Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قبضة ترمب... استعارة رمزية من الشيوعيين والفاشيين واليمينيين

استخدم الرئيس السابق والمرشح الحالي إيماءة القبضة المرفوعة في مجموعة متنوعة من السياقات منها خلال احتفاله بافتتاح فندقه "تاج محل" في أتلانتيك سيتي عام 1990

ظلت قبضته المرفوعة جزءاً من صورته العامة المستمرة منذ التسعينيات (أ ب)

ملخص

رفع ترمب قبضته للجمهور المحتشد خارج المحكمة في نيويورك عندما خرج من المبنى الذي دين فيه بارتكاب 34 جريمة في الـ30 من مايو، كما رفع قبضته عندما سلم نفسه لسلطات نيويورك بعد توجيه الاتهام إليه في القضية ذاتها في أبريل 2023، وفي نهاية جولة انتخابية له في يونيو 2024 توقف عند كنيسة في ديترويت، ووقف أمام صليب مضاء وعلمين أميركيين ورفع قبضته مرة أخرى.

في اللحظات المحمومة التي شاهدها العالم عندما أحاط عناصر الخدمة السرية دونالد ترمب محاولين دفعه إلى بر الأمان فور إطلاق النار عليه وخدش أذنه برصاصة قناص خلال تجمع انتخابي حاشد في بنسلفانيا السبت الماضي، رفع ترمب قبضته بقوة في الهواء وصاح وسط أنصاره مطالباً إياهم بالقتال والكفاح، كانت تلك صورة ودلالة للتاريخ، ففي غضون دقائق تحول غضب الجمهوريين من إطلاق النار إلى إعجاب برد فعل ترمب الغريزي وقدرته على إظهار القوة، فما المغزى السياسي من القبضة القوية المرفوعة؟ وهل تحمل دلالات ثابتة عبر التاريخ؟ وما تأثير استخدامها المتوقع؟  

 

إعجاب ورمزية

وأثارت محاولة اغتيال ترمب غضب الجمهوريين وصعقتهم، لكنها أيضاً شجعتهم وبعثت فيهم روحاً جديدة من المؤكد أنها ستنعكس على قياداتهم طوال أيام انعقاد المؤتمر الوطني الجمهوري الذي بدأ للتو في مدينة ميلووكي بولاية وسكنسن لترشيح ترمب رسمياً، ويعود جزء كبير من التفاؤل إلى قبضة ترمب الصلبة التي رفعها في الهواء ليقدم بها دلالات مختلفة لخصومه وأنصاره في آن واحد، إذ أشاد الجمهوريون بهذه القبضة في أعقاب لحظة مفزعة بفعل إطلاق النار، في حين أنها أيقظت الديمقراطيين الذين كانوا يشعرون بالقلق في شأن التهديد بالعنف السياسي، وتقلص احتمالات فوزهم في الانتخابات المقررة في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

ربما كان الأمر مزعجاً لكثيرين وقت إطلاق النار، لكن هناك أكثر من سبب يجعل عدداً من الجمهوريين يعتقدون أن نشر صور ترمب وقبضته مرفوعة في الهواء ووجهه ملطخ بالدماء ستثبت فعاليتها سياسياً، لأنه خلال الحملات الانتخابية يمكن أن يتحول التصور بسرعة إلى واقع، وغالباً ما تكون الرمزية أكثر أهمية من الجوهر، ولهذا توقع الخبير الاستراتيجي في الحزب الجمهوري مايك ميرفي أن تصبح القبضة المرفوعة هي الرمز الأيقوني للمؤتمر الجمهوري، وربما لحملة ترمب الانتخابية خلال الأشهر المتبقية على موعد الانتخابات ولمسيرته السياسية بأكملها.

وسارع آخرون، بما في ذلك أعضاء الكونغرس الحاليون، إلى نشر الصور نفسها أو صور مشابهة.

وحتى قبل المناظرة الكارثية للرئيس بايدن الشهر الماضي خاض ترمب حملته الانتخابية من موقع القوة، إذ صور نفسه كشخصية سياسية قوية ضد رئيس حالي ضعيف ومتقدم في السن، ومن الطبيعي أن يستقبل مؤتمر ترشيح الحزب الجمهوري ترمب استقبال الأبطال بما يليق بزعيم الحزب الذي كان على وشك الموت.

قبضة ترمب مستمرة

وعلى رغم الأهمية الإعلامية والشعبية الواضحة التي صاحبت استخدام ترمب قبضته القوية المرفوعة في الهواء كعمل غير مسبوق لزعيم سياسي في لحظات التوتر والاضطراب، إلا أنها لم تكن جديدة بالنسبة إلى الرئيس السابق، إذ ظلت قبضته المرفوعة جزءاً من صورته العامة المستمرة منذ التسعينيات، إذ استخدم ترمب إيماءة القبضة المرفوعة لعقود من الزمن، وفي مجموعة متنوعة من السياقات، وعلى سبيل المثال استخدمها خلال احتفاله بافتتاح كازينو وفندق ترمب "تاج محل" في مدينة أتلانتيك سيتي عام 1990.

لكنه استخدمها أيضاً كرمز للتحدي، كما فعل خلال مؤتمر صحافي هدد فيه بمقاضاة صحيفة "نيويورك بوست" عام 1994، وكرئيس منتخب رفع ترمب قبضته في تغريدة بمناسبة أعياد الميلاد عام 2016، ولعل الأمر الأكثر شهرة هو أنه رفع قبضته تعبيراً عن الانتصار أثناء تنصيبه عام 2017.

وفي أثناء رئاسته كثيراً ما استخدم هذه الإيماءة، كما الحال عندما وصل إلى مدينة ناشفيل لحضور مناظرة رئاسية في أكتوبر (تشرين الأول) 2020، إذ رفع قبضته إلى أنصاره بمجرد نزوله من طائرته في قاعدة "بيري فيلد" الجوية للحرس الوطني.

وفي وقت سابق من العام الحالي رفع ترمب قبضته للجمهور المحتشد خارج المحكمة في نيويورك عندما خرج من المبنى الذي دين فيه بارتكاب 34 جريمة في الـ30 من مايو (أيار)، كما رفع قبضته عندما سلم نفسه لسلطات نيويورك بعد توجيه الاتهام إليه في القضية ذاتها في أبريل (نيسان) 2023، وفي نهاية جولة انتخابية له في يونيو (حزيران) 2024 توقف عند كنيسة في ديترويت، ووقف أمام صليب مضاء وعلمين أميركيين ورفع قبضته مرة أخرى.

رمز تاريخي

وتعتبر قبضة اليد المرفوعة واحدة من أكثر الأشياء إثارة للاهتمام بسبب تاريخها الطويل والمتنوع، إذ استخدمتها مجموعة واسعة من التيارات السياسية والاجتماعية لأغراض مختلفة، واستخدمها الفاشيون والاشتراكيون والشيوعيون والسود المدافعون عن القوة السوداء، كما تميز بها لاعب الغولف الأميركي الشهير تايغر وودز.

وارتبطت قبضة اليد المرفوعة منذ أوائل القرن الـ20 بالاشتراكية والشيوعية والنقابات العمالية التي تمثل عمال الصناعة في العالم، وفي هذه السياقات، كان ينظر إليه عادة على أنها رمز للتضامن مع الآخرين الذين شاركوهم وجهات نظرهم.

ومع ذلك أصبحت القبضة المرفوعة في الستينيات مرتبطة بحركة ما يسمى "القوة السوداء"، إذ تظهر إحدى الصور الأيقونية والمثيرة للجدل من الألعاب الأولمبية لعام 1968 الرياضيين تومي سميث وجون كارلوس، اللذين فازا بميداليات في سباق 200 متر، وهما يرفعان قبضتيهما فوق رأسيهما أثناء عزف النشيد الوطني الأميركي.

وبعد 45 عاماً، لا سيما بعد احتجاجات عام 2014 في فيرجسون بولاية ميسوري ومقتل جورج فلويد عام 2020، أصبحت القبضة المرفوعة رمزاً قوياً لمتظاهري حركة "حياة السود مهمة"، ومع ذلك لم تقتصر القبضة القوية كرمز على السود فقط، إذ تبنتها أيضاً قوى من اليمين المتطرف، وأصبح ما يسمى "القبضة الآرية" رمزاً للفخر الأبيض خلال الثمانينيات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

شعار للتحدي 

وفي كثير من الأحيان أصبحت القبضة المرفوعة إشارة عامة للتحدي استخدمتها مجموعات متنوعة مثل حركة "احتلوا وول ستريت" في عام 2011، والطلاب الذين احتجوا على خفض موازنة التعليم في الفيليبين في العام نفسه.

ولا يزال ينظر إلى هذه الإيماءة على أنها تعد أو تجاوز في حق آخرين، ففي عام 2016 رفعت الطالبات السود في الأكاديمية العسكرية الأميركية في ويست بوينت قبضاتهن لالتقاط صورة، مما أدى إلى إجراء تحقيق من قبل الأكاديمية، لكن لم يتخذ أي إجراء تأديبي ضدهن، ومع ذلك كتب المشرف على ويست بوينت في رسالة إلى الطلاب العسكريين "علينا جميعاً أن نفهم أن الرمز أو الإيماءة التي قد تجدها مجموعة واحدة من الأشخاص غير ضارة، قد تسيء في الوقت نفسه إلى الآخرين".

القبضة والاختلافات الأخرى

وعلى رغم ما ترمز إليه القبضة المرفوعة من تضامن أو قوة أو تحد من الجماعات السياسية والاجتماعية، إلا أنها تعد شائعة أيضاً في الثقافة الشعبية، إذ ترتبط هذه الإيماءة بما يسمى "ضربة القبضة" التي يمارسها لاعبو الغولف مثل تايغر وودز بشكل متكرر، كما أنها ترتبط أيضاً بمشهد منتشر على الإنترنت يسمى "طفل النجاح" الذي يظهر طفلاً على الشاطئ بقبضة رملية ووجه متحد ويحظى بشعبية كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة منذ بداية العقد الثاني من هذا القرن.

لكن من غير الشائع أن تخضع الإيماءات بشكل عام لتحولات كبيرة في معناها إلا أن ذلك يحدث أحياناً، وعلى سبيل المثال انتشرت في أوائل أربعينيات القرن الماضي علامة اعتبرت رمزاً للمقاومة والنصر مع انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، التي تماثل حرف "في" باللغة الإنجليزية أو رقم "سبعة" في الكتابة العربية، ويتشكل من رفع إصبعي السبابة والوسطى منفصلين عن بعضهما بعضاً، ولكن بعد جيل واحد اختيرت هذه العلامة من معارضي تورط الولايات المتحدة في حرب فيتنام وأصبحت علامة أو رمزاً للسلام.

وفي الستينيات والسبعينيات استخدم الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون خلال حياته السياسية بشكل متكرر هذه العلامة بكلتا يديه كإشارة إلى النصر، حتى أنه استخدمها في سياقات بدا فيها الأمر غير مناسب إلى حد كبير، مثلما حدث عندما استقل المروحية التي أقلته من واشنطن، بعد تعرضه للإهانة واستقالته عام 1974 عقب فضيحة "ووترغيت"، إذ استدار ليظهر هاتين اليدين والأصابع المرفوعة.

ترمب والقبضة المرفوعة

وبما أن ظهور ترمب العلني عادة ما يجتذب حشوداً مختلطة من المؤيدين والمنتقدين، فإن استخدامه القبضة المرفوعة يوفر رسالة قوية لكلتا المجموعتين، إذ يمكن أن يكون بمثابة بادرة تضامن لأولئك الذين معه، وتحدياً ضد أولئك الذين يعارضونه، وذلك بحسب أستاذ علم النفس بجامعة "ممفيس" روجر كروز، وبهذه الطريقة فإن قبضة ترمب المرفوعة تسمح للناس بتفسير رسالته وفقاً لتفضيلاتهم الأيديولوجية.

لكن أنصار ترمب مثل السيناتور الجمهوري جوش هاولي، يستخدمون هذه القبضة المرفوعة للتعبير عن الدعم، ففي السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 رفع هاولي قبضته لإظهار دعمه للمتظاهرين الذين كانوا يتجمعون في مبنى "الكابيتول" الأميركي مباشرة قبل أن ينزلق في الردهة هرباً منهم.

وفي أعقاب نجاة ترمب من محاولة الاغتيال، يظل السؤال هو: هل سيتبنى المندوبون في مؤتمر الحزب الجمهوري هذه العلامة كشعار بعدما أصبح ترمب مرشحهم رسمياً لمنصب الرئيس؟ وهل ستقرر الحملة الانتخابية لترمب والسيناتور دي فانس الذي اختاره نائباً له استخدام صورة ترمب بقبضته القوية كشعار جديد للحملة؟

المزيد من تقارير