ملخص
منذ عام ونصف عام ألقت الاضطرابات السياسية الداخلية في إسرائيل، ثم الحرب على غزة بثقلها على قطاع الصناعات التكنولوجية المتقدمة، بخاصة الشركات الصغيرة الناشئة، فيما تعمل الشركات الضخمة على مواجهة تداعيات ذلك.
تسببت الاحتجاجات ضد التعديلات القضائية في إسرائيل والحرب على قطاع غزة في تكبد قطاع الصناعات التكنولوجية المتقدمة خسائر كبيرة، وهو قطاع يشكل قاطرة الاقتصاد الإسرائيلي، ويسهم بأكثر من 97 مليار دولار في الناتج القومي لتل أبيب.
ومع أن الاستثمارات في شركات التكنولوجيا انخفضت إلى أكثر من 30 في المئة إلا أن تلك الخسائر تعتبر كـ"كرة ثلج متدحرجة"، بسبب غياب الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في إسرائيل مع دخول الحرب شهرها التاسع.
ويعمل في تلك الصناعة الحيوية أكثر من نصف مليون إسرائيلي (15 في المئة)، وتتركز في وسط إسرائيل، وتشكل مصدراً مهماً للعملة الصعبة، بسبب سيطرتها على 54 في المئة من الصادرات الإسرائيلية إلى الخارج.
ويشكل القطاع مصدراً لثلث الضرائب في إسرائيل، ونحو خمس الناتج الاقتصادي الإجمالي، وفقاً لبيانات بنك إسرائيل المركزي.
ومنذ عام ونصف عام ألقت الاضطرابات السياسية الداخلية في إسرائيل، ثم الحرب على غزة بثقلها على قطاع الصناعات التكنولوجية المتقدمة، بخاصة الشركات الصغيرة الناشئة، فيما تعمل الشركات الضخمة على مواجهة تداعيات ذلك.
وانخفضت قيمة الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة بلغت 60 في المئة، وتمثل أدنى معدل للاستثمار منذ عام 2015.
ووفق معهد (RISE) الإسرائيلي فإن الحرب "أعادت التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية أعواماً للوراء"، لكن الشركات الكبرى العاملة في الصناعة التكنولوجية المتقدمة تعمل على احتواء خسائرها.
ولذلك فإن شركة "غوغل" تقترب من إبرام صفقة ضخمة مع شركة "ويز" الإسرائيلية المتخصصة في الأمن السيبراني السحابي بقيمة 23 مليار دولار، وأسس تلك الشركة ضباط سابقون في الجيش الإسرائيلي قبل أربع سنوات بهدف إنشاء البرمجيات التي تساعد الشركات في فحص وتحديد الأخطار الأمنية من المنصات السحابية.
وأشار رئيس لجنة العلوم والتكنولوجيا في الكنيست الإسرائيلي أيمن عودة إلى انخفاض غير مسبوق في مساهمة قطاع الصناعات التكنولوجية المتقدمة في الاقتصاد الإسرائيلي، منوهاً بأن ذلك الانخفاض وصل إلى أكثر من 40 في المئة.
وقال عودة لـ"اندبندنت عربية" إن مديري تلك الشركات يطالبون الحكومة الإسرائيلية بتعويضهم عن "خسائرهم الحادة في ظل عدم وجود موازنات كافية بسبب تخصيص أموال طائلة للحرب".
واعتبر المتخصص في تطوير الأعمال والتنمية الاقتصادية هانس شقور أن الحرب الحالية على قطاع غزة "فاقمت التدهور في قطاع التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية، الذي بدأ بسبب الاحتجاجات قبل عام ونصف عام".
ووصف شقور ذلك القطاع بأنه "أهم محرك نمو في إسرائيل وأفضل داعم للاستقرار الاقتصادي"، مضيفاً أنه "من دونه فلا اقتصاد إسرائيلياً قوياً مزدهراً".
ووفق جمعية صناعات التكنولوجيا المتقدمة الإسرائيلية فإن ذلك القطاع وارتباطاته الاقتصادية يسهم في 45 في المئة من الناتج القومي الإسرائيلي وذلك بعد نموه خلال السنوات الماضية، إذ تبلغ إيراداته نحو 97 مليار دولار سنوياً.
وأشار شقور إلى أن "الاضطرابات السياسية والاحتجاجات الشعبية على النظام القضائي الإسرائيلي التي بدأت مطلع عام 2023 أدت إلى خشية الشركات العالمية الضخمة من الاستثمار في إسرائيل، بسبب عدم رغبتها في تفادي مخاطرتها في الاقتصاد الإسرائيلي".
لكن تلك الأوضاع السيئة ازدادت سوءاً مع هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ثم الحرب التي تلته على قطاع غزة، التي ينخرط فيها نحو 15 في المئة من موظفي تلك الشركات التكنولوجية المتقدمة عبر قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي.
ووصف شقور حجم الضرر في قطاع التكنولوجيا المتقدمة بأنه مثل "كرة الثلج المتدحرجة التي لا نعرف حجمها، وإلى أين ستصل".
وبحسب شقور فإن الأوضاع في إسرائيل وضعت تلك الصناعة في "منحدر طرق في ظل غياب اليقين السياسي والأمني والاقتصادي، والخشية من اتساع الحرب الحالية لتصبح إقليمية".
وتتركز مجالات التكنولوجية المتقدمة على الصناعات العسكرية والأمنية وأمن المعلومات والطائرات المسيرة والذكاء الاصطناعي ورقائق السيلكون والتقنيات الزراعية والمائية والصحة الرقمية، ووفق شقور فإن "تلك الصناعة تشهد انتعاشاً في الجوانب العسكرية في ظل ارتفاع الطلب عليها، وانخفاضاً في الجوانب المدنية".
وأشار شقور إلى أن الشركات الكبرى العاملة في ذلك القطاع "تتمتع بقدرة على التصدي للعواصف الاقتصادية، وقدرة على التأقلم مع الأوضاع الحالية"، موضحاً أن "الضرر الأكبر يقع على الشركات الناشئة الصغيرة في ظل شح الاستثمارات الخارجية والمحلية بسبب عدم اليقين".
وعن قرب استحواذ شركة "غوغل" على شركة ويز الإسرائيلية، قال شقور إن تلك الصفقة "تعطي دفعة لقطاع التكنولوجيات المتقدمة"، لكنه شدد على أن "عدم مجاراة النمو الاقتصادي العالمي يعني أنك تبقى في مكانك من دون تقدم".
من جهته اشتكى نائب المدير العام في سلطة الابتكار الإسرائيلية تساحي شنراخ من أن 50 في المئة من الشركات التي افتتحت في إسرائيل هي شركات تعمل في الخارج، مضيفاً أن "صعوبة جمع الأموال تفاقمت إلى حد كبير، ونحن نتلقى اتصالات هاتفية كل يوم من مديري الشركات، وهم يحذرون أنهم على وشك الإغلاق".