Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 "يونيفرس" رواية مصرية تستشرف مستقبلا غامضا 

رضوى الأسود ترصد صراعات تنذر بفناء الجنس البشري

لوحة للرسام عبد القادر الخليل (صفحة الرسام - فيسبوك)

ملخص

تدخل رواية "يونيفرس" للكاتبة المصرية رضوى الأسود عالم السرد التخييلي لتستشرف واقعاً افتراضياً يبدو فيه الإنسان مهدداً بما قد تؤول إليه الثورات التكنولوجية من أضرار وأعطاب نفسية واجتماعية

مع تزايد وتيرة الحروب والصراعات وانتشار الأوبئة والأمراض، لا سيما المختلقة اصطناعياً، وتنامي التكنولوجيا وتطورها إلى حد هيمنة الآلة على البشر، ارتفعت بعض الأصوات منذرة باقتراب نهاية العالم. وعلى رغم ما قدمته بعض الأعمال الفنية والأدبية العالمية من توقعات، حول مخططات لإفناء أعداد كبيرة من البشر عبر الحروب والأوبئة والتطور التكنولوجي، فإن الشريحة الأكبر من الجماهير لم تتعاطَ معها سوى بوصفها درباً من خيال. غير أن تحقق كثير من تلك التوقعات أو التنبؤات أسهم في تصعيد حدة المخاوف والشعور باقتراب النهاية وإعادة النظر في ما كان يطلق عليه "نظرية المؤامرة". هذه المخاوف استثمرتها الكاتبة المصرية رضوى الأسود في روايتها "يونيفرس" (دار العين)، وأنتجت عبر رحلتها السردية فضاءات مكانية تحمل كثيراً من ملامح الواقع المعيش، لكنها لا تشبهه تماماً، لتتيح عبر المسافة التي تربط بين الواقع والتخييل استشرافاً لمستقبل ربما لم يعد بعيداً، وربما سيكون مقدمة لبلوغ نهاية العالم واندثار الجنس البشري.

عوالم افتراضية

تحيل الاستهلالات التي سبقت السرد واقتبستها الكاتبة من شعر معين بسيسو، ومن مقدمة رواية "الخبز الحافي" لمحمد شكري إلى قرار اتخذته بالتغريد خارج السرب وولوج مناطق خطرة من المسكوت عنه. أما عنوان النص وعتبته الأولى "يونيفرس" فيحيل إلى الفضاء الكوني ومجمل ما يحويه من الزمكان. وربما كانت تلك الدلالة سر اختيار الكاتبة هذا الاسم، لتطلقه على أحد تطبيقات الواقع الافتراضي الذي وظفته في خدمة وتطور الأحداث، لا سيما أنه يتيح لمستخدمه صناعة مشاهد تتخطى حاجز الزمان والمكان. وعلى رغم عدم قدرة المستخدم على لمس تلك المشاهد، فإنه يستطيع إدراكها حسياً بنظارات معينة توفر بيئة وهمية ثلاثية الأبعاد. ولا يعد هذا التطبيق درباً من الخيال أو استشرافاً للمستقبل، إذ أتاح الذكاء الاصطناعي بالفعل مثل هذه التطبيقات في الواقع المعيش، عبر تقنيات الواقع المعزز والافتراضي: "أصبح الواقع غربة يهرع منها الناس ليعودوا إلى ’يونيفرس‘ كحقيقة وحيدة، ووطن لا انتماء سوى إليه! حين تعطب نظارة أحدهم، فتلك كارثة الكوارث والابتلاء الحق، يجري في الشارع كمدمن باحث عن جرعته" ص85.

وكما لعبت التكنولوجيا دور البطولة في النص، وكانت واحدة من قضاياه المحورية، كانت الأوبئة المخلقة معملياً قضية أخرى تطرقت إليها الكاتبة. وتشاركت كلتا القضيتين، الخطورة ذاتها، فيما يمكن أن تؤديا إليه من فناء الجنس البشري، وهو المصير الذي لاقاه زوجا البطلة على التوالي. فبينما مات "فريد"، الزوج الأول لـ"ميريت"، نتيجة توحده مع العوالم الافتراضية، عبر تطبيق "يونيفرس" لأيام متعاقبة دون نوم أو طعام أو شراب خسر "حاتم" الزوج الثاني حياته نتيجة إصابته بالوباء. وعلى رغم أن هذا الوباء يحيل إلى "كوفيد-19"، الفيروس الذي لا يزال العالم يحاول التعافي منه، ويشبهه في قدرته على الفتك بالإنسان وسلبه حياته، وكذا في الشكوك التي أثيرت حول مؤامرة تخليقه، فإن الكاتبة قررت له سمات وطبيعة مغايرة، مثل أن يصيب القلب مباشرة، ويتسبب في إبطاء نبضه، أو زيادة سرعته. وقد تعاطت مع الفيروس "كيوبيد"، والتطبيق الإلكتروني "يونيفرس"، إضافة إلى الغذاء الفاسد والتغيرات المناخية على أنها جزء من مؤامرة تحيكها عائلات تهيمن على العالم وتديره، وتجعل من البشر دمى تحركها وتتلاعب بها، وتهدف للتخلص منها.

أنساق غير منتظمة

انطلق السرد من موت "حاتم" تاركاً لزوجته إرثاً عظيماً من الحزن، ليس لكونه حبها الوحيد وحسب، ولكن لكونه أيضاً شريكها الداعم في معركتها ضد من يعملون على إفناء البشر. فبينما كانت "ميريت" تستخدم أبحاثها الزراعية ونباتاتها، لتخفيف أثر السموم التي يعدها الناس غذاءً، كان "حاتم" يوظف معمله وخلفيته العلمية، لتحقيق الغرض نفسه من مقاومة المتآمرين. ومن حادثة الموت، انطلقت الكاتبة في رحلات زمنية عكسية، لم يجمعها نسق منتظم، بل تنوعت وجهاتها دون التقيد بنمط متسلسل، بين مرحلة مبكرة من عمر البطلة شهدت حبها الأول، ومرحلة أخرى من الفقد بعد رحيل ذويها، وثالثة هي سنوات زواجها من "فريد"، ورابعة اجتمعت فيها مرة أخرى بحبها الأول ليكون زوجها الثاني. ورصدت الكاتبة عبر كل تلك المراحل، التغيرات السريعة والمتلاحقة التي شهدها العالم. وكانت تلك التغيرات مسوغاً استندت إليه في صناعة لحظة راهنة للسرد، بدت وكأنها استشراف لمستقبل قريب واقع لا محالة، تتوحش فيه التكنولوجيا، ويتحلل الناس من عقولهم، ويستسلمون لقوى تحركهم باتجاه حتفهم. وكان حرصها على مخاطبة القارئ، سبيلاً مكنها من نسج صلات مباشرة معه، عززت بدورها من إيهامه بواقعية الأحداث، وجعلته جزءاً من عالم النص: "هل سيفيدك شيء إن قلت لك إن فريد كان يعمل بفرع شركة عالمية، وإن تلك الشركة مملوكة فعلياً لحكومة دولة عظمى؟ هل ما زلت لا تفهم ما لمح إليه؟" ص152.

وكما استعانت بالفلاش باك، اعتمدت مفارقات واستباقات زمنية مهدت عبرها للاحق من الأحداث. وانتهجت التنوع عينه حين منحت بطلتها "ميريت" صوت السرد، ثم انتزعته منها في مساحات أخرى من النص، لمصلحة راوٍ عليم، تكشف في نهاية الأحداث أنه صوت واحد من الناجين الذين وعوا المؤامرة، وقرروا مقاومتها. ومنح هذا التبادل بين السرد الذاتي والمركزي، رؤية أكثر شمولية، تبحر في دواخل البطلة المأزومة والمتشظية، وتلتقط في الوقت نفسه - بقدر من الموضوعية - ما يدور خارجها، وإن كان أحرى بالكاتبة في بعض فصول الرواية، لا سيما تلك التي تكشفت خلالها أزمات "ميريت"، وتصدعات عوالمها الداخلية، وما يعتمل فيها من صراعات، أن تستمر في انتهاج السرد الذاتي على لسان شخصيتها المحورية، لا على لسان الراوي العليم: "هذه المرة، ذهبت بقدميها، أقصد بسيارتها، تعمدت الذهاب وهي تعلم مغبته، شيء كان يدفعها إلى المكان، شيء من الممكن أن نطلق عليه الحنين" ص 136.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لعلها عبر ما رصدته الكاتبة من تحولات لحقت بالعالم بفعل من يهيمنون عليه، أضاءت عديد من التناقضات، سواء تلك التي توسم النفس، أو العالم. ونسجت منها ثنائيات تراوح أقطابها ما بين خير وشر، موت وحياة، علم وخرافة، صعود وهبوط، وعي وإنكار، فرح وحزن، مقاومة واستسلام. وغذت عبر هذه التناقضات حالات الصراع في النص، سواء ذلك الذي نشأ بين القوة المتآمرة على البشر، والقلة المقاومة لمحاولات القتل الممنهج، أو ذاك الذي اندلع في العوالم الداخلية لشخوص انقسمت بين يأس، واستسلام، وشعور باللاجدوى من جهة، وأمل، وصمود، ومقاومة من جهة أخرى. وبين هذا الزخم من التناقضات، برز الانشغال بالموت كإحدى ثيمات أدب ما بعد الحداثة، وتنوع بين موت طبيعي وموت مجازي. فالبطلة تجرعت مراراً شعور الفقد والخسارة بموت ذويها، وزوجها الأول، ثم الثاني. واستمرت في توقع الموت طوال الأحداث، كما كان كل المحيطين بها ممن رضخوا للمؤامرة، أمواتاً على قيد الحياة.

كذلك بدت ملامح ما بعد الحداثة، عبر ما دفعت به الكاتبة من سوداوية، قلق، ولا يقين. وما استدعته من صور مختلفة من الفنون، لا سيما الأفلام التي تنبأت بزوال العالم، والروايات التي تعاطت مع الموضوع ذاته، مثل "الموت الأحمر" لإدغار آلان بو. ووظفت هذه الفنون في تعزيز رؤيتها الاستشرافية. كما دفعت بحمولات معرفية غزيرة عن الشدة المستنصرية، معركة هيرمغدون، الأوبئة التي هاجمت البشرية في حقب مختلفة من التاريخ، لكن بعض ما ساقته من معارف كانت تعوزه الدقة، لا سيما حديثها عن تنازل الملك هنري الثامن عن عرشه من أجل حبيبته الأميركية، فمن تنازل عن العرش لهذا السبب هو الملك إدوارد الثامن. كذلك حظيت الأسطورة بحضور قوي داخل النص، ووظفت الكاتبة رموزها مثل "ست، أوزير، شيف، فيتشو، ماعت، أنوبيس، عمعموت، عيشة قنديشة، هرمس"، إلى جانب ما استدعته من موروث شعبي، في تعزيز رؤاها حول أزلية تناقض النفس والعالم، وديمومة الصراع بين الخير والشر.    

نهاية العالم

طرح النص سيناريوات وتصورات لنهاية العالم، وكان للتطور التكنولوجي والأوبئة الدور الأهم في بلوغها، لا سيما في ظل تحول الإنسان إلى آلة، عبر زراعة شرائح إلكترونية في جسده، واختلاق عوالم افتراضية يلتبس فيها الوهمي والحقيقي. واشتبكت الكاتبة مع عديد من القضايا الاجتماعية والسياسية الأخرى، مثل التفكك الأسري والإخفاقات التربوية، والآثار السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، وصناعة الكذب والزيف وتحويل الإعلام إلى أداة للتضليل وتجريف العقول، وانتهاك الخصوصية وشيوع التجسس. كذلك دحضت أكذوبة الحرية الغربية. ورصدت الهوة العميقة بين الأنا والآخر. وتطرقت لقضايا المناخ والاحتباس الحراري. وتعاطت الكاتبة مع هذه القضايا من خلال منطق المؤامرة، بل إنها انحازت لمعتنقي هذا المنطق ضد الساخرين منهم: "قبل الجائحة بسنوات طويلة، كان هناك حديث دائم حول ما يسمى نظرية المؤامرة. كانت تعبيراً ساخراً، بل سيئ السمعة، حين يقال إن أحدهم يعتنق تلك النظرية، فهذا معناه أنه مختل عقلياً. تلك أيضاً كانت ضمن عمليات التأهيل. استخدموها كتهمة لكل من تسول له نفسه فضح المخطط" ص17. وعمدت إلى تكرار عبارة نهاية العالم في غير موضع من النص، لتحيل إلى خطورة العبث الإنساني بالكون، والمصير الكارثي المحتوم الذي ينتظر البشر جراء هذا العبث.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة