ملخص
سواء نجت الشخصية السياسية المستهدفة في عملية الاغتيال أو لم تنج، تبقى آثار الاغتيال مُلقية بظلالها العميقة والكثيرة والطويلة الأمد على المجتمع، إذ إن باب الفوضى مفتوح واحتمال الحرب مطروح
وسائل التعبير السياسي عدة، وسُبل التنفيس عن الغضب والاعتراض والمطالبة بالتغيير كثيرة، يؤسسون أحزاباً سياسية ويترشحون في مجالس نيابية ويدشنون جماعات قد تلجأ إلى السرية في حالات التضييق أو الرغبة الملحة في التغيير، وقد يصل الأمر إلى الابتكار في التعبير والطيف يتسع لكثير، من "ميمز" عنكبوتية وطرق على أواني المطبخ وإطلاق نكات تنال من هيبة ممثل "الفريق الآخر" الذي يأمل في إقصائه، أو إلحاق الخسارة الانتخابية به واغتياله حين يحتدم الأمر.
وصل الأمر في الولايات المتحدة الأميركية إلى محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق والمرشح المحتمل دونالد ترمب، وقد نجا ترمب لكن الانتخابات الرئاسية ومصير الحملات ومآل الديمقراطية وتكهنات الحرب الأهلية وتوقعات احتدام الصراع بين ترمب والرئيس الحالي والمرشح المحتمل كذلك جو بايدن، لم تنج.
عداد الاغتيالات الأميركي
وسواء نجت الشخصية السياسية المستهدفة في عملية اغتيال أو لم تنج، تبقى آثار الاغتيال مُلقية بظلالها العميقة والكثيرة والطويلة الأمد على المجتمع، وعكس ما يبدو من أن مجتمعاً عريقاً في الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وأجواء الترشح والتنافس والاختيار والقبول بما جاء في الصندوق، لا يجد داعياً من قريب أو بعيد لإسكات أو إقصاء أو إسقاط سياسي عبر أقصى درجات العنف، ألا وهو الاغتيال، فإن سجل أميركا حافل بالاغتيالات السياسية.
اغتيالات أو محاولات اغتيال عدة لحقت بعدد من رؤساء أميركا الـ 46، بعضها نجح ومات الرئيس، وبعضها الآخر أخفق، وانقسم المجتمع وضربته الفرقة والقلق وعدم الثقة والخوف، من أبراهام لينكولن وإطلاق النار عليه لأسباب قيل إنها تتعلق بدعمه لحقوق السود في الـ 14 من أبريل (نيسان) 1865 ووفاته صباح اليوم التالي، وصولاً إلى جيمس غارفيلد الذي تعرض لإطلاق نار في يوليو (تموز) 1881 وتوفي بعد أسابيع، ثم ويليام ماكينلي الذي تلقى رصاصتين في صدره في سبتمبر (أيلول) 1901 وتوفي بعدها بأيام، إلى القاتل المسلح الذي أطلق النار على جون كنيدي في نوفمبر (تشرين الثاني) 1963 ليتوفى بعد فترة وجيزة.
عداد الاغتيالات السياسية الفاشلة في أميركا يشير إلى 13 محاولة مع إصابة رئيسين هما ثيودور روزفلت عام 1933، ورونالد ريغان عام 1981، وانضم ترمب إلى الكوكبة قبل ساعات بمحاولة اغتيال فاشلة لكنها أصابته، ليبقى ملف الاغتيالات السياسية مفتوحاً للجدل باعتبارها أشد وأقصى وأقسى درجات التعبير السياسي.
وبحسب موسوعة "بريتانيكا" فإن "اغتيال شخصية عامة" مصطلح يشير إلى قتل زعيم أو مسؤول رسمي أو غيرهما من الشخصيات البارزة لأغراض سياسية، أهمها الاستيلاء على السلطة أو بدء ثورة أو للفت الانتباه إلى قضية ما أو الانتقام أو تقويض النظام أو إعلاء مصالح المنافسين، ليظل التعبير السياسي عبر "اغتيال شخصية عامة" قديماً قدم منظومتي التعبير والشخصيات العامة.
ويشير أستاذا الاقتصاد في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأميركي بنيامين جونز وبنيامين أولكن في ورقة عنوانها "أصاب أو حاد عن الهدف؟ تأثير الاغتيالات في المؤسسات والحرب" إلى أن كثيراً من زعماء السياسة عبر التاريخ تعرضوا للاغتيالات، من يوليوس قيصر إلى أبراهام لينكولن، ومن جون كينيدي إلى إسحاق رابين، كما لاقى كثير من القادة نهايات عنيفة ونجا آخرون منها بأعجوبة، ولو بقي هتلر 13 دقيقة إضافية في قاعة تناول الجعة في ميونيخ عام 1939 لقتل بفعل قنبلة موقوتة في المكان.
ويشير جونز وأولكن إلى أنه بغض النظر عن كون الاغتيال السياسي مرفوضاً أو غير قانوني، فإنه يظل سمة ثابتة في المشهد السياسي في العالم. وبحسب الإحصاءات الدولية فإن زعيماً وطنياً واحداً يجري اغتياله كل ثلاثة أعوام منذ عام 1950.
واغتيال الشخصيات العامة يكاد يكون الجريمة التي لم تنج منها دولة أو نظام سياسي مهما بلغ من درجات الديمقراطية أو مهما حقق المجتمع من سلام ووئام واستقرار، فالسلام والوئام والاستقرار في دولة مثل السويد لم يحل دون اغتيال رئيس وزرائها أولف بالمه عام 1986 أثناء عودته وزوجته إلى منزلهما سيراً على الأقدام من دون حراسة، بعدما شاهدا فيلماً سينمائياً.
ولم يعثر على القاتل أبداً على رغم أن عملية الاغتيال وقعت في أكثر شوارع السويد ازدحاماً، كما أن الجريمة شوهدت من قبل أكثر من 12 شخصاً، إذ وصفوا القاتل بأنه رجل طويل القامة فرّ هارباً من مكان الحادثة بعد إطلاقه الرصاص.
وأسباب الاغتيال تكهنات بعضها يشير إلى معارضته نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أو لمعرفته بتقديم شركة تصنيع أسلح سويدية رشاوى للهند أو لتصنيف الحكومة السويدية ميليشيات حزب العمال الكردستاني إرهابية، وبينما تتعدد التكهنات فإن جميعها يدل على أنه اغتيال على سبيل التعبير السياسي الذي ينتهج أقصى درجات وأفكار العنف.
قائمة طويلة
ومن السويد حيث اغتيال رئيس وزرائها بالمه إلى اغتيال رئيس وزراء إسبانيا لويس كاريرو بلانكو عام 1973 على يد حركة أرض الباسك والحرية (إيتا)، إلى اغتيال رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي على يد حراسها عام 1984 ثم ابنها راجيف غاندي الذي تقلد أيضاً منصب رئاسة الوزراء عام 1991 على يد انتحاريين منتسبين إلى مجموعة "نمور التاميل" السريلانكية، ثم اغتيال الرئيس المصري محمد أنور السادات على يد منتمين لـ "جماعة الجهاد" الإسلامية، وكذلك اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين عام 1995 على يد متطرف يميني، ثم اغتيال رئيس وزراء اليابان السابق شينزو آبي الذي مرّت ذكرى اغتياله الثانية قبل أيام، تختلف دوافع الاغتيال.
وتقسّم الباحثة في علوم السياسة أمنية السيد حجاج في مقالة عنوانها "دوافع الاغتيال السياسي: تاريخ من الصراعات الأيديولوجية والسياسية"، دوافع الاغتيال إلى عسكرية وعقائدية وأيديولوجية وفكرية واقتصادية وكذلك شخصية، لكن العوامل السياسية تبقى الأكثر شيوعاً.
تقول حجاج، "في الدافع السياسي تعمد قوة سياسية تتمثل في منظمة أو دولة إلى اغتيال شخصية سياسية بسبب مواقفها، أو لكونها عقبة تقف أمام الآخرين، وقد يكون الدافع السياسي لغرض إشعال فتنة تعقب الاغتيال، إذ يكون المغدور ذا وزن سياسي وله من الأهمية والعصبة العائلية والحزبية ما يدعو إلى الانتقام ورد الصاع صاعين".
وتضيف أنه مع اختلاف أشكال أنظمة الحكم في الدول المختلفة حول العالم فإن السمة المشتركة بين كل أنظمة الحكم هو وجود السلطة الحاكم والمعارضة، مشيرة إلى أن السُلطة هي الأخرى قد تقبل على اغتيال رموز المعارضة النشطة التي ترى أنها تشكل خطراً عليها، وكذلك يمكن للمعارضة أن تسلك الطرق الديمقراطية بالحوار والانتخابات وفق النظم الدستورية المتفق عليها في كل بلد، أو تسلك طريق العنف في التغيير ومحاولة فرض الرأي بقوة الاغتيال.
وقد يتخذ الاغتيال طابعاً دولياً، فقد يجري اغتيال عالم من دولة مناهضة أو منافسة أو معارضة لدولة أخرى، وذلك لإعاقة تقدم هذه الدولة باغتيال العناصر المؤثرة فيها، ويشار إلى أن للمنطقة العربية نصيباً غير قليل من الاغتيالات السياسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر الرئيس المصري الراحل السادات ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، ويصنف بعضهم قتل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي اغتيالاً سياسياً، بل يذهب بعضهم إلى وصف إعدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين باعتباره اغتيالاً سياسياً غير مباشر.
للدين حضور
وغير بعيد من الاغتيالات السياسية، بل ربما في القلب منها، تقف الاغتيالات ذات الطبع الديني، إذ تقول أمنية حجاج إن "الدوافع الدينية من أقوى الدوافع على الإطلاق للقيام بعمليات اغتيالات للقيادات والشخصيات البارزة والمؤثرة، ولا سيما في المناطق التي يغلب عليها الصراع العرقي والمذهبي حال وصول أحد أفراد القبائل المتنازعة لمركز مؤثر في صنع القرار في الدولة، إذ يعتقد القائم بعملية الاغتيال هنا بأنه صاحب عقيدة يجب عليه أن يضحى بنفسه من أجلها، فيغتال آخرين بدافع الجهاد الديني".
ومن أبرز عمليات الاغتيال بدوافع الصراعات الدينية والمذهبية، كما تشير حجاج، اغتيال أنديرا غاندي التي سقطت صريعة رصاصات غادرة من بعض السيخ المتعصبين من حرسها الشخصي، انتقاماً لاقتحام الجيش الهندي المعبد الذهبي في أمريتسار المقدس لدى السيخ، ومن قبلها اغتيال الزعيم التحريري المهاتما غاندي بعد أقل من ستة أشهر من استقلال باكستان وهو في طريقه إلى اجتماع صلاة في المدينة للمساعدة في حماية المسلمين الذين اختاروا البقاء في الهند، فأطلق شاب هندوسي متعصب النار عليه لرفضه المبدأ التصالحي مع المجتمعات الإسلامية وباكستان.
ولا يمكن التطرق إلى الاغتيالات السياسية وربما الدينية من دون الإشارة إلى سلسلة الاغتيالات الإسرائيلية إذ يأتي قادة "حماس" في القلب منها، فالقائمة طويلة وقوسها مفتوح ولا سيما في ظلل حرب غزة الدائرة رحاها.
أحمد ياسين ويحيى عياش وأحمد الجعبري ورائد العطار وصلاح شحادة وعبدالعزيز الرنتيسي وغيرهم من استهدفتهم آلة الاغتيال السياسي الإسرائيلي، ينضم إليهم منذ بدء حرب القطاع أسماء بارزة في حركة "حماس" مثل أيمن نوفل وصلاح العاروري وسمير فندي وعزام الأقرع وأحمد بحر وجميلة الشنطي وأيمن صيام وأسامة المزيني وأحمد الغندور، والقائمة تحوي محمد الضيف الذي استهدف من دون قتله قبل أيام.
وكان الجيش الإسرائيلي قد وزّع على جنوده في ديسمبر (كانون الأول) 2023 نحو 10 آلاف بطاقة لعب (كوتشينة) مطبوع عليها أسماء ووجوه قادة "حماس" المطلوب استهدافهم في القتال داخل قطاع غزة، وأبرز هؤلاء زعيم الحركة في قطاع غزة يحيى السنوار ورئيس جناحها العسكري محمد الضيف، فالاغتيالات السياسية في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي الذي لا يخلو من المكون الديني لما آلت إليه القضية خلال العقود الأخيرة، تمثل جزءاً وثيقاً من سبل الصراع السياسي بين الاحتلال والمقاومة.
توظيف الاغتيالات سياسياً
توظيف الاغتيالات في الصراعات السياسية، بما فيها الاحتلال، جزء أصيل وإن كان مشيناً من تاريخ وحاضر ومستقبل الدول، وترى أمنية حجاج أنه في الوقت الذي يلجأ فيه بعض أطراف الصراعات السياسية إلى اغتيال شخصية أو شخصيات بارزة من الفريق المضاد، معتقداً أنها الحل الناجع حال تأزمت الأوضاع، تلجأ أطراف أخرى داخلية وخارجية إلى تعقيد الأمور وإدخال البلاد في نفق مظلم قد تدخل فيه القوة العظمى رقم واحد في العالم بفعل حال الاستقطاب المحتدمة والانقسامات التي تأججت غير مرة لتصل إلى درجة مختلفة من العنف، ناهيك عن شيوع لغة العنف في الحوار، وقد دأب كُتاب ومحللون على قراءة حال الاستقطاب التي تعتري المجتمع الأميركي خلال الأعوام القليلة الماضية، فلخصت الباحثة في برنامج "الديمقراطية والصراع والحوكمة" في "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" راتشيل كلاينفيلد أبرز نظريات الاستقطاب في مقالة عنوانها "الاستقطاب والديمقراطية والعنف السياسي في الولايات المتحدة: ماذا يقول البحث؟" (2023).
تقول كلاينفيلد إن "الآراء انقسمت بين فريق يرى أن الناخب يعتقد أن المجتمع واقع في قبضة استقطاب سياسي حاد بين أنصار ترمب وآخر لا يرى ذلك، بل ويعتبر الاستقطاب الموجود عاطفياً دافعاً على أوتار المشاعر أكثر من السياسات والأولويات، وهناك من يرى أن الاستقطاب في المجتمع هو انعكاس للانقسام الشديد وغير الصحي بين السياسيين، وكلما زاد تعلق الناخبين أو قناعاتهم بهؤلاء السياسيين ساروا على نهجهم في طريق الفرقة والاستقطاب".
وتشير الباحثة إلى أن المشكلة لا تكمن في استقطاب المشاعر فقط ولكن في كيفية تفاعل هذه المشاعر مع أنظمة التصويت وحوافز المرشحين والعلاقات الشخصية، فخلال الأعوام القليلة الماضية دأب عدد غير قليل من الساسة والإعلاميين في أميركا على شيطنة الطرف الآخر مما أسهم في تأجيج مشاعر الغضب بين الأتباع والمتعاطفين ممن يخشون عواقب تصرفات الطرف الآخر، وتسمي كلاينفيلد ما يجري من قبل بعض الساسة بـ "التطبيع مع العنف"، وهو ما يرسل رسائل غير مباشرة للجموع بأن التصرف بعنف ضد مجموعة بعينها سيكون مسموحاً به، وقد لا يعاقب عليه بل يمكن الإشادة به وتحويل من يقوم به إلى بطل.
ويلاحظ في كثير مما يكتب ويقال عن الاغتيالات السياسية حرص كبير على وضع خط فاصل بين جرائم القتل والإرهاب من جهة والاغتيال السياسي من جهة أخرى، وربما يهدف بعضهم من ذلك إلى ترك الباب مفتوحاً أمام تعليل أو تبرير اغتيالات بعينها باعتبارها دفاعاً عن الحقوق المسلوبة، أو إنقاذاً للمجتمعات المعرضة للحروب الأهلية أو إنفاذاً لقانون استعصى على التطبيق أو تخليصاً لشعب ما أو للكوكب من شرور ديكتاتور ظالم أو حاكم مختل أو قائد فقد بوصلة العقل.
وعلى سبيل المثال أشارت ورقة منشورة على موقع "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية"، وهو مؤسسة بحثية أميركية خاصة، بعنوان "هل تغير الاغتيالات التاريخ؟" (2008) أن دراسات سياسية واقتصادية عدة أظهرت أن الدولة التي يجري اغتيال حاكمها المستبد تكون أكثر احتمالاً بنسبة 13 نقطة مئوية للتحرك نحو الديمقراطية في العام التالي، مقارنة بالدولة التي فشلت فيها محاولة اغتيال المستبد، كما أن الاغتيال الناجح لحاكم مستبد أكثر احتمالاً من محاولة الاغتيال الفاشلة بنسبة 19 نقطة مئوية لأن تؤدي إلى تغييرات لاحقة في القيادة، لا على المدى القصير فقط لكن على المدى الطويل أيضاً.
وتبدو مثل هذه القراءات أقرب ما تكون إلى الترويج أو الدفاع عن الاغتيالات السياسية، كما أنها تتجاهل ما نجم عن اغتيالات سياسية في دول عدة حول العالم دخلت فترات طويلة من الفوضى والحروب الأهلية لمجرد أن أحدهم قرر أن يعبر عن نفسه سياسياً بقتل الزعيم أو الديكتاتور.
أشهر ديكتاتور والفوضى
قَتل أشهر ديكتاتوريي العالم يوليوس قيصر أدى إلى إنهاء حكم ديكتاتوري، لكن الاغتيال أدى إلى تأسيس حكم إمبراطوري لم يكن أفضل كثيراً من ديكتاتورية قيصر، فقتلة يوليوس قيصر، الذي نصب نفسه ديكتاتوراً مدى الحياة في وقت لم تكن كلمة ديكتاتور تحظى بالسمعة السيئة التي تحظى بها حالياً، أرادوا أن يستعيدوا قدراً من سلطتهم وسلطانهم، إضافة إلى وضع حد لمنهج البطش والعنف الذي اتبعه قيصر، لكن ما حدث هو أن اغتياله أدى إلى أعوام طويلة من الفوضى والحروب، إضافة إلى تعظيم منهج النزاع والاختلاف والاستقطاب في الداخل، وأمام غضب الناس جراء الاغتيال هاجموا القتلة الذين فروا بعد ما عجزوا عن احتواء غضب الناس العارم ممن كانوا على رأس قائمة المتضررين من القهر السياسي وسلب الحرية والحرمان من الحقوق الأساس، وعلى رأسها الحق في المعارضة والتعبير السياسي، والشاب الذي حاول اغتيال الرئيس السابق والمرشح المحتمل ترمب لم يكن محروماً من المعارضة أو التعبير السياسي، لكنه اختار أو ربما دُفع للتعبير عبر الاغتيال.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاغتيالات السياسية لا تحدث فقط لقتل شخص ما بل عادة تكون هناك قائمة من الأهداف المتعلقة بالتعبير السياسي وتفعيل المطالب وتسريعها، ويعلق مدير الدراسات الأمنية وأستاذ دراسات الجريمة والعدالة في جامعة ماساتشوستس لاول الأميركية آري بيرليجير على هذا الشكل من التعبير عبر حوار أجرته معه دورية "ذا كونفرسيشين" الأميركية عنوانه "على بعد بوصة واحدة من حرب أهلية محتملة" يقول، إن "محاولات الاغتيال تجتاز العملية الطويلة الممثلة في محاولة النيل من المعارضين السياسيين وهزيمتهم، وكذلك حين يسود شعور بأن النضال السياسي الطويل لن يكون كافياً"، ويضيف بيرليجير أن كثيرين من مرتكبي جرائم الاغتيال "يعتبرونها أداة تتيح لهم تحقيق أهدافهم السياسية بطريقة بالغة السرعة والفعالية، ولا تتطلب كثيراً من الموارد بل كثيراً من التنظيم".
وعن محاولة اغتيال ترمب قال "إذا حاولنا ربط ذلك بما رأيناه اليوم فإن كثيرين ينظرون إلى ترمب باعتباره وحيد القرن وكياناً فريداً من نوعه، واستهلك بالفعل كثيراً من جوانب الحركة المحافظة، وبعضهم بات يعتقد أن إزالته تزيل المشكلة".
يشار إلى أن "الحركة المحافظة" تعبير يستخدم للإشارة إلى اليمين الجديد أو النزعة المحافظة الجديدة في أميركا، ويعتبر بعضهم أن "الترمبية"، أي منهج ترمب وما يمثله من أفكار وأيديولوجيا، أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الفكر الشعبوي اليميني في أميركا الذي لن يختفي بإزالة ترمب، بغض النظر عن طريقة إزالته السياسية، سواء بنتائج انتخابات أو محاولة اغتيال.
الاغتيال بهدف التعبير السياسي تظل مرادفاته في القواميس "سفك الدماء" و"القتل" و"الجزارة" و"الهلاك" و"لعبة قذرة" والقائمة طويلة، وسواء أصابت عملية الاغتيال وأسفرت عن قتل السياسي أو خابت ونجا، فإن الخيبة التي تلحق بالجميع أكبر من الاغتيال والتعبير السياسي والاستقطاب حتى لو كان مقتصراً على المشاعر.