Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شركاء أميركا الآسيويون غير مدركين بعد لخطر ترمب

كيف يمكن لعودته أن تزعزع استقرار المنطقة؟

المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترمب في حملة انتخابية في فيلادلفيا، يونيو 2024 (رويترز)

ملخص

الاعتقاد الذي يحمله الحلفاء بأنهم يستطيعون استغلال ولاية ترمب الثانية لصالحهم هو غير صحيح. يفترض المسؤولون أنهم سيواجهون محاورين ذوي خبرة مماثلة في البيت الأبيض كما في الولاية السابقة، ولكن من غير المحتمل أن يعود هؤلاء المخضرمون، ومن المرجح أن يفضل ترمب الولاء على الخبرة عندما يختار أعضاء حكومته وفريق الأمن القومي.

لا يمكن للمرء أن يجري حواراً سياسياً في العواصم الآسيوية اليوم من دون أن ينجذب إلى نقاش حول العودة المحتملة لدونالد ترمب إلى البيت الأبيض. حتى إن اليابانيين ابتدعوا عبارة "موشي-تورا" (إن كان ترمب)، للتعبير على نحو مختصر عن التساؤل "ماذا سيحدث إذا فاز ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني)؟" تنتشر التخمينات على نطاق واسع حول مدى اختلاف ولاية ترمب الثانية عن ولاية جو بايدن الأولى، التي ركزت واشنطن فيها على تعزيز الشراكات وبناء التحالفات لمنافسة الصين اقتصادياً وتدعيم الردع الخاص بتايوان.

لقد كان ترمب صريحاً في رغبته بإعطاء الأولوية لمصالح أميركا الذاتية الضيقة والقيام بأقل ما يمكن لمساعدة شركاء بلاده. ومع ذلك، يبدي عديد من المحللين والقادة السياسيين الآسيويين نوعاً من الهدوء تجاه فكرة تولي ترمب فترة رئاسية ثانية. فخلال السنوات الأربع الماضية، حقق الكونغرس الأميركي بعض الإجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في ما يتعلق بتعزيز التحالفات [مع دول آسيوية]، وتنويع سلاسل الإمداد، وحماية الأسواق الأميركية من المنافسة الصينية، ولهذا يأمل بعض القادة في آسيا أن يقوم المشرعون العقلاء بتوجيه سياسات ترمب [في حال إعادة انتخابه]. ويعتقد آخرون أنه لكونهم قد استطاعوا التعامل مع ترمب المتقلب خلال ولايته الأولى بنجاح نسبي، فإن بإمكانهم أن يفعلوا ذلك مرة أخرى.

غير أن هذه الثقة ليست في محلها. فمن المرجح أن تسبب إدارة ترمب الثانية اضطراباً أكبر بكثير مما كانت إدارته الأولى قد أحدثته. في ولاية ترمب الأولى، تم التخفيف من حدة أكثر غرائزه السياسية الخارجية تطرفاً بفضل أشخاص من أصحاب الخبرة تم تعيينهم في إدارته، بيد أن هذه الشخصيات لن تكون حاضرة في ولاية رئاسية ثانية. إذا حصل ترمب على فرصة ثانية في الرئاسة، فعلى الغالب أنه سينظر أكثر من ذي قبل إلى الحلفاء على أنهم خصوم تجاريون، ويقلل من التأثير العسكري الأميركي على مستوى العالم، كما سيقيم صداقات مع قادة الأنظمة الاستبدادية، ويتحدى الأنظمة التي ضمنت حتى الآن عدم انتشار الأسلحة النووية في آسيا. وسيتعين على أولئك الذين تربطهم بواشنطن شراكات أمنية في آسيا إلى أن يصبحوا أكثر اعتماداً على أنفسهم بغية الدفاع [عن مصالحهم]، إذ ستتحول أميركا إلى لاعب ذي مصلحة ذاتية يتوقع ثمناً مقابل ما يفعله بدلاً من الراعي المحب للخير الذي دعم طويلاً النظام الليبرالي في المنطقة. يجب على كل حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بما في ذلك الأصدقاء المقربون مثل أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، أن يستفيقوا إلى حقيقة أن عهداً ثانياً لترمب سيحمل مفاجآت جديدة وتحديات صعبة.

شرط الانقضاء

لكي نكون منصفين، تحاول الحكومات الآسيوية الاستعداد لرئاسة ترمب الثانية. تعج قاعات المؤتمرات في عواصم المنطقة من سيول إلى مانيلا، بفرق الخبراء ممن يمضون في التكهن بطبيعة سياسات ولايته الثانية. كما أن المسؤولين السابقين ممن عملوا لدى ترمب والمرشحين المحتملين للالتحاق بإدارته، هم أبرز المتحدثين في إطار المؤتمرات التي تقام في آسيا. فضلاً عن ذلك، أنشأت سفارات الدول الآسيوية في واشنطن وحدات خاصة للبحث في السياسات من أجل تغطية حملات الانتخابات الرئاسية والتعرف إلى أعضاء فريق الخبراء لدى ترمب وإقامة صداقات معهم.

في بعض الحالات، تحاول الدول الآسيوية استباق الخلافات السياسية مع رئاسة ثانية لترمب. فالحكومتان اليابانية والكورية الجنوبية، على سبيل المثال، بدأتا عملية إعادة التفاوض على اتفاقيات تقاسم الأعباء الدفاعية القائمة لتجنب الاضطرار إلى التعامل مع مطالب أعلى بكثير، قد تضيف مليارات الدولارات، والتي قد يفرضها ترمب عليهما. في هذه الأثناء، يتسابق المسؤولون في البيت الأبيض لإضفاء الطابع المؤسسي على الاتفاقيات المتعددة الأطراف، مثل الترتيبات الدفاعية والاقتصادية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية التي انبثقت عن قمة كامب ديفيد الرئيسة عام 2023، والاتفاق الأمني الثلاثي بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الذي يتعلق بالغواصات التي تعمل بالطاقة النووية (المعروف باسم AUKUS)، وإطار العمل الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ والذي يهدف إلى بناء سلاسل إمداد أكثر مرونة، والتحالف الثلاثي بين ديمقراطيات المحيط الهادئ بين اليابان والفيليبين والولايات المتحدة، لكي لا يتمكن ترمب من التراجع عنها.

إن بذل هذا الجهد يبدو منطقياً. فخلال فترة ولايته الأولى، تحرك ترمب لتمزيق الاتفاقيات التي اعتبر أنها "خدعت" الولايات المتحدة. في أول يوم لإدارته، انسحب من اتفاق الشراكة الاقتصادية الشاملة للمحيط الهادئ، كما كان مهووساً بالعلاقة بين الولايات المتحدة وحلفاء اعتبر أنهم يستفيدون من الضمانات الأمنية الأميركية بينما كانوا يسلبون الولايات المتحدة اقتصادياً بفوائض تجارية. حتى إنه كان يشترط أن تبدأ جميع أوراق الإيجاز، التي يجري إعدادها له تحضيراً لاجتماع أو مكالمة مع قادة العالم، بالإفادة بما إذا كان لبلد ذلك القائد فائض تجاري مع الولايات المتحدة.

على رغم ذلك، تأقلم القادة الآسيويون مع هذه الحالة من عدم الاستقرار من طريق استغلال غرابة أطوار ترمب لتحقيق أهدافهم السياسية الخاصة. على سبيل المثال، أقام رئيس الوزراء الياباني آبي شينزو صداقة مع ترمب خلال الفترة الانتقالية بين انتخاباته عام 2016 وتنصيبه عام 2017، ثم استخدم دعوات ترمب لتقاسم كلف الدفاع بصورة كبرى من قبل الحلفاء الذين يتعاونون في مجال الأمن لدفع جهود إعادة تسليح اليابان على رغم وجود معارضة محلية. واستخدم الرئيس الكوري الجنوبي مون جيه افتتان ترمب بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون لاتباع استراتيجية انخراط مع كوريا الشمالية. واستفاد أصحاب الموقف المتشدد ضد الصين من هوس ترمب بفائض التجارة لمواصلة السعي إلى تطبيق سياسات للحد من القدرة التنافسية للصين في كل مجالات الأمن والاقتصاد. وفي الجوهر، حول القادة الآسيويون التحديات إلى فرص.

التحدي المعقد

إن اعتقاد الحلفاء بأن في استطاعتهم استغلال ولاية ترمب الثانية بصورة فعالة لصالحهم، هو في غير محله. في المقام الأول، إن المسؤولين الذين يتصورون أنه يمكنهم التعامل مع رئاسة ترمب الثانية بالكفاءة نفسها التي تعاطوا بها مع الأولى، يفترضون بصورة خاطئة أنهم سيجدون في البيت الأبيض محاورين للتعامل معهم من ذوي الخبرة المماثلة [لأولئك الذين كانت لهم علاقات معهم في ولايته السابقة]. إلا أن ترمب ملأ إدارته، خلال ولايته الأولى، بعدد من صناع السياسات أصحاب الخبرة الذين كانوا قد خدموا في إدارات جمهورية سابقة. ومن المستبعد أن يعود هؤلاء المخضرمون إلى الخدمة. ومن المرجح بصورة كبرى أن يسقط ترمب التجربة والخبرة من حسابه ويبحث بدلاً من ذلك عمن يتوفر فيهم الولاء عندما يختار أعضاء حكومته وفريق الأمن القومي لديه.

إن المبدأ الذي يهتدي به ترمب في السياسة الخارجية ليس الدفاع عن الحرية، أو القيم الديمقراطية، أو النظام الدولي القائم على القواعد. عوضاً عن ذلك، فإن ما يحرك ترمب بصورة أساسية هو غرائزه التجارية والأنانية. ومن المؤكد أنه سيزعم أن الولايات المتحدة لا تتحمل أي مسؤولية عالمية. وسيتعامل مع حلفاء بلاده التاريخيين ليس بوصفهم شركاء، وإنما كأعداء تجاريين، وسيسعى إلى إقامة علاقات صداقة مع الزعماء المستبدين المعادين مثل كيم، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والرئيس الصيني شي جينبينغ. وعلى رغم أن هذه التصرفات قد تبدو مألوفة، فإن ولاية ثانية لترمب ستكون مزعجة بصورة خاصة لحلفاء الولايات المتحدة في آسيا لأن السياق الجيوسياسي قد تغير منذ عام 2016. فقد أعاد الرئيس بايدن الثقة مع الحلفاء الرئيسين كما أنه دعم التحالفات الجديدة والمبادرات التعاونية بين دول المنطقة. تشمل هذه القائمة الطويلة من المبادرات التي قام بها تحسين تكامل القوة بين الجيشين الأميركي والياباني، وتعزيز قوة الردع الأميركية في شبه الجزيرة الكورية، وتوفير ترتيبات عسكرية أميركية جديدة في أستراليا والفيليبين، وزيادة قدرة الولايات المتحدة على مساعدة تايوان في الدفاع عن نفسها، وإجراء ترتيبات جديدة [لتقوية] سلسلة التوريد مع عديد من الحلفاء.

وبصرف النظر عن الدرجة التي يتم بها جعل هذه التطورات مؤسسية فإن هذا التحول لن يجعلها حصينة من عبث ترمب. على سبيل المثال، يتمتع ترمب بالسلطة التنفيذية لإلغاء إطار العمل الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، والذي عزز سلفاً مشاريع الطاقة النظيفة، وإزالة الكربون، والبنية التحتية، ومرونة سلسلة التوريد في آسيا. وهو سيسعى على الغالب أيضاً إلى إعادة التفاوض في شأن أي اتفاقيات قائمة لتقاسم كلف الدفاع على أساس أن الصفقات التي أبرمها بايدن قد سمحت للحلفاء بخداع الولايات المتحدة.

إن كلاً من الولايات المتحدة وآسيا حالياً في وضع مختلف عما كانتا عليه عام 2016

 

ولن يكون ترمب سعيداً بوضع التجارة بين الولايات المتحدة وآسيا. إن لدى سبعة من أصل ثمانية من الحلفاء والشركاء الأساسيين للولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ (الهند واليابان ونيوزيلندا والفيليبين وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند) في الوقت الراهن فوائض تجارية في السلع مع الولايات المتحدة، تزيد قيمتها على 200 مليار دولار (نحو 158 مليار جنيه استرليني). وباعتبار أن ترمب لم يتمكن من التخلص من [الفوائض] في ولايته الأولى، فسيركز جهوده أكثر على الحد من هذه الاختلالات، متصوراً أن حلفاء الولايات المتحدة يتلاعبون بها كما لو كانت مغفلة. كما أن اقتصادات جنوب شرقي آسيا الأصغر حجماً التي تتمتع بفوائض تجارية، مثل فيتنام (103 مليارات دولار) وماليزيا (25 مليار دولار)، لن تكون في منأى أيضاً [من المحاسبة]. وربما يفرض ترمب رسوماً جمركية بنسبة 10 في المئة أو أكثر على جميع حلفاء الولايات المتحدة، بغض النظر عن عشرات المليارات من الدولارات التي استثمرتها هذه الدول أخيراً في الولايات المتحدة لبناء سلاسل توريد مرنة. وإلى جانب تأثيرها الاقتصادي، فإن هذه الرسوم ستوجه رسالة إلى جميع الحلفاء مفادها أن الولايات المتحدة تعتني بنفسها فقط ولم يعد من الممكن الاعتماد عليها كراع.

وسيحاول ترمب على الأرجح متابعة جهود بايدن من أجل بناء سلاسل توريد جديدة لرقائق أشباه الموصلات، مدعياً، وهو على حق في ذلك، أن الانفصال عن الصين في عالم التكنولوجيات الناشئة كان فكرة إدارته. ومن شبه المؤكد أنه سيزيد من الرسوم الجمركية التجارية الأميركية الكبيرة سلفاً بموجب المادة 301 ضد الصين، وربما يؤدي ذلك إلى شن حرب تجارية شاملة. وقد يفكر حتى في تعليق العلاقات التجارية الطبيعية الدائمة مع الصين. غير أن الطريقة التي يواصل بها ترمب اتباع هذه السياسات الاقتصادية ستكون معقدة بسبب انجذابه الشخصي للحكام المستبدين والزعماء الأقوياء. ولا يستطيع ترمب مقاومة العروض التلفزيونية العالمية الرائعة التي توفرها اجتماعات القمة بينه وبين كيم وبوتين وشي جينبينغ. والمؤكد أنه سيتحدث بصورة إيجابية عن علاقته مع كل واحد من هؤلاء الرجال حتى مع تصاعد التوترات في شأن التجارة، بيد أن سلوكه سيضع على الغالب شي جينبينغ في موقف أقوى: فإذا سعى ترمب إلى التوصل إلى اتفاق مع بوتين في شأن أوكرانيا، سينتهز شي الفرصة من أجل توسيع التعاون الصناعي والدفاعي بين الصين وروسيا في حين يبدو وكأنه يعمل على استقرار العلاقات مع الولايات المتحدة. والمرجح أن يدفع هذا النوع من الصفقات حلفاء الولايات المتحدة في آسيا إلى التحوط بدلاً من التقرب من الولايات المتحدة اقتصادياً أو عسكرياً.

استغلال النفوذ

عندما يتعلق الأمر بالأمن، من الممكن لويليام لاي، رئيس تايوان الجديد، أن يكون واثقاً إلى حد ما من أن القليل من التغييرات لن تتغير على السطح. [لا يقترب من جوهر العلاقات]. سيستمر الكونغرس الأميركي في دعم الردع والدفاع في الجزيرة. وسيؤيد ترمب أيضاً الدفاع عن تايوان، كما سيدعو إلى زيادة الإنفاق الدفاعي من جانب تايبيه، ويستمر في بيع الأسلحة لتايوان وفقاً لقانون العلاقات معها. حتى إن بعض من يحتمل أن يقوم بتعيينهم في المستقبل قد قالوا إنهم يعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تفكر في التعهد بالتزامات أمنية رسمية وعلاقات دبلوماسية مع تايوان، والابتعاد عن الغموض الاستراتيجي.

بيد أن أي الاستمرارية الظاهرية في سياسة الولايات المتحدة تجاه تايوان لن ينبع من اعتقاد ترمب بأن تايوان هي منارة الديمقراطية التي تحتاج إلى دعم من الولايات المتحدة، بل من استعداده لاستخدام الجزيرة كورقة مساومة محتملة مع الصين. لذا فإن من غير الممكن التنبؤ بسياسة ترمب في تايوان بصورة أساسية. وفي مقابلة مع عدد أبريل (نيسان) من مجلة "تايم"، سئل ترمب ما إذا كان سيدافع عن تايوان إذا غزتها الصين. ولم يرد بالإيجاب. وقال "لقد تم طرح هذا السؤال عليَّ مرات عدة، ودائماً ما كنت أرفض الإجابة عنه، لأنني لا أريد الكشف عن أوراقي". ويشير هذا إلى أن ترمب يستمتع باستعمال عدم القدرة على التنبؤ في شأن قضية تايوان كصورة من صور الضغط على شي جينبينغ. وإذا باع ترمب تايوان في صفقة ما مع الصين، فمن الممكن أن يشعر أي حليف له بأن دوره سيأتي بعدها.

وعلى رغم أن ترمب قد يستعمل، خلال ولايته الثانية، الكلمات المناسبة لوصف تضامن الولايات المتحدة مع حلفائها الآسيويين، فهو سيصر بصورة متزايدة على أنه يريد من حلفاء الولايات المتحدة أن يدفعوا أكثر ومن الولايات المتحدة أن تدفع أقل. وقال لمجلة "تايم" "إذا لم تدفعوا، فستكونون بمفردكم". ويكاد يكون من المؤكد أنه سيرغب في إلغاء مساهمة الولايات المتحدة في أي مناورة عسكرية مشتركة ما لم يكن الشركاء المتحالفون على استعداد لدفع كلفة المناورة برمتها. وقد تكون النتيجة بنية تحالف تبدو أنها على حالها من دون تغيير. فعلى سبيل المثال من المؤكد تقريباً أن تستمر قمة كامب ديفيد الثلاثية بين الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، في الوجود. إلا أن هذا التحالف سيكون معرضاً لخطر الإفراغ من محتواه.

ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان ترمب سيدعم مشروع الغواصة النووية والتكنولوجيا الأسترالية الجديد، وما إذا كان سيرغب في دفع كلف الوجود العسكري الأميركي الجديد الذي تم التخطيط له في غرب أستراليا. ومن خلال المطالبة بمليارات الدولارات على شكل مدفوعات تقاسم الكلف من اليابان ومن خلال وقف تمويل التدريبات العسكرية، يمكن أن يقوض ترمب أيضاً استثمارات اليابان التي تشكل نقطة تحول في موقفها العسكري، بما في ذلك الإنفاق الدفاعي المتزايد والتكامل العملياتي لقواتها والقوات الأميركية المتمركزة هناك. كما قد يؤدي فرض الرسوم الجمركية التجارية الجديدة على اليابان أيضاً إلى خلق مشهد سياسي سيئ مع هذا الحليف المخلص للولايات المتحدة منذ وقت طويل. حتى إن ترمب قد يفصل الولايات المتحدة بصورة مباشرة عن المخاوف الأمنية لليابان من خلال القول إنه لن يدعم طوكيو في صراعها مع بكين حول جزر سينكاكو (المعروفة باسم جزر دياويو في الصين) أو في حال سقوط صواريخ بيونغ يانغ عليها. وكان آبي معروفاً باسم "الهامس لترمب"[أي القادر على تهدئته]، ولكن كان لقدرته على إدارة ترمب كلفة باهظة من جهة إحساس اليابان بالإنصاف في علاقتها مع الولايات المتحدة وأيضاً شعور آبي الشخصي بالكبرياء. وليس من الواضح ما إذا كان رئيس وزراء اليابان الحالي، فوميو كيشيدا، أو خليفته قادراً، أو راغباً بالقيام بالشيء نفسه.

تفاعل متسلسل

من الممكن أن تؤدي ولاية ترمب الرئاسية الثانية إلى تغيير جذري في شبه الجزيرة الكورية. إن الطبول التي تقرعها بصورة متزايدة اختبارات الصواريخ الباليستية الكورية الشمالية هذا العام ستضع ترمب في موقف مماثل لذاك الذي واجهه عام 2017. ولكن من المستبعد أن يرد بالتهديد بإمطار كيم "بالنار والغضب". ويبدو أنه، بدلاً من ذلك، يفكر سلفاً في إصلاح نهجه تجاه كوريا الشمالية، مع إعطاء الأولوية لعقد اتفاق مع كيم من أجل وقف التجارب النووية مقابل رفع العقوبات الأميركية.

يمكن لكوريا الشمالية أن تبرم الصفقة من خلال عرض قيامها بشكل أقل أهمية من أشكال نزع السلاح النووي، ولكنه ملموس، مثل تسليم كمية محدودة من المواد الانشطارية أو جهاز نووي من الجيل الأول، يمكن لترمب أن يتباهى به. فهو يحب الانتصارات السهلة. وبوسعه أن يصر على أنه "انتصر" ونجح في تحييد التهديد النووي الكوري الشمالي، من دون نزع ترسانة كيم الضخمة من الصواريخ الباليستية القصيرة المدى، والصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت، وصواريخ كروز، والأسلحة النووية التكتيكية.

وقد يسحب ترمب بعد ذلك أيضاً الجنود الأميركيين من كوريا الجنوبية. وإن رغبته في القيام بذلك (علاوة على إعادة القوات الأميركية من أوروبا وأجزاء أخرى في آسيا) راسخة. وقد ادعى في وقت مبكر من عام 1990، في مقابلة أجرتها معه مجلة "بلاي بوي"، أن كوريا الجنوبية غنية للغاية وتستغل وجود القوات الأميركية هناك. وكثيراً ما كرر هذا الادعاء في العقود التي تلت ذلك. وحذر مستشاره السابق للأمن القومي، جون بولتون، في مذكراته من أنه "يخشى أن التهديد النهائي الذي يمثله ترمب، وهو سحب قواتنا من أي دولة لا تدفع ما يعده مبلغاً كافياً، كان حقيقياً في حالة كوريا الجنوبية".

سوف ينمو نفوذ الصين في آسيا إذا أصبحت الولايات المتحدة مجرد لاعب آخر في المنطقة ينتظر ثمناً مقابل ما يفعله فيها

 

ويكاد يكون من المؤكد أن يؤدي مثل هذا السيناريو إلى جعل شبه الجزيرة الكورية بأكملها منطقة نووية. إن غالبية الشعب الكوري الجنوبي تدعم سلفاً وبقوة تطوير الأسلحة النووية، إلا أن هذا الحماس يقابله نفور من التسلح النووي في أوساط النخب الاستراتيجية في البلاد، أي شخصيات مثل الأكاديميين، وخبراء المؤسسات البحثية، وقادة الأعمال والسياسة. ولكن في استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مارس (آذار) 2024 لأعضاء هذه النخب، اتفق معظم المشاركين على أن وجهات نظرهم في شأن عدم حيازة الأسلحة النووية ستتغير إذا تراجعت الولايات المتحدة عن التزاماتها تجاه أمن كوريا الجنوبية.

وإذا أطلقت كوريا الجنوبية برنامجاً للأسلحة النووية، فإن هذا من شأنه أن يوفر للصين وكوريا الشمالية حوافز خطرة لمحاولة اكتساب قدرات أكبر منها سلفاً. ومن الممكن أن يؤدي تحول كوريا الجنوبية إلى تطوير أسلحة نووية تقليداً ينتشر على نطاق أوسع. فقد أبدت ميانمار، على سبيل المثال، اهتماماً بتخصيب اليورانيوم وتصاميم الأسلحة النووية لكوريا الشمالية. وعلى رغم أن اليابان تتبنى حالياً معايير غير نووية، فإن البلاد تملك أيضاً نحو 50 طناً من المواد الانشطارية في متناول يدها، وهو ما يكفي لصنع 5 آلاف سلاح نووي. وقد لا ترغب تايوان في استبعادها من النادي النووي أيضاً.

ومن الممكن أن تحقق سياسات ترمب نتائج يعتقد بعض الأميركيين أنهم يريدونها: وهي عجز تجاري أصغر، وبصمة عسكرية موحدة تركز بصورة أكثر وضوحاً على الصين، وتسوية موقتة مع الفواعل المارقين مثل كيم، ودفع الحلفاء حصة كبرى من الكلف. إلا أن نفوذ الصين في آسيا سينمو حتماً إذا أصبحت الولايات المتحدة مجرد لاعب آخر في المنطقة ينتظر ثمناً مقابل ما يفعله فيها. ويمكن لحلفاء الولايات المتحدة الآسيويين أن يستعدوا بشكل أفضل لعهد ترمب الثاني من خلال زيادة إنفاقهم الدفاعي، وتسليط الضوء على استثماراتهم في سلاسل التوريد الأميركية، والتي تساعد في خلق فرص العمل في الولايات المتحدة، والتأكيد من جديد على ضرورة أن تظل الولايات المتحدة قوة مهيمنة إقليمية ومحبة للخير. ويجب عليهم أن يعملوا بشكل منسق: فحتى لو تمكن أحد حلفاء الولايات المتحدة في آسيا من إقامة علاقات ثنائية مستقرة مع ترمب، فإن تدهور صلات الولايات المتحدة مع الدول المحيطة من شأنه أن يضع أمن المنطقة العام في حالة من عدم الاستقرار، بيد أن الأمر الأكثر أهمية هو أن يدرك القادة الآسيويون أنه بغض النظر عن مدى محاولتهم مداعبة غرور ترمب، فعلى الغالب ستكون الرحلة أكثر وعورة ولا يمكن التنبؤ بتفاصيلها في المرة الثانية.

• فيكتور تشا هو أستاذ العلوم الحكومية في جامعة جورج تاون والنائب الأول للرئيس لشؤون آسيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. وهو مؤلف مشارك مع رامون باتشيكو باردو لكتاب كوريا: تاريخ جديد للجنوب والشمال.

مترجم عن "فورين أفيرز" 26 يونيو 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء