Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين تبني ثلثي مشاريع الطاقة الشمسية والرياح في العالم

يرى محللون أن التخلي عن الفحم كما تروج له "لوبيات المناخ" لا يتماشى مع الواقعية الاقتصادية

ستصل الصين إلى 1200 غيغاواط من طاقة الرياح والشمس بحلول نهاية عام 2024 أي قبل 6 سنوات من هدف بكين (غيتي)

ملخص

محللون قالوا لـ"اندبندنت عربية" إن عجلة الصين في قطاع الطاقة المتجددة تتسارع وإن كانت الدولة قادرة على التخلي عن نهمها في استهلاك الفحم الأكثر تلويثاً.

توصل تقرير حديث لمنظمة مراقبة الطاقة العالمية (GEM) إلى أن كمية الطاقة الشمسية والرياح التي يجرى التمهيد لإنتاجها حالياً في الصين تقارب بصورة كبيرة ضعف مجموع ما يجرى الاستعداد لإنتاجه في بقية أنحاء العالم مجتمعة. ووفقاً لتقرير المنظمة غير الحكومية ومقرها سان فرانسيسكو، التي تعمل على تصنيف مشاريع الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم، فإن الصين لديها 180 غيغاواط من الطاقة الشمسية على نطاق الخدمات العامة تحت الإنشاء، و159 غيغاواط من الطاقة الرياحية، وهذا يرفع إجمال الطاقة الشمسية والرياح التي تحت الإنشاء إلى 339 غيغاواط، متقدمة بصورة كبيرة على الـ40 غيغاواط تحت الإنشاء في الولايات المتحدة.

أشار الباحثون إلى أنهم نظروا فقط إلى المزارع الشمسية التي تمتلك سعة 20 ميغاواط أو أكبر، والتي تزود الشبكة مباشرة، وهذا يعني أن الطاقة الشمسية الإجمالية في الصين قد تكون أعلى بكثير، إذ تمثل المزارع الشمسية الصغيرة نحو 40 في المئة من السعة الشمسية في الصين.

وتؤكد هذه النتائج مكانة الصين المتنامية في إنتاج الطاقة المتجددة عالمياً في وقت يتزايد فيه القلق في الولايات المتحدة في شأن السعة الفائضة الصينية والتفريغ المحتمل، بخاصة في قطاع الطاقة الشمسية.

ويعكس انخفاض حصة توليد الطاقة التي تعمل بالفحم في الصين إلى 53 في المئة في مايو (أيار) الماضي، بانخفاض من 60 في المئة في الوقت نفسه من العام الماضي وهي أدنى حصة على الإطلاق، تحول مزيج توليد الطاقة في البلاد بصورة كبيرة بعيداً من الوقود الأحفوري.

ولدت الطاقة النظيفة مستوى قياسياً بلغ 44 في المئة من الكهرباء في الصين في مايو الماضي، مما دفع حصة الفحم إلى انخفاض قياسي بلغ 53 في المئة، على رغم النمو المستمر في الطلب.

وتحدثت "اندبندنت عربية" إلى عدد من المحللين الاقتصاديين عن تسارع عجلة الصين في قطاع الطاقة المتجددة، وإن كانت دولة التنين قادرة على التخلي عن نهمها في استهلاك الفحم الأكثر تلويثاً، وتناولوا في نقاشهم جدية بكين في دعم مشاريع الطاقة الشمسية والرياح وحدة المخاوف الغربية من التفوق الصيني في قطاع الطاقة المتجددة.

الهيمنة الصينية ستستمر

قال عضو المجلس الاستشاري الوطني في معهد "تشارترد" للأوراق المالية والاستثمار في الإمارات، وضاح الطه، إن تفوق الصين في مجال الطاقة المتجددة كان نتيجة تخطيط طويل الأمد بدأ منذ سنوات طويلة، مما أدى إلى خلق فارق كبير في إنتاج الطاقة المتجددة مقارنة ببقية دول العالم. وأشار إلى أن الصين كانت تستحوذ في عام 2021 على 35 في المئة من إجمال الطاقة المتجددة المنتجة حول العالم، وتليها بفارق كبير الولايات المتحدة بنسبة تقارب 10.6 في المئة من إجمال الطاقة المتجددة المنتجة في العالم. وأضاف الطه أن الصين استمرت في سياسة التحفيز والتشجيع على زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتحديداً الرياح والطاقة الشمسية، ضمن سياسة مدروسة ترتكز على تخفيض كلفة الوحدة المنتجة، وخلق حوافز بما فيها إعفاءات ضريبية لتشجيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، مشيراً إلى سهولة التركيب والتعدد الهائل للشركات التي تنتج ألواح الطاقة الشمسية تحديداً. وأوضح أن الاستهلاك كان أكبر في تبني الطاقة المتجددة في المساكن في عامي 2023 و2024، واستمر التفوق الصيني خلال عام 2024.

وتحدث الطه عن حصيلة الطاقة المتجددة، مشيراً إلى أنها تمثل نحو 37 في المئة من إجمال الطاقة في الصين، مقارنة بـ39 في المئة للفحم، وأضاف أن المفاجأة جاءت من هذا الارتفاع الهائل في حصة الطاقة المتجددة في الصين، وربما قريباً هذا العام أو العام المقبل، قد تتجاوز حصة الطاقة المتجددة حصة الفحم التي تبلغ نحو 39 في المئة، كما يقول.

وختم قائلاً "إن إجمال الطاقة المتجددة، بما فيها الرياح والطاقة الشمسية، يشكل تقريباً ثلثي الطاقة في العالم، وتعد الدول الأبرز في العالم في مجال الطاقة المتجددة هي إسبانيا وألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا، وأتصور أن هذا الإيقاع سيستمر خلال السنوات المقبلة، وستظل الهيمنة الصينية في مجال الطاقة المتجددة عالمياً".

الفحم ولوبيات المناخ

من جانبه، قال المحلل الاقتصادي البحريني محمد الصياد إن الصين تمتلك اليوم أكثر من 80 في المئة من قدرة تصنيع الطاقة الشمسية في العالم، وإن الطاقة الإنتاجية الصينية الضخمة (أو الطاقة الإنتاجية الصينية الفائضة "Economic overcapacity" بحسب تعبير وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين) أسهمت في خفض أسعار مصادر الطاقة المتجددة في جميع أنحاء العالم. ويرى الصياد أن تقليل هامش الكلفة يشكل عنصراً مهماً في تسويق أنظمة الطاقة المتجددة في البلدان الفقيرة لتمكينها من الوفاء بالتزاماتها في مجال التخفيف.

وأشار الصياد إلى أن الصين تعمل حالياً على الوصول إلى رقم قياسي قدره 230 غيغاواط من منشآت طاقة الرياح والطاقة الشمسية في عام 2024، وهي تقود السوق العالمية لمصادر الطاقة المتجددة، وهذا الرقم يمثل أكثر من ضعف عدد المنشآت في الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعة، وفقاً لأحدث تقرير بعنوان "كيف أصبحت الصين رائدة عالمياً في مجال الطاقة المتجددة" الصادر عن "وود ماكنزي". وبحسب التقرير، بلغ حجم الاستثمار في مشاريع طاقة الرياح والطاقة الشمسية في الصين 140 مليار دولار في عام 2023، علاوة على أن الصين رائدة في تخزين الطاقة المتصلة بالشبكة، إذ تضاعفت قدرتها اعتباراً من عام 2020 لتصل إلى 67 غيغاواط في عام 2023، ومن المتوقع أن تتوسع إلى 300 غيغاواط بحلول عام 2030.

أما بالنسبة إلى اعتماد الصين على الفحم، فقال المحلل الاقتصادي البحريني إن الصين صرحت، على لسان رئيسها، بأنها ليست مع مقاربة "العلاج بالصدمة" (Shock Therapy) في ما يتعلق بالتخلص من الفحم، الذي لا تزال تعتمد عليه أقاليم صينية في توليد الطاقة الكهربائية، وبدلاً من ذلك تتبنى مقاربة "التخلص التدرجي" (Gradual Approach)، التي تتمسك بها أيضاً مجموعة الـ"77 + الصين"، وهي أقوى مجموعة تفاوضية في مفاوضات المناخ. وأوضح الصياد "ليست الصين فحسب، بل أوروبا وبقية العالم أيضاً لا يستطيعون التخلص من محطات الطاقة التي تعمل بالفحم بالطريقة التي تروج لها لوبيات المناخ في العالم"، مشيراً إلى أن هذا لا يتماشى مع الواقعية الاقتصادية.

ويضيف الصياد أن الصورة تبدو مختلفة على الجانب الآخر، إذ قدمت البنوك التجارية، التي يقع مقر غالبيتها في دول مجموعة السبع، مبلغاً مذهلاً قدره 470 مليار دولار لصناعة الفحم بين عامي 2021 و2023. وكان من الممكن توجيه هذه الأموال إلى استثمارات الطاقة النظيفة، وتحسين البنية التحتية للشبكات، ورفع كفاءة الطاقة، وقدمت هذه البنوك بصورة جماعية 101 مليار دولار لتطوير الفحم في صورة قروض وسندات ميسرة بين عامي 2021 و2023.

وأشار المحلل الاقتصادي إلى أن الاتحاد الأوروبي رفع الرسوم الجمركية على السيارات الكهربائية الصينية من 17.4 في المئة إلى 37.6 في المئة، وهي تضاف إلى رسوم بنسبة 10 في المئة كانت مفروضة بالفعل على جميع السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، وهذا يتناقض مع أجندة الاتحاد الأوروبي للوصول إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2023.

ازدهار الصين في الطاقة المتجددة

وفي السنوات الأخيرة شهدت الصين ازدهاراً في مجال الطاقة المتجددة، بفضل الدعم القوي من الحكومة، وأكد الرئيس الصيني شي جينبينغ أن "القوى الإنتاجية الجديدة ذات الجودة" شعار يدل على الرغبة في توجيه اقتصاد الصين نحو التكنولوجيا والابتكار، بما يشمل تعزيز التصنيع الأخضر.

وبين مارس (آذار) 2023 ومارس الماضي نصبت الصين مزيداً من محطات الطاقة الشمسية أكثر مما نصبته خلال السنوات الثلاث السابقة مجتمعة، وأكثر مما نصبته بقية دول العالم في عام 2023. ووفقاً لتحليلات منظمة مراقبة التحليلات العالمية فإن بكين في طريقها لتحقيق 1200 غيغاواط من الطاقة المثبتة من الرياح والطاقة الشمسية بحلول نهاية عام 2024، وهو هدف سيجرى تحقيقه قبل الموعد المستهدف من قبل الحكومة بست سنوات.

ومع ذلك، حذر المحللون من أنه لا تزال هناك حاجة إلى مزيد من الطاقة المتجددة إذا أرادت الصين تحقيق هدفها المتمثل في خفض كثافة الكربون في الاقتصاد بنسبة 18 في المئة، وهو عامل مهم في خفض الانبعاثات، في حين تشير كثافة الكربون إلى عدد غرامات ثاني أكسيد الكربون التي تطلق لإنتاج كيلو وات ساعة من الكهرباء.

ويشير تحليل سابق إلى أن الصين ستحتاج إلى تركيب ما بين 1600 و1800 غيغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية بحلول عام 2030 لتحقيق هدفها المتمثل في إنتاج 25 في المئة من إجمال الطاقة من مصادر غير أحفورية.

وما بين عامي 2020 و2023 لم تلب مصادر الطاقة المتجددة سوى 30 في المئة من الزيادة في استهلاك الطاقة، مقارنة بالهدف المستهدف والبالغ 50 في المئة.

وقال المحلل الاقتصادي الكويتي محمد رمضان إن الصين تنتج أكثر من 83 في المئة من الألواح الشمسية في العالم، لذا تعد أحد الأركان الأساسية في مجال الطاقة الشمسية، ولذا يوجد اهتمام صيني كبير بالطاقة المتجددة، بخاصة مقارنة بالدول الأخرى مثل الولايات المتحدة وغيرها التي لم تول الاهتمام نفسه كالصين في هذا المجال.

وأضاف رمضان أن الصين تسعى أيضاً إلى تطوير الألواح الشمسية لزيادة معدل التحويل من أشعة الشمس إلى الطاقة الكهربائية، وفي الوقت نفسه تقليل الكلفة لتصبح أكثر جدوى حول العالم، وتقدم دعماً كبيراً للشركات العاملة في مجال الطاقة المتجددة، وهو دعم لم نشهده في بلدان أخرى حول العالم.

وتابع المحلل الاقتصادي بالقول "نظراً إلى كون الطاقة الشمسية جزءاً من الطاقة المتجددة فهي تحتاج إلى أبحاث ودعم حتى تصبح أكثر جدوى، وهو ما تقوم به الصين اليوم نيابة عن العالم، وهو أمر أساس... بطبيعة الحال لا تزال الطاقة الشمسية تمثل نسبة بسيطة لا تتجاوز خمسة إلى ستة في المئة من إجمال استهلاك الطاقة في الصين، لذا لا يزال هناك مساحة كبيرة للتطوير، مع الإشارة إلى الحاجة الكبيرة للصين من الطاقة نظراً إلى النمو الاقتصادي الحاصل فيها خلال السنوات الماضية، ومع التوقعات باستمرار النمو خلال السنوات المقبلة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعند سؤاله عما إذا كانت الصين قادرة على تحقيق التوازن في مصادر الطاقة، بخاصة مع الاعتماد الكبير على الفحم، أجاب رمضان "هذا أمر غير معلوم، ولكن هناك محاولات كبيرة من قبل بكين لتنويع مصادر الطاقة لديها، واليوم لديها مشاريع فريدة من نوعها ليس لها مثيل في العالم. كما تحصل البلاد اليوم على الطاقة الرخيصة من روسيا، وتمتلك مصادر للطاقة الشمسية من خلال السدود، إذ تمتلك أكبر السدود في العالم."

وختم رمضان بالقول "الصين تسعى بصورة كبيرة إلى الاستفادة من الطاقة الشمسية، وهذه المحاولات هي الأكبر في العالم. لا يعرف بعد إذا كانت ستنجح تلك المحاولات أم لا، ولكنها تعد الأكبر في العالم حالياً".

الصين والاعتماد على الفحم

وجد التحليل السابق الذي أجرته منظمة مراقبة الطاقة العالمية ومركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف أن الموافقات على محطات الطاقة الجديدة التي تعمل بالفحم زادت أربعة أضعاف في الفترة 2022-2023، مقارنة بفترة السنوات الخمس السابقة 2016-2020، على رغم التعهد في 2021 بـ"الرقابة الصارمة" على طاقة الفحم الجديدة، إذ زاد النمو في إجمال استهلاك الفحم من متوسط ​​0.5 في المئة سنوياً إلى 3.8 في المئة بين الفترتين الزمنيتين.

وكانت التوترات الجيوسياسية مثل الحرب في أوكرانيا، التي ركزت اهتمام عديد من البلدان على إمدادات الطاقة، وانقطاع التيار الكهربائي بصورة كبيرة في أجزاء من الصين في السنوات الأخيرة، سبباً في زيادة مخاوف المسؤولين الصينيين في شأن أمن الطاقة.

وتظل شبكة الكهرباء في الصين تعتمد على الفحم، وهو ما يرى المسؤولون أنه ضروري للتخفيف من انقطاع الطاقة المتجددة، وغالباً ما يرى المسؤولون أن صناعة الفحم وسيلة آمنة لتعزيز أرقام الناتج المحلي الإجمالي، على رغم أن قطاعات الطاقة النظيفة أصبحت الآن المحرك الأكبر للنمو الاقتصادي في الصين، إذ تمثل 40 في المئة من توسع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2023.

ويقول المحللون إن تحسين مرونة التخزين والشبكة أمر ضروري لاستخدام الحجم المتزايد من الطاقة النظيفة التي يجرى توليدها في مزارع الرياح والطاقة الشمسية في الصين بكفاءة، وتدرك الحكومة الصينية هذا التحدي، إذ حددت بطاريات الليثيوم أيون باعتبارها واحدة من التكنولوجيات "الثلاث الجديدة" المهمة لخلق نمو عالي الجودة، إلى جانب السيارات الكهربائية والألواح الشمسية، وفي العام الماضي استثمرت 11 مليار دولار في البطاريات المتصلة بالشبكة، بزيادة قدرها 364 في المئة على عام 2022.

وسلط تقرير المنظمة الضوء على ريادة بكين في بناء البنية التحتية المخطط لها للطاقة المتجددة، فيما تمثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية البالغة 339 غيغاواط التي وصلت إلى مرحلة البناء ثلث المشاريع المقترحة، وهو ما يتجاوز بكثير معدل البناء العالمي البالغ سبعة في المئة.

اقرأ المزيد