Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تفاصيل سياسة بن غفير للانتقام من الأسرى

اتبعت إجراءات أكثر تقييداً وحجبت المياه الساخنة وأدوات التنظيف والألبسة ومنعت الزيارات وضاعفت أعداد المسجونين في الغرفة الواحدة

ملخص

يقود وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تلك السياسة الجديدة ضد الأسرى باعتبارهم "إرهابيين قتلة"، وذلك بعد فشله في تطبيقها منذ توليه منصبه في الـ29 من ديسمبر عام 2022.

انقلبت أوضاع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي رأساً على عقب إثر هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، فكل الحقوق التي حصلوا عليها خلال العقود الماضية بالمعارك القانونية والاحتجاجات سحبتها إسرائيل منهم بين عشية وضحاها.

ومنذ بداية الحرب قبل تسعة أشهر تضاعف عدد الأسرى في تلك السجون التي أصحبت مكتظة للغاية، فيما حرمت مصلحة السجون الإسرائيلية الأسرى من الزيارات العائلية والاتصالات معهم، وتحضير الطعام والتعليم وأجهزة التلفزيون والراديو.

وحجبت السلطات الإسرائيلية عن الأسرى المياه الساخنة وأدوات التنظيف والألبسة، وحددت أوقات الذهاب إلى الحمام خلال ساعة واحدة يومياً، وحظرت عليهم ممارسة الرياضة في ما يعرف بـ"الفورة".

ويقود وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير تلك السياسة الجديدة ضد الأسرى باعتبارهم "إرهابيين قتلة"، وذلك بعد فشله في تطبيقها منذ توليه منصبه في الـ29 من ديسمبر (كانون الأول) عام 2022.

وبعد أسبوع على توليه منصبه زار بن غفير سجن نفحة في صحراء النقب "كي يتأكد من أن قتلة اليهود لا يحصلون على شروط أفضل. وأسعده أن يرى أن مصلحة السجون لا تعتزم تحسين ظروف سجنهم".

حينها توعد بن غفير بـ"الاستمرار في متابعة شروط سجن الأسرى الأمنيين، كي لا تكون لديهم حقوق زائدة".

فرصة لتنفيذ الوعيد

ووجد بن غفير في هجوم السابع من أكتوبر فرصة لتنفيذ وعيده ضد الأسرى الفلسطينيين، بسبب رفض رئيسة مصلحة السجون الإسرائيلية كيثي بيري حينها وجهاز الأمن العام الإسرائيلي "الشاباك" تنفيذ تلك السياسة، حتى هجوم حركة "حماس".

ولذلك فإن بن غفير باعتباره مسؤولاً عن مصلحة السجون رفض في شهر ديسمبر الماضي التمديد لبيري بسبب "تساهلها مع أسرى ’حماس‘ وتفاوضها لتحسين ظروفهم".

لكن بيري نفسها أقرت قبل ذلك بشهر باتباع مصلحة السجون الإسرائيلية "سياسة جديدة أكثر تقييداً" منذ السابع من أكتوبر تجاه المعتقلين الأمنيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية".

وأوضحت بيري أن المحادثات مع جهاز "الشاباك" خلصت إلى ضرورة احتجاز الأسرى "بصورة مختلفة تماماً عن الماضي".

واعتاد بن غفير وصف السجون الإسرائيلية بأنها "مخيمات صيفية" للأسرى الفلسطينيين، في إشارة إلى حصولهم على مزايا مثل استكمال تعليمهم ومشاهدة التلفاز وممارسة الرياضة وإعداد طعامهم.

وبهدف سحب "تلك المزايا" عين بن غفير كوبي يعقوب قائماً بأعمال مفوض السجون الإسرائيلية مطلع العام الحالي، إذ تعهد الأخير بتنفيذ سياسة بن غفير ضد الأسرى وتحويلها إلى إجراءات عملية. ومن بين تلك الإجراءات وفق يعقوب "إنشاء جناح مخصص لكبار الإرهابيين، ومفاقمة سوء أوضاع المخربين".

وأضاف يعقوب أنه سيعمل على تطبيق توصيات لجنة كان شكلها وزير الأمن الداخلي الأسبق غلعاد إردان في هذا الشأن قبل أعوام.

ومن بين تلك التوصيات تقليص عدد الزيارات العائلية للأسرى إلى الحد الأدنى وإلغاء الفصل بين سجناء أسرى الفصائل المختلفة، واحتجاز الأسرى في أجنحة مختلطة وإلغاء منصب "ممثل الأسرى".

وقبل الحرب كان الأسرى الفلسطينيون يسجنون في غرف السجون كل حسب انتمائه التنظيمي، بحيث يسجن المنتمون لحركة "فتح" مع بعضهم وكذلك حركة "حماس".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومنذ أشهر يتفاخر بن غفير بتمكنه من "إنهاء المعسكرات الصيفية والرفاهية للأسرى، ومنحهم قليلاً من الطعام للعيش. لا أكترث لذلك".

وأشار بن غفير إلى وجود خلاف بينه وجهاز "الشاباك" في شأن "اكتظاظ الأسرى في السجون، وتحسين ظروف سجنهم".

 

وسخر بن غفير من قضية تقديم الفاكهة للأسرى قائلاً "حظي سيئ أنني اضطررت إلى التعامل في الأيام الأخيرة مع موضوع سلة الفاكهة للأسرى الفلسطينيين. ويجب قتل الأسرى برصاصة في الرأس".

وكان بن غفير يقصد بذلك القانون الذي يسعى حزبه "عظمة يهودية" إلى تمريره في الكنيست الإسرائيلية بالقراءة الثالثة لإعدام "الشخص الذي يتسبب عمداً أو من خلال اللامبالاة بوفاة مواطن إسرائيلي بدافع العنصرية أو العداء تجاه الجمهور اليهودي".

وعلى رغم أن عدد الأسرى قبل السابع من أكتوبر كان نحو خمسة آلاف فإنه تضاعف في هذه الأيام، ووصل إلى أكثر من 9600 أسير، إضافة إلى آلاف المحتجزين من قطاع غزة في معسكرات للجيش الإسرائيلي مثل "سيدي تيمان" و"عناتوت".

وبلغت حصيلة حملات الاعتقال منذ السابع من أكتوبر أكثر من 9500 حالة اعتقال في الضفة الغربية، إضافة إلى الآلاف في قطاع غزة.

وقالت مصادر فلسطينية لـ"اندبندنت عربية" إن تلك الحصيلة "بالنظر إلى قصر الفترة الزمنية" تتجاوز حصيلة الاعتقالات في الانتفاضة الأولى في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، والانتفاضة الثانية بداية عام 2000.

واعتبر رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية قدورة فارس أن "إسرائيل بنسختها الجديدة، وبنزعتها الفاشية العنصرية تتعامل بدافع الانتقام من الأسرى الفلسطينيين بصورة غير مسبوقة".

ووفق فارس فإن نزعة الانتقام تلك تحولت إلى سلسلة إجراءات ضد الأسرى مثل الاعتداءات الوحشية عليهم، التي تسببت بقتل العشرات منهم وتجويعهم وإهمالهم الطبي والاكتظاظ الخانق في غرف السجون".

 

وأوضح فارس أن مصلحة سجون الإسرائيلية تعطي الأسرى "أقل من ربع حاجتهم من الطعام اللازم للجسم"، مضيفاً أن جميع الأسرى انخفضت أوزانهم بأكثر من 30 كيلوغراماً لكل منهم".

وبحسب فارس فإن الاكتظاظ الهائل داخل غرف السجون قلص من المساحة المخصصة لكل أسير إلى متر واحد مربع، مشيراً إلى أن ذلك "يوفر بيئة خصبة لانتشار الأمراض الجلدية".

وضاعفت إسرائيل من عدد الأسرى داخل غرف السجون لكي تصل إلى أكثر من 10 بعد أن كانت تحوي نحو خمسة أسرى قبل السابع من أكتوبر.

وشدد فارس على أن أوضاع الأسرى الحالية هي "الأسوأ على الإطلاق خلال الصراع العربي الإسرائيلي"، مضيفاً أنه يتابع قضية الأسرى منذ 44 عاماً حينما كان معتقلاً ثم مهتماً بأوضاع الأسرى، وأوضح أن "إسرائيل تحرم الأسرى من المياه الساخنة ومواد التنظيف وملابس الغيار. فالأسرى ليس لديهم ما يلبسونه".

22 عاماً في السجون

وبعد 22 عاماً قضاها في السجون الإسرائيلية أفرجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي عن الأسير الفلسطيني عيسى جبارين، إذ أمضى ستة أشهر منها بعد هجوم السابع من أكتوبر.

ودخل جبارين السجن وهو ابن الـ19 سنة وتمكن من الحصول على شهادة الثانوية العامة فالبكالوريوس ثم الماجستير خلال حبسه، ثم حصل على شهادة البكالوريوس في علم الاجتماع بعد فصله من الجامعة العبرية في القدس إثر اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط عام 2006.

وتمكن جبارين من الحصول على شهادة الماجستير في العلوم السياسية والقانون الدولي من الجامعة العربية الأميركية، ونبه إلى وجود مجموعة أسرى حاصلين على شهادات عليا يساعدون على تعليم أسرى آخرين أمثال مروان البرغوثي.

وقضى جبارين 12 عاماً في سجن النقب الصحراوي وثمانية أعوام في سجن ريمون، وأعواماً عدة في سجني نفحة وهداريم، مشيراً إلى أنه كان مسجوناً في غرفة بسجن النقب إلى جانب ستة أسرى، موضحاً "كنت أنام على سرير حديدي مع فرشة في ظل وجود شاشة تلفزيون وراديو وأدوات التعليم".

وبحسب جبارين فإن مصلحة السجون كانت تخصص للأسرى 10 قنوات تلفزيونية لمشاهدتها، إضافة إلى الاستماع إلى الراديو.

​​​​​​​

ووفق جبارين فإنه مثل جميع الأسرى قبل السابع من أكتوبر كان يطبخ الوجبات الغذائية في غرفة السجن بعد شراء مكوناتها من "كنتين السجن"، إذ كان ذووه يرسلون إليه 400 دولار أميركي شهرياً، إضافة إلى 100 دولار تخصصها هيئة شؤون الأسرى الفلسطينية لكل أسير.

وأشار جبارين إلى أن الوجبات الغذائية التي كانت تقدم له من مصلحة السجون "غير صالحة للأكل، إذ كنا نلجأ إلى إعادة طبخها".

وقال جبارين إن الأسرى كانوا يحصلون على ثلاث وجبات يومياً، مع توافر المراوح للتخفيف من الحرارة المرتفعة خلال الصيف.

وتابع جبارين عبر التلفزيون في غرفة السجن بداية هجمات السابع من أكتوبر قبل أن تقطع مصلحة السجون التيار الكهربائي بصورة كاملة عن السجون في الـ11 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

لكن الأسرى أصبحوا يتابعون ما يجري من خلال أجهزة الراديو قبل أن تسحب منهم خلال اليوم الـ15 للحرب بعد دخول قوات خاصة لأقسام سجن النقب كافة، ونقل الأسرى بعد ضربهم المبرح من السجن وتوزيعهم على بقية السجون.

 

ونقل جبارين إلى سجن نفحة والذي مكث فيه سبعة أيام قبل إعادته إلى سجن النقب، إذ أصبح عدد الأسرى في غرفة السجن التي تبلغ مساحتها 28 متراً مربعاً 45 أسيراً بعد أن كانوا ستة قبل الحرب.

وبحسب جبارين فإن السلطات الإسرائيلية سحبت من الأسرى "الأغطية والملابس وأدوات التنظيف والتلفزيون وبلاطة التسخين وكل شيء".

وخصصت مصلحة السجون الإسرائيلية ساعة واحدة للأسرى لذهابهم إلى الحمام، إذ كانت هناك غرفة حمام واحدة لكل 100 أسير، في ظل قطع المياه الساخنة عنهم.

وطوال الستة أشهر التي قضاها جبارين في السجن منذ السابع من أكتوبر وحتى الإفراج عنه مطلع مايو (أيار) الماضي، لم يتمكن من تبديل ملابسه، واضطر إلى استعارة بنطال أحد الأسرى للخروج به من السجن وفق ما روى لـ"اندبندنت عربية".

وقلصت مصلحة السجون الإسرائيلية كميات الطعام للأسرى ونوعيتها، قائلاً "كنا نحصل على 50 غراماً من الرز و50 غراماً من اللبنة وثلاث حبات زيتون، في ظل منعنا من الشراء من ’الكنتين‘".

ولذلك فإن وزن جبارين انخفض من 80 كيلوغراماً قبل الحرب إلى 47 عند خروجه من السجن، "إلى درجة أن والدي لم يتعرف علي عند رؤيتي".

وتابع جبارين أن الأسرى يعيشون "جحيم الحرب بسبب اقتحام قوات القمع المستمر لغرف السجون، مما أدى إلى استشهاد عدد منهم".

الأسوأ على الإطلاق

ومع أن الناشط السياسي الفلسطيني عمر عساف تعرض مرات عدة للاعتقال الإسرائيلي اعتباراً من سبعينيات القرن الماضي، لكنه شدد على أن ظروف الاعتقال الحالية هي "الأسوأ على الإطلاق".

وأمضى عساف ستة أشهر في سجن عوفر الإسرائيلي وخرج قبل أسابيع منه بهيئة مختلفة عن التي دخل عليها.

وأشار عساف إلى أن الاختلاف في ظروف الاعتقال يبدأ من لحظة الاعتقال، إذ فجر الجنود الإسرائيليون أبواب منزله قبل اعتقاله.

وأوضح أنه بقي بالملابس التي استلمها فور دخوله السجن من دون استطاعته غسل ملابسه الداخلية لمدة ثلاثة أشهر، في ظل عدم توافر المياه الساخنة للحمام.

واشتكى عساف من الاكتظاظ في غرف سجن عوفر "كنا 12 أسيراً في غرفة مخصصة لستة فحسب موجود فيها ستة أسرة، وكان نصفنا ينام على الأرض في ظل عدم توافر الأغطية الكافية لنا خلال فصل الشتاء".

وعن الطعام قال عساف إن "كمياته غير كافية على الإطلاق ونوعياته سيئة"، مشيراً إلى أن ذلك تسبب في نقص وزنه بنحو 29 كيلوغراماً.

وجاء ذلك في ظل إغلاق مصلحة السجون الإسرائيلية منافذ البيع التي كانت توفر المواد الغذائية والمشروبات والسجائر للأسرى.

وأشار عساف إلى أنه تعرض لالتهاب في فروة رأسه وتقيح إثر وقوعه على رأسه، بسبب الإهمال الطبي الذي يواجهه الأسرى.

ويتعرض الأسرى في السجون الإسرائيلية إلى حملات قمع شبه يومية تنفذها وحدات متسادا ونحشون وكتير، باستخدام الرصاص المطاطي والهراوات والغاز.

 

وروى عساف لـ"اندبندنت عربية" كيف أنه كان شاهداً على "الضرب المبرح لعدد من الأسرى، وامتداد دمهم على أرض السجن لأكثر من 100 متر بسبب سحلهم".

وتمنع إسرائيل اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة السجون الإسرائيلية وتنظيم زيارات ذوي الأسرى لهم في السجون منذ السابع من أكتوبر، كما جرت العادة منذ عقود.

وعدت مديرة مركز "الدفاع عن الفرد" الإسرائيلي جيسكا مونتيل أن "ظروف الاكتظاظ في السجون الإسرائيلية "بعيدة كل البعد من الحد الأدنى للشروط التي حددتها المحكمة العليا الإسرائيلية".

وقالت مونتيل لـ"اندبندنت عربية" إن "الاكتظاظ لا يطاق والظروف الصحية سيئة، وظروف التهوية غير ملائمة".

ووفق مونتيل فإن المركز يتلقى شكاوى حول تقليل كميات الطعام ونوعيته، وأوضحت أن ظروف الأسرى في السجون الإسرائيلية "مروعة في ظل ارتفاع حدة العنف ضدهم، وانفصالهم عن العالم الخارجي وفقدانهم الحد الأدنى من أساسات الحياة".

ويرى الباحث في الشؤون الإسرائيلية عصمت منصور أن بن غفير استغل هجوم السابع من أكتوبر لتنفيذ مشروعه ضد الأسرى، الذي تعهد بتنفيذه خلال حملته الانتخابية.

ووفق منصور فإن مشروع بن غفير يقوم على "جعل ظروف حياة الأسرى سيئة، والمضي قدماً بسن قانون الأسرى الفلسطينيين".

وأوضح أن "الموجة العاتية من التطرف التي زادها هجوم السابع من أكتوبر، شكلت فرصة لبن غفير لتنفيذ أجندته المتطرفة ضد الأسرى".

وأضاف منصور أن "الشاباك" ومحكمة العدل العليا الإسرائيلية شكلا في السابق "كوابح ضد تنفيذ أجندة بن غفير"، مشيراً إلى أنه بعد الهجوم تلاشت كل الاعتبارات الأخرى.

هذا ويرى المحامي فؤاد السلطاني أن الظروف الحالية "مواتية للمضي قدماً في سن قانون إعدام الأسرى، وذلك بعد تحفظ المنظومة الأمنية الإسرائيلية عليه بسبب القناعة بعدم جدواه في لجم منفذي الهجمات".

وأشار سلطاني إلى أن "بن غفير من اليمين الفاشي يستغل الظروف الحالية للانتقام من الفلسطينيين، وتمرير أجنداته ضد الأسرى".

المزيد من تقارير