Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رحلة استطلاعات الرأي من التنبؤ بالمستقبل إلى تشكيله

النتائج ليست مجرد أرقام بل مرآة تعكس أثر الأحداث وتقلباتها على مشاعر الناس واستجاباتهم

قوة استطلاعات الرأي تلعب دوراً في تجسيد تغيرات الرأي العام (مواقع التواصل)

ملخص

استطلاعات الرأي أداة أساسية تستخدم لقياس وفهم آراء الناس في الحياة اليومية في مجتمعاتنا. وتتيح هذه الأداة استكشاف أفكار الناس حول مجموعة متنوعة من القضايا، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وتعد بذلك عنصراً حيوياً في الديمقراطية وعمليات اتخاذ القرار.

في بداية الصيف عندما انطلقت منافسات كأس الأمم الأوروبية كانت توقعات الجمهور البريطاني متباينة، ليس فقط حول أداء منتخب إنجلترا، بل أيضاً في ما يتعلق بمسار البطولة بأكملها. كانت الأصوات متفائلة في بعض الأوقات ومتشائمة في أخرى وعكست استطلاعات الرأي هذا الاستقطاب المتوقع للمشجعين البريطانيين، الذين تابعوا كل تحركات فريقهم الوطني بقلق وحماس.

وبينما كانت الكرة تتدحرج في الملاعب الأوروبية تغيرت المعايير وتبدلت التوقعات. كان منتخب إنجلترا في بداية البطولة يبدو غير متأكد من ذاته، وكان الجمهور ينتظر بفارغ الصبر رؤية كيف سيتصدى اللاعبون للتحديات الكبرى التي تنتظرهم، كانت هناك حاجة إلى كثير من التكتيك والتركيز للوصول إلى المراحل المتقدمة.

وفي لحظات الشدة حينما كانت الآمال تتلاشى والتوقعات تتبخر حدثت المفاجأة إذ بدأ منتخب إنجلترا يلعب بثقة وإصرار ويقدم أداء مذهلاً أسر القلوب وحرك العواطف. وبينما تسارعت نتائجهم تغيرت أيضاً آراء الناس من استطلاعات الرأي التي كانت تعكس تراجعاً في الآراء تجاه فريقهم إلى تفاؤل متجدد وأمل كبير في النجاح المنتظر.

نرى من هذا المثال الحديث والبسيط، مدى قوة استطلاعات الرأي في تجسيد تغيرات الرأي العام وتأثير أداء جهة معينة على الحالة المزاجية للمجتمع. فالنتائج ليست مجرد أرقام، بل مرآة تعكس أثر الأحداث وتقلباتها على مشاعر الناس واستجاباتهم.

ما استطلاعات الرأي؟

أداة أساسية تستخدم لقياس وفهم آراء الناس في الحياة اليومية في مجتمعاتنا. وتتيح هذه الأداة استكشاف أفكار الناس حول مجموعة متنوعة من القضايا، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، وتعد بذلك عنصراً حيوياً في الديمقراطية وعمليات اتخاذ القرار.

عملية استطلاع الرأي هي جمع البيانات من عينة ممثلة من السكان بهدف قياس وتحليل آرائهم ومواقفهم تجاه موضوع معين. وتستخدم هذه البيانات لاستخلاص اتجاهات وتوجهات الرأي العام والتنبؤ بالسلوكيات الاجتماعية والسياسية.

تمتلك استطلاعات الرأي جذوراً تاريخية تعود إلى أوائل القرن الـ19، حين بدأت الجهود لقياس الرأي العام في الولايات المتحدة وأوروبا. ومنذ ذلك الحين، تطورت تقنيات ومنهجيات جمع البيانات لتصبح أكثر دقة وشمولية.

 

 

في العقود الأولى من القرن الـ19، بدأ استخدام استطلاعات الرأي لقياس تفضيلات الناخبين قبل الانتخابات. على سبيل المثال، في عام 1824، أجرت صحيفة "هاربرز ماغازين" أول استطلاع رأي معروف في التاريخ في الولايات المتحدة لقياس دعم الناخبين للمرشحين الرئاسيين.

كذلك استخدمت الصحف الأميركية في القرن الـ19 استطلاعات الرأي لقياس مشاعر الجمهور تجاه الحرب الأهلية الأميركية والقضايا السياسية الأخرى التي كانت تشغل الرأي العام في ذلك الوقت.

وفي أوروبا، بدأ استخدام استطلاعات الرأي في الفترة نفسها أيضاً، إذ لجأت الصحف والمؤسسات الأكاديمية والحكومية إلى استطلاعات الرأي لقياس ردود الفعل العامة على السياسات والأحداث المهمة.

أهم مؤسسات استطلاعات الرأي

في عالم البحوث واستطلاعات الرأي تبرز أسماء شهيرة تعمل على تحليل وقياس الرأي العام على مستوى عالمي. تأسست مؤسسة "غالوب" في عام 1935 في واشنطن العاصمة على يد جورج غالوب، وتعد واحدة من أقدم وأشهر مؤسسات البحوث الاجتماعية والسياسية في العالم، تنفذ المؤسسة استطلاعات رأي في مجالات متنوعة مثل السياسة والاقتصاد والتعليم والصحة، وتغطي أسواقاً عالمية متعددة باستخدام منهجيات علمية دقيقة.

شركة "إبسوس" التي تأسست في عام 1975 في فرنسا على يد جان مارك ليش وديدير تروشو، تعد أيضاً من الشركات الرائدة في مجال استطلاعات الرأي والبحوث الاستراتيجية، مقرها الرئيس في باريس وتتمتع بشبكة عالمية من المكاتب والفروع تخدم عملاءها في جميع أنحاء العالم.

تقدم "إبسوس" خدماتها في تحليل البيانات وفهم السوق والرأي العام في مجالات متعددة مثل التسويق والرعاية الصحية والتكنولوجيا وغيرها.

تعد شركة "يوغوف" إحدى الشركات العالمية الرائدة في مجال استطلاعات الرأي والبحوث الاستراتيجية، منذ تأسيسها في عام 2000 في المملكة المتحدة بواسطة نجيب شاه وستيف شاكلي. وتتميز بتوفير منهجيات حديثة لجمع البيانات وتحليلها لفهم الرأي العام والاتجاهات في مختلف المجالات، بدءاً من السياسة والاقتصاد إلى الأسواق والثقافة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقع المقر الرئيس لـ"يوغوف" في لندن وتستخدم تكنولوجيا متقدمة لجمع البيانات من خلال الإنترنت والهواتف المحمولة، ويسمح لها هذا بالوصول إلى عينات واسعة ومتنوعة من السكان في مختلف الدول. تتميز منهجيتها بالدقة والشمولية وتهدف إلى تقديم تحليلات استراتيجية تدعم القرارات في مختلف القطاعات، سواء كان ذلك في توجيه السياسات العامة أو تحسين استراتيجيات السوق للشركات.

إضافة إلى ذلك، تعمل "يوغوف" على تقديم منصات تفاعلية تتيح للمشتركين التعبير عن آرائهم ومشاركة وجهات نظرهم في القضايا المتنوعة، مما يسهم في إثراء الحوار العام وتشكيل الرأي العام بشكل شفاف ومدروس.

أما مؤسسة "دار القلم" التي تأسست عام 1978 في الكويت، فهي تعد من أبرز المؤسسات العربية في مجال استطلاعات الرأي، وتعمل على تقديم دراسات السوق والبحوث الاجتماعية والسياسية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مع التركيز على فهم وتحليل الاتجاهات الثقافية والاجتماعية في المنطقة.

تعتمد هذه المؤسسات على تمويل من مصادر متعددة، بما في ذلك عقود البحوث مع الحكومات والشركات الخاصة، وتسهم بصورة كبيرة في تشكيل الرأي العام وفهم الاتجاهات الاجتماعية والسياسية على مستوى العالم.

كيف تُجرى استطلاعات الرأي؟

تعتمد مؤسسات استطلاعات الرأي على منهجيات محددة وآليات دقيقة لجمع وتحليل البيانات الخاصة بآراء الجمهور. تبدأ العملية بتصميم الاستبيانات أو الأسئلة الموجهة للعينة المستهدفة، ويجري اختيار العينة بناء على معايير إحصائية لتمثيل الشريحة المعنية من السكان بشكل دقيق. يسأل المشاركون في الاستبيانات عن آرائهم واتجاهاتهم حول مواضيع معينة، سواء كان ذلك في السياسة أو الاقتصاد أو التسويق أو الثقافة أو أي مجال آخر يهم الباحثين.

تتمثل الآلية الأساسية لعمل مؤسسات استطلاعات الرأي في تصميم الاستبيانات أولاً، ويحدد أسئلة الاستبيان بعناية لضمان توفير بيانات دقيقة ومعلومات ذات جودة عالية، ثم وضع الأسئلة بناء على أهداف البحث والمعايير الإحصائية للعينة، تلي ذلك عملية جمع البيانات التي تجري في الغالب في يومنا هذا عبر الإنترنت أو الهواتف أو أحياناً وجهاً لوجه.

عقب ذلك، يتم الاستقرار على الطريقة الأنسب بناء على طبيعة الدراسة والسكان المستهدفين، ثم تجيء مرحلة تحليل البيانات بواسطة متخصصين في الإحصاء والتحليل البياني لاستخراج الاتجاهات والمعلومات الرئيسة التي تهم العميل أو الباحث. وتكون المرحلة النهائية هي إعداد تقارير مفصلة تشرح نتائج الاستطلاع وتوضح الاتجاهات والمعطيات المستخلصة، مع تقديم تفسيرات علمية ومحايدة للنتائج.

تمتلك استطلاعات الرأي سجلاً طويلاً من النجاحات في تحليل وتوجيه القرارات الاستراتيجية في مختلف المجالات. من بين النجاحات البارزة التي تحققها استطلاعات الرأي بصورة عامة هناك توقعات الانتخابات، إذ يعد استخدام استطلاعات الرأي للتنبؤ بنتائج الانتخابات السياسية أحد أبرز مجالاتها. فعلى مدار الأعوام، قدمت استطلاعات الرأي تقارير دقيقة وتحليلات موضوعية تساعد المتعاملين السياسيين والناخبين على فهم توجهات الناخبين وتوقعاتهم.

 

 

وفي مجال التسويق، تساعد استطلاعات الرأي الشركات على فهم حاجات السوق وتوقعات الاستهلاك بشكل دقيق. ومن خلال جمع بيانات حول الرأي والتفضيلات والسلوكيات، يمكن للشركات تحسين استراتيجياتها التسويقية وزيادة رضا العملاء.

كذلك يتم اللجوء إلى استطلاعات الرأي لقياس رضا الناس عن الخدمات الحكومية أو الخدمات العامة، مما يساعد في تحسين أداء الحكومات والمؤسسات العامة.

لكن على رغم نجاحاتها فإن استطلاعات الرأي تعاني أحياناً من حالات فشل يمكن أن تؤثر في دقتها وموضوعيتها. من بين الأسباب الرئيسة لفشل استطلاعات الرأي اختيار عينات غير ممثلة للسكان الفعليين، مما يؤدي إلى نتائج محدودة في قدرتها على التنبؤ بالرأي العام بشكل دقيق. كذلك تتسبب صياغة الأسئلة غير الدقيقة أو المتسرعة بإساءة تفسير البيانات، مما يؤثر في صحة النتائج النهائية.

قوانين وأخلاقيات

ينبغي أن تشتمل منهجيات مؤسسات استطلاع الرأي على مجموعة من القوانين والأخلاقيات أهمها الشفافية، إذ يجب أن تكون عمليات الاستطلاع شفافة ومفتوحة للجمهور، بحيث يتم نشر منهجيات البحث وعينات الدراسة والنتائج بصورة كاملة ودقيق. كذلك يجب أن تحافظ المؤسسات على سرية المعلومات الشخصية للمشاركين وتتبع معايير الخصوصية المعترف بها دولياً، ويجب أن تكون منهجيات الاستطلاع دقيقة وموضوعية وأن تستخدم أساليب علمية لضمان عدم التأثير في نتائج الدراسة. ومن الواجب أيضاً أن يتجنب الباحثون أي ممارسات تهدف إلى التلاعب بالنتائج أو التأثير غير المبرر على آراء المشاركين.

لكن بغض النظر عن القوانين الناظمة، يعتمد تأثير الاستطلاعات على الرأي العام بصورة كبيرة على كيفية اختيار العينات وصياغة الأسئلة. إذا تم اختيار العينات بصورة صحيحة وصياغة الأسئلة بطريقة مناسبة، فإن استطلاعات الرأي يمكن أن تشكل الرأي العام وتؤثر في اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية بصورة كبيرة.

استطلاعات الرأي في مواجهة النقد

تثير استطلاعات الرأي غالباً آراء نقدية تتعلق بدقتها وموضوعيتها. من بين التحديات الشائعة عدم شمولها عينات معينة من السكان، واختيارات العينات المتحيزة، وصياغة الأسئلة التي قد توجه الردود نحو اتجاهات معينة، إضافة إلى ذلك، تكون استطلاعات الرأي التي تنشرها الأطراف المعنية بموضوع ما معرضة للشكوك في ما يتعلق بمدى موضوعيتها، بخاصة إذا كانت هناك تأثيرات مالية أو سياسية على نتائجها.

كذلك تلعب وسائل الإعلام التي غالباً ما تكون خاضعة لسلطة وتمويل جهة معينة، دوراً حاسماً في توجيه النقاش حول نتائج استطلاعات الرأي، إذ يمكن للإعلام أن يؤثر بصورة كبيرة على كيفية استيعاب الجمهور للنتائج وتفسيرها وتصورات الناس للقضايا والشخصيات السياسية سواء بشكل إيجابي أو سلبي. فمثلاً، يمكن أن تبرز وسائل الإعلام النتائج التي تخدم أجندة معينة أو تعكس مصالح محددة، مما يؤثر في الرأي العام والتفاعل مع تلك النتائج. ويمكن أن يكون لتغطية إعلامية إيجابية أو سلبية تأثير كبير في تصور الناس للسياسيين أو القضايا الاجتماعية.

وعادة يمكن لتغطية إعلامية واحدة أو سلسلة من التغطيات التأثير بصورة كبيرة على نتائج الاستطلاعات والتوجهات السياسية والاجتماعية.

 

 

على سبيل المثال، قبل غزو العراق في عام 2003 شهدت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تغطية إعلامية مكثفة حول الأسباب والعواقب المحتملة للحرب. تنوعت تلك التغطيات بين دعم وانتقاد، مما أثر بصورة كبيرة على تصور الجمهور للحرب وقرارات السياسيين، وأظهرت استطلاعات الرأي قبل الحرب وأثناءها تقلبات كبيرة في مواقف الناس تبعاً للتغطيات الإعلامية والمعلومات المتاحة لهم.

وأخيراً، تعرضت هيئات إعلامية عالمية عريقة، لانتقادات شديدة بسبب تغطيتها للحرب الدائرة في غزة، إذ اتهمت المؤسسات الإعلامية بإدارة التوجهات بصورة غير عادلة لصالح إسرائيل أو الفلسطينيين على حد سواء. ويمكن لهذا التأثير السلبي في تصور الجمهور أن يؤثر في الثقة في صدقية الإعلام وعلى النتائج التي تظهر في استطلاعات الرأي المتعلقة بالسياسات الخارجية والنزاعات الدولية.

لكن، استطلاعات الرأي، وبغض النظر عن أن وصول إنجلترا إلى المباراة النهائية كان مناقضاً للمسوحات الأولى وأن خسارتها أمام منتخب إسبانيا نقضت الآراء الأخيرة، تظل أداة حيوية في فهم وتشكيل الرأي العام في القضايا الديمقراطية والاجتماعية والتنموية والاقتصادية.

المزيد من تقارير