Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رضوان راجل يخرج من عتمة السجن إلى ضوء المسرح

يكتب تجربته ويمثلها بعد 6 أعوام من الأسر في زنزانة فرنسية

رضوان راجل في المسرحية التي كتبها ويمثل فيها (أ ف ب)

ملخص

"في ظل مصباح الشارع" مسرحية كتبها رضوان راجل، السجين الفرنسي ذو الاصل الجزائري، وفيها يعبر عن تجربته داخل الزنزانة، وكيف تمكن من استعادة حياته، بعد فترة من التأهيل. ويطل راجل ممثلاً في هذه المسرحية التي أخرجها جويل بومرا.

يمكن لإنسان مثل رضوان راجل أن يزعم أنه عاش عدة حيوات في سنواته التي لا تربو على الـ50، وزعمه هو في مكانه. فهذا الرجل عرف مهناً عدة وأنماط عيش عدة إذ عرف الحياة العسكرية وحياة الملاكم وحياة الحارس الشخصي وحياة بائع سيارات وحياة السجين وحياة الفيلسوف... وها هو اليوم يعيش حياة الكاتب المسرحي والممثل على الخشبات الفرنسية بعد أن تابع برامج إعادة تأهيل في السجن ساعدته على إيجاد طريقه في الفن وعلى خشبة المسرح.

وقد يفاجأ المرء عند معرفة أن شخصاً خرج من حكم بسجن لستة أعوام، تمكن من جمع خيوط حياته ليعيد إحكام قبضته عليها وتحويل ألمه وماضيه وأخطائه إلى كلمات وقصص وفن يقدمه على خشبة المسرح. من هنا ينطلق مفهوم العدالة الإصلاحية أو عملية إعادة التأهيل التي عرفها راجل، التي عرفته إلى المسرح. فهذه البرامج التي طبقت في دول العالم الأول بكل جدية ومتابعة دقيقة، تتيح للضحية وللجاني أن يعيدا بناء حياتيهما بعيداً عما أصابهما من ضرر وأذى في الماضي. تبني العدالة الاجتماعية حواراً بين مشرف وسجين، كما تبني علاقة بين السجين والمجتمع، علاقة لا يسودها الغضب ولا الحقد. وتؤسس عملية إعادة التأهيل لمرحلة شفاء السجين من ماضيه وزلاته وأخطائه. تهدف العدالة الإصلاحية لخلق هدف للسجين وللضحية على حد السواء، فهي تسعى إلى بث الأمل والأمان في روح الإنسان المهشم ليتمكن من النهوض مجدداً والمساهمة في حياة مجتمعه العملية والفكرية من دون أن يعود للانغماس في الناحية المظلمة منه. وهذا ما حدث تماماً مع رضوان راجل، فبدلاً من أن يخرج حانقاً على مجتمعه وعلى الآخرين وعاجزاً عن النهوض من جديد، ها هو يخرج محرراً إلى حد ما من أوزاره وبيده المسرح أداة لإثبات ذاته ومساعدة غيره.

بداية العلاقة بالمسرح

بدأت مسيرة رضوان راجل مع المسرح من داخل السجن، بإشراف "أوليفييه بي" (Olivier Py). تمكن رضوان راجل وهو في السجن من أن يخرج ما في روحه من أوجاع وزوايا معتمة وتمكن من خلق مساحة أمل وهو بعد داخل زنزانته. فمنذ سجنه سنة 2013 وهو يخسر بطبيعة الحال. خسر عمله وعلاقته الطيبة بعائلته وثقته بقدرته على العودة إلى المجتمع. فجاء المشرح دواء وشفاء.

ومن يسمع راجل يتحدث عن أعوام سجنه يكتشف أن هذا الأخير أمضى سنتين في السجن الانفرادي عرف فيهما الوجع والعزلة والوحدة التي "تجعل المرء مجنوناً". في أعوام سجنه الستة عرف راجل العنف والغضب والوحشية الإنسانية، عرف أن الهيراركية واللاعدالة موجودتان حتى داخل السجن نفسه وخلف قضبانه، وعرف أن شريعة الغاب وشريعة الأقوى هما اللتان تسودان أينما كان. تألم راجل لفقد الحرية ولفقد العائلة ولفقد كل ما عمل من أجله منذ سنوات يفاعته هو الذي تربى مع والدته وعمته. فيقول راجل عن أعوام سجنه "لم يكن بمقدوري أن أظهر أي عاطفة، لا الحزن ولا الضعف. لم يكن يجب أن يظهر مني أي شيء للآخرين، لكنني في الوقت نفسه، شعرت بالحاجة الملحة لأن أحادث أحداً بلماذا أنا موجود في هذا المكان، وبلماذا أشعر بهذا الحزن كله في قلبي وبهذا القلق. لم يكن بإمكاني أن أفشي بمكنونات قلبي لسجين آخر، فهذا تصرف خطر بمكان، ولا لسجان فهذا أمر معقد ولا يوحي بالثقة. معالج نفسي كان ليفي بالغرض ربما".

وحدها رسائله إلى صديقه أستاذ الفلسفة مارك روسميني الذي تعرف إليه سنة 2009 أبقت على سلامة راجل العقلية. فالأحاديث المكتوبة التي أفشى فيها مكنونات صدره جعلته يفكر في شؤون وجودية إنسانية عميقة، جعلته يكتشف أن حزنه وحنقه إنما هما مبرران وطبيعيان. ويبدو أن الفلسفة المتجسدة بصديقه أستاذ الفلسفة أنقذته بأسئلتها وطروحاتها. فيقول راجل في إحدى المقابلات المجراة معه "تبادل الرسائل مع مارك منعني من الغرق وساعدني على الشعور بأنني موجود فعلاً". ومن الجدير ذكره هنا أن راجل داوم على مدار أعوام سجنه الستة على كتابة الرسائل وعلى متابعة حلقات المسرح ليبني دواخله من جديد بعد أن فقد ثقته بالإنسان وبالمجتمع وبنفسه، فيقول "بفضل المسرح ولدت ولادة جديدة ونلت حياة جديدة". ليتضافر الفن بالفلسفة ويعيدا إحياء إنسان من الموت واليأس وغياهب الزنازين المعتمة.

"في ظل مصباح الشارع"

يصعد رضوان راجل إلى خشبة المسرح بدعم من جويل بومرا (Joël Pommerat) الذي يفتح له أبواب التمثيل المسرحي بشكل محترف، فيظهر عمل "في ظل مصباح الشارع" أول عمل يكون فيه راجل الممثل الوحيد والكاتب الذي يشارك الجمهور همومه وماضيه وما عرفه من تحديات في الحياة. يظهر راجل أمام مرآتين مصفوفتين بشكل متلاصق ومتواز وكأنهما تشكلان زاوية، زاوية تعكس الذات أو الأنا ودوافنها. بلباسه الأزرق وصوته العريض يجلس راجل على مقعد أحمر تارة أو يقف تارة أخرى، ناقلاً قصصه بعاطفة عالية إنما من دون أن يقع في فخ تحويل الذات إلى ضحية ومن دون الوقوع في فخ استدرار الشفقة والتعاطف من الجمهور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

متعرياً من الغضب والعنف والمرارة، يتوقف راجل عند موضوعات متعددة وعميقة كالحياة والصداقة والمجتمع والأمل واليأس والقلق والتردد. وفي إحدى المقابلات المجراة معه يتحدث رضوان عن حقه بإخبار قصته وعن شرعية حضوره على المسرح هو الذي أخطأ ودخل السجن فيقول: "أفكر دوماً بهذا الأمر، بشرعية أن يتم تسليط الضوء علي من بعد ما ارتكبته في الماضي. خشبة المسرح بالنسبة إلى عدالة إصلاحية، أود عبرها إيصال المفاتيح والأدوات التي لو عرفتها أبكر لربما تجنبت آنذاك ارتكاب ما لا عود من بعده".

مسرحية "في ظل مصباح الشارع" التي ستعرض حتى الـ21 من يوليو (تموز) 2024 في أفينيون لن تكون مسرحية عادية، هي مسرحية إنسان يستعيد حياته من بعد أن ظن أنها ضاعت منه، هي قصة إنسان خسر وتاه وتألم لكن الظروف والأقدار شاءت أن تمنحه فرصة جديدة ليخرج مما هو فيه ويكون مصباحاً لآخرين. وتتجلى في عملية تأديته نصاً من كتابته أهمية الإصلاح في المجتمع، في السجون وفي غيرها من الأماكن التي فيها أفراد من المجتمع يعانون العنف والغضب واليأس. وما أحوج مجتمعاتنا العربية اليوم إلى سياسات إصلاح تعيد تأهيل الأفراد وتعيد منحهم أملاً ومصباحاً للمستقبل وتحولهم أداة لإنارة الطريق لغيرهم من الضائعين اليائسين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة