Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العجز المائي يهدد باشتعال أزمة بين المغرب والجزائر

المملكة سجلت عجزاً في التساقطات المطرية بـ70 في المئة وملء السدود تراجع إلى 23.2 في المئة

تعترف وزارة الموارد المائية في الجزائر بوجود أزمة في التزود بالمياه الصالحة للشرب (أ ف ب)

ملخص

المتخصص الجزائري في الموارد المائية أحمد كتاب اعتبر أن الاتفاق الموقع بين الجزائر وتونس وليبيا لإنشاء آلية تشاور حول إدارة المياه الجوفية عبر الحدود، مهم جداً، "لكن يتعين توقيع اتفاقات جديدة مع البلدان المجاورة التي تتقاسم مع الجزائر موارد المياه السطحية أو الجوفية، بحيث تكون هذه المياه المشتركة مصدراً للتعاون والتنمية المستدامة المتبادلة".

يبدو أن التغيرات المناخية ستكون أحد أسباب أزمة قوية مرتقبة بين الجزائر والمغرب، لا سيما أن الأمر يتعلق بالمياه، وما اتهام الجزائر للمغرب بتجفيف السدود الحدودية إلا بداية صراع لا يمكن توقع نتائجه.

تصريحات تصنع الحدث

قال وزير الري الجزائري طه دربال على هامش مشاركته في أشغال المنتدى العالمي الـ10 للماء الذي أقيم بمدينة بالي الإندونيسية "لاحظنا ممارسات لدولة من الجوار أضرت بالتوازن البيئي الذي أضر بالحيوان والنباتات وأضرت بالإنسان. هناك تجفيف مقصود وممنهج لبعض السدود والمناطق"، مضيفاً "الجزائر اتخذت إجراءات كثيرة".

 

تصريحات الوزير الجزائري لم تقابل بأي رد رسمي مغربي، لكن تبقى "معركة الماء" سيدة الموقف بالنظر إلى المشكلات التي تواجهها سلطات البلدين في ظل موجات حر قياسية تخطت في بعض المناطق 55 درجة مئوية، مما تسبب في احتجاجات وتوسع دائرة الجفاف الذي أضر بالفلاحين ومربي المواشي والأبقار.

أزمة ماء في المغرب

وفي السياق أشار المعهد المغربي لتحليل السياسات إلى أن أزمة الماء ليست بفعل الاستهلاك الأسري أو الاصطناعي، موضحاً أن ذلك لا يستهلك سوى 20 في المئة من الموارد المائية المعبئة، ومشدداً على أن الأزمة تتعلق بصورة وثيقة بطبيعة الاستخدامات المائية في ميدان الري، إذ يستهلك 80 في المئة من الموارد المائية بالمغرب سنوياً.

وتقول معطيات وزارة التجهيز والماء في المغرب إن المملكة سجلت عجزاً في التساقطات المطرية خلال الموسم الزراعي الحالي بنسبة 70 في المئة مقارنة مع المعدل، كما تراجعت نسبة ملء السدود إلى 23.2 في المئة مقابل 31.5 في المئة، بينما تراجعت حصة الفرد من الموارد المائية من 2560 متراً مكعباً سنوياً عام 1960 إلى 620 متراً مكعباً عام 2020.

والوضع المائي في المغرب خطر جداً، ويشدد المدير التنفيذي للمركز الإقليمي للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة جواد الخراز على أن ضعف ملء السدود وتوالي مواسم الجفاف يدق ناقوس الخطر، خصوصاً في ما يتعلق بانقطاع المياه.

وأزمة ماء في الجزائر

من جهة أخرى تعترف وزارة الموارد المائية في الجزائر بوجود أزمة في التزود بالمياه الصالحة للشرب، وأرجعت الأمر إلى الجفاف وتراجع منسوب السدود، وتؤكد أن البلاد تعيش على غرار دول البحر المتوسط عجزاً مائياً ناجماً عن التغيرات المناخية التي أثرت بصورة كبيرة على الدورات الطبيعية للتساقطات المطرية، وشددت على أن أولويات القطاع تزويد المواطنين بصورة منتظمة بمياه الشرب ومواصلة الورشات الجارية، إضافة إلى التسيير العقلاني لهذا المورد الحيوي.

وقال المدير العام للشركة الجزائرية للطاقة محمد بوطابة إن بلاده ستنتج 3.7 مليون متر مكعب يومياً من المياه المحلاة بحلول نهاية عام 2024، مما سيغطي 42 في المئة من حاجات السكان، مبرزاً أن الدولة استثمرت 2.1 مليار دولار وتخطط لضخ 2.4 مليار دولار أخرى لتنفيذ خطتها.

وتصنف دراسات أكاديمية وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة "الفاو"، الجزائر ضمن الدول الفقيرة من حيث الموارد المائية، وتقدر نسبة الاستهلاك السنوي للفرد بأقل من 600 متر مكعب، مما يجعل إجمالي الاستهلاك السكاني بين 3.6 وأربعة مليارات متر مكعب سنوياً، نحو 30 في المئة منها تأتي من السدود، بينما البقية الأخرى من الآبار ومحطات تحلية مياه البحر، في حين يحدد البنك الدولي النسبة بمقدار ألف متر مكعب سنوياً، في وقت يقدر فيه استهلاك البلاد في جميع القطاعات ما يقارب 17 مليار متر مكعب من الماء سنوياً.

وفي تقرير صدر في فبراير (شباط) لاحظت المفوضية الأوروبية أن تراكم الكتلة الحيوية للمحاصيل أقل بكثير من المتوسط شمال غربي ووسط الجزائر، فضلاً عن التأخير في زراعة البذور بسبب الجفاف.

وبين الأرقام والواقع دخلت الجزائر معركة الأمن المائي، إذ يبقى ضمان التزود بالمياه الصالحة للشرب وري الأراضي الفلاحية متذبذباً بسبب ارتباط الأمر بتساقط الأمطار والمياه السطحية، مما جعل الالتفات إلى تأمين الموارد المائية في صلب اهتمامات السلطات.

وأتت مناقشة موضوع المياه في اجتماع مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون، لتكشف عن حقيقة الانشغال الذي بات يشكل صداعاً للسلطة، وقد تم التشديد على وضع مسألة تثمين المياه المسترجعة ضمن أولويات العمل الحكومي، وتم تحديد 40 في المئة كنسبة يجب الوصول إليها على المدى القريب، بهدف استخدامها في الري الفلاحي والصناعة بالنظر إلى أهمية هذين القطاعين في السياسة التنموية للبلاد، وضمان الأمن المائي الذي يعد من أبرز التحديات التي تعمل الدولة على رفعها على المديين المتوسط والبعيد في ظل الشح الذي تعانيه البلاد بسبب قلة تساقط الأمطار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السدود الحدودية

إلى ذلك رأى الحقوقي الجزائري حاج حنافي أن أزمة المياه عالمية، إذ إن الدراسات الحديثة تتحدث عن أن ربع المعمورة مهدد بصورة جدية وحقيقية، مشيراً إلى أن المنظمات الدولية دقت ناقوس الخطر في ما يتعلق بالمياه، وقدمت توصيات في إطار مواجهة الأزمة، ومن بينها أن الثروة المائية الواقعة على الحدود بين الدول يجب أن تستغل وفق اتفاقات دولية توضح منهج الاستغلال المشترك بينها على وجه عادل يحقق التنمية للجميع، وقال "المغرب يفتقر للثروات النفطية والمعدنية، فكان الرهان على السياحة والفلاحة كقطاعين دائمين في تحقيق التنمية المنشودة، فعمدت إلى بناء السدود الضخمة وحفر الآبار الارتوازية على الحدود مع الجزائر من دون اتفاقات أو إطار توافقي أو حتى من قبل طلب الإذن".

وكشف حنافي عن أن المغرب قام أخيراً ببناء أضخم السدود بمحاذاة محافظة بشار الحدودية (الجزائر)، فحجب وادي "زوزفانة" وأودية حوض "قير" عن سد "جرف التربة" الممون الوحيد لمدينة بشار ومنطقة العبادلة بالجزائر. وتابع أن هناك دراسة مقررة لإنجاز سد في منطقة بن زيرق على بعد 40 كيلومتراً شمال مدينة بشار، وعلى رغم نجاعة المشروع إلا أنه بقي حبيس الأدراج، "والأمر نفسه بالنسبة لسد الزقاقات لمنطقة العبادلة".

وواصل الحقوقي أن المغرب ينتهج سياسة تهدد أمننا المائي بخطة ممنهجة ومدروسة.

عدم التفاهم على مستوى المياه الجوفية

من جانبه اعتبر المتخصص في مجال القانون الدولي والعلاقات الدولية المغربي خالد شيات أن التحولات المناخية وانعكاساتها على الواقع الذي تعيشه دول شمال أفريقيا كالجزائر والمغرب، واضحة جداً مع النقص الشديد في الموارد المائية، بالتالي فإن الجزائر والمغرب تضعان سياستهما على أساس وجود هذه الظاهرة، سواء في ما يتعلق بتحلية مياه البحر أو اعتماد الطرق التقليدية مع إقامة السدود، وكل ذلك بهدف تجنب الوقوع في الأزمة، وقال إن الأمر لا يتعلق بالتغيرات المناخية فقط بل أيضاً بسوء التدبير المحلي.

وتابع شيات أن غياب التنسيق بين الجزائر والمغرب يدفع كل طرف إلى تبني سياسات أحادية في ما يتعلق بالموارد المائية مثل إقامة السدود، مشيراً إلى أن هناك قانوناً دولياً ينظم هذه الأمور، "لكن تنظيمه في إطار العلاقات الثنائية بين البلدين أحسن"، وأبرز أن "هناك نزعة يمكن أن نقول غير ودية من طرف الجزائر في ما يتعلق برفض التنسيق مع المغرب"، مستبعداً وجود نوع من الصراع بين البلدين على قطرات المطر والموارد المائية السطحية، "وإنما هناك عدم تفاهم على مستوى المياه الجوفية الموجودة بين البلدين والتي لا تعترف بالحدود"، وختم بأن المسار المناسب لتجاوز هذه الإشكالية إنشاء لجنة مشتركة تعالج مسألة المياه الجوفية وتحاول عقلنة استغلالها خدمة للتنمية في البلدين.

اتفاق بين الجزائر وتونس وليبيا

وعلى الحدود الشرقية تمكنت الجزائر من توقيع اتفاق تاريخي مع تونس وليبيا لإنشاء آلية للتشاور حول إدارة المياه الجوفية المشتركة بين الدول الثلاث في منطقة الصحراء الشمالية، وهي الدول التي تعاني النقص المائي نتيجة التغيرات المناخية وتراجع معدلات التساقطات، وبحسب التقديرات تبلغ كمية مخزون المياه الجوفية في هذه المنطقة أكثر من 10 آلاف مليار متر مكعب، ما يمثل ثروة هائلة تتيح فرصاً واسعة لتحقيق الأمن المائي على الأمد البعيد، وتحسين مستوى معيشة أكثر من 65 مليون نسمة في الدول الثلاث.

المتخصص الجزائري في الموارد المائية أحمد كتاب اعتبر أن الاتفاق الموقع بين الجزائر وتونس وليبيا لإنشاء آلية تشاور حول إدارة المياه الجوفية عبر الحدود، مهم جداً، "لكن يتعين توقيع اتفاقات جديدة مع البلدان المجاورة التي تتقاسم مع الجزائر موارد المياه السطحية أو الجوفية، بحيث تكون هذه المياه المشتركة مصدراً للتعاون والتنمية المستدامة المتبادلة"، وقال إن الإجهاد المائي على المستوى العالمي لا يعد مشكلة فنية أو علمية أو تكنولوجية أو مالية، بل سياسية تتطلب توظيف الدبلوماسية والحوكمة المائية، لكسب معركة حل أزمة المياه التي تلوح في الأفق.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير