Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مدارس غزة خيم قماشية

تقول المعلمة راما "عندما يقع انفجار قوي نحضن بعضنا بعضاً كي نخفف التوتر وبعد ذلك أتابع الدرس"

ملخص

حصة دراسية لا تخلو من سماع هدير طائرات الاستطلاع الإسرائيلية والانفجارات التي يحدثها الجيش قرب المدرسة

عند التاسعة صباحاً جلس التلاميذ الصغار الملتحقين بالخيمة التعليمية على مقاعدهم الدراسية الملونة الزاهية، وبمجرد ما ألقت عليهم المعلمة راما التحية ردوا جميعهم بصوت واحد: "أهلاً بك نحن مستعدون للعودة للتعليم من جديد".

نشاط وترفيه

في الخيمة القماشية صغيرة المساحة نشط الأطفال عندما بدأت المعلمة راما تكتب على سبورة صغيرة كلمات باللغة العربية وتطلب من التلاميذ قراءتها بصوت مرتفع، فرفع التلاميذ أيديهم لتختار من بينهم معلمتهم طالباً يقرأ كلمة "فلسطين".

هذه المرة الثالثة التي يجتمع فيها الأطفال داخل "الخيمة التعليمية"، فقد التقوا سابقاً عندما تبنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) مشروع تعليم أطفال غزة على رغم الحرب، حينها جاء الطلاب مع ذويهم لتسجيل أسمائهم في الخيم التعليمة.

والمرة الثانية كانت عندما انطلقت العملية التعليمة بشكل رسمي، ووقتها كان لقاء تعارفي وترفيهي هدفه التفريغ النفسي عن الصغار المرهقين من الحرب، وبعدها بدأ المعلمون والمعلمات ورشة مراجعة معلومات هؤلاء التلاميذ التي اكتسبوها قبل اندلاع الحرب.

خلفية معلوماتية

في بداية سبتمبر (أيلول) كل عام ينطلق العام الدراسي في الأراضي الفلسطينية، وهذا ما حصل عام 2023، إذ توجه التلاميذ نحو مقاعدهم الدراسية لكن سرعان ما بدأت الحرب وانقلب كل شيء في غزة رأساً على عقب، فأوقفت وزارة التعليم ووكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العملية التعليمية لطلاب القطاع بصورة كاملة،

وتحولت المدارس في غزة إلى مراكز إيواء للنازحين، لكن بمجرد بدء اجتياح القطاع اضطر القاطنون تلك المرافق إلى المغادرة من جديد، كما دمر الجيش الإسرائيلي عدداً كبيراً من المؤسسات التربوية.

ويوجد في غزة 796 مدرسة، وبعد اجتياح الجيش الإسرائيلي الذي توغل في أغلب محافظات القطاع دُمر نحو 421 مقراً تعليمياً، فيما استخدمت باقي المرافق، سواء التي يرفع عليها علم فلسطين أو الأمم المتحدة، كمراكز إيواء.

خطة بانتظار نهاية الحرب

وعلى أي حال فإن المدارس في غزة غير صالحة للعودة للتعليم، ليس بسبب وجود نازحين فيها وحسب، بل أيضاً لأن الأدوات المكتبية فيها تعرضت للسرقة والتخريب، ولذا فإن وزارة التعليم وضعت خطة "الخيمة التعليمية" لاستئناف العملية التعليمية.

وبحسب خطة وزارة التعليم التي من المفترض أنها تبدأ فعلياً بعد اليوم التالي للحرب، فإنها تقوم على مبدأ متابعة مسيرة التعليم الأساس والثانوي في خيم، إذ تخطط الجهات الرسمية لإقامة 25 ألف خيمة كقاعات دراسة بديلة، وتوظيف آلاف المدرسين والمساعدين بدلاً من المعلمين الذين قتلوا في الحرب.

ولم تنفذ وزارة التعليم خطتها لاستئناف العام الدراسي، ولكن "يونيسف" حاولت إعادة الأطفال لمقاعد دراسية جديدة على النهج نفسه الذي أعدته المؤسسة الحكومية بطريقة أقل استيعاباً للطلاب، وأشرفت على معظم المبادرات الفردية التي انطلقت بصورة عشوائية لإعادة الطلاب إلى التعليم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مباني المدرسة تتحول لخيم

في خيم صغيرة يجلس الطلاب على مقاعد دراسية مزينة بألوان زاهية تناسب أعمارهم، وتقف أمامهم المعلمة راما التي تكتب على لافتة ورقية كبيرة عبارة للشاعر محمود درويش: "ونحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً".

تعلق المعلمة اللافتة الورقية بمساعدة بعض الطلاب ثم تشرح لهم حروف الهجاء العربية في حصة دراسية لا تخلو من سماع أصوات طائرات الاستطلاع الإسرائيلية والانفجارات التي يحدثها الجيش قرب المدرسة.

يخاف الطلاب لكن المعلمة راما تحتضنهم وتقول "عندما يقع انفجار قوي أحضنهم جميعاً كي لا يهربوا من الخيمة رعباً، نحضن بعضنا بعضاً كي نخفف التوتر، وبعد ذلك أتابع الدرس متجاوزين الموقف".

مشتتون ولكن

في خيمة أخرى حيث غرفة فصل المعلم زين يقف الطلاب ليرددوا حروف اللغة الإنجليزية، ويطلب منهم مدرسهم أن يخفضوا صوتهم قليلاً كي لا يزعجوا بقية الطلاب في الخيم المتلاصقة.

ولم يكن يخطر ببال المعلم زين أن تتحول مباني المدرسة التي كان يعلم فيها إلى أنقاض تحت وطأة الغارات وآلات التجريف العسكرية، فيسرح المدرس بتفكيره ثم يقول "لقد اُستبدلت الجدران بقماش الخيم، والصفوف بمساحات مفتوحة تحت السماء الصافية".

ويؤمن المعلم زين أن ما يقوم به عبارة عن رسالة تعليمية وأن الاحتلال عاجز عن محو تلك الرسالة وإطفاء نور الأمل بمستقبل أفضل، وأن المعنيين سيواصلون تعليم الأطفال القراءة والكتابة وفعل ما يلزم لتبديد هواجس الحرب وعواقبها.

وبحسب ملاحظات المعلم زين فإن الأطفال كانوا مشتتين في أول يوم دراسي داخل الخيمة، لكنهم بدأوا تدريجاً يستجيبون للمحتوى التعليمي وتذكّر الحروف والأرقام والأشكال والمناهج التي درسوها خلال الشهر الأول من العام الدراسي وقبل بدء الحرب.

ذاكرة قوية

خلال الساعات الست التي يقضيها الطلاب في التعليم لاحظ المعلمون جميعهم أن هؤلاء التلاميذ يتمتعون بذكاء مفرط ويكتبون بخط واضح، ووفقاً لحصيلة غير نهائية نشرتها وزارة التعليم فقد قتل 6500 طالب في غزة، وأصيب 12 ألفاً بجروح من أصل 620 ألف تلميذ حرموا جميعهم التعليم، وإلى جانب ذلك فقد قتل 266 معلماً وإدارياً، وأصيب 973 بجروح داخل قطاع غزة.

يقول مدير مدرسة العودة التعليمية حسن جبر "عندما عدنا للتعليم تمكنا من الوصول إلى نسبة واحد في الألف من الحال التعليمية التي كان يعيشها أطفالنا في زمن السلم، ولقد عاد الطاقم التعليمي لاستخدام السبورة الصغيرة التقليدية والطباشير البيضاء لإعطاء الدروس للأطفال، فقد فقدنا جميع الوسائل التكنولوجية واللوحات المطبوعة بسبب الحرب ونعمل بأسلوب قديم".

"يونيسف" تتولى المهمة

وتؤكد "يونيسف" أن التعليم في حالات الطوارئ يأتي في المرتبة الرابعة بعد السلامة والصحة والصرف الصحي، ويقول المتحدث باسم المنظمة في الأراضي الفلسطينية جوناثان كريكس إن "الطلاب غير قادرين على الفرار ويبقون في منطقة لا تزال تتعرض للقصف، ومن الصعب للغاية تزويدهم بخدمات معينة مثل الصحة العقلية والدعم النفسي والاجتماعي أو التعليم المستمر".

ويضيف كريكس أنه "خلال هذا الشهر خططت 'يونيسف' لإقامة ما لا يقل عن 50 خيمة لنحو 6 آلاف طفل من مرحلة ما قبل المدرسة حتى الصف الـ12 من أجل تعلم القراءة والكتابة والرياضيات، لكن هذه الخطط قد تتعطل بسبب العملية العسكرية".

ويوضح كريكس أن هناك مبادرة لإقامة مدارس موقتة تسمح للأطفال بالتعامل مع الصدمة، لافتاً إلى أنه يوجد في غزة 325 ألف طفل في سن الدراسة لم يحضروا ساعة صف واحدة منذ بدء الحرب، وأن توفير مساحات آمنة للأطفال للتجمع من أجل اللعب والتعلم يعد خطوة مهمة.

ويؤكد كريكس أن إعادة بناء المدارس خطوة أولى شاقة على طريق إعادة الأطفال لمقاعد الدراسة، لكن التحدي الحقيقي سيكون شفاء أطفال القطاع النازحين والتعامل مع الصدمات النفسية الناتجة من الموت والدمار والجوع حتى يتمكنوا من العودة لإتمام مهمتهم.

المزيد من متابعات