية فجاء الكتاب في مجمله وكأنه يناقش ظاهرة مصرية بالأساس، كما يمكن أن يلاحظ القارئ غياباً شبه تام لنماذج من دول المغرب العربي، مع أن العنوان الفرعي للكتاب هو "الدين في الأدب العربي"، كما يمكنه ملاحظة أن غالبية النماذج المختارة تنتمي إلى ما قبل تفشي الظاهرة التي اختار لها اسم "إسلام الشارع"، والتي تشير غالباً إلى تدين مظهري بدأ انتشاره خلال سبعينيات القرن الماضي، وهو لا يخلو من اقتناع بأفكار قد تتناقض مع جوهر الدين، سواء كان هذا الدين هو الإسلام أو المسيحية أو اليهودية.            

وبحسب الموسوي فإن "هذا الكتاب يرمي إلى تقديم قراءات وتحليلات لعدد من القصائد والنصوص السردية التي ستأخذنا بعيداً من القراءات التي نجدها عادة في الفضاء الأكاديمي، حيث يميل الطلبة إلى التوافق مع رؤية أساتذتهم"، ملاحظاً أن الأدب العربي اجتاحه "شعور بالعبث والعدمية ابتداء من الأربعينيات، نتج من تأثر واضح بالفكر الأوروبي وخيبة أمل إزاء الحال الاجتماعية المتردية، حتى إن كل الشواغل والهواجس كانت تبدو مجرد تعبير عن انعدام ثقة، يعقد حرية الإنسان في الاختيار أو يحول دونها، في حين تعمق الفكر الوجودي لدى الكتّاب وأصبحت مسألة الإيمان مجرد فرضية جوفاء" (ص:12).

العاطفة الدينية

يهدي المؤلف هذا الكتاب إلى روجرآلن، "صديقاً وباحثاً مميزاً، كانت بحوثه في الأدب العربي مصدر إلهام لكثير من الباحثين"، ويرى في مقدمته أن النصوص التي لا تصرح بتوجهها الإسلامي "هي مادة جيدة للتطرق إلى العاطفة الدينية الشعبية، لا على النحو الذي تشعر بها وتمارسها وحسب، ولكن أيضاً بحسب انتشارها في الطقوس والتعاويذ والتحية والأغاني، ويكمن مقصد آخر للكِتاب، كما يقول الموسوي، "في تثمين الأعمال الأدبية بوصفها أداة تعبر عن الواقع بطريقة أعمق من غيرها".

وهو يرى أن نظريات الخطاب المتداولة خلال الأعوام الأخيرة "تتجه أكثر فأكثر نحو اعتماد النصوص الأدبية، لأنها قادرة على اختزال الواقع، بل وتتفوق في ذلك على الفلسفة العقلانية أو الميتافيزيقا". ولاحظ الموسوي أن الرواية العربية الحديثة اتخذت من إيمان العامة بالدين موضوعاً أساساً "لم يسبق له مثيل"، ويضرب مثلاً على ذلك بقوله إنه عندما كتب طه حسين بغضب عن عودته للديار زمن الوباء في الأربعينيات، وعدم السماح له بالنزول من السفينة في الإسكندرية، فإن ذلك كان نتيجة شعور بالإحباط، إذ تساءل في روايته "المعذبون في الأرض" بقوله "هل هذه هي الدولة التي أفنينا شبابنا من أجلها؟".

ويضيف أنه إذا نظرنا إلى ما يحدث بين هذه الصورة الذاتية لشخص يستطيع أن يكون مسؤولاً عن خلق نظام جديد، وبين تصور وحلم أخذا "عاشور الناجي" في رواية مجيب محفوظ "الحرافيش" بعيداً من المدينة الموبوءة، نجد مساحة اختلاف "هي التي نستعملها في مجازنا "إسلام الشارع" كي نفهم إسلام العامة"، فالفاعل في الحالة الأولى شخص دخيل، وهو يختلف في ذلك عن صاحب المكان الحالم والمناضل في الحالة الثانية، وفي حين يزعزع الوباء في الحالة الأولى المواقف والادعاءات، يعيد القوة للناس الذين خرجوا متذمرين إلى الشارع في الحالة الثانية.

وإذا كان للمدينة في الحالة الأولى سلطة نفي لأن عصابة من المتلاعبين تحكم فضاءها، فإنها في الحالة الثانية تستمد قوتها من شرعية رؤاها وتمكنها من حماية الناس الذين يتبعون القوى الطبيعية والتاريخية، وهي القوى التي يحللها لوفيفر بطريقة مقنعة، فالمدينة تولد من جديد مع ولادة جديدة لساكنيها، وبذلك فهي تتطور فضاء اجتماعياً يسمح بالعيش والتجربة، وبالتالي تصبح فضاء ينتجه مستعملوه قبل أن تنتهكه سلطة الدولة وتحتكره قوى أخرى.

النقاد الشيوخ

ولهذا الكتاب مقاصد أخرى، أحدها كما يقول المؤلف الحاجة إلى تفسير نتاج المعرفة، وهو نتاج صاحَب تطور الحركة الإنسانية في الثقافة العربية الإسلامية بين القرن الثامن والقرن الـ 15، وأدى إلى ازدهار مجموعة من النصوص النثرية المهمة التي تطرقت إلى كل مجالات المعرفة، كما تزامن هذا النتاج مع الحداثة التي مع ما تضمنته من محاسن ومساوئ أفضت إلى معرفة علمانية.

ويخلص الموسوي إلى أنه لم يكن تصاعد الحملة الإسلامية، بخاصة في جانبها المتعلق بالمظاهر السياسية التي جلبت اهتمام قوى دولية وأنظمة إقليمية مختلفة، نمواً تلقائياً أو نتيجة تحركات لم تخضع للمساءلة، مضيفاً أنه بمعزل عن الأسباب المعروفة، أي الآليات التي استخدمتها القوى العالمية لاستغلال الظاهرة والتلاعب بها، طهرت عوامل أخرى أكثر ديناميكية وأهمية تأسست على مشاعر الاستياء والإحباط التي صاحبت الدولة الوطنية. ولئن اعتنى المؤرخون والخبراء الإستراتيجيون وعلماء السياسة بدرس هذه الظاهرة لأسباب مختلفة ومن زوايا عدة، فقد أظهر النتاج الأدبي عزوفاً كبيراً عن الأمر، ولم يبد اهتماماً بالقضية برمتها إلا أخيراً، وهو موقف نابع من توجهات سياسية وأيديولوجية أكثر منها إيماناً بأهمية الإسلام والتراث، بوصفهما مكونين فعليين لهوية الفرد وحياته.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثم تنامى التوجه إلى الدين حد تجنيد كثير من المتطرفين والمفكرين الإسلاميين لمناقشة أعمال أدبية وثقافية كانت حكراً على العلمانيين، وقد يكون من المفيد في هذا السياق تذكر نقد الشيخ عبدالحميد كشك اللاذع عام 1990 لرواية "أولاد حارتنا" (1958) واتهامه لنجيب محفوظ بتبني أفكار شيوعية وترويجها، في وقت شهد فيه الفكر الشيوعي أوجَه في مصر والمنطقة العربية. وقد نشر الشيخ كشك نقده في كتاب اهتم فيه بأعمال محفوظ الأدبية، مركزاً بشكل خاص على "أولاد حارتنا"، وهو أمر لم يكن بإمكانه القيام به إلا في تسعينيات القرن الـ 20 حين أصبح الخطاب الإسلامي قادراً على الخوض علناً في السياسة العلمانية، بحسب الموسوي.

ولاحظ الموسوي في خاتمة كتابه أنه لم تكن الحماسة بالضرورة ردة فعل على الأيديولوجيا العلمانية أو هجمات المحافظين الجدد على الإسلام، كما أن كثيراً من الشيوعيين توجهوا إلى الدين بحثاً عن اليقين، وهو ما تصوره مثلاً رواية "نساء على سفر" للعراقية هيفاء زنكنة التي تجعل من "كريم" القائد الشيوعي يندفع إلى الدين إثر خيبة أمله في الحزب الذي ينتمي إليه.

ويختم الموسوي بالتشديد على أنه "لن يتمكن المثقفون الحداثيون العرب من المحافظة على الروابط العاطفية التي تجعلهم ملمين بانشغالات الجمهور وحاجاته ما لم يفهموا الدين والتراث جيداً، وما لم يتشبعوا إيماناً بثقافتهم، ومع ذلك المسعى الانتهازي في النتاج الأدبي الحديث الذي تشكل بحسب منطق العرض والطلب، فقد يؤثر بروز الإيمان، حتى لو كان متأخراً، على السوق الأدبية ويعززها بأدوات ورؤى جديدة، "لقد فقد الكتّاب العرب دورهم الطليعي في التحركات الاجتماعية والسياسية، وهم في أمس الحاجة إلى تقويم دورهم ونقده ثم تقديم تصور جديد له حتى يتمكنوا من التآلف مع إسلام الشارع"، وبالطبع فإن هذه الرؤية تستحق أن تكون مجالاً لسجال فكري وأدبي يضع روايات الموسوي نفسه في ميزانها، للوقوف على مدى تآلفها مع سمّاه "إسلام الشارع".   

اقرأ المزيد

المزيد من كتب