Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفوسفور الأبيض يشعل هواجس مزارعي لبنان

قلقون من تلوث حقولهم بسبب القصف الإسرائيلي ويرسلون عينات من التربة إلى مختبر في بيروت لتحليلها

"أريد أن أعرف كيف سأطعم ابني وامرأتي. كيف أطعم نفسي" (رويترز)

ملخص

وفقاً للمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، وقع 175 هجوماً إسرائيلياً على جنوب لبنان باستخدام الفوسفور الأبيض منذ ذلك الحين، وأدى عديد منها إلى إشعال حرائق ألحقت الضرر بأكثر من 1480 فداناً من الأراضي الزراعية.

وطأ المزارع اللبناني زكريا فرح حقوله الواقعة على مشارف بلدة القليعة بجنوب البلاد آخر مرة في يناير (كانون الثاني) الماضي، ولكن ليس لزراعتها. فبينما كانت أصوات القصف تدوي على مسافة بعيدة، دس يديه بسرعة في التربة لجمع عينات يمكن أن تحدد مستقبل عائلته.

بعد أن عبأ التربة في أكياس أرسل فرح (30 سنة) ست عينات إلى مختبر في الجامعة الأميركية في بيروت لفحصها بحثاً عن بقايا الفوسفور الأبيض الناجم عن القصف الإسرائيلي، على أمل أن يعرف ما إذا كان بوسعه زراعة أرضه عندما تنتهي الأعمال القتالية.

وقال لـ"رويترز" في يونيو (حزيران) الماضي، "أريد أن أعرف كيف سأطعم ابني وامرأتي، كيف أطعم نفسي". متابعاً، "نحن خائفون على مستقبل أراضينا".

وأضاف فرح، أنه يخشى أن تكون حقوله قد تسممت جراء استخدام الجيش الإسرائيلي الفوسفور الأبيض منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما بدأ تبادل إطلاق النار بين إسرائيل وجماعة "حزب الله" اللبنانية، تزامناً مع الحرب في قطاع غزة، مؤكداً أن عشرات المزارعين في جنوب لبنان قلقون مثله.

ضد الإنسان والبيئة

وفقاً للمجلس الوطني اللبناني للبحوث العلمية، وقع 175 هجوماً إسرائيلياً على جنوب لبنان باستخدام الفوسفور الأبيض منذ ذلك الحين، وأدى عديد منها إلى إشعال حرائق ألحقت الضرر بأكثر من 1480 فداناً من الأراضي الزراعية.

وذخائر الفوسفور الأبيض ليست محظورة بوصفها سلاحاً كيماوياً، ويمكن استخدامها في الحروب لصنع سواتر من الدخان أو تحديد الأهداف أو حرق المباني، لكن نظراً إلى إمكانية تسببها في حروق خطرة ونشوب حرائق، فإن الاتفاقات الدولية تحظر استخدامها ضد الأهداف العسكرية الواقعة وسط المدنيين.

ولبنان طرف في تلك البروتوكولات الدولية، لكن إسرائيل ليست كذلك.

 

 

وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في يونيو الماضي، إنها تحققت من استخدام الفوسفور الأبيض في ما لا يقل عن 17 بلدية في جنوب لبنان منذ أكتوبر، "خمس منها استخدمت فيها الذخائر المتفجرة جواً بصورة غير قانونية فوق مناطق سكنية مأهولة".

ورداً على أسئلة من "رويترز" قال الجيش الإسرائيلي، إن "قذائف الدخان الأساسية" التي استخدمها لا تحوي الفوسفور الأبيض. مضيفاً أن قذائف الدخان التي تحوي تلك المادة يمكن استخدامها لصنع سواتر دخانية، وأنه "يستخدم فقط وسائل الحرب المشروعة".

ووفقاً لتقرير أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في ديسمبر (كانون الأول) 2023 في شأن لبنان، فإن الفوسفور الأبيض سام للغاية ويشكل "أخطاراً مستمرة لا يمكن التنبؤ بها مع استمرار النيران التي يسببها وتصعب السيطرة عليها لوقت طويل، مما يسفر عن أخطار جسيمة على صحة وسلامة الإنسان والبيئة".

وقال البرنامج إن جودة التربة في منطقة الصراع بجنوب لبنان تضررت من انتشار المعادن الثقيلة والمركبات السامة، بينما أدى "استخدام الفوسفور الأبيض إلى خفض خصوبة التربة أكثر وزيادة حموضتها".

موسم الحصاد الخطر

يعتقد فرح ومزارعون آخرون أنهم فقدوا بالفعل دخلاً كان يمكن أن يصل إلى 7 آلاف دولار، لأن القصف المستمر جعل زراعة أو حصاد القمح والتبغ والعدس وغيرها من المحاصيل في المواسم المعتادة أمراً بالغ الخطورة.

وقال عدي أبوساري وهو مزارع من بلدة الضهيرة في جنوب لبنان، إن الفوسفور الأبيض أحرق أيضاً القش الذي جمعه من أجل الماشية، وكذلك أنابيب الري البلاستيكية في حقوله.

وأضاف أبو ساري، "سأضطر إلى البدء من الصفر، لكن أول شيء يجب أن أعرف إذا كانت الأرض صالحة للزراعة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى يعرفوا ما إذا كان الفوسفور الأبيض قد ترك أثراً دائماً على تربتهم، يحفر المزارعون لأخذ عينات يرسلونها إلى رامي زريق، كيماوي التربة في الجامعة الأميركية في بيروت.

طور زريق بروتوكول بحث لجمع العينات وفحصها. فأولاً تُجمع تربة تبعد مسافات مختلفة عن موقع القصف، ومنها عينة "ضابطة" من موقع يبعد 500 متر، بحيث لا تكون قد تأثرت بصورة مباشرة بالضربة.

وفور وصولها إلى مختبره تتم غربلة التربة وخلطها بالحمض وتعريضها للحرارة والضغط العاليين. ويضاف محلول لإظهار تركيز الفوسفور، بحيث تمثل شدة اللون في النتيجة نسبة الفوسفور. وتتم بعد ذلك مقارنة تلك العينة بالعينة الضابطة، التي تمثل معياراً للفوسفور الموجود بصورة طبيعية في التربة.

وقال زريق لـ"رويترز"، "ما نبحث عنه هو ما يحدث للتربة والنباتات في المواقع التي تعرضت لقصف بالفوسفور الأبيض. هل يبقى الفوسفور، وبأية تركيزات، هل يختفي؟".

وقالت مساعدته طالبة الدكتوراه لين ديراني إنها اختبرت حتى الآن عينات من أربع بلدات بهذه الطريقة، لكنهم في حاجة لمزيد من العينات "للوصول لنتيجة حاسمة".

مستوى الإبادة البيئية

لكن الوتيرة المستمرة للقصف الإسرائيلي على جنوب لبنان، وبخاصة الحقول الزراعية التي يتهم مقاتلو "حزب الله" باستخدامها غطاء، جعلت المزارعين غير مستعدين للمغامرة بالخروج إلى هناك لجمع مزيد من العينات. وبعضهم مثل أبوساري غادر لبنان وينتظر في الخارج انتهاء الحرب.

 

 

ويوثق آخرون الأمر من خلال لقطات مصورة. وصور فريق جمعية "الجنوبيون الخضر"، الذي يضم مجموعة من علماء البيئة ومحبي الطبيعة في جنوب لبنان، وقائع عدة للقصف أظهرت العلامات الواضحة لهجمات الفوسفور الأبيض، وهي عشرات الخيوط ذات اللون الأبيض وهي تنفجر من ذخائر فوق الأراضي الزراعية.

وقال رئيس الجمعية هشام يونس لـ"رويترز"، إن "الكثافة المخيفة" للهجمات تصل إلى مستوى الإبادة البيئية، أي التدمير واسع النطاق للبيئة الطبيعية على أيدي البشر، عمداً أو من طريق الإهمال.

وأضاف يونس أنه نظراً إلى التأثيرات المحتملة على التربة ومخزون المياه وحتى الأشجار القديمة، فإننا "نحكي عن إصابة عميقة للنظام الطبيعي. التداعيات مضاعفة".

وتعمل وزارتا البيئة والزراعة في لبنان مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لتحديد حجم تلك التداعيات، على أمل استخدام أية وثائق أو نتائج مخبرية لرفع شكاوى إلى الأمم المتحدة.

وقال وزير البيئة اللبناني ناصر ياسين لـ"رويترز"، "هذا عمل من أعمال الإبادة البيئية، وسنرفعه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

وردا على أسئلة من "رويترز"، قال الجيش الإسرائيلي إن اتهامات الإبادة البيئية "لا أساس لها من الصحة على الإطلاق".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير