Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مخاوف من انزلاق ليبيا نحو تقييد حرية التعبير

بعد حادثة القبض على صحافي ومحاولة اغتيال آخر

قال ناصر الهواري إن "عجلة قمع الحريات وحقوق الإنسان لم تتوقف نهائياً عن الدوران (أرشيفية - أ ف ب)

ملخص

على رغم الإفراج عن السنوسي لم يخف مراقبون خوفهم من "انزلاق ليبيا تجاه سياسة تكميم أفواه قادة الرأي العام"، بينما وصف آخرون ما يحدث بـ"الأمر العادي في بلد لم يشق بعد طريقه نحو دولة القانون القائمة على انتخابات وطنية شاملة شأنه شأن أي بلد من بلدان العالم الثالث الذي ما زال فيه مؤشر التعبير والصحافة يتلمس طريقه نحو الحرية".

اشتدت المضايقات بوجه حرية التعبير والصحافة في ليبيا، فبعد وفاة الناشط السياسي سراج دغمان في سجون بنغازي شرق البلد، ألقي القبض على الصحافي المختص بالشأن الاقتصادي أحمد السنوسي على خلفية نشره مستندات تتهم وزارة اقتصاد حكومة عبدالحميد الدبيبة بالفساد، كما تعرض الصحافي أحمد الفيتوري لمحاولة اغتيال الجمعة الماضي.

 

وعلى رغم الإفراج عن السنوسي مساء الأحد من النيابة العامة بالعاصمة الليبية طرابلس بكفالة وبقائه على ذمة التحقيقات في عدد من القضايا المرفوعة في حقه، لم يخف مراقبون خوفهم من "انزلاق ليبيا تجاه سياسة تكميم أفواه قادة الرأي العام"، بينما وصف آخرون ما يحدث بـ"الأمر العادي في بلد لم يشق بعد طريقه نحو دولة القانون القائمة على انتخابات وطنية شاملة شأنه شأن أي بلد من بلدان العالم الثالث الذي ما زال فيه مؤشر التعبير والصحافة يتلمس طريقه نحو الحرية".

تكميم الأفواه

وتعليقاً على الحادثة قال رئيس منظمة "ضحايا" لحقوق الإنسان ناصر الهواري إن "عجلة قمع الحريات وحقوق الإنسان، التي تأتي من ضمنها حرية الصحافة والتعبير، لم تتوقف نهائياً عن الدوران منذ اندلاع ثورة فبراير (شباط) عام 2011، واشتدت أخيراً على خلفية تحكم أطراف الصراع في مؤسسات صنع القرار في البلد الذي يصارع نزف الانقسام السياسي والأمني منذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، مما حال دون الذهاب نحو إجراء انتخابات وطنية تنهي هذه المراحل الانتقالية التي باتت مناخاً ملائماً لنمو واشتداد عود الخلايا المسلحة"، وأقر الهواري "بفشل كل من حكومة الغرب التي يقودها عبدالحميد الدبيبة وحكومة الشرق التي يترأسها أسامة حماد في القيام بمهماتهما وفي مقدمها حماية المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية، مما غذى مظاهر التذمر والرفض لسيطرة الميليشيات المسلحة بالغرب وللقبضة العسكرية بالشرق، وهو ما ولد ارتفاع الأصوات المنتقدة على خلفية انتشار الفساد المالي بقوة في كل ربوع ليبيا، إذ يفتقد المواطنون أبسط حقوقهم، كالحصول على رواتبهم وحرمانهم من الكهرباء ساعات طويلة".

وتابع رئيس منظمة "ضحايا" أن هذه المجموعات المسلحة اتجهت لسياسة تكميم الأفواه عن طريق التهديد أو الاغتيالات والإخفاءات القسرية والاعتقال التعسفي حتى تضمن بقاءها في سدة الحكم، وقال إن هذه الممارسات لن تتوقف حتى تصل ليبيا إلى انتخابات وطنية تنهي هذا الصراع، وتوجه الهواري بنداء إلى المجتمع الدولي للتدخل لحماية المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية وقادة الرأي العام الذين يحاربون فساد الحكومات بسلاح الكلمة.

خوف الشارع الليبي

وطالب الهواري الشارع الليبي بالتحرك ضد الفساد، مشيراً إلى أن حادثة القبض على الصحافي المختص في الشأن الاقتصادي بينت هشاشة الشارع الليبي الذي ما زال يخشى بطش السلاح في بلد يتربع على 29 مليون قطعة سلاح خارج أطرها القانونية، قائلاً "لولا هبة الأحزاب ونشاط المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية لكان مصير السنوسي كمصير كل من شيخ القبائل علي أبو سبيحة ومريم الورفلي وفتحي البعجة في دهاليز الأمن الداخلي في بنغازي، وعدد آخر من وكلاء النيابة بسجون الردع في طرابلس، إذ عجز عن الوصول إليه جميع وزراء العدل المتعاقبين في ليبيا وعدد من المنظمات الدولية"، وقال الهواري إن "الشارع الليبي لا يزال بعيداً من مرحلة تشكيل قوة ضغط"، داعياً إلى صحوة شعبية ضد الاعتقال خارج القانون والإخفاءات القسرية "حتى تجبر الأجهزة الأمنية على احترام حقوق الإنسان وتتقيد في عملها بالقانون، باعتبارها تقوم باعتقالات بما يتوافق وأهواء قادتها سواء في طرابلس أم بنغازي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جولة بين الحق والباطل

وعارض الصحافي المختص في الشأن الليبي في مركز "مدريد" للإعلام محمد الصريط كلام رئيس منظمة "ضحايا" لحقوق الإنسان ناصر الهواري عن "مضي ليبيا نحو سياسة تكميم الأفواه"، موضحاً أن البلد شأنه شأن بقية الدول "فالصح في معرض دوماً لإشكالات كهذه"، وشبه الصريط العمل الصحافي في دول العالم الثالث "بحقل ألغام" لحكم أن الصحافي "يتابع ويكشف عن الفساد الذي لديه جذور ومنخرطون فيه سيستميتون في الدفاع عنه"، ودعا الصريط الصحافيين إلى العمل وفق أدوات منطقية لحماية أنفسهم من الملاحقات القانونية ولكي يقدموا مادة صحافية جيدة وسليمة للقارئ، قائلاً أن "السنوسي استطاع هز جبل الفساد وكسب جولته ضده".

هيكل نقابي

وقال الصحافي المختص في الشأن الليبي بمركز "مدريد" للإعلام "السنوسي لم يتعرض للاختطاف بل قبض عليه بأمر رسمي من جهاز أمني أعلم عائلته قبل أيام بأن هناك مذكرة قانونية صادرة في حق السنوسي المقيم خارج ليبيا والمرفوعة ضده في عدد من القضايا، وبمجرد حضوره إلى طرابلس اقتيد من أمام بيته إلى مقر الأمن الداخلي، وأحيل للنيابة العامة التي أفرجت عنه بكفالة باعتبار أن القضية ما زالت مستمرة في القضاء"، وأوضح أن حادثة السنوسي جولة بين الحق والباطل وليست تكميم أفواه.

ودعا الصريط الصحافيين إلى الحصول على إذن مزاولة المهنة حتى تكون أمورهم قانونية حتى لو تم القبض عليهم، واستغرب عدم تحرك "نقابة الصحافيين" في كل من طرابلس وبنغازي، فالتحرك في قضية السنوسي كان من الصحافيين المستقلين والمجتمع المدني فقط، ولفت إلى أنهم بصدد التحرك لتكوين جسم نقابي مهمته ضمان حقوق الصحافيين "وليس كسب منافع شخصية".

قصور تشريعي

وبين المختص في الشأن القانوني إحميد الزيداني أن هذه الحادثة أظهرت من جديد القصور التشريعي والحاجة الملحة إلى ضرورة وجود قانون ينظم مهنة الصحافة ويوفر الضمانات اللازمة للصحافيين وفقاً للمعايير الدولية لمهنة الصحافة، حتى نحمي الصحافيين ونبين واجباتهم والتزاماتهم أيضاً، إضافة إلى ضرورة وجود نقابة تكون المظلة لهذه المهنة.

وأبرز الزيداني أنه على رغم أن السنوسي مارس حقه المشروع الذي كفله له العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في شأن حرية التعبير والتماس مختلف ضروب المعلومات، إضافة إلى حقه في التعبير عن الرأي الذي كفله له الإعلان الدستوري في مادته الـ14، وكذلك ما أوردته وأقرته المادة الثامنة من القانون رقم 20 لعام 1991 في شأن تعزيز الحرية، وأيضاً ما استقرت عليه المحكمة العليا في طعنها الجنائي في جلسة الـ13 من يناير (كانون الثاني) 1970، وكذلك ما ورد في المادة رقم واحد من القانون رقم 76 لعام 1972 في شأن المطبوعات، الذي أعطى لكل شخص الحق في حرية التعبير عن رأيه وفي إذاعة الآراء والأنباء بمختلف الوسائل، وكذلك ما ورد في منشور رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة في القانون رقم ثمانية لعام 2021، بمناسبة إحياء اليوم العالمي للصحافة الذي اعتبر اعتقال الصحافيين واحتجازهم داخل المقار الأمنية "احتجازاً قسرياً"، غير أنه على رغم كل هذه الضمانات تعرض السنوسي إلى الاعتقال وبطريقة أقرب إلى الاختطاف والاحتجاز القسري من دون مراعاة طبيعة مهنته، كما أنه منع في البداية من التواصل مع عائلته، ومن الحصول على الضمانات القانونية التي أقرها له القانون، مما يعد خرقاً للقانون وانتهاكاً لحقوق الإنسان من الجهة التي قامت باعتقاله، مثمناً دور النيابة العامة في الإفراج عنه وإطلاق سراحه بمجرد إحالته إليها.

بؤرة سوداء

وخلفت حادثة القبض على السنوسي استنكاراً محلياً ودولياً من كل من بعثة الاتحاد الأوروبي والبعثة الأمم للدعم في ليبيا، بخاصة أن البلد سبق ووصف بـ"البؤرة السوداء على المستوى الإعلامي"، من منظمة "مراسلون بلا حدود"، على رغم تسجيل ليبيا تقدماً بمعدل ستة مراكز في مؤشر حرية الصحافة وفق التقرير الصادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" في الثالث من مايو (أيار) الماضي، الموافق لليوم العالمي لحرية الصحافة، إذ احتلت ليبيا المرتبة الـ143 عالمياً من بين 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة والتعبير عام 2024، بعدما كانت في المركز الـ149 عالمياً عام 2023.

ووصفت المنظمة ليبيا "بالبؤرة السوداء على المستوى الإعلامي"، مؤكدة أن الصحافي في ليبيا عادة ما يجبر على خدمة طرف سياسي على حساب آخر، مما دفع بمعظم الصحافيين ووسائل الإعلام لمغادرة البلاد، مضيفة أن الصحافيين الذين اختاروا البقاء أصبح هدفهم الأساسي الحفاظ على سلامتهم من خلال العمل تحت جناح أحد أطراف الصراع، بينما أصبح من الصعب على الصحافيين الأجانب تغطية الأحداث الجارية على الأرض. وقالت منظمة "مراسلون بلا حدود" إن أطراف الصراع المسيطرة على السلطات، سواء في الشرق أم الغرب تمكنت من استغلال عناصرها المسلحة لتخويف الصحافيين، مما أدى في "إلى القضاء على الإعلام المستقل في البلاد".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي