ملخص
ذكرت تقارير غربية أن "لواء الدب" أوكلت إليه مهمات استكمال أدوار كانت تقوم بها وحدات روسية أخرى مثل "فاغنر" ويتألف من جنود روس متطوعين ومتقاعدين سبق أن شاركوا في معارك ضمن حرب أوكرانيا
في وقت تبدو الطريق معبدة أمام روسيا لبسط سيطرتها على أكبر عدد ممكن من مواقع النفوذ في أفريقيا، يعمل الكرملين على إيجاد أدوات جديدة تساعده في مهمة خلافة فرنسا في هذه القارة، خصوصاً مع بدء موسكو ترتيب أوراقها العسكرية الخارجية بعد مقتل قائد المجموعة شبه العسكرية "فاغنر" يفغيني بريغوجين في تحطم مروحيته الصيف الماضي عقب قيادته تمرداً عسكرياً مثيراً للجدل.
ومن أبرز هذه الأدوات "لواء الدب" الذي أنشئ في مارس (آذار) 2023 في شبه جزيرة القرم، وهو لواء بدأت عناصره بالتدفق إلى بوركينا فاسو حيث أحكم الجنرال إبراهيم تراوري قبضته على السلطة بعد انقلاب عسكري قاده في الـ30 من أكتوبر (تشرين الأول) 2022.
وذكرت تقارير غربية من بينها تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية أخيراً أن "لواء الدب" أوكلت إليه مهمات استكمال أدوار كانت تقوم بها وحدات روسية أخرى مثل "فاغنر" والفيلق الأفريقي – الروسي.
تعزيز نفوذ روسيا
وكشفت مصادر عدة عن أن المجموعة سُمّيت "لواء الدب" للإحالة على الدب الروسي، و"هو الرمز الذي يُظهر قوة وصلابة الروس وتوسع دولتهم على الساحة الدولية".
ويتألف اللواء من جنود روس متطوعين ومتقاعدين أيضاً، وسبق أن شاركوا في معارك ضمن حرب أوكرانيا التي بدأت في الـ24 من فبراير (شباط) 2022 عندما شنت موسكو هجوماً شاملاً على كييف.
وبحسب ما نشرته وسائل إعلام روسية نقلاً عن بيانات لـ"لواء الدب"، فقد "تم تأسيسه من أجل الدفاع عن مصالح موسكو الاستراتيجية وحماية المدنيين"، لكن يعتقد على نطاق واسع بأن هذا التشكيل يحل محل "فاغنر" في كل من أفريقيا وأوكرانيا.
و"لواء الدب" مُقرب حالياً من شركة "ريدوت" العسكرية التي تعمل تحت إشراف الاستخبارات العسكرية الروسية والتي يعكف أفرادها على دمج المقاتلين المتطوعين.
ورأى الباحث السياسي والمؤرخ الفرنسي رولان لومباردي أن "لواء الدب هو واحد من الشركات العسكرية الروسية الخاصة وهو مرتبط بصورة وثيقة بالاستخبارات، ويمكن القول إنه يجسد مثالاً لعملية إعادة هيكلة الشركات الأمنية والعسكرية الروسية والاستحواذ عليها من قبل وزارة الدفاع في موسكو بعد حادثة ’فاغنر‘".
وأوضح لومباردي في حديث إلى "اندبندنت عربية" أنه "ضمن أفريقيا، تهدف عملية إعادة التنظيم هذه، مع الفيلق الأفريقي – الروسي الشهير والجديد، إلى تعزيز نفوذ موسكو مع ضمان مزيد من السيطرة المباشرة والمركزية على العمليات"، مشدداً على أن "السياسة الروسية الحالية في أفريقيا ترتكز على دعم الأنظمة المحلية مقابل الحصول على الموارد والمواقع الاستراتيجية. وفي الواقع، إنها تشبه السياسة التي اتبعتها الدول الغربية في أفريقيا، بخاصة بريطانيا العظمى وفرنسا خلال الستينيات والثمانينيات، وسبق أن استخدمت باريس مرتزقة مثل بوب دينار المعروف بـ’قرصان الجمهورية‘ وغيره".
وأكد أن "لذلك تستخدم روسيا العمليات والشركات العسكرية الخاصة نفسها لتأمين مصالحها، وتستغل كل من الاستراتيجيتين نقاط الضعف المؤسساتية التي تعانيها الدول الأفريقية، وتلجأ إلى قوات غير تابعة لدول بعينها للتحايل على العقبات الدبلوماسية والقانونية، بالتالي ضمان الوجود الجيوسياسي المستدام".
واستنتج المتحدث ذاته أن "هذا النهج يسمح لموسكو باستعراض قوتها مع تقليل الأخطار والكلف السياسية المباشرة، وتستفيد روسيا في ذلك، ومن خلال دعاياتها، من تراجع باريس في القارة السمراء بسبب عدم كفاءة المسؤولين الفرنسيين".
واللافت أن اللواء الناشئ بات يملك معدات عسكرية متطورة في وقت تتطلع روسيا إلى استغلال مشاعر المعاداة المتنامية تجاه فرنسا والقوى الغربية في أفريقيا لتوسيع نفوذها في قارة تزخر بثروات طبيعية ومنجمية هائلة.
امتداد للسياسات الروسية
ومع تلقيه مساعدات عدة من قبل كثير من المنظمات الروسية، أصبح لـ"لواء الدب" حضور طاغ على جبهة أوكرانيا أيضاً حيث قاتل عام 2023 على جبهة خيرسون، وفي الفترة نفسها في جبهة جزر أليشكين.
ويدعى قائد اللواء فيتالي نيكولايفيتش ييرمولاييف ويلقب بـ"جيداي"، بحسب ما ذكرت قناته الرسمية على "تيلغرام"، وظهر الرجل للمرة الأولى في أوكرانيا حيث تقوم قواته بتدريبات في شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا.
و"جيداي" هو جندي روسي سابق يُعرف بشغفه بالمغامرة والمجازفة، وسبق أن شارك في الحروب التي دخلت فيها بلاده في كل من سوريا وأوكرانيا والشيشان، وخدم في قوات المظليين وعمل أيضاً على حراسة مناجم الذهب في القارة السمراء، مما يعني أن له من الخبرة ما يُمكنه من القيام بدور ما على الأرجح.
ومع ذلك، فإنه من غير الواضح ما إذا كان الرجل يسعى إلى خلافة بريغوجين الذي كانت له جرأة منقطعة النظير داخل روسيا وخارجها، أو إن كان عرض خدماته على الكرملين، لكن الشكوك حيال هذه النقطة تصاعدت عندما زار نائب وزير الدفاع الروسي يونس بك يفكوروف قواته في أبريل (نيسان) عام 2023، وعبّر عن رضاه عن مستوى هذه القوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومنذ ذلك الحين، بدأ اللواء بتلقي مساعدات عسكرية ضخمة، وتزايدت هذه المساعدات أيضاً إثر زيارة حاكم شبه جزيرة القرم سيرغي أكسيونوف موقع تدريبات عناصره.
وقال الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الدولية نزار مقني إن "هذا اللواء هو في الواقع امتداد للسياسات الروسية التي تقوم على لا مركزية القوات العاملة خارج البلاد، مثل ‘فاغنر‘ التي ظهرت في إطار شركة شبه عسكرية واضطلعت بأدوار كُلفت بها من قبل وزارة الدفاع الروسية، مما منح موسكو امتيازات مثل عدم تحمل مسؤولية ما تقوم به ‘فاغنر‘، وفي مرات عدة أعلن الكرملين ووزارة الدفاع الروسية أنهما لا يتبنيان أعمالها".
وأردف أنه "على مستوى عمودي فإن ’لواء الدب‘ يعبر عن حالة امتداد قومية روسية لها علاقة بالحرب ضد أوكرانيا، مما ينطبق على أوكرانيا التي لها مثلاً كتيبة ’أزوف‘ التي تجسّد المحور اليميني المتطرف للفكر القومي الأوكراني. ’لواء الدب‘ هو امتداد للفكر القومي المتطرف الروسي كذلك، ويعبر عما تفكر فيه موسكو التي تلجأ إلى مثل هذه الشركات والجماعات لتنفيذ سياستها الخارجية".
وأكد مكني أن "روسيا ليست أول بلد يلجأ إلى مثل هذه الشركات الخاصة، فالولايات المتحدة الأميركية لها أيضاً شركات خاصة وجمعيات يمينية متطرفة، لكن ’لواء الدب‘ يعكس فكر الكرملين أيضاً الذي يرى أن روسيا يجب أن تنهض من جديد وأن تدافع عن حقوقها القومية، مما عبّر عنه ألكسندر غودين، الرأس المدبر لسياسات بوتين".
تركيز على بوركينا فاسو
ومن بين الدول التي وضعها "لواء الدب" الروسي نصب عينيه بوركينا فاسو، البلد الواقع في الساحل الأفريقي ولا يزال يعاني اضطرابات أمنية شديدة على رغم سيطرة تراوري على السلطة.
وأخيراً سُمع دوي انفجارات في ثكنات في هذا البلد وإطلاق نار قرب مقر التلفزيون الوطني، مما أثار مخاوف من انقلاب محتمل على تراوري الذي يتمسك بالاستمرار في السلطة وإطالة المرحلة الانتقالية.
وأرسل "لواء الدب" العشرات من عناصره إلى بوركينا فاسو، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان سيعوض "فاغنر" في هذا البلد أو سيكمل أدواراً تقوم بها عناصر هذه المجموعة.
وقال مقني إن "التركيز على بوركينا فاسو نابع من أن النظام العسكري في واغادوغو يرمي بكل بيضه في السلة الروسية، بعكس مالي التي صحيح أنها تتعاون مع موسكو لكن لها شراكات أخرى سواء إقليمياً مع الجزائر أو دولياً"، موضحاً أن "النظام العسكري في بوركينا فاسو يركز على التعاون مع روسيا أولاً وأخيراً لأن أولوياته محاربة التنظيمات الإرهابية الموجودة شمال البلاد، ورأينا خلال الأيام الماضية عمليات مكثفة ضد هذه التنظيمات في المثلث الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، مما يشير إلى أنها حرب شاملة وأن واغادوغو ليست الوحيدة المعنية".
ووفق مقني، فإن "الحرب اشتدت اليوم بالنسبة إلى بوركينا فاسو لأن الجماعات المتطرفة ستسعى إلى سد الفراغات الناجمة عن خروج جيوش من المنطقة ودخول جيوش أخرى، وهي عملية تسمح بهامش من المناورة لهذه الجماعات التي تعتمد على حرب العصابات".
وتوقع أن "تكون هناك ضربات عسكرية في المرحلة المقبلة من طرف الجيشين النيجري والبوركيني وأذرع روسيا ضد الجماعات الإرهابية، وفي مرحلة ثانية تكون لدى روسيا فرصة استغلال الموارد في هذه الدول لأنه بادئ الأمر يجب إزالة الأخطار الأمنية ثم المرور إلى تنفيذ بقية الأهداف".
دور كبير مرتقب
وفي ظل الحديث المكثف عن تشكيل الفيلق الأفريقي – الروسي والتحرك الدبلوماسي والعسكري لموسكو في أفريقيا بصورة واسعة من خلال زيارات روتينية للمسؤولين إلى كل من ليبيا ودول الساحل وجمهورية أفريقيا الوسطى، فإن التساؤلات تتركز الآن حول مستقبل "لواء الدب" وما سيقوم به.
وفي الـ12 من يونيو (حزيران) الماضي، نشر اللواء صوراً على قناته الرسمية في "تيليغرام" ذكر أنها لجنوده في واغادوغو من دون مزيد من التوضيحات حول أسباب وجودهم هناك أو العمليات التي يقومون بها.
وأظهرت الصور مقاتلي اللواء وهم على متن طائرة وقد بدا العلم الروسي، ومن غير الواضح ما إذا كانت تلك القوات نقلت معدات عسكرية ضخمة إلى بوركينا فاسو التي تسعى إلى تحقيق استقرار بعد عقود كانت شاهدة على معارك ضارية مع الجماعات المسلحة.
وترى الباحثة في شؤون الساحل الأفريقي ميساء نواف عبدالخالق أن "اللواء وهو اليد العسكرية الناشئة لحماية مصالح روسيا في أفريقيا ويرجح أن يكون له دور كبير في المنطقة الغنية بالثروات، خصوصاً مع ترحيب شعوب الساحل الأفريقي بالحضور الروسي، علماً أن روسيا منذ أن ذهبت إلى هذه المنطقة سعت إلى الحصول على موارد ومصالح وهي بدأت بالفعل الاستثمار في مناجم الذهب".
وأوضحت عبدالخالق في تصريح إلى "اندبندنت عربية" أن "موسكو تحاول التدخل مع الجيوش المحلية بحجة مكافحة الإرهاب، لكن في الواقع الهدف الحقيقي الحصول على المعادن، تحديداً الذهب في هذه المنطقة. أعتقد بأنه بصرف النظر عن المسميات ’فاغنر‘ أو ’الدب الروسي‘ أو ’الفيلق الأفريقي – الروسي‘، نحن أمام توسع الدور الروسي في دول الساحل الأفريقي ضمن استراتيجية الكرملين للتوسع".
ولفتت إلى أن "روسيا تمكنت عام 2023 من الدخول سياسياً وبصورة قوية إلى عدد من الدول الأفريقية التي كانت تحت الهيمنة الفرنسية تاريخياً واقتصادياً وحتى عسكرياً، وقدمت نفسها مناصرة للاستقلال الأفريقي مما سمّته ’الاستعمار الأوروبي‘ عن طريق دعم الأنظمة السياسية الصاعدة المناهضة للوجود الفرنسي في بعض البلدان مثل بوركينا فاسو والنيجر ومالي وأفريقيا الوسطى".
وأبرزت أن "من بين المعطيات التي تشير إلى توسع دائرة النفوذ الروسي في دول الساحل، تشكيل الفيلق الأفريقي عام 2024 الذي يتيح لوزارة الدفاع الروسية العمل على مواجهة النفوذ الغربي، وتدارك مكانة موسكو في أفريقيا بعد ثلاثة عقود من فكّها الارتباط بالقارة السمراء، منطلقها في ذلك تأكيد الكرملين أن الولايات المتحدة وحلفاءها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) هم المعارضون الرئيسون للوجود الروسي في أفريقيا، بما في ذلك فرنسا".