Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"أوبرا العتبة" مسرحية مصرية ترثي مجتمعا ينهار

المخرج هاني عفيفي قدم عرضا دراميا عن واقع يعيشه المثقفون والفنانون

مشهد من المسرحية المصرية "أوبرا العتبة" (خدمة الفرقة)

ملخص

يقدم المخرج هاني عفيفي، على مسرح الطليعة في القاهرة، مسرحية " أوبرا العتبة" مستعرضاً فيها التشوهات التي طاولت المجتمع المصري، وكأنه يقدم رثاء لهذا المجتمع، الذي يعاني حالاً من الانهيار الاجتماعي.

لا أحد تمكن من فك الحصار الذي يسببه الباعة المتجولون، حول مجمع المسارح في ميدان العتبة وسط القاهرة (القومي، الطليعة، العرائس)، على رغم مئات الاستغاثات من مسرحيين ومثقفين. وأشارت المقالات الصحافية، إلى أن وضع هؤلاء الباعة مرتبط بوقائع فساد معلنة وواضحة وصريحة، لكن ما من أحد يرى ويسمع ويتكلم.

هذا الميدان الشهير، كان واحداً من أجمل ميادين القاهرة وأرقاها، وفيه دار الأوبرا القديمة، قبل احتراقها عام 1971، وحديقة الأوزبكية، التي كانت أم كلثوم تقيم فيها حفلاتها، وأقدم محطة بريد في مصر، وغيرها من الفنادق والمقاهي، التي كانت من معالم القاهرة التاريخية،  لكنه تحول منذ سنوات إلى مرتع للبلطجية والخارجين عن القانون، تحت سمع المسؤولين وبصرهم ، فلم يحرك أحدهم ساكناً، أو حاول، تنظيم الأمور لتكون الحركة داخله محتملة.

 

رأى المخرج هاني عفيفي، في هذا الميدان، على حاله الآن، انعكاساً لحال المجتمع المصري نفسه، وما يعتريه من عشوائية وقبح وانفصام، وعزلة لمثقفيه، وهو ما صاغه في عرضه المسرحي "أوبرا العتبة" الذي يقدمه على مسرح الطليعة (البيت الفني للمسرح- وزارة الثقافة) أحد المسارح المحاصرة، وكأنه يقدم مرثية لمجتمع تم تشويهه، بتعمد، ومهارة فائقة.

وجهة نظر

أول ما يلفت النظر في هذا العرض هو صياغة الفضاء المسرحي (ديكور عمر غايات) هي صياغة تحمل وجهة نظر تتماس وما يطرحه العرض من قضايا. استعان مصمم الديكور بتلك القوائم الخشبية التي تستخدم إما في مرحلة البناء، وإما في دعم الأبنية المتداعية أو الآيلة للسقوط، ولعله قصد الأخيرة تعبيراً عن تداعي وانهيار المجتمع. في يمين المسرح حجرة المثقف المنعزل الذي يخاطب مجتمعاً لا يلتفت إليه، فقط لأنه يحلق بعيداً من هموم الناس. وفي اليسار حجرة تلك السيدة التي لا تكف عن طلب ما يفوق حاجاتها بكثير، ذلك أن زوجها يعمل خارج البلاد، حتى إنها، وبمرور الوقت، تختفي تماماً خلف الصناديق الكرتونية المكدسة بطلباتها، التي لن تستخدمها، لتحتل تلك الصناديق صدارة المشهد. وفي الخلفية هناك عشرات الصناديق الفارغة، تعبيراً عن نزعة الاستهلاك الرهيبة التي أصابت بعض أفراد المجتمع، في حين أن البعض الآخر لا يجد ما يقيم به أوده.

وترك المصمم المساحة بين الغرفتين فارغة، لتصوير بعض المشاهد الأخرى، في مترو الأنفاق، أو الشارع، أو غيرها من الأماكن التي تدور فيها أحداث العرض.

 

اقتباسات النص

نص العرض كتبه المخرج مستعيناً ببعض الاقتباسات من مقالات فلسفية، فضلاً عن "أوديب" سوفوكليس، وقصيدة لمحمود درويش، وكذلك ارتجالات الممثلين.

يبدأ العرض من خارج المسرح، وبالقرب من الباعة الجائلين، بغناء أوبرالي للمطربين روجينا صبحي ومحمود إيهاب، وهي بداية صادمة وغير متوقعة، لكنها مقصودة لتوضيح حجم التناقض في هذا المجتمع، فكيف يجتمع الغناء الأوبرالي الرفيع مع كل هذا القبح من حوله. هي مجرد فقرة بسيطة وسريعة، لكنها دالة، ومؤهلة للجمهور لمشاهدة الأحداث داخل المسرح بعد ذلك.

وإذا كان المجتمع يعاني كل هذه التناقضات، وكل هذه العشوائية، فإن العرض لم يكن أقل استجابة لهذه الحالة، فلا دراما، في معناها المعروف، وحده التشظي هو الحاكم هنا، باعة جائلون يحملون بضائعهم وسط الجمهور في القاعة، ويطلقون نداءاتهم عليها، في الوقت الذي يحاول المثقف تقديم خطابه، وتقوم السيدة كثيرة الطلبات بترتيب حاجاتها، وتواصل اتصالاتها لطلب المزيد، وأشكال كهذه من العشوائية والتناقض والصخب والضجيج والاستهلاك المفرط، التي ضربت المجتمع.

صورة مصغرة

 

لم يقع المخرج في فخ المباشرة، ولم يحمل خطابة أية إدانة، على سبيل المثال، للباعة الجائلين، الذين ينشرون الصخب والعشوائية في الميدان الشهير، هذه ليست قضيته الأساسية، هي فقط سبيله، الذي انطلق منه، إلى طرح قضية أكثر عمقاً تتعلق بمجتمع بأكمله، وما هذا الميدان سوى صورة مصغرة رآها لمصر كلها، بل إنه بدا متعاطفاً مع هؤلاء الباعة، الذين يكافحون من أجل البقاء، ويدفعون إتاوات للصوص والبلطجية المسيطرين على الميدان، ليجدوا مساحة صغيرة يعرضون فيها بضائعهم، ومن لا يدفع يطرد خارج الميدان. ليكون السؤال: من يقف وراء هؤلاء البلطجية، وأين الدولة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولأن ما يحدث في الميدان ينسحب على خارجه، فهناك أيضاً حالات التحرش التي تتعرض لها الفتيات في مترو الأنفاق، وهناك كذلك انهيار الذوق العام المتمثل في انتشار أغاني المهرجانات، حتى بين الطبقات الراقية، وهناك هوس "التيك توك"، وحالات التعري والرقص من أجل المال، وعصابات الدروس الخصوصية، وغيرها من المظاهر التي تناولها العرض، في لقطات سريعة ودالة وموجعة، تشير جميعها إلى أننا أمام مجتمع يستحق الرثاء، مجتمع محاط بالقبح، المادي والمعنوي، من كل جانب، في حين لا وجود للدولة.

ربما تذهب الانطباعات السريعة، أو انطباعات المشاهد غير المعتاد على مثل هذه النوعية من العروض، إلى أننا أمام عرض مفكك وغير منضبط درامياً. غير أن تأمل هذه الحالة المسرحية بشيء من العمق، يفضي بنا إلى أن منطق بناء العرض يتسق تماماً وموضوعه، الشكل يناسب محتواه ويعبر عنه، أي أن كل هذا التشظي مقصود، وليس ضرباً من العشوائية، أو دليلاً على عدم خبرة المخرج، الذي له سابقة أعمال مهمة، كلاسيكية وتجريبية.

تناقضات المجتمع

ممثلان فقط لعبا دورين رئيسين، محمد عبد الفتاح في دور المثقف المنعزل، الذي يضع أمامه "ميكروفون" موجهاً خطابه إلى مجتمع لا يسمعه أو يحفل به. بدا، في اضطرابه وحيرته، واعياً إلى طبيعة ذلك المثقف المنعزل، أو المعزول، عن واقعه، وحسناً أن جاءت حجرته في مستوى مرتفع عن المستوى صفر، تعبيراً عن المسافة التي بينه وبين مجتمعه، وكأنه يخاطبه من عل، ومثلها جاءت حجرة السيدة كثيرة الطلبات، دعاء حمزة، كما لو أن هذين النموذجين منفصلان تماماً عن واقعهما. ففي الوقت الذي يكافح فيها السواد الأعظم من المواطنين من أجل جنيهات قليلة، يلقي الأول خطاباً فلسفياً، بينما تحرص الثانية على اكتناز كل ما لا حاجة لها به. لعبت دعاء حمزة دورها بخبرة ومهارة وقدرة على تجسيد أدق تفاصيل تلك النوعية من السيدات، سواء في نبرة صوتها أو استخدام مفردات الجسد وتعبيرات الوجه على رغم جلوسها في أغلب الأحيان.

كما لعب الممثلون إياد رامي ورنا عاصم وأحمد سعد وبكر محمد وهاجر عوض وأمينة صلاح الدين، أكثر من دور، فضلاً عن قيامهم بأدوار الباعة الجائلين، وسُمح لهم ببعض الارتجالات والاشتباك مع الجمهور، وذلك كله وفق فهم ووعي بطبيعة العرض وشخصياته.

"أوبرا العتبة" عرض مسرحي يعبر عن جرأة مخرج، ورغبته في البناء على غير مثال، ويعبر كذلك عن وعي وجرأة جهة الإنتاج (مسرح الطليعة ومديره المخرج عادل حسان) فمثل هذا العرض يضرب في الصميم، ويقدم خطاباً فنياً موجعاً وأسياناً على رغم اللمحات الكوميدية التي لم يخل منها، لكنه في كل الأحوال، ربما لن يرضي جميع الأطراف.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة