ملخص
يثير حكم المحكمة العليا بمنح حصانة جزئية لترمب مخاوف عدة ويطرح سيناريوهات افتراضية إذ يمكن للرئيس أن يتهرب من الملاحقة القضائية على أفعال متطرفة، مثل الأمر بالاغتيال. ويحذر الخبراء القانونيون من أن هذا القرار يغير أساس الحكم في أميركا ويقوض الديمقراطية وسيادة القانون
هل يمكن لرئيس أن يأمر باغتيال منافس له ويفلت من العقاب؟
هذه الفرضية غير المعقولة أثارها أحد قضاة "محكمة الاستئناف" Appeals Court في الولايات المتحدة، للإشارة إلى العواقب الخطرة للدفوع القانونية التي قدمها محامو الدفاع عن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب.
إلا أن قضاة "المحكمة العليا" الأميركية Supreme Court حولوها هذا الأسبوع إلى قرار تاريخي مروع، يحمي فعلاً ترمب من المساءلة عن الجرائم المرتكبة أثناء وجوده في المنصب الأول في البلاد.
ولا توجد في الواقع أي سابقة قانونية تمنح رئيساً مثل هذه السلطة. ومع ذلك، وفقاً لفقهاء القانون والمحامين والقضاة الليبراليين في "المحكمة العليا" الأميركية، يبدو أن القرار الأخير يفتح الباب واسعاً للتساؤل عما إذا كان القائد العام يمكنه ارتكاب جريمة قتل قانونية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
دونالد شيرمان نائب الرئيس التنفيذي وكبير المستشارين في منظمة "مواطنون من أجل المسؤولية والأخلاق في واشنطن" Citizens for Responsibility and Ethics in Washington - وهي مجموعة مراقبة حكومية غير حزبية لا تتوخى الربح - يقول: "يبدو موضوع الاغتيال برمته بعيد المنال، ما لم ينظر إلى هذه الفرضية في ضوء ما مررنا به حقاً في السادس من يناير (كانون الثاني)".
ويضيف شيرمان لـ"اندبندنت" أن "هذا ليس تمريناً أكاديمياً، ولم تعد المسألة نظرية أو محصورة ضمن النقاش الأكاديمي. فنحن نعرف ما قاله ترمب وما قام به لجهة تحريض حشد من الغوغاء على اقتحام مبنى الكابيتول من خلال استخدام العنف، مما عرض حياة أعضاء الكونغرس ونائب الرئيس للخطر".
وتساءل قائلاً: "إلى أي مدى قد تعتقد أننا في حاجة إلى المضي قدماً للوصول إلى السيناريو الذي قضت ’المحكمة العليا‘ للتو بأنه يندرج ضمن هذه الحصانة الشاملة لرئيس البلاد؟".
الحكم الصادر عن غالبية القضاة المعينين من "الجمهوريين" في "المحكمة العليا"، يمنح الرئيس "حصانة" مطلقة من الملاحقة الجنائية عن الأفعال التي يقوم بها في إطار واجباته "الرسمية". وإذا ما مارس الرئيس هذه السلطات الدستورية "الأساس" ـ على سبيل المثال، تفعيل دور الجيش للاستجابة لأزمة ما. فمن الممكن ظاهرياً أن يكون محمياً من الملاحقة القضائية، حتى في حال قتل معارض سياسي له.
هذا القرار لا يضفي شرعية قانونية على الفعل الأساسي. فلن يتمتع الجيش بالحصانة من الملاحقة القضائية بتهمة ارتكاب جريمة، ومن غير المرجح أن يتبع العسكر أوامر غير قانونية. إلا أنه وفقاً لخبراء قانونيين، فإن الرئيس الخارج عن القانون، لن يكون مقيداً إلا بإدارته وبمدى نيته واستعداده لاختبار تلك الحدود.
القاضية صونيا سوتومايور، نبهت في إطار موقفها الاعتراضي على قرار "المحكمة العليا" - الذي انضمت إليه القاضيتان إيلينا كاغان وكيتانجي براون جاكسون - إلى أن هذا الحكم يضع الرئيس فعلياً فوق القانون من خلال تشكيل "منطقة خالية من القانون" من حوله، مما يخل بالوضع الذي كان قائماً منذ تأسيس البلاد (والذي يقول إن أحداً - بما في ذلك الرئيس الأميركي - لا يمكن أن يكون فوق القانون).
وتطرح سوتومايور سيناريوهات افتراضية لتوضيح مخاوفها من قبيل: "إذا ما أمر الرئيس ’الفريق الـ6 من الوحدات الخاصة التابعة لمشاة البحرية الأميركية‘ Navy’s SEAL Team 6، باغتيال منافس سياسي له، فهل سيتمتع بالحصانة؟ هل سيكون بإمكانه مقايضة أعمال عسكرية بعفو؟". وأضافت "حتى لو لم تحدث مثل هذه المواقف الجذرية والكابوسية على أرض الواقع، فإن الحكم [المحكمة العليا] قد تسبب بالفعل بضرر كبير من خلال تغيير العلاقة الأساسية بين الرئيس والشعب الأميركي بصورة لا رجعة فيها".
بالطبع، لم تكن هي من أطلقت سيناريو مؤامرة الاغتيال هذا. فالموضوع طرح للمرة الأولى خلال جلسة استماع في "محكمة الاستئناف" الأميركية في يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما مارست القاضية فلورانس ضغوطاً على محامي ترمب خلال استجوابها له، في شأن ما إذا كان بإمكان الرئيس أن يصدر أمراً لـ"الفريق الـ6 من الوحدات الخاصة التابعة لمشاة البحرية الأميركية" بـ"اغتيال منافس سياسي له" من دون أن يواجه محاكمة جنائية.
ويشعر محللون قانونيون بالقلق من أن حكم الغالبية الصادر عن "المحكمة العليا" الأميركية لم يستبعد صراحة مثل هذه الاستثناءات المتطرفة من مسألة الحصانة "المطلقة" للرئيس، واكتفى بالتركيز فقط على الإجراءات التي يتمتع دونالد ترمب نفسه بالحصانة منها.
ويرى جون دين المستشار السابق للبيت الأبيض في عهد الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون والشخصية المحورية في "فضيحة ووترغيت" (حدثت في سبعينيات القرن الماضي وتسببت باستقالة الرئيس نيكسون، بعد القبض على خمسة أشخاص اقتحموا مقر "اللجنة الوطنية للحزب ’الديمقراطي‘" في مجمع "ووترغيت" في واشنطن، وتنصتوا على هواتف أفراد وسرقوا مستندات)، أنه "إذا كانت الديمقراطية في خطر، فيمكن لجو بايدن أن يقول إنه واجه هذا الخطر". ويعد دين أن المبادئ التوجيهية لا تزال غير واضحة، وستظل كذلك حتى تكون هناك سوابق يوضحها الفقه القانوني".
إذا ما جرى انتخاب دونالد ترمب، فسيعود إلى البيت الأبيض مع طاقم من المؤيدين الموالين بعد إخضاعهم لاختبار دقيق يثبت أنهم يتشاركون معه وجهات نظره الأيديولوجية، وسيكون مسلحاً بخطة واضحة وقوية لتعزيز سلطته. وقد أدى حكمان مهمان صدرا عن "المحكمة العليا"، إلى إضعاف الدولة الإدارية بصورة كبيرة، مما يمهد الطريق أمامه لتوطيد سلطته. كما أن القرار الذي يمنحه الحصانة القانونية سيشجعه بلا شك على التصرف من دون وازع أو خوف من العواقب، وإعاقة التقدم في المسار القانوني للقضايا الجنائية المرفوعة ضده.
وفي حين أن قرار الغالبية ينص صراحة على أن الرئيس ما زال من الممكن نظرياً أن يواجه المحاكمة عن أفعال تعد "غير رسمية"، قد يكون من المستحيل بالنسبة إلى المدعين العامين جمع الأدلة التي تثبت هذه الأفعال. ويعود السبب في ذلك إلى أن "المحكمة العليا" وضعت قواعد صارمة في شأن الأدلة التي يمكن تقديمها في مثل هذه القضايا، من اتصالات أو مواد أخرى، تجعلها غير مقبولة بموجب عتبة الحصانة الجديدة، مما قد يعوق الجهود التي يبذلها المدعون العامون لمتابعة الإجراءات القانونية ضد الرئيس ومحاسبته على هذه الأسس.
لذا كيف يمكن للمدعين العامين أن يتقدموا بدعوى، إذا كان لا يجوز لهم أساساً استخدام التصريحات التي يدلي بها الرئيس أو الأفعال التي يقوم بها أثناء وجوده في المنصب، كدليل ضده؟
ويرى شيرمان في هذا الإطار أن "مناقشات الرئيس مع وزير دفاعه والمدعي العام لا يمكن حتى تقديمها كدليل. وهذا يعني في الأساس أن حالة ديمقراطيتنا تتوقف فقط على الميول الشخصية للرئيس الذي يكون في السلطة، ومزاجه".
الحكم في قضية "ترمب ضد الولايات المتحدة" Trump v United States فشل في توضيح ما إذا كان الفعل الذي يعد "رسمياً" ضمن سلطة الرئيس بصورة واضحة، يصبح "غير رسمي" إذا ما تم ارتكابه بوسائل جرمية، مما أوجد فجوة كبيرة في فهم النهج الجديد للمحكمة للحد من الانتهاكات المرتكبة.
ويعد القاضي جاكسون أنه "فيما قد تكون لدى الرئيس سلطة اتخاذ قرار مثل إقالة المدعي العام على سبيل المثال، فإن جوهر المسألة هنا هو ما إذا كان بإمكان الرئيس الذهاب إلى أساليب متطرفة في عزل المدعي العام من طريق تسميمه حتى الموت، على سبيل المثال".
ويرى خبراء قانونيون أن الحجج القانونية المنافية للمنطق إلى حد مثير للقلق، في ما يتعلق بتصرفات دونالد ترمب - بما فيها المناقشات حول ما إذا كان الرئيس يمكنه قانوناً الأمر بقتل شخص ما - إنما تكشف عن مخاوف أعمق في شأن وضع السياسة والدور الذي تضطلع به "المحكمة العليا".
المدعية العامة في ولاية جورجيا أليغرا لورانس هاردي قالت للصحافيين الإثنين الماضي: "على رغم أن هذه السيناريوهات قد تبدو سخيفة لنا الآن، فإن فكرة إجراء هذه المناقشات اليوم، كانت غير واردة على الإطلاق قبل نحو عقد من الزمن".
ماثيو سيليغمان، وهو زميل في "مركز القانون الدستوري" Center for Constitutional Law التابع لكلية الحقوق في "جامعة ستانفورد"، أشار إلى أنه في الماضي "سواء كان الإجراء قانونياً من الناحية التقنية أو ببساطة محصناً من المقاضاة، فقد اعتدنا العيش في بلد يسود فيه احترام مجتمعي أكبر للقانون. لكن اليوم، تحول التركيز إلى التفكير في مناقشات كانت تعد غير واقعية، حول الإجراءات المتطرفة التي قد يقوم بها رئيس، مثل إمكان لجوئه إلى اغتيال خصومه السياسيين".
وأعرب دونالد شيرمان في حديثه مع "اندبندنت" عن عدم تصديقه ما يحصل قائلاً: "ما الذي نحن في صدد مناقشته؟ لا يجوز للمحكمة أن تقدم آراء استشارية في شأن مواقف تخمينية، فواجبها يقضي بالفصل في النزاعات الحقيقية والخلافات القانونية. كان الله في عوننا إذا ما اضطرت المحكمة إلى التعامل مع قضية من هذا النوع، لأن مثل هذا الموقف لن ينشأ إلا إذا كانت هناك محاولة قد وقعت فعلاً".
© The Independent