Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"هرمجدون" إيكولوجية تدق أبواب الكرة الأرضية

هل بات "الكوكب الأزرق" على موعد مع الانفجار بعد الغليان؟

صورة لإعصار "بيريل" من الفضاء في الأول من يوليو 2024 (رويترز)

ملخص

للأسف الشديد تبدو الأرض وكأنها في مواجهة سيناريو أحجار الدومينو الإيكولوجية التي قد تشكل عند لحظة غير بعيدة عاصفة كاملة من التقلبات المناخية يمكنها أن تهب على الأرض في وقت سريع وقياسي، ومعها يتحقق تعبير "كوكب الأرض الراحل".

والسؤال كيف قاد نفاق الدول الكبرى إلى فشل مؤتمرات الأمم المتحدة الخاصة بتغير المناخ؟

ببساطة ومن غير أدنى حاجة لأن يكون المرء عالماً في علوم المناخ يمكن رصد حالة التغيرات المناخية الخطرة التي باتت مهددة للكرة الأرضية من خلال رصد ارتفاع درجات الحرارة حول العالم هذا الصيف، إذ إن الأمم كافة من مشارق الأرض إلى مغاربها تقاسي حالة من السخونة غير المسبوقة التي تستتبعها ظواهر أخرى خطرة من قبيل العواصف والأعاصير والأمطار الجارفة والسيول والحرائق الكثيفة، مما يجعل من الإنسان رهينة للطبيعة الغاضبة

 

هل البشرية حقاً أمام "هرمجدون" مناخية يمكن أن تقود لحالة انفجار كوني بعد مغادرة مرحلة الاحتباس الحراري والولوج إلى منطقة الغليان؟

في سبعينيات القرن الـ20 صاغ جيمس لوفلوك أشهر علماء الطبيعة والمناخ البريطانيين نظريته عن "غايا"، أو "أمنا الأرض"، كما تسميها الأساطير الإغريقية التي زعمت أن الأرض عبارة عن نوع من الكائنات الحية الفائقة، فهي تتمتع بنوع من التنظيم الذاتي من شأنه أن يبقي كل شيء داخل النطاق الضيق الذي يجعل الحياة ممكنة. فإذا ارتفعت درجة الحرارة أو انخفضت أكثر مما ينبغي إذا تغيرت أشعة الشمس أو تسببت البراكين في انخفاض درجات الحرارة، وما إلى ذلك، فإن "غايا" ستعوض في نهاية المطاف، بمعنى أنها ستكون قادرة على تصحيح ما يجري داخلها من أخطاء بصورة ذاتية.

 

كانت هذه فكرة مريحة، لكنها في واقع الأمر كانت خاطئة أيضاً، كما استنتج لوفلوك نفسه في وقت لاحق، فقد كتب عبر صحيفة "اندبندنت" عام 2006 يقول "يتعين عليَّ أن أخبركم بصفتكم أعضاءً في أسرة الأرض، وجزءاً حميماً منها، أنكم والحضارة بصورة خاصة في خطر جسيم".

هل بات على البشر التفكير في واقع الحال المعاصر مناخياً، والذي بلغ مرحلة من الهلع الحقيقي، حيث وجود الحياة برمتها، إنسانية ونباتية وحيوانية، مهدد بالفناء؟ ثم وهذا ربما هو الأهم "هل الرؤية سوداوية بالمرة وما من طريق لمواجهة هذه التغيرات المخيفة؟ أم أن البشرية قادرة قولاً وفعلاً على الفكاك من قدر الانفجار المسكوني المقبل عما قريب؟

صيف 2024... الأرض إلى أين؟

من الولايات المتحدة غرباً، حيث الحرائق بدأت وبقوة تجتاح الغابات في غرب البلاد، وكاليفورنيا بنوع خاص إلى روسيا شرقاً التي لم تشهد درجات حرارة تجاوزت الـ30 درجة مئوية منذ 200 عام، ومن أقصى الدول الواقعة شمالاً في إسكندنافيا، وصولاً إلى جنوب أفريقيا، بات البشر يتساءلون عن صيف 2024 البالغ الشدة، وعن مستقبل الكوكب وهل سنرى درجات حرارة أكثر ارتفاعاً في قادم الأيام مما هي الحال حالياً؟

الثابت أنه في سجلات تاريخ البشرية ميزت نبضات خفية، ولكن لا هوادة فيها تأثيرنا البشري على الأرض. منذ بزوغ فجر الثورة الصناعية عام 1850 ارتفعت درجة حرارة كوكبنا بصورة مطردة كل عام مع تصاعد المعتدل ثلاث مرات منذ عام 1982. وبحلول عام 2050 يقدر المتخصصون أننا سنشهد ارتفاعاً في متوسط درجة الحرارة بمقدار 2.7 درجات مئوية وسلسلة من التداعيات البيئية.

لقد ترك عام 2023 بصمته النارية باعتباره العام الأكثر سخونة على الإطلاق قبل أن يهل علينا صيف عام 2024، إذ تشير التوقعات إلى درجات حرارة أشد في المناطق التي عرفت بأنها باردة مثل الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا وروسيا، أما الدول الحارة أصلاً مثل الشرق الأوسط والخليج العربي، والقارتين الأفريقية وأميركا اللاتينية، فهي على موعد من نوع آخر من الغليان الفعلي لا المجازي.

هل سيكون صيف 2024 هو الأعلى في تاريخ البشرية؟

من غير المرجح ذلك، والمتوقع مزيد من المواسم الصيفية، وربما الشتوية الأكثر حرارة، وعليه فقد بات من المؤكد أن تجتاح موجات لهيب أرجاءً مختلفة من الأرض.

وخلال مايو (أيار) الماضي، قالت خدمة "كوبرنيكوس" الخاصة بتغير المناخ والتابعة للاتحاد الأوروبي، إن حرارة الشهر الخامس من العام تعني أننا شهدنا الآن 12 شهراً متتالياً من درجات الحرارة العالمية القاسية، وفقاً لسجلات تعود إلى عام 1940، ليس الهواء فقط هو الأكثر سخونة، فقد سجلت درجات حرارة سطح البحر في مايو 14 شهراً متتالياً من الدفء.

 

في هذا السياق تقول نائبة مدير الخدمة السابق الإشارة إليها سامنتا بيرجيس "إذا اختارت البشرية الاستمرار في إضافة الغازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي، فسيبدو عام 2023 وعام 2024، كأنهما أعوام باردة مقارنة بما سنراه لاحقاً".

والثابت كذلك أنه في يناير (كانون الثاني) الماضي أفادت خدمة الاتحاد الأوروبي للتغير المناخي أن عام 2023 كان العام الأكثر سخونة على الإطلاق للفترة الممتدة إلى عام 1850، فقد اقتربت درجات الحرارة من الارتفاع الحرج بمقدار 1.5 درجات مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة، وبعد ذلك سنرى أضراراً لا رجعة فيها على الكوكب، وهذه ليست حالات شاذة، بل إن الحرارة الشديدة التي نشهدها هي شيء يجب أن نكون مستعدين للتعامل معه بصورة أكثر انتظاماً جنباً إلى جنب مع العواصف والفيضانات والجفاف.

في تأثيرات الطقس المتطرف

هل ينبغي على سكان "الكوكب الأزرق" الاستعداد لهذه التغيرات المناخية المخيفة القائمة والقادمة؟

يبدو هذا هو السؤال المخيف الذي يجب الانتباه له، لا سيما أنه ستكون هناك حاجة إلى الاستعداد السريع جداً لمواجهة الأهوال المقبلة، فالطقس المتطرف سيخلف تأثيراً واسع النطاق على الصناعة والمجتمع والأفراد، ففي العام الماضي شهدت الولايات المتحدة 25 حدثاً متطرفاً، بلغت خسائرها أكثر من مليار دولار، مما أسفر عن وفاة 464 شخصاً، وفقد الناس منازلهم، وشاهدوا ممتلكاتهم الشخصية تتضرر، أو عانوا من مشكلات صحية عقلية وجسدية.

قد لا يفرق الطقس بين الأشخاص الذين يتأثرون به، ولكن هذا لا يعني أن جميع الفئات حول العالم تتأثر به على قدم المساواة، ذلك أن مجموعات معينة هي ببساطة أكثر عرضة للأحداث المتطرفة بسبب العوامل الجغرافية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو الديموغرافية.

وعندما تضرب موجة حر فإن الشعور بالحرارة سيكون أعلى في البيئات الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية التي من المرجح أن يسكنها أشخاص من ذوي البشرة الملونة أو الأشخاص الذين يعيشون في فقر مقارنة بالأحياء الأكثر اتساعاً أو المناطق الريفية، ثم يصبح البعض بلا مأوى ولا يمكنهم الحصول على الرعاية الصحية، ولديهم قدرة ضئيلة على حماية أنفسهم، بغض النظر عن مقدار التحذير الذي يتلقونه في شأن موجة حر مقبلة، وهذا يجعل هذه الفئات أكثر عرضة للأخطار الصحية الناجمة عن الحرارة الشديدة.

يقول رئيس فرع الرصد والتقييم في المراكز الوطنية للمعلومات البيئية التابعة للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف راسل فوز إن الجويين الباحثين في مجال الحرارة يشعرون بقلق بالغ إزاء الأشخاص الذين يعيشون في مساكن لا تقاوم درجات الحرارة المرتفعة، مشيراً إلى أن المستأجرين معرضون للخطر بصورة خاصة، فإذا كنت مستأجراً فإن قدرتك على تكييف منزلك مع الحرارة الشديدة أقل مما لو كنت مالكاً للمنزل، وهذا يعني أيضاً الأسر الشابة لأن الأطفال معرضون لخطر الحرارة الشديدة.

 

أحد الأسئلة المثيرة هي هل تغيرات الطقس وارتفاع درجة حرارة الأرض تعمق من حالة اللامساواة المجتمعية حول العالم؟

مؤكد أن ذلك كذلك، فالمستويات المرتفعة الدخول مادياً، ستكون لديها القدرة على مواجهة ومجابهة سخونة الجو، بأكثر من المجتمعات الفقيرة، وهذا يعني أن الدول الغنية ستضحى أقل تأثراً من الدول الفقيرة، مما يقودنا إلى فكرة النفاق المجتمعي في ما يخص مواجهة التغيرات المناخية. ماذا عن هذا؟

العالم الغني ونفاق مناخي مشين

لعل المتابع لمؤتمرات الأمم المتحدة الأخيرة الخاصة بالتغير المناخي، بدءاً بنوع خاص من مؤتمر "غلاسكو" 2021 وشرم الشيخ 2022 وأبوظبي 2023، يمكنه أن يقطع من دون أدنى تردد بأن القادة العالميين يعيشون حالة من النفاق المناخي، إن جاز التعبير، لا سيما القيادات السياسية للدول العظمى الذين يقولون ما يفعلون ويعدون بما لا يوفون. وأحد أفضل العقول الذي كشف عن حالة النفاق المناخي حول العالم المتخصص في الشأن الاقتصادي في جامعة مساتشوستس أمهرست البروفيسور جاياتي غوش، وهو عضو لجنة الاقتصاد التحويلي التابعة لنادي "روما".

ويقطع غوش بأن الملايين حول العالم يعدون بالفعل مؤتمرات الأمم المتحدة لمواجهة التغيرات المناخية، مخيبة للآملال، ويلقي باللوم على قيادات تلك الدول، بل يتهمهم بأنهم عاجزون عن إدراك خطورة التحدي المناخي، وعلى رغم أنهم يعترفون بخطورة الأمر وإلحاحه في خطاباتهم، فإنهم في الغالب يسعون إلى تحقيق مصالح وطنية قصيرة الأجل، ويقدمون تعهدات بعيدة المنال بخفض الانبعاثات إلى الصفر من دون التزامات واضحة وفورية بالعمل.

ولعل الأمر الأكثر سوءاً هو أن تصريحات عديد من زعماء الدول الغنية، في المؤتمرات الأممية الثلاثة الماضية، جاءت تصريحاتهم متعارضة مع استراتيجياتهم المناخية الفعلية، ومع ما يقولونه في مناسبات أخرى. وعلى هذا، ففي حين أصدر زعماء مجموعة الدول السبع في قمة "غلاسكو" على سبيل المثال، الالتزامات الخضراء، ومع أنها في حد ذاتها، مخيبة للآمال، فإنه وعلى رغم ذلك، لم يضعوا القليل الذي تعهدوا به موضع التنفيذ، وذلك أنهم كانوا مشغولين بالسماح وتمكين مزيد من الاستثمار في الوقود الأحفوري الذي من شأنه أن يولد إنتاجاً إضافياً وانبعاث غازات الاحتباس الحراري في الأمد المتوسط.

 

ويعطي غوش مثالاً على النفاق من خلال مراجعة تصرفات وتصريحات الولايات المتحدة، ويتساءل "هل تستطيع الحكومة الأميركية الحقيقية أن تقف وتعلن موقفها الحقيقي من أزمة المناخ؟".

خلال خطابه في "غلاسكو" قال الرئيس الأميركي جو بايدن "في حين نشهد التقلبات الحالية في أسعار الطاقة يتعين علينا أن ننظر إليها باعتبارها دعوة إلى العمل"، والواقع أن "أسعار الطاقة المرتفعة لا تؤدي إلا إلى تعزيز الحاجة الملحة إلى تنويع المصادر ومضاعفة الجهود لنشر الطاقة النظيفة وتبني تقنيات الطاقة النظيفة الجديدة الواعدة".

هل كان بايدن حقاً صادق الوعد في ما ذهب إليه؟

المؤكد لا، وذلك أنه بعد ثلاثة أيام فحسب ادعت إدارة بايدن أن منظمة "أوبك+" تعرض "التعافي الاقتصادي العالمي للخطر من خلال عدم زيادة إنتاج النفط"، وكأن واشنطن بذلك تدفع العالم دفعاً في طريق مزيد من إنتاج الوقود الأحفوري المضر بالمناخ العالمي.

يعد هذا المشهد مثالاً صارخاً على النفاق المناخي من جانب زعيم دولة متقدمة، لكنه ليس الوحيد بأية حال من الأحوال، إذ تمتد الازدواجية إلى الإجراءات التي جرت في مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بتغير المناخ، إذ وجد المفاوضون من البلدان النامية على ما يبدو أن مواقف الاقتصادات المتقدمة في الاجتماعات المغلقة تختلف تماماً عن مواقفها العلنية.

هل من أمثلة أخرى على النفاق الأممي الذي يتجاوز الولايات المتحدة؟

بالقطع تبدو الصين طرفاً أممياً ذا تأثير كبير وخطر بالنسبة للتغيرات المناخية، ولعله من متناقضات القدر أنها وفي وقت كان مؤتمر "غلاسكو" قبل ثلاث سنوات منعقداً ومطالباً الجميع بوضع حد للتلوث المناخي، كانت القيادة الصينية برئاسة الزعيم الصيني شي جينبينغ ترفع نسبة الفحم الكربوني في صناعاتها بنسبة في المئة، مما يعني أن مساهمتها في "غلاسكو" كانت صورية غير حقيقية، وأنه لا نية لها للتراجع في سباقها الاقتصادي مع الولايات المتحدة، في طريق تسنم القطبية الدولية، حتى وإن كلف ذلك العالم فرصته الحقيقية في النجاة من الهول الساطع.

المناخ العالمي ونقطة "أوميغا"

مشهد آخر يقطع بحالة النفاق الدولي التي تسهم في الوصول إلى "نقطة أوميغا الإيكولوجية"، وهو الخاص بتعهدات الدول الغنية لمصلحة الفقيرة والنامية، فقد تعهد الزعماء الكبار في "غلاسكو" المساهمة بـ100 مليار دولار كمساعدات وإعانات عاجلة للدول النامية لتجنب أضرار التغير المناخي. هل تم الإيفاء بهذا الوعد؟

قطعاً لم يحدث لأن البلدان الغنية المسؤولة عن الحصة الغالبة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية حتى الآن مترددة في شأن التزاماتها طويلة الأمد بتوفير التمويل المناخي للدول النامية، كما أنها تقاوم التعريف العملي المقترح الذي من شأنه أن يمنعها من التهرب مما يمكن اعتباره تأويلاً للمناخ، وما زالت تتعامل مع التكيف مع تغير المناخ باعتباره منفصلاً، وترفض توفير التمويل لتجنب وتقليل ومعالجة الخسائر والأضرار المرتبطة بتغير المناخ في البلدان الأكثر تضرراً.

في الوقت عينه تكشف الوعود المعلنة في مؤتمرات المناخ الأخيرة عن المعايير المزدوجة التي يتبناها العالم، فقد تعهدت مجموعة من 20 دولة، بما في ذلك الولايات المتحدة بإنهاء التمويل العام لمشاريع الوقود الأحفوري "المستمرة"، بما في ذلك التي تعمل بالفحم، بحلول نهاية عام 2022، ولكن الخطر ينطبق على المشاريع الدولية، وليس المشاريع المحلية، ومن يذكر أن الولايات المتحدة وعديداً من الدول الموقعة الأخرى، رفضت الانضمام إلى الدول الـ23 التي تعهدت بصورة منفصلة بوقف مشاريع الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم داخل حدودها والتخلص التدريجي من البنية الأساسية القائمة للفحم.

هل ظهر النفاق من لدن الدول الكبرى مرة أخرى في دائرة ما يعرف بـ"الاقتصاد الأخضر"؟

المؤكد أن هذا ما جرت به المقادير بالفعل، فعلى نحو مماثل تحولت وعود العالم الغني بنقل التكنولوجيا الخضراء إلى مجرد كلام فارغ، فقد سمحت حكومات البلدان المتقدمة للشركات المحلية بالتشبث بحقول الملكية الفكرية التي تعوق انتشار المعرفة الحاسمة اللازمة للتخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه. وعندما سعت بلدان مثل الصين والهند إلى تشجيع صناعاتها الخاصة بالطاقة المتجددة تقدمت الولايات المتحدة، على وجه الخصوص، بشكاوى إلى منظمة التجارة العالمية.

في نهاية المطاف لا تعود هذه الاستراتيجيات قصيرة النظر بالنفع على أحد، بما في ذلك الشركات التي تخدم مصالحها المالية المباشرة، لأنها تعمل على تسريع تدمير الكوكب وانتقام الطبيعية من البشرية التي تبدو الآن وكأنها غبية إلى حد الموت.

هل يعني ذلك أن "هرمجدون" المناخية باتت بالفعل قاب قوسين أو أدنى من التحقق؟

"هرمجدون" إيكولوجية والانفجار السريع

جرى العرف أن تستخدم تعبير "هرمجدون" كإشارة إلى المعركة العسكرية النهائية على كوكب الأرض، إذ إن الصراعات السياسية بين القوى الكبرى تقود إلى مواجهة لا بد منها، تتسبب في نهاية الحياة من جراء تفعيل الأسلحة النووية. غير أن بعض الأصوات المحدثة باتت ترى أن "هرمجدون" تكاد اليوم تجري من وراء التغيرات المناخية وتغيرات الطقس الكفيلة بأن تجعل كوكب الأرض قابلاً للانفجار، من خلال مسيرة من الإضرابات الهائلة في غضون سنوات قليلة مقبلة وليس في عقود أو قرون.

في قراءة معمقة يأخذنا المحرر التنفيذي لمجلة "ساينتفك أميركان" ومؤلف كتاب "مصير الأنواع " فري غوتيريل في جولة فكرية حول ما يجري في الكرة الأرضية، وكيف أنها بالفعل على وشك الدمار النهائي "الهرمجدوني"؟

لقد ارتفعت درجة حرارة العالم منذ تلك الأيام المبهجة التي مرت بها "الأرض غايا"، وأصبح العلماء أكثر تشاؤماً في تقييمهم حالة مناخ العالم. وقبل فترة حذر عالم المناخ في وكالة "ناسا" جيمس هانسون من أن التغيرات المناخية يمكنها أن تحول كوكب الأرض إلى صحراء غير صالحة للسكن بسبب ارتفاع درجة حرارة سطحه إلى الحد الذي يكفي لإذابة الرصاص في وقت ما خلال القرون القليلة المقبلة.

ولعله من الغريب أن هانسون يبدو متفائلاً تماماً مقارنة بمجموعة جديدة من علماء المناخ الذين يخشون من أن تتجه الأمور نحو الأسوأ في غضون بضع سنوات أو حتى أشهر، إذا كنا غير محظوظين بصورة خاصة. ومن عجيب المفارقات أن بعض هؤلاء العلماء هم من الذرية الفكرية للعالم لوفلوك المتفائل الأصلي الذي تحول إلى شخص متشائم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل من خطوات بعينها يمكن لتغير المناخ من خلالها أن يعجل بنهاية كوكب الأرض بصورة نهائية "هرمجدونية" قولاً وفعلاً؟

الجزئية الأولى في هذا السياق تتعلق بالرياح الموسمية التي تتسبب في سقوط الأمطار على عديد من البقاع والأصقاع.

وتغير المناخ سيمنع الرياح الموسمية التي تهب على الهند من حدوثها، مما يعني أن الأمطار التقليدية لن تجري بها المقادير، في دولة مثل الهند، حيث مليار و300 مليون شخص ينتظرون خبزهم كل يوم من محاصيل الحبوب، ومن هنا تبدو كارثة المجاعة على أبواب الهند.

جزئية أخرى من السيناريو "الهرمجدوني" موصولة بالأقطاب الجليدية، لا سيما في القطب الشمالي، فلسنوات عديدة كان الجليد ينحسر ويتراجع أكثر فأكثر، وربما الآن نكون قد وصلنا إلى نقطة التحول إلى "أوميغا"، وبات الانتقال إلى قطب شمالي خالياً من الجليد أمراً وراداً بقوة.

ما الذي سيحدث عند زيادة الاحترار ناحية القطبين؟

المؤكد المزيد من ارتفاع منسوب المياه إلى ما نحو ستة أمتار في البحار والمحيطات، مما يعني بالضرورة تهديد عديد من المدن الساحلية، وتعاظم ظاهرة النحر، أي اتساع البحر وخصماً من البر، على أن هناك هولاً أشد رعباً، ذلك أنه من الوارد أن تنفتح على البشرية بصورتها الحالية طاقات من الجحيم المختبئ في أراضي القطبين. كيف ذلك؟

يفيد جمهور من العلماء بأن هناك جراثيم وميكروبات وبكتيريا مختبئة في طبقات هذا الجليد، وفي حالة من السكون منذ بضعة آلاف السنين، كائنات حية لا يدري عنها الإنسان المعاصر شيئاً، وقد يكون استيقاظها بمثابة باب لهلاك البشرية، مما شبهه البعض بأنه مجال "للزومبي"، أي قيامة الأموات بالمعنى المجازي.

هل الماء والجليد فقط هما ما يهددان حياة البشر فوق "الكوكب الأزرق"؟

الثابت أنهما ليسا هما فحسب المشكلتين الوحيدتين، ذلك أن غابات الأمازون المطيرة التي تعد رئة الأرض معرضة للخطر أيضاً، فالغابات المطيرة دائماً ما تكون رطبة إلى حد كبير، لكنها تمر بفصول جافة، وتبين أن هذه الفصول تشكل عاملاً مفيداً لبقاء النباتات والحيوانات. ومع قيام الحطابين بتقليص عدد الأشجار التي تنتج الرطوبة اللازمة لتغذية الأمطار المتجمعة، تزداد مواسم الجفاف جفافاً ويطول أمدها.

هل الرأسمالية المتوحشة وراء هلاك غابات الأمازون؟

يبدو بالفعل أن الأمر على هذا النحو، فتجارة الأخشاب وإفساح مجال من الأراضي للرعي، وربما يكون هناك من يقف وراء إشعال الحرائق في تلك الأماكن، جميعها تجعل مصدر الأوكسجين المؤكد فوق سطح الأرض عرضة للضياع، وفي الوقت عينه تبدو فرص زيادة غازات الاحتباس الحراري متصاعدة بصورة تخنق الكوكب.

هل يمكن أن تصحو البشرية بالفعل على سيناريو إيكولوجي "هرمجدوني" عما قريب؟

السيناريو الكارثي الحقيقي، هو عندما تبدأ كل هذه التغيرات في تعزيز بعضها بعضاً، فالقطب الشمالي يفقد جليده البحري الصيفي، مما يتسبب في ذوبان جليد غرينلاند، وتشجيع الغابات الشمالية على التغير أيضاً، ويغير جريان المياه العذبة الديناميكيات الحرارية الملحية ويؤثر في التيار النفاث، في وقت يتفاعل التذبذب الجنوبي لظاهرة "إل نينيو" وتغيرات حوض الأمازون، بطريقة تشد من بعضها بعضاً، وحكماً سيؤثر هذا جميعه على الرياح الموسمية في الهند وأفريقيا.

هل ستكون هذه هي عاصفة النهاية على "الكوكب الأزرق"؟

للأسف الشديد تبدو الأرض وكأنها في مواجهة سيناريو أحجار الدومينو الإيكولوجية، والتي قد تشكل عند لحظة غير بعيدة، عاصفة كاملة من التقلبات المناخية يمكنها أن تهب على الأرض في وقت سريع وقياسي، ومعها يتحقق تعبير "كوكب الأرض الراحل".

المزيد من تحقيقات ومطولات