Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا نتوقع من حكومة "العمال البريطانية" استنادا إلى وعود الحزب؟

توقعات باستمرار سياسات الحد من الهجرة وقيود وضرائب على الأجانب والمغتربين

ملخص

إذا كان لحكومة حزب العمال أن تحافظ على وعودها الانتخابية بعدم زيادة الضرائب الثلاث: الدخل والتأمينات الاجتماعية والقيمة المضافة، فإنها في حاجة إلى توفير تمويل لخطط الإنفاق العام بعيداً من الاقتراض

يعني الفوز الكاسح لحزب العمال في الانتخابات وتشكيله الحكومة بصورة مريحة مع غالبية كبيرة في البرلمان المقبل أن لدى حكومة "العمال" بقيادة كير ستارمر رئيس الوزراء البريطاني الجديد تفويضاً جماهيرياً لفعل ما يلزم لتحسين الوضع الاقتصادي المتردي، ومع تدهور حزب المحافظين وحصوله على أدنى عدد من النواب بمجلس العموم في تاريخه سيكون بمقدور حكومة "العمال" تمرير قراراتها والقوانين من دون صعوبات كبيرة.

لاستعادة ثقة الناس في السياسة، كما قال ستارمر في أول خطاب له بعد تكليفه تشكيل الحكومة، يحتاج حزب العمال إلى تحقيق إنجاز اقتصادي سريع يمس حياة الناس بنهاية الـ100 يوم الأولى له في الحكم، وتدرك وزيرة الخزانة الجديدة راتشيل ريفز ذلك، فماذا نتوقع من الحكومة العمالية في ما يمس حياة الناس، بخاصة المقيمون في بريطانيا أو الراغبون في القدوم إليها هجرة أو تعليماً أو استثماراً؟ وإلى أي مدى يمكن للحزب الحاكم تحقيق وعوده الانتخابية بإصلاح الاقتصاد ليحقق نمواً كبيراً من دون زيادة الضرائب والرسوم أو الاقتراض الحكومي الكبير، إنما بتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي المباشر.

بداية يأمل حزب العمال أن يبدأ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) مسار خفض أسعار الفائدة مطلع أغسطس (آب) المقبل، إذ إن ذلك سيعني تقليل كلفة الاقتراض أي تشجيع الشركات والأعمال على توسيع النشاط، لكن الأهم أنه ربما يعني تخفيفاً لعبء كلفة المعيشة على الناس في بريطانيا، بخاصة من يدفعون أقساطاً شهرية لقروضهم العقارية.

وعود وواقع عملي

لكن السياسة النقدية وحدها، فضلاً عن أنها ليست بيد الحكومة ووزارة الخزانة، لن تكون ذلك الإنجاز المهم والمؤثر بالنسبة إلى المواطنين، بخاصة أن حكومة المحافظين الراحلة تركت الاقتصاد وقد بدأ مسار تعافٍ بطيء بنمو الناتج المحلي الإجمالي 0.7 في المئة في الربع الأول من العام خارجاً من ركود تقني بنهاية العام الماضي، علاوة على أن معدلات التضخم تتراجع، وإن كانت الأسعار ما زالت مرتفعة في بعض الحالات بأكثر من ضعف نسبة التضخم بخاصة للمواد الغذائية.

وإذا كان لحكومة حزب العمال أن تحافظ على وعودها الانتخابية بعدم زيادة الضرائب الثلاث: الدخل والتأمينات الاجتماعية والقيمة المضافة، فإنها في حاجة إلى توفير تمويل لخطط الإنفاق العام بعيداً من الاقتراض بصورة مكثفة، يرفع نسبة الدين فوق 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويزيد عجز الموازنة، مع الإشارة إلى أن وعود جذب الاستثمار الأجنبي لتوسيع النشاط الاقتصادي وزيادة معدل النمو ليست بالأمر المضمون، في ظل تناقضات واضحة في سياسة حزب العمال التي أصبحت تمزج بين استمرار سياسات "المحافظين" وتكييف سياسات "العمال" التقليدية بطريقة تعسفية.

من الأمثلة المهمة على ذلك أنه من بين وعود "العمال" في برنامجهم الانتخابي تكوين شركة حكومية عامة لمشروعات الطاقة الخضراء في سياق التحول في مجال الطاقة من الوقود الأحفوري (النفط والغاز) إلى الطاقة من مصادر متجددة كالرياح والشمس وغيرها، وفضلاً أن تلك الخطط تقلق الاسكتلنديين الذين يخشون تسريح أعداد كبيرة من العاملين في قطاع النفط والغاز في بحر الشمال، فإنها أيضاً قد لا تكون مشجعة للاستثمار الأجنبي المباشر في مجال الطاقة الجديدة مع احتكار الشركة الحكومية الموعودة تلك المشروعات، لذا ستكون منافسة مفضلة على القطاع الخاص. ذلك مجرد مثال على الوعود والواقع العملي الذي ستواجهه حكومة حزب العمال منذ اليوم الأول في السلطة.

تعديلات وقيود

في المثال السابق، وغيره مما يشبهه، نشير بسرعة إلى الإجراءات التي اتخذتها حكومة "المحافظين" السابقة ووعود الحكومة القادمة، فحكومة "المحافظين" ألغت بعض الامتيازات الضريبية التي كان يتمتع بها المسجلون ضريبياً في الخارج، فيما تعتزم حكومة "العمال" إلغاء ما تبقى من تلك الامتيازات، بما في ذلك فرض ضريبة الإرث (التركات) على الثروة خارج بريطانيا، بل إن هناك تكهنات بأن تفرض حكومة العمال نظاماً ضريبياً على المغتربين يشبه النظام الأميركي، أي أن تحصل الحكومة ضريبة على أي دخل خارج بريطانيا سواء كان يجرى دفع ضريبة عليه هناك أم لا.

بالنسبة أيضاً إلى أصحاب الأموال الراغبين في الاستثمار في بريطانيا، فهناك زيادة في ضريبة الدمغة العقارية على المشترين من خارج بريطانيا أو من هم ليسوا بريطانيين، لكن الأكثر ضرراً للأجانب سيكون فرض ضريبة أرباح رأس المال، ومع أن ذلك يفهم بسرعة على أنه ضريبة على المكاسب من الاستثمار في الأسهم والسندات والأصول الأخرى التي تستثمر فيها الصناديق عامة، إلا أنه يمس الجميع تقريباً، ففارق السعر بين بيع عقار تملكه وسعر شرائه يخضع لضريبة أرباح رأس المال، وحتى الآن، لا يدفع المواطن البريطاني ضريبة أرباح رأس المال على بيته الأول الذي يسكنه، لكنه يدفعها على بيت ثان يؤجره أو يستثمر فيه بأي صورة، أما غير البريطاني فسيدفع على أي عقار يشتريه ويبيعه ضريبة أرباح رأس المال.

أضف إلى ذلك كل القيود التي فرضتها حكومة حزب المحافظين أخيراً حتى على المقيمين بصورة شرعية في بريطانيا، سواء للعمل أو التعليم، من زيادة كبيرة في الرسوم وقيود استقدام الأسر وكلفة التمتع بخدمات الصحة وغيرها، ولن تعدل حكومة ستارمر في تلك الإجراءات لما توفره للخزانة العامة من أموال تحتاج إليها الحكومة بشدة.

لوائح وقواعد

من أهم ما وعد به حزب العمال، لغرض تشجيع الاستثمار وتنشيط الاقتصاد وتحقيق النمو، إجراء تعديل على اللوائح والقوانين والقواعد المنظمة للأعمال وتعاملات الشركات، وذلك مطلب مهم للقطاع الخاص والمستثمرين الأجانب الذين كثيراً ما يشكون من تعقيدات الإجراءات في بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في الوقت نفسه، وبحسب البيان الانتخابي لـ"العمال"، ستزيد الحكومة الجديدة من تشديد الإجراءات في تسجيل الشركات وعمليات الفحص والتدقيق، كما أنها ستدعم توسيع سلطات هيئات مثل مكتب مكافحة الإضرار بالمنافسة وأيضاً هيئات مكافحة الفساد. ومن شأن ذلك أن يجعل عمليات تسجيل الشركات من قبل الأجانب الراغبين في وضع أموالهم في بريطانيا أكثر صعوبة، كما أن التوسع في تبريرات الاستحواذ والاندماج وشراء الأصول على أساس أنها تضر بالمنافسة أو لأسباب تتعلق بالأمن القومي يعني عائقاً آخر أمام تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر، إضافة إلى أن سياسة حزب العمال تجاه موضوع الهجرة لا تختلف كثيراً عن سياسة حزب المحافظين، بل إن الحزب في السلطة قد يسن قوانين أكثر تشدداً تجعل من الصعب على أي مستثمر يريد العمل في بريطانيا جلب عمالة من الخارج.

كل تلك التوقعات والمخاوف من عدم تنفيذ الوعود سيبدأ تمحيصها منذ الأسبوع المقبل، ولن يكون أمام الحكومة الجديدة ورئيس الوزراء كير ستارمر ووزيرة خزانته راتشيل ريف فسحة كبيرة من الوقت قبل أن يثبتوا للبريطانيين أنهم يستحقون التفويض الكبير الذي منحوه لحزب العمال بفوزه الكاسح، وكذلك أن يثبتوا للعالم الخارجي أنه يمكن استعادة الثقة في الاقتصاد البريطاني وأن هناك "تغيراً" يجعل بريطانيا مكاناً أفضل للقدوم إليه والاستثمار فيه.

اقرأ المزيد