ملخص
ترمب براغماتي وخسارته للانتخابات الماضية لا تعطيه مساحة لاتخاذ قرارات عاطفية في مسائل مهمة مثل هوية نائب الرئيس، بخاصة بعد خلافه مع نائبه السابق مايك بنس، وهذا يحتم عليه وحملته النظر في عوامل كثيرة منها قدرة المرشح على استقطاب شرائح متنوعة وربما مترددة، وكسب محبة أنصار تيار "ماغا"، إضافة إلى جذب ملايين الدولارات للحملة.
أعلن دونالد ترمب الاثنين الماضي أنه وبعد تفكير طويل ومتأن اختار السيد جي دي فانس ليكون مرشحاً لمنصب نائب الرئيس، وفانس الذي أدى القسم عام 2023 سيناتوراً عن ولاية أوهايو، عُرف بانتقاداته اللاذعة لترمب. "فاشي متسلط" و"هتلر أميركا" و"هيروين ثقافي" ليست إلا أوصافاً أطلقها فانس على سيد الجمهوريين قبل أن يتراجع عنها، ويعلن اعتذاره.
ومعروف عن ترمب وموظفيه المخلصين أنهم لم يصفحوا عن بعض الجمهوريين المعارضين للرئيس السابق، ولم يسمحوا لهم بالعمل في إدارته حتى بعد تراجعهم عن انتقاداتهم، ولذلك كان إعلان الأمس غير تقليدي وأثار التكهنات حول الدوافع والأسباب.
ومن الأسباب المتداولة أن ترمب جونيور أقنع والده باتخاذ هذا القرار نظراً إلى صداقته الوثيقة مع فانس، وأشارت تقارير إلى أن معارضة فانس للمساعدات الأميركية لأوكرانيا لفتت انتباه ترمب جونيور فسارع إلى استضافة السيناتور في "بودكاست" يقدمه، ومنذ ذلك الحين كان النجل البكر لترمب من أهم المدافعين عن فانس عند والده، وشجعه على تأييده في انتخابات مجلس الشيوخ عام 2022.
لكن هذا السبب ليس الوحيد ولا الحاسم بالتأكيد، فترمب براغماتي وخسارته للانتخابات الماضية لا تعطيه مساحة لاتخاذ قرارات عاطفية في مسائل مهمة مثل هوية نائب الرئيس، بخاصة بعد خلافه مع نائبه السابق مايك بنس، وهذا يحتم عليه وحملته النظر في عوامل كثيرة منها قدرة المرشح على استقطاب شرائح متنوعة وربما مترددة، وكسب محبة أنصار تيار "ماغا"، إضافة إلى جذب ملايين الدولارات للحملة.
ويفسر الأكاديمي الأميركي بول سوليفان قرار ترمب بأسباب منها التزام فانس برؤية الرئيس، صغر سنه وحيويته، أهمية ولاية أوهايو، وروايته الشهيرة، مشيراً إلى أن النائب سيجذب أصوت الأميركيين الهنود نظراً إلى أن زوجته أميركية من أصول هندية.
وأضاف سوليفان لـ"اندبندنت عربية" "ضمنت هذه الحركة الذكية من ترمب للجمهوريين زعيماً للمستقبل، في حين لا يزال يتعين على الديمقراطيين التعامل مع مشكلة شيخوخة بايدن". وتحدث الباحث عن كتاب فانس "مرثية هيلبيلي" وقال إن الـ "هيلبيلي" هم الأشخاص المنسيين في أميركا الذين تنظر إليهم النخبة بازدراء. وقد يحصل ترمب على أصوات كثيرة في تينيسي وكنتاكي وأركنساس والعديد من المناطق باختياره فانس".
جذب التبرعات
يعد فانس خياراً مالياً جيداً لحملة ترمب نظراً إلى علاقته المميزة مع مجتمع الأعمال وقادة "وادي السيليكون"، إذ كان مستثمراً في قطاع التكنولوجيا وصناديق رأس المال الجريء لأعوام طويلة قبل غزوته اليافعة لعالم السياسة، كما كان لرجال الأعمال دور كبير في فوز فانس بانتخابات مجلس الشيوخ، إذ ضخوا ملايين الدولارات دعماً لحملته الانتخابية، ولدى إعلان ترشيحه نائباً له قال ترمب إن "جي دي يتمتع بمسيرة تجارية ناجحة جداً في التقنية والمالية".
ويرى الباحث الأميركي عودة أبوردين أن ما ميّز السيناتور عن بقية المرشحين أنه "كاتب جيد، وسيساعد ترمب على الفوز بولاية أوهايو، وسينظر له على أنه سياسي جاء من خلفية متواضعة وصعد إلى القمة من خلال العمل الجاد وذكائه فقد خدم كجندي في مشاة البحرية ودرس في كلية الحقوق بجامعة ييل، والأهم من ذلك أنه شاب ويملك علاقات جيدة في وادي السيليكون، مما يجعله خياراً جيداً للجمهوريين والطبقة الوسطى". وأضاف "إذا فاز ترمب بفلوريدا وأوهايو وميشيغان فسيكون الرئيس المقبل".
وأطلق السيناتور عام 2020 شركة "ناريا كابيتال" بدعم من شخصيات تجارية رائدة مثل بيتر ثيل ومارك أندريسن وإريك شميدت وسكوت دورسي، وتأسست الشركة التي تتخذ من مدينة سينسيناتي في أوهايو مقراً لها للمساعدة في تحويل أموال الساحل الشرقي الكبيرة إلى فرص استثمارية في ولايات مثل أوهايو.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولم تمر 24 ساعة كاملة على ترشيح فانس حتى ذكرت "وول ستريت جورنال" أن إيلون ماسك ينوي دعم لجنة "أميركا باك" السياسية المناصرة للحزب الجمهوري بمبلغ 45 مليون دولار شهرياً، وهنأ ماسك عبر منشور على منصة "إكس" السيناتور وأثنى على قرار ترمب.
وجمعت اللجنة أكثر من 8.7 مليون دولار منذ إطلاقها، منها تبرعات بقيمة مليون دولار من مستثمري "وادي السيليكون" الذين دعموا ترمب علناً خلال الأسابيع الأخيرة.
وأشارت "فايننشال تايمز" إلى أن "وادي السيليكون" كان يعد لفترة طويلة أحد أكثر المناطق ليبرالية في الولايات المتحدة، لكن بعض قادة التكنولوجيا الذين خاب أملهم من مواقف الرئيس جو بايدن حول الأنظمة والضرائب بدأوا يميلون سياسياً نحو اليمين.
وتقرّب ترمب من رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية من خلال تعهدات بحماية حرية التعبير ودعم صناعة العملات المشفرة، ومن المتوقع أن يزداد داعموه من نخب "وادي السيليكون" بعد إشراك فانس الذي يتمتع بعلاقات قوية مع دوائر التكنولوجيا النخبوية، إذ عمل في صندوق "ميثريل كابيتال" الاستثماري التابع لبيتر ثيل في سان فرانسيسكو بين عامي 2015 و2017، وبعد ذلك في صندوق "ريفلوشن" ومقره واشنطن.
صعود "اليمين الجديد"
وقالت مجلة "تايم" إن ترمب باختياره فانس أسهم في صعود قائد جديد في التيار الشعبوي اليميني الذي نشأ نتيجة صعود الرئيس السابق، مشيرة إلى انتقاداته لمساعدات أوكرانيا ودعمه سياسات الهجرة المتشددة وعمليات الترحيل، ودفاعه عن الحمائية والرسوم الجمركية العالية على السلع المستوردة، والتي يعتبرها جزءاً مهماً لإعادة تقوية قطاع الصناعة، ولذلك فهو مرشح مفضل لحركة "ماغا" ويعتمد عليه في جذب الناخبين في ولايات مهمة مثل ويسكنسن وميشيغان وبنسلفانيا.
وذكرت المجلة أن ترمب تأثر بظهور فانس التلفزيوني وجاذبيته وفصاحته وسرعة بديهته، كما طور الاثنان علاقة شخصية خلال الأعوام الأخيرة، إذ غالباً ما يتصل ترمب به لمناقشة إستراتيجياته السياسية، وقال عن الرئيس السابق إنه "أحياناً يأخذ بنصيحتي، وأحياناً لا يأخذ بها، وفي أحيان يسدي إلي نصيحة".
أما مجلة "بوليتيكو" فقالت في مارس (آذار) الماضي إن السيناتور أصبح أبرز شخصية في تيار "اليمين الجديد" الذي يضم جمهوريين شباباً يحاولون إضفاء بعد راديكالي أكثر على الحمائية ومناهضة الهجرة، وهم أكثر تبنياً للسياسات الانكفائية وضد التدخلات الخارجية.
وكتبت المجلة أنه "خلافاً لأنصار ترمب الجمهوريين التقليديين فإن مجموعة اليمين الجديد بزعامة فانس تعتبر أن ترمب ليس سوى المحطة الأولى من ثورة شعبوية قومية أوسع بدأت تغير وجه اليمين الأميركي"، مشيرة إلى أنهم "في حال نجحوا في مسعاهم فإن ذلك سيغير وجه المجتمع الأميركي برمته".
الطبقة العاملة
أنهى جي دي فانس دراسته الثانوية عام 2003 ثم التحق بقوات مشاة البحرية في الفترة ما بين عامي 2003 و2007، إذ شارك في الحرب ضد العراق ودرس المحاماة لاحقاً في جامعة ييل، وتخرج فيها عام 2013 لينتقل بعدها إلى سان فرانسيسكو حيث عمل في صناديق رأس المال الجريء.
ومن خلال روايته الذاتية "مرثية هيلبيلي " التي صدرت عام 2016، أعطى فانس صوتاً للعمال المحبطين والمهمشين الذي يشعرون بالسخط على المجتمع، وحظي من خلالها بشهرة كبيرة على المستوى الوطني حتى إنه كان يُنظر إليه على نطاق واسع على أنه نصير للطبقة العاملة.
وروى سيناتور أوهايو في روايته التي حققت مبيعات كبيرة وحولتها "نيتفلكس" إلى فيلم سينمائي، قصصاً من طفولته الصعبة في منطقة تنهشها البطالة وإدمان المخدرات، وكتب "في بعض الأحيان أنظر إلى أعضاء النخبة بازدراء شبه بدائي"، مضيفاً أن أكثر ما يحبطه هو أن هذه النخب "هزمتنا في لعبتنا".
ويرى محللون أن خلفية فانس الذي نشأ في عائلة فقيرة تجعله مقبولاً لدى الناخبين من الطبقة العاملة البيضاء الذين يشكلون قاعدة ترمب، والذين سيكون لهم تأثير كبير في الانتخابات، كما أنه يتميز بطبيعته المتمردة على النخب التي كان يتنقل في دوائرها مستثمراً ثم سياسياً، وتلك خصائص ميّزته عن غيره من المتنافسين على منصب نائب الرئيس.
مواقفه السياسية
على رغم خلافاتهما في الماضي إلا أن فانس أصبح من أشد المدافعين عن ترمب، ويصطف معه في طروحاته حول الهجرة والاقتصاد، لكنه أكثر تشدداً على صعيد قضايا أخرى مثل الإجهاض، إذ يعارض الاستثناءات التي تتيح الإجهاض حتى في حالتي الاغتصاب أو سفاح القربى، مما قد يضر بحظوظ الحملة في كسب أصوات النساء.
أما على الصعيد الدولي فهو متشدد ضد إيران ويدعم فرض عقوبات على نفطها، كما يعد منتقداً لسياسة المساعدات الخارجية، فقد هاجم بصراحة حِزم المساعدات الأميركية المقدمة لأوكرانيا، وعلى رغم أنه مناصر وحليف لإسرائيل فإنه بعد يوم من ترشيحه حض إسرائيل على "إنهاء الحرب بسرعة".