Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إسرائيل تلاحق أسمدة "الضفة" بزعم استخدامها في المتفجرات

مهندسون زراعيون يحذرون من انخفاض إنتاجية المحاصيل إلى النصف في ظل عدم توافر البدائل

نحو 100 مادة خام محظور إدخالها السوق الفلسطيني بدعوى الاستعمال المزدوج (صفحة المنسق الإسرائيلي على "فيسبوك")

ملخص

اعتبر البنك الدولي في أحد تقاريره أن القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج باتت تعوق قدرة الاقتصاد الفلسطيني على خلق وظائف تتواءم وحاجات السوق الفلسطيني المتنامية.

وسط انشغال يسرى العبد (35 سنة) مع أطفالها باختيار بعض الأزهار وأشجار الزينة لتجميل حديقة منزلهم الجديد، دهمت قوة عسكرية إسرائيلية المشتل الذي كانوا يوجدون فيه قرب مدينة رام الله لاعتقال مالكه ومصادرة معظم الأسمدة الزراعية التي كانت بحوزته داخل المشتل، بحجة أنها "غير قانونية".

فالجيش الإسرائيلي الذي صعد من عملياته العسكرية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بادعاء محاربة استخدام الألغام والعبوات الناسفة التي تستهدف قواته أثناء اقتحامها المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين، أوعز بملاحقة المشاتل الزراعية ومحال بيع الأسمدة الكيماوية والأدوات البيطرية ووقف نقل الأسمدة من إسرائيل إلى الضفة الغربية بادعاء أن جهاز الأمن اكتشف استخدامها في صنع عبوات متفجرة أدت خلال الأيام الأخيرة إلى مقتل ثلاثة جنود قرب جنين وفي منطقة طولكرم، وعلى أثرها أكد قائد المنطقة الوسطى في الجيش يهودا فوكس أن "ما يجري في الضفة يهدد مستقبل إسرائيل".

رقابة مشددة

ووفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية صادر الجيش ودمر في الضفة الغربية خلال العام الأخير أكثر من 50 ورشة لصنع أسلحة وعبوات، وفجر أكثر من ألف قنبلة محلية الصنع ومئات العبوات التي تستخدم لتفجير المركبات المدرعة، وأبطل مفعول أكثر من 150 عبوة ذات مستوى عال كانت مزروعة في مناطق مختلفة. في حين لم ترصد الاستخبارات العسكرية حتى الآن استخدام عبوات ناسفة من نوع "شواظ" كتلك الموجودة في قطاع غزة.

ومنذ الانتفاضة الثانية عام 2000 تفرض إسرائيل رقابة مشددة على استيراد أو إدخال أنواع كثيرة من الأسمدة للضفة الغربية، فهي إلى جانب منعها دخول الأنابيب الزراعية والكبريت والأسمدة تحظر إدخال جميع المواد التي تحوي النترات، ومنها الـ"يوريا" ونترات البوتاسيوم ونترات الكالسيوم بزعم أن القدرات الفلسطينية في الضفة الغربية في ما يتعلق بصناعة المتفجرات نمت وتطورت بعد استخدام مواد ذات استخدام مزدوج كالأسمدة الزراعية، و"بيروكسيد الهيدروجين" و"الأسيتون" والأحماض الصناعية وغيرها من المكونات التي يهرب بعضها من إسرائيل إلى الضفة الغربية.

وأوضح مهندسون زراعيون لـ"اندبندنت عربية" أن منع دخول أصناف مهمة من الأسمدة الضفة بحجة استخدامها في العبوات الناسفة سيؤثر في مستوى الزراعة الفلسطينية، لأن حظر بعض الأسمدة قد يتسبب في انخفاض إنتاجية المحاصيل بـ40 أو 50 في المئة عن المعدل الطبيعي، خصوصاً في ظل عدم توافر بدائل زراعية وبخاصة في منطقة الأغوار المليئة بمزارع النخيل والتي تعتمد كثيراً على الأسمدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويرى متخصصو الزراعة أن استخدام السماد العضوي ومخلفات مزارع الحيوانات كبديل زراعي على رغم أهميتها تنقل الأمراض إلى الثمار وتشكل خطراً على التربة، ناهيك بعدم إنتاج الكميات المطلوبة. ونظراً إلى ارتفاع كلف إنتاج السماد العضوي فإن الفلسطينيين لا يخوضون تجربة صناعة الأسمدة البلدية.

وأكد المتخصصون أن البدائل الزراعية الأخرى عن الأسمدة الكيماوية التي تحوي على "نترات البوتاسيوم" و"نترات الكالسيوم" والسماد المركب وسماد الـ"يوريا" الذي يتحكم في طول النبتة وحجم ثمارها وغزارة إنتاجها، تكون في الغالب أقل جودة وفاعلية إضافة إلى أنها باهظة الثمن وقد يزيد سعرها على المواد الممنوعة بنحو 200 في المئة.

وفي المقابل أشار الجانب الإسرائيلي إلى أنه سيقيد دخول كميات الأسمدة الكيماوية للجانب الفلسطيني وحصرها في الاستخدام الشخصي فقط وليس الصناعي، ضمن كميات محدودة وضئيلة. ووفقاً لوسائل إعلام إسرائيلية فقد تلجأ إسرائيل لاستخدام النموذج الذي سبق واستخدمته في قطاع غزة في ما يتعلق بالأسمدة، عبر إنشاء آلية مراقبة لكميات المواد التي تدخل إلى الضفة الغربية وأنواعها والوجهة النهائية التي تصل إليها.

مواد محظورة

ومن جانبها رأت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية أن إقدام الجيش على مصادرة المعدات والأسمدة الزراعية الضرورية والأساس للقطاع الزراعي في مدن فلسطينية عدة، واقتحام المحال التجارية والصرافة والتدمير الممنهج للبنية التحتية للاقتصاد إحدى أدوات الضغط الاقتصادي لكسر صمود الفلسطينيين، والحد من إمكانية قدرة الاقتصاد على الاستجابة لمتطلبات الوضع الراهن، مؤكدة أن الذرائع الإسرائيلية الأمنية والبيئية والصحية تأتي التفافاً على الأنظمة والقوانين الدولية، ومخالفة للممارسات الدولية المتبعة في عمليات الإنتاج الصناعي والزراعي، وتتسبب في مزيد من التعقيدات التي تحد من إنعاش القطاعات الاقتصادية وتزيد من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي.

ووفقاً لبيانات رسمية تحكم إسرائيل سيطرتها على استخدام السلع ذات الاستعمال المزدوج، وهناك ما لا يقل عن 100 مادة خام تمنع إدخالها إلى السوق الفلسطيني لذرائع أمنية، وتستخدم في قطاعات الصناعات الجلدية والإنشائية والغذائية والهندسية والمعدنية والنسيج والخياطة والألمنيوم والكيماوية ومعدات وقطع الغيار. وتمنع دخول مادة حمض الكبريتيك والنيتريك التي تدخل في كثير من الصناعات وغيرها من المواد، مما يكبد الصناعات خسائر كبيرة وتسبب في إغلاق بعضها.

 

 

واعتبر البنك الدولي في أحد تقاريره أن القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج باتت تعوق قدرة الاقتصاد الفلسطيني على خلق وظائف تتواءم وحاجات السوق الفلسطيني المتنامية، باعتبار أن هذه السلع مستلزمات ومدخلات رئيسة للإنتاج. وأبرز التقرير الآثار السلبية للقيود على السلع ذات الاستخدام المزدوج في قطاعات الصناعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والزراعة.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني الصادر في مايو (أيار) 2023، بلغت مساهمة أنشطة الزراعة في الناتج المحلي الفلسطيني الإجمالي 6.0 في المئة. إذ يسهم قطاع الزراعة الفلسطيني إسهاماً كبيراً في الأمن الغذائي، لكن القيود المفروضة على السلع ذات الاستخدام المزدوج تسببت في تقليص تركيز المواد الكيماوية الفعالة في الأسمدة، مما جعلها أقل فاعلية.

ويواجه الاقتصاد الفلسطيني صدمة اقتصادية غير مسبوقة تصاعدت حدتها مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إذ من المتوقع أن يسجل الانكماش الاقتصادي 10 في المئة مع نهاية العام الحالي.

إجراءات رادعة

وفي إطار التصعيد على المشاتل الزراعية ومحال بيع الأسمدة الكيماوية والأدوات البيطرية في الضفة الغربية لكبح تصاعد الاستخدام القاتل للعبوات الناسفة، قررت القيادة المركزية للجيش اتخاذ سلسلة من الإجراءات الإضافية كتوسيع سياسة الاغتيالات وبخاصة ضد الفلسطينيين الضالعين بصناعتها وشرائها. واعتماد ناقلات جند ثقيلة ومدرعة من طراز "نمر" من أجل الاقتحامات استخدمت للمرة الأولى منذ "انتفاضة الأقصى" عام 2000. وعلى رغم أن المدرعة الجديدة ستواجه صعوبة كبيرة في التنقل داخل الأزقة الضيقة بالمخيمات، فإنها محصنة أكثر من ناقلات الجند المدرعة من طراز "إم 113".

وسيزيد الجيش استخدام آليات ثقيلة مثل جرافات "D9" العسكرية بزعم أن قسماً كبيراً من العبوات زرع في عمق متر ونصف المتر في الأقل، وتم الإيعاز للاستخبارات العسكرية بمحاولة رصد أية تغييرات في التربة بالمناطق التي تسير فيها المركبات العسكرية الإسرائيلية ومحاولة رصد ألغام مزروعة فيها حديثاً.

وأشارت صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية إلى أنه على رغم الجهود الهائلة التي يبذلها الجيش لمواجهة هذه الظاهرة في الضفة، فإنه لا يزال هناك الآلاف من المتفجرات منتشرة في المنطقة، ويواجهها الجنود في كل عملية تقريباً بمدن وقرى الضفة الغربية، وهي مصنوعة يدوياً وعلى مستوى عال.

وتظهر بيانات مركز معلومات فلسطين (معطى) أن الفلسطينيين في الضفة الغربية نفذوا من يناير (كانون الثاني) الماضي إلى الرابع من يوليو (تموز) الجاري 558 عملية إطلاق نار، وتسع عمليات دهس و19 عملية طعن ضد أهداف إسرائيلية إلى جانب تفجيرهم 351 عبوة ناسفة.

ويرى المحلل في الشأن الإسرائيلي عصمت منصور أن أكثر ما يقلق قيادة الجيش الإسرائيلي من تصاعد استخدام الفلسطينيين للعبوات الناسفة ليس فقط أنها تصنع بإمكانات محدودة من مركبات محلية، بل لأنها تطورت خلال مدة قصيرة لتصبح أكبر حجماً وأشد تأثيراً، وجرى تحسينات وتشغيلها من بعد. مشيراً إلى أن هناك تخوفات إسرائيلية حقيقية من اتساع هذه الخبرة في التصنيع وانتشارها بين الفلسطينيين بما يشكل خطراً جسمياً على المستوطنين.

المزيد من متابعات