Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركيا تعزز وجودها في كردستان عسكريا وبغداد صامتة

تساؤلات حول إعطاء العراق ضوءاً أخضر لأنقرة ومخاوف من مخطط لبقائها شمال البلاد أطول وقت ممكن

تذهب تحليلات إلى أن النوايا قد تتجاوز مجرد استهداف وتحجيم مسلحي حزب العمال الكردستاني لتشكل تحدياً لبغداد (أ ف ب)

ملخص

كانت منظمة "فرق صناع السلام" الأميركية كشفت عن توغل نحو 300 دبابة تركية في قرى ضمن حدود منطقة بادينان خلال الأسبوعين الماضيين، وقيام الجيش التركي بوضع حواجز أمنية جديدة بهدف إنشاء خط عازل والسيطرة على مناطق جبلية.

منذ أيام تشهد الحدود العراقية-التركية من جهة إقليم كردستان توتراً أمنياً متزايداً مع قيام الجيش التركي بنشر تعزيزات عسكرية داخل الأراضي العراقية ضمن مساعي أنقرة لشن عملية موسعة تستهدف مسلحي "حزب العمال" الكردستاني.

في الوقت ذاته تواجه حكومتا بغداد وأربيل انتقادات حادة لعدم إصدار مواقف رسمية واضحة، وسط بروز تساؤلات حول ما إذا كان الصمت العراقي يعبر عن ضوء أخضر للأتراك، وهل يمكن أن تتجاوز أجندة أنقرة حدود استهداف معارضيها الأكراد داخل الأراضي العراقية؟

مخاوف من التوسع

وكانت منظمة "فرق صناع السلام" الأميركية المعروفة اختصاراً بـ"CPT" كشفت عن توغل نحو 300 دبابة تركية في قرى ضمن حدود منطقة بادينان خلال الأسبوعين الماضيين، وقيام الجيش التركي بوضع حواجز أمنية جديدة بهدف إنشاء خط عازل والسيطرة على مناطق جبلية، مما قد يتسبب في فقدان حكومة أربيل سيطرتها على المنطقة بنحو 70 في المئة، وذلك بعد أشهر من تهديدات متوالية تطلقها أنقرة في شأن عملية "نوعية جديدة وغير مسبوقة" لضرب معاقل معارضيها الأكراد في عمق الأراضي العراقية من جهة إقليم كردستان.

تتعدد القراءات حول المعطيات المحيطة بالتصعيد التركي، لكن بعضها يذهب إلى أن النوايا قد تتجاوز مجرد استهداف وتحجيم مسلحي حزب العمال، لتشكل تحدياً لبغداد في مواجهة اتساع نفوذ أنقرة بإقليم كردستان في حال غياب اتفاق ثنائي صريح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يرى الكاتب والمحلل السياسي كمال رؤوف في الخطوة التركية ضربة لسلطة إقليم كردستان وكيانه قبل أن تكون انتهاكاً للسيادة العراقية واستهدافاً لحزب العمال، لأن التوغل بهذه الصورة يعد تجاوزاً لكل الاعتبارات الأمنية والعسكرية، سواء في الإقليم أو في بغداد، ولا يخفى أن الأتراك يتخذون من العماليين ذريعة لتحقيق غايات أكثر بعداً.

يعتقد رؤوف أن خطر هذا التوتر يفوق العمليات التركية السابقة، مع الأخذ بالاعتبار تفاقم التوتر السياسي والأمني في الإقليم، وحول تفسيره لغياب موقف رسمي عراقي ما يوحي بوجود تفاهم أو اتفاق، قال "قد لا يكون هناك اتفاق متكامل، لكن لا أستبعد أن يكون هناك تفاهم ضمني تغض فيه بغداد الطرف في حال بقي الهدف التركي ضمن نطاق محدد لا يتجاوز الإقليم".

بقاء طويل الأمد

من جانبه أعلن الجيش التركي أول من أمس الخميس، أن عملياته خلال الأسبوعين الماضيين أسفرت عن مقتل 89 عنصراً من حزب العمال، 49 منهم قتلوا في إقليم كردستان، فيما قال الحزب إنه قتل خلال الأيام القليلة الماضية ثمانية جنود أتراك وأصاب أربعة آخرين في إطار عملية تشنها أنقرة باسم "المخلب–القفل" منذ أبريل (نيسان) 2022، وبحسب منظمة "فرق صناع السلام" الأميركية فإن تركيا شنت منذ مطلع العام الحالي أكثر من  1000 هجوم وعملية قصف. 

تبقى الخشية من أن يتجاوز الأتراك المناطق الحدودية نحو استهداف مناطق في عمق الإقليم مثل محافظة السليمانية الخاضعة لنفوذ "حزب الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، الشريك الرئيس في حكومة أربيل التي يقودها نظيره "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني، إذ تتهم أنقرة حزب طالباني بدعم العماليين، وأقدمت منذ أكثر من عام على تعليق رحلاتها الجوية إلى مطار السليمانية في أعقاب توجيه ضربة جوية كانت استهدفت عربة قائد "قوات سوريا الديمقراطية" الموالي للعماليين مظلوم عبدي من دون إصابته.

وتعكس المعادلة المحيطة بملف العماليين تشابكاً في الأجندات، مع إمكان وجود نقاط للتلاقي بين الأطراف الرئيسة، وفق المحلل السياسي كمال رؤوف الذي يعتقد أن "بغداد واقعياً ترغب بإضعاف أربيل، أما أنقرة فلا شك أنها ترغب بتحجيم جميع الأطراف، وربما تتلاقى الحكومات الثلاث عند نقطة أو نقطتين مشتركتين، لكن في المحصلة فإن هذا الصمت الرسمي مؤشر خطر، وبخاصة أن المعلومات تفيد إرسال أنقرة تعزيزات عسكرية ضخمة وإنشاء قواعد ونقاط جديدة".

وأضاف، "بالنظر إلى تاريخ هذا الملف فإنه إذا دخلت أنقرة عسكرياً أية منطقة فإنها لن تغادرها بسهولة، ومن شبه المؤكد أن هذا يعد مؤشراً قوياً على أن الأتراك سيشنون عملية عسكرية موسعة إذا لم تواجه عقبات، لا بل ربما تتجاوز أهدافها المناطق الجبلية نحو قصف منشآت مدنية مثل مطار السليمانية".

تحفظ ونفي

تتفق رؤية المحلل الإستراتيجي والأمني فاضل أبو رغيف مع الاعتقاد بعدم وجود اتفاق سابق قائلاً، "صحيح أن الجانبين أبرما اتفاقات ضمن أطر تعاونية عسكرية قد ترتقي إلى مستوى المناورات، لكنها لا ترقى إلى إعطاء الضوء الأخضر والسماح للأتراك بالتوغل العسكري، وموقف بغداد واضح في رفض أي عمل في هذا الإطار".

وأضاف أن "الجيش التركي اعتاد التهديد السابق والتلويح باستخدام القوة عبر معسكراته في الأرض العراقية، وعبر الطائرات المسيرة التي تستهدف بصورة متكررة تجمعات سكانية وتجارية بحجة وجود العماليين، وأعتقد أن هذه التهديدات تندرج وفقاً للمنظور العسكري والأمني ضمن انتهاك السيادة العراقية، علماً أن الخارجية العراقية كانت قدمت مذكرات احتجاج في هذا الشأن إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة".

وكان مسؤولون في الجيش التركي نفوا في تصريحات لوسائل إعلام محلية مزاعم تفيد إنشاء نقاط تفتيش تركية جديدة داخل قرى عراقية، وقالوا إن تلك النقاط أنشأتها السلطات الأمنية المحلية، مؤكدين وجود محادثات لإنشاء مركز عمليات مشترك مع العراق وفق اتفاق عقد على مستوى رفيع بين الجانبين في وقت سابق.

يؤكد أبو رغيف وجود توجه لتحجيم أو تقليص أنشطة حزب العمال شمال العراق، وإلزامه التقيد بالأعراف والقوانين العراقية النافذة التي تقضي باحترام سيادة البلاد وعدم اتخاذ أراضيه منطلقاً لشن عملية عسكرية ضد دول الجوار"، مستدركاً، "لكن في الوقت نفسه يرفض العراق أن يكون ساحة خلفية لتصفية الحسابات من قبل الدول المجاورة والقوى المناوئة لها".

تفاهم محدود

على رغم أن هذا التطور قد يكون مؤشراً على ذهاب أنقرة نحو تنفيذ تهديداتها بشن عملية موسعة، فإن المحلل والباحث السياسي الكردي ياسين عزيز يرى أن "هذا المسعى قد لا يتحقق بتلك السهولة التي يروج لها الأتراك إذا لم تكن الظروف مؤهلة، وما يحصل يمكن اعتباره بداية تتزامن مع تحرك تركي مماثل على الجانب السوري"، لافتاً إلى أن "العلاقة بين أنقرة وبغداد لم تصل إلى مستوى إبرام اتفاق أمني رسمي على غرار الاتفاق المبرم بين بغداد وطهران لتحجيم أنشطة القوى الكردية المناوئة لإيران الموجودة في إقليم كردستان".

واستدرك، "لكن من الواضح أن هناك نوعاً من التفاهم حول وجود مصالح مشتركة في ملفات عدة بين بغداد وأنقرة، وكذلك مع أربيل التي ترتبط بصلات وثيقة مع الأتراك أكثر من بغداد، ويطمح الأتراك من خلال هذا التفاهم إلى أن يصرف الجانب العراقي النظر عن تنفيذهم بعض الأنشطة العسكرية، سواء في شن هجمات أو توسيع الانتشار في الإقليم".

وكانت أنقرة أخفقت قبل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة بغداد أبريل الماضي، في إقناع الحكومة العراقية بتصنيف حزب العمال ضمن المنظمات الإرهابية، واكتفى مجلس الأمن القومي العراقي حينها باعتبار الحزب "منظمة محظورة"، ووفق تصريحات سابقة لقائد قوات الحدود العراقية الفريق محمد السعيدي فإن الجانب العراقي يعمل منذ مدة على إنشاء مركز تنسيق مشترك مع الأتراك، وبناء مخافر على الشريط الحدودي، وضبط الحدود الفارغة.

في هذا الإطار يشير الباحث السياسي الكردي ياسين عزيز إلى وجود انقسام عراقي حول الموقف من حزب العمال، حيث قال إن "بعض القوى السياسية، ومنها المنضوية في قوات (الحشد الشعبي) الشيعية الموالية لإيران، ترتبط بعلاقات ومصالح إستراتيجية مع العماليين، وتعتبرهم ضمن المصالح الإستراتيجية المتوافقة مع المصالح الإيرانية. لذا فهي تمارس ضغوطاً على حكومة بغداد للعمل تجاه الحد من النشاط العسكري التركي".

وختم بالقول إن "حكومة بغداد ضمن هذا الواقع قد لا تجرؤ على الدخول في اتفاق صريح مع الأتراك، لكن بإمكانها غض الطرف عن بعض العمليات العسكرية التركية كما نلاحظ الآن".

المزيد من تقارير