Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسلسل طويل قبل ترمب: ديمقراطية العنف السياسي

السجال بين المرشحين السياسيين كان أفظع من الرصاص ومفاعيله

وجدت أميركا نفسها مجبرة على خيار مكرر بين عجوزين   (رويترز)

ملخص

الواقع أن العنف عنصر ثابت في "الجين" الأميركي فالبلد بني على عنف المهاجرين والمستوطنين الأوروبيين ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر وهم أرقى أخلاقياً من المهاجرين الذي قتلوهم وأخذوا أرضهم.

في كتاب "مذبحة أميركية على الخطوط الأولى للحرب الأهلية"، رأي معبر جداً لمستشار الجمهوريين كارل روف، مدير حملة الرئيس جورج بوش الابن.

يقول روف "انتقلنا من طلب أصحاب الخبرة والكفاية والمؤهلات إلى طلب الذين يرمون القنابل ويفجرون الأشياء"، وليس خيار أميركا في 2024 سوى تجسيد لأعلى مراحل الأزمة التي تضرب القوة العظمى، أزمة انحدار وانحطاط وحرب هويات.

"أزمة معرفية، إذ فقد الأميركيون القدرة على التمييز بين الحقيقة والكذبة، وفي مثل هذه الحالة تفشل الديمقراطية"، كما قال الرئيس باراك أوباما في حديث قبل أعوام إلى مجلة "أتلانتيك"، هي أزمة الدخول في ما سماه جوناثان كيرشنر "عصر اللاعقل". ولولا ذلك لما وجدت أميركا نفسها مجبرة على خيار مكرر بين عجوزين هما الرئيس الحالي جو بايدن والرئيس السابق دونالد ترمب.

وليس إطلاق النار على المرشح الجمهوري صاعقة في سماء صافية، فالكلام في السجال بين أنصارهما كما بينهما كان أفظع من الرصاص ومفاعيله، فكل منهما يتهم الآخر بأنه "خطر على الديمقراطية".

بايدن وضع نفسه ومصلحته السياسية الشخصية فوق الحزب الديمقراطي، وترمب أخذ الحزب الجمهوري إلى أسر "نظرية المؤامرة" وأسهم في تدمير النظام الدستوري والسياسي والنظام الانتخابي والنظام القضائي. ومن طبائع الأمور بعد أي عملية اغتيال سياسي أو محاولة اغتيال أن ترتفع الدعوات إلى "الاتحاد"، وأن يتبارى الخصوم في الادعاء أنه "لا مكان للعنف السياسي في الديمقراطية الأميركية".

لكن الواقع أن العنف عنصر ثابت في "الجين" الأميركي، فالبلد بني على عنف المهاجرين والمستوطنين الأوروبيين ضد السكان الأصليين من الهنود الحمر، وهم أرقى أخلاقياً من المهاجرين الذين قتلوهم وأخذوا أرضهم.

 وتاريخ البيت الأبيض في معظمه تاريخ عنف سياسي، من اغتيال الرئيس أبراهام لينكولن وهو من أهم الرؤساء، إلى محاولة اغتيال ترمب مروراً بمحاولة اغتيال الرئيس أندرو جاكسون الذي يقلده ترمب، واغتيال الرئيس جون كينيدي ثم شقيقه روبرت، ومحاولة اغتيال الرئيس رونالد ريغان وكثيرين سواهم.

وإذا كان لينكولن اغتيل بسبب ما فعله من توحيد الشمال والجنوب في الحروب الأهلية وتحرير العبيد، ومن دونه لما كانت الولايات المتحدة الأميركية، فإن محاولة اغتيال ترمب تبدو وكأنها بسبب ما يمكن أن يفعله بالولايات المتحدة تحت عنوان "لنجعل أميركا عظيمة ثانية"، وهي محاولة يصعب الأخذ بقول الأجهزة الأمنية إنها مجرد عمل شاب انتمى إلى الحزب الجمهوري من دون شريك أو جهة دفعته وتولت قتله بعد لحظة من إطلاق الرصاص.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والأزمة العميقة في المجتمع، ففي استطلاع للرأي أجرته جامعة دينسون عام 2023 ظهر أن ربع الأميركيين يعتقدون بوجود "رسل وأنبياء" في العصر الحديث ويؤمنون بنظرية المؤامرة كما في "الحركة الرسولية" التي ينتمي إليها رئيس مجلس النواب الحالي مايك جونسون.

وفي أميركا 393 مليون قطعة سلاح في أيدي الناس، بحيث يصح فيها ما كان يردده الرئيس ياسر عرفات عن الفصائل الفلسطينية المسلحة في لبنان "ديمقراطية غابة السلاح". فالتعديل الثاني للدستور نص على أن "وجود ميليشيات منظمة للحفاظ على أمن ولاية حرة يكرس حق الأشخاص في اقتناء أسلحة وحملها، ولا يجب انتهاك هذا الحق".

وليس سراً أن أقوى "لوبي" في أميركا هو لوبي "الرابطة الوطنية الأميركية للبنادق" التي لا يجرؤ سياسي على الوقوف في وجهها ولا على رفض ما تقدمه للمرشحين من تبرعات.

حتى بعد وقوع أحداث دامية في مدارس وحفلات موسيقية ورياضية يقوم خلالها أفراد بإطلاق النار عشوائياً على الحضور، فإن كل الكلام حول الحد من حمل الأسلحة أو أقله تحديد نوع الأسلحة التي لا يجب السماح باقتنائها وحملها يتبخر في الهواء خوفاً من الرابطة.

ولعل ترمب هو الأكثر صراحة بين السياسيين في تمجيد العنف السياسي إذا كان في مصلحته، عندما وصف هجوم الغوغاء على الكونغرس لمنعه من إعلان فوز بايدن في انتخابات عام 2020 بأنه "كان واحداً من أعظم التحركات في التاريخ لإعادة عظمة أميركا"، بل إنه وعد بالعفو عن المحكومين منهم عندما يعود للبيت الأبيض.

هو يركب موجة الشعبوية اليمينية التي تكره "النخبة" الحاكمة مع أنه عملياً من هذه "النخبة"، ويلعب ورقة العمال البيض في الأرياف الذين فقدوا وظائفهم بسبب الجشع لدى أصحاب الشركات الذين نقلوا أعمالهم إلى فيتنام وبنغلاديش وسواهما، حيث الأيدي العاملة الرخيصة.

وسلاحه الأكبر هو الهجوم على المهاجرين الذين كان يقول عنهم قبل لحظات من إطلاق النار إنهم "ملايين من المجرمين والمهربين وتجار المخدرات"، فضلاً عن اللعب على مخاوف العرق الأبيض من تزايد أعداد الأعراق الأخرى في أميركا.

فرنسيس فوكوياما يرى أن "عقب أخيل الديمقراطية" هو حرب الهويات الثقافية والمطالبة بخصوصية المجموعات التي تعتبر أنها مهمشة، وأخطر سلاح ضد أميركا هو الاستقطاب السياسي الذي يتعمق في ظل العنف السياسي، فيهدد الداخل بحرب أهلية في أية لحظة ويؤثر في جاذبية "القوة الناعمة" الأميركية في الخارج.

هذا ما يعطي دفعاً لـ"حركة تكساس الوطنية" برئاسة دانيال ميلر في المطالبة بفك الارتباط مع أميركا الذي تم عام 1845 وإقامة دولة مستقلة في الولاية. وليس غريباً وصف أميركا في مقالة آن أبلبوم وبيتر بوميرانتسيف بأنها "البرية الجديدة" حيث نصف الشعب لا يستطيع سماع النصف الآخر.

في القرن الـ19 كتب ألكسيس دو توكفيل أنه "كلما بدأ عهد جديد سنشاهد في فرنسا دور الحكومة، وفي بريطانيا دور حاكم عظيم، وفي أميركا نتأكد من فن الترابط"، وما فقدته أميركا حالياً هو فن الترابط، وسط غياب أي حاكم عظيم.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء