Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شرخ مذهبي يطل برأسه على ليبيا

يرى مراقبون أن أي استهداف للمذهب الإباضي سيجر المغرب الكبير إلى صراع من الصعب تطويقه 

جانب من فعاليات ملتقى حكماء وأعيان ليبيا (الصفحة الرسمية للمجلس الأعلى للإباضية في ليبيا)

ملخص

إن "تكفير جزء أصيل من السكان ووصفهم بالخوارج وعدم جواز سماع شهادتهم، يعد إعلان حرب وإبادة ضد أتباع المذهب الإباضي".

وسط هتافات تنادي بـ"ليبيا وسطية" دعا المؤتمر الختامي لملتقى المجلس الأعلى لحكماء وأعيان ليبيا الذي انعقد بمدينة جادو تحت شعار "وكذلك جعلناكم أمة وسطاً"، حكومة الوحدة الوطنية إلى حل "الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية"، وإعادة هيكلتها وفق المنهج الوسطي.

وشدد البيان الختامي على أنه إذا "لم يتم حل الهيئة وإدارتها في غضون 30 يوماً فإن حكومة عبدالحميد الدبيبة تتحمل مسؤولية نقل مكاتب الأوقاف إلى مختلف بلديات مناطق ليبيا"، مطالباً باتخاذ الإجراءات القانونية حيال كل من يحاول زرع الفتنة داخل المجتمع الليبي. 

وهاجمت هيئة الأوقاف في طرابلس (التي لم يصدر عنها أي بيان على خلفية هذا الرفض والاستهجان لما صدر عنها من تكفير للإباضية) المذهب الإباضي الذي يتبعه غالبية أمازيغ ليبيا، وذهبت إلى حد "تكفيرهم واستباحة دمائهم".

جاء هذا في ظل تطورات أكد مراقبون أنها كافية لإحداث شرخ جديد داخل المجتمع الليبي على أساس طائفي، علاوة على شبح الانقسام السياسي والأمني المالي الذي يخيم على ليبيا منذ سقوط نظام الرئيس الأسبق معمر القذافي عام 2011 .

حرب طائفية 

وعلى رغم دعوة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إلى اتخاذ "الإجراءات الرادعة والعاجلة" في حق كل من صدرت عنه التصرفات المذكورة سلفاً من الهيئة المعنية، فإن رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا عبدالهادي برقيق لم يخف في حديثه إلى "اندبندنت عربية" خوفه من "انزلاق البلاد تجاه حرب طائفية"، مؤكداً أن ما تقوم بإصداره هيئة الأوقاف طوال الأعوام الماضية تمهيد لحرب طائفية مذهبية بين الليبيين.

 

 

وتابع رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا أن "تكفير جزء أصيل من السكان ووصفهم بالخوارج وعدم جواز سماع شهادتهم، يعد إعلان حرب وإبادة ضد أتباع المذهب الإباضى".

ونوه بأن نشر الهيئة عبر صفحتها الرسمية على "فيسبوك" لفتوى قديمة جداً للشيخ سحنون المالكي كان الغرض منه خلق فتنة وصراع بين الإباضية والمالكية، من طريق إخراج فتاوى قديمة مر الزمن عليها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونبه برقيق أن الصراع المذهبي المقبل في ليبيا سيكون بين مذهب اختاره عامة الليبيين منذ القدم مع أفكار جديدة تسعى استخبارات خارجية إلى تحريكها من أجل فرض أيديولوجية تتماشى مع أفكارها وأهدافها، مضيفاً أن تركيبة المذاهب في ليبيا كانت واضحة وخليطاً بين المالكية والصوفية والإباضية، غير أنه بعد ثورة الـ17 من فبراير (شباط) 2011 وجدت هذه التيارات فرصة للتحرك والسيطرة على بعض السلطات التنفيذية بقوة السلاح والدعم الخارجي.

وقال رئيس المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا إن الحرب على المذهب الإباضي كان سببها الرئيس أنه "مذهب معتدل، يؤمن بمبدأ الشورى وجواز الخروج على الحاكم الظالم".

مجتمع الطوائف 

وفي المقابل، يرى الباحث في الشأن السياسي يوسف البخبخي أن مثل هذه الأفعال تتجه نحو سعي حثيث إلى إنتاج "مجتمع الطوائف" في ليبيا المنقسمة سياسياً وأمنياً، وهو ما استطاع المجتمع عبر تاريخه أن يتسامى عنه في وحدة دينية وتناغم مجتمعي وإن تعددت مدارس الإسلام فيه.

وبين في تدوينة له مدى خطورة تسلل هكذا أمور إلى عقول النشء لصناعة جيل ليبي ليس له إلا أن يكون مادة للتطرف والكراهية والتشوه العقدي والتاريخي والمنهجي، وهو أمر مؤذن بكوارث وتشوهات مجتمعية. 

وشدد الباحث في الشأن السياسي على أن الحل الحقيقي لإنقاذ المجتمع الليبي من هذا الصراع لن يكتمل إلا بالدعوة إلى تحرير الهيئة العامة للأوقاف" من هذه "الطائفة"، وإعادتها إلى حضن الوطن بتناغمه العقدي وانسجامه التاريخي بين مختلف مذاهبه كالمالكي والإباضي.

تحالف مالكي - إباضي 

ومن جهة ثانية، قال السفير الليبي السابق والرئيس الحالي للمؤتمر الليبي للأمازيغية إبراهيم قرادة إن "التيار المدخلي" في ليبيا دؤوب من فترة إلى أخرى على استهداف الإباضية عبر أجنحته الإعلامية، وتوصيف متبعيها مرة بأنهم خوارج، وثانية بأنهم من أهل البدع والأهواء، وأخرى بانحرافهم عن جادة الإسلام الصحيح كما تعرفه مدرستهم، والذي يعني عدم أهلية الإباضيين في ليبيا. 

 

 

وأكد قرادة أن "التيار المدخلي" في ليبيا دخل في صدامات مع المالكية الأشعرية ومع الصوفية وحتى مع دار الإفتاء وعلمائها، غير أن استهدافهم للإباضية يشكل مصدر تهديد للسلم الاجتماعي وزعزعة الاستقرار الهش في ليبيا المصابة بالانقسام والمتخمة بالسلاح (29 مليون قطعة سلاح) والمشحونة بالتدخلات الخارجية.

وأضاف أنه بالنظر إلى حدة وحدة موقفهم وفتاواهم ضد الإباضية فإن الخطورة تزداد مع ارتباط الإباضية في ليبيا بالأمازيغية في كل من جبل نفوسة وزوارة وطرابلس. 

وأوضح رئيس المؤتمر الليبي للأمازيغية أنه في السابق وعند كل هجمة استفزاز ضد الإباضية يستنفر الأمازيغ دفعاً ودفاعاً، غير أنه في المرة الأخيرة تطور الرد الإباضي الأمازيغي إلى تصعيد جماعي برفض ومقاومة أي استهداف للإباضية، مع بيان الاستعداد لحماية الإباضية والدفاع عن الإباضيين عبر سلسلة إجراءات منها "غلق فروع هيئة الأوقاف في المناطق الإباضية"، مما اضطر رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة إلى توجيه رسالة إنذار "شديدة اللهجة محذراً الهيئة ورئيسها بالتوقف وعدم التكرار". ورافق ذلك حال تضامن رسمي ومجتمعي كبيرة مع الإباضية من عامة الليبيين، ومن دار الإفتاء والمجلس الأعلى للدولة وتجمع علماء ومشايخ ليبيا وبلديات ليبية.

وحول عدم رد الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية بطرابلس على هذه المواقف ضد فتاواهم، أكد قرادة أنها تجنبت عاصفة الرفض والاستهجان بعدم اعتذارها ولا حتى مجرد الرد على التفاعلات.

وتساءل قرادة عن مدى التزام الهيئة بطاعة أوامر رئيس الحكومة وهو ما يبرز معه صعوبة محافظة رئيس حكومة الوحدة الوطنية على توازن السلطة حال حدوث تصادم آخر تسببه الهيئة، منبهاً لأن التصادم القادم قد يتطور إلى تحالف مالكي إباضي ضد استهدافهما بالنظر إلى تعايش المالكية والإباضية المتضامن.

وأبرز أن أي تصادم قد يتطور إلى مواجهات يصعب التكهن بها أو السيطرة عليها حال وقوعها، والتي قد تمتد في جغرافيتها وتتصاعد في حدتها وتتعاقد في تشابكاتها في ظل جروح التحارب النازفة ووجود السلاح وضعف الدولة وانقسامها السياسي والأمني.

وقال رئيس مؤتمر الأمازيغة إن الإباضية ارتبطت بالأمازيغية تاريخياً وحاضراً، فأمازيغ "شمال ليبيا" إباضيون وأمازيغ "جربة التونسية" إباضيون وأمازيغ "مزاب الجزائرية" إباضيون، بالتالي فإن أي شرخ في التعايش المتوائم تاريخياً بين الإباضية والمالكية سينعكس في صورة اضطرابات جدية على استقرار الدول الثلاث المتجاورة، منوهاً بأنه مع ارتباط الإباضية بالأمازيغ فإن أي تأجيج قد يجذب الصراعات نحو الأمازيغية في كل الدول المغاربية، مما قد يهدد التآخي العربي الأمازيغي والمالكي الإباضي في المغرب الكبير.

ونبه قرادة إلى خطورة تفتيت النسيج الشعبي المغاربي التي ستكون رهيبة لعوامل عدة منها عدد السكان الذي يتجاوز المئة مليون نسمة، وسعة المساحة التي تتجاوز 6 ملايين كيلومتر مربع، والامتدادات الجيوسياسية من البحر المتوسط إلى صحراء الساحل الأفريقي. 

وقال إنه انطلاقاً من الفطنة السياسية المعتبرة للسوابق التاريخية، وجب عدم استبعاد وجود محفز خارجي لأية أزمة مفتعلة أو ناتجة من استهداف أمازيغ ليبيا وإباضيتها، لأن أي انفجار لصراع مجتمعي على أساس هوياتي أو مذهبي سيكون من الصعب تطويقه.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات