ملخص
تشكل قضية السيطرة على "محور فيلادلفيا" إحدى أبرز العقد في سياق المفاوضات الجارية لوقف الحرب في غزة، إذ لا تزال مسألة الجهة التي ستديره غير محددة في ظل تعنت المواقف.
في وقت يبحث فيه الوفد الإسرائيلي المفاوض في القاهرة مختلف المقترحات المطروحة للتوصل إلى تفاهمات حول مستقبل "محور فيلادلفيا"، الذي تبذل حوله جهود أميركية - إسرائيلية - مصرية لإيجاد حل قريب، بما لا يبقي سيطرة إسرائيلية عليه، حسم رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو برسالة خاصة لخصمه داخل حزبه والحكومة وزير الدفاع يوآف غالانت، حملت رفضه القرار الذي اتخذته الوزارة بالتنسيق مع وزارة الصحة ومجلس الأمن القومي بإنشاء مستشفى موقت لأطفال غزة الذين يعانون أمراضاً خطرة كالسرطان والسكري وإصابات في العظام في إسرائيل. وهو اقتراح دعمه غالانت وتمت صياغته في إطار تفاهمات في اتفاق مستقبلي للإفراج عن الأسرى، أو لغرض الحصول على الشرعية الدولية، وعلى خلفية القلق من قرارات محكمة العدل الدولية في لاهاي.
خلافات داخلية
وفي الرسالة التي تلقتها وزارة الدفاع أوضح السكرتير العسكري لرئيس الحكومة الجنرال رومان غوفمان باسم نتنياهو رفضه القاطع إقامة مستشفى في إسرائيل يدخل إليه غزيون، وأشار غوفمان إلى جهود يبذلها مجلس الأمن القومي لإنشاء طريق لنقل المرضى والجرحى من غزة إلى دول أخرى عبر إسرائيل أو مصر، لكنه أضاف أن "بلورة خطة هذا الموضوع لم تنضج بعد، حتى أنه لم يتفق على الدولة التي قد تقبل بنقل الأطفال المرضى إليها".
ويعزز رد نتنياهو الخلافات مع غالانت ويضيف تشدداً للموقف الإسرائيلي، فيما يبذل الوفد الإسرائيلي المفاوض في مصر جهوداً كبيرة لتذليل العقبات المتعلقة بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح، نظراً إلى قناعة أطراف التفاوض أن تفاهماً كهذا من شأنه أن يسهم في تحريك صفقة الأسرى.
اجتماعات سرية والسلطة ترفض
وقبل وصول الوفد الإسرائيلي إلى القاهرة لبحث مقترحات "محور فيلادلفيا" و"رفح"، بادر رئيس الشاباك رونين بار بالتسنيق مع المبعوث الأميركي الخاص بريت ماكغورك إلى عقد اجتماع في إسرائيل بعيداً من عدسات الكاميرا مع أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ ورئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج، لمناقشة إمكان إقناع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ومستشاريه بقبول الاقتراح الإسرائيلي بإشراك موظفين من السلطة بإدارة معبر رفح من دون كشف هوية انتمائهم إلى السلطة.
في المقابل أكد مسؤول سياسي في السلطة الفلسطينية أنها لن تتراجع عن موقفها الذي سبق وأوضحته قبل نحو شهرين، ورفضت فيه مطلباً إسرائيلياً كهذا، موضحة للإسرائيليين أنها تشترط في مقابل أي وجود لها في غزة وتسلم معبر رفح انسحاباً كاملاً لإسرائيل من القطاع، فيما تسلم المعبر يكون وفق خطة السلام العربية القاضية بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل والتزامها بجدول زمني للمفاوضات.
"لواء فيلادلفيا"
وإذا كان الوفد الإسرائيلي المفاوض لم ينجح بتلقي رد فلسطيني قبل وصوله إلى القاهرة، ليساعد في التوصل إلى اتفاق حول محور فيلادلفيا، فإن ما كشفت عنه الأجهزة الأمنية عن موقف قيادة الجيش الرافض لانسحاب إسرائيل من المحور يضاعف العراقيل التي يراكمها نتنياهو حول هذا الملف، وأيضاً حول عودة الفلسطينيين لشمال غزة المصنفة ضمن خطوطه الحمر.
رئيس أركان الجيش هرتسي هليفي، وإن اختلف مع نتنياهو في ملف صفقة الأسرى وطبيعة قتال المرحلة الثالثة واليوم الذي يلي الحرب، إلا أنه، ووفق ما تسرب عن موقفه داخل اجتماعات تقييم للمنطقة الجنوبية، يدعم إبقاء الجيش في "محور فيلادلفيا"، بل يعتبر المحور ومعبر رفح ورقتي مساومة مركزيتين وضاغطتين على حركة "حماس" لتليين موقفها ودفعها للتراجع عن تعنتها في الشروط التي تعرقل صفقة الأسرى.
وفي لقائه "الكتيبة 22" المنتشرة عند معبر رفح أكد هليفي أن الجيش سيواصل سيطرته على المحور بأكمله، ودعا المقاتلين إلى مواصلة القتال وبذل جهود لقتل أكبر عدد من المسلحين وتدمير البنى التحتية، وحظي موقف هليفي بدعم واسع من قيادة الجنوب التي تتحمل عملياً مسؤولية القتال في غزة. وفي اجتماع تقييمي عرضت خطة للسيطرة على "فيلادلفيا" تشمل تشكيل لواء يسيطر على المحور باسم "لواء فيلادلفيا"، وإقامة عائق تحت سطح الأرض وتركيب مجسات استشعار بهدف منع التهريب والكشف عن محاولات حفر الأنفاق.
في هذه الأثناء تنفذ وحدة هندسية إسرائيلية مختلف الأعمال في المنطقة، بما في ذلك وضع العراقيل أمام إمكان إجراء حفريات تحاول حركة "حماس" القيام بها لضمان استمرار تهريب الأسلحة وفق الجيش.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سيطرة عسكرية مدمرة لإسرائيل
وتصدر نقاش "محور فيلادلفيا" أجندة الإسرائيليين، ليس فقط لوجود الوفد في القاهرة وضرورة التوصل إلى اتفاق حوله، كمقدمة لتسهيل عملية التقدم نحو الصفقة، إنما أيضاً عشية سفر نتنياهو إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن وإلقاء خطاب في الكونغرس.
فقد صعدت المعارضة الإسرائيلية حملتها للضغط على نتنياهو لقبول الصفقة والتراجع عن تعنته، خصوصاً حول رفح وعودة الفلسطينيين لشمال القطاع، فيما عائلات الأسرى ستستقبل نتنياهو في واشنطن بتظاهرات واحتجاجات للكشف عن موقفه أمام الرأي العام الأميركي والعالمي، والضغط عليه للإعلان في خطابه موافقته على الصفقة.
نتنياهو الذي طالبته المعارضة بشكل مباشر في الكنيست بهذا الإعلان صمت في معظم الأحيان، وإذا رد فيؤكد من جديد على موقفه الرافض لصفقة تشمل وقف الحرب وانسحاب الجيش من غزة قبل تحقيق أهدافها.
وتعرض نتنياهو لهجوم واسع بعد ما تسرب من اجتماع الكابينت قوله إن الأسرى في غزة لا يموتون بل يواجهون معاناة، ودعاه زعيم المعارضة يائير لابيد إلى عدم السفر إلى واشنطن إذا لم يعلن قبول الصفقة، وقال "داخل مكتبك وفي المجموعة المقربة منك يقولون عليك أن تعلن في خطابك في الكونغرس أنك موافق على صفقة الأسرى وأنك ستنفذها قريباً وأن الأسرى سيعودون، ولكن إذا لم تخطط للقيام بذلك فلا تسافر إلى واشنطن، بل سافر إلى قطر وإلى القاهرة، حتى أنني أدعوك إلى البقاء هنا لإجراء محادثات ومفاوضات حتى تصل إلى صفقة تعيد الأسرى، ولا تذهب إلى واشنطن وتجلس هناك في غرف مكيفة في وقت يختنق فيه الأسرى في أنفاق غزة".
أما الرئيس السابق للدائرة الأمنية - العسكرية في وزارة الأمن الجنرال احتياط عاموس جلعاد فاعتبر استمرار السيطرة العسكرية الإسرائيلية في غزة "دماراً من مختلف الجوانب الأمنية والاقتصادية، وحتى على صحة وقوة الجيش الإسرائيلي"، وتابع أنه "إلى جانب ما يتمخض من خطر إبقاء الأسرى فترة طويلة في غزة، فإن بقاء السيطرة العسكرية تكلف إسرائيل مليارات الدولارات، وتزعزع علاقتها بواشنطن وتضع الجيش في وضع متدهور من مختلف الجوانب، والأخطر من هذا فنحن نبقى بعيدين من إمكان الاستعداد لمواجهة الخطر المتزايد علينا من الجبهة الشمالية تجاه لبنان".
مؤيدو الموقف الداعي إلى الانسحاب من "فيلادلفيا" يؤكدون أن الجيش سيكون قادراً على العودة بسرعة للمحور والقيام بمهمته في حال كشف عن محاولات حفر أنفاق أو تهريب أسلحة، أما نتنياهو ومن يدعمه في رفض الانسحاب، بينهم ضباط في الجيش، فيرون مثل هذا الأمر في غاية الصعوبة ولا يمكن للجيش تنفيذه مستقبلاً والعودة لمحور فيلادلفيا أو إيجاد وسائل مراقبة ناجعة مثل انتشار الجيش في المكان، ويبررون رأيهم بالادعاء أن "حركة’ حماس‘ ستكون استقرت في المكان".
حتى بثمن وقف الحرب
وإلى جانب بحثه في القاهرة مسألة "محور فيلادلفيا"، يبحث الوفد الإسرائيلي في شأن الجهة التي ستدير معبر رفح، والمقترح المطروح هو تسليم المعبر لجهات فلسطينية غير مقربة من "حماس" وتصادق عليها إسرائيل لتشغيل المعبر تحت إشراف أوروبي.
في الأثناء تتصاعد الدعوات إلى التحرك نحو صفقة قريبة، وإن كان ذلك بثمن وقف الحرب، إذا ما ضمنت الصفقة عودة جميع الأسرى. وقال الباحث السياسي يوسي هدار إن المسؤول الأول والوحيد عن عرقلة الصفقة وإعادة الأسرى هو نتنياهو، وأضاف "لا يختلف اثنان بيننا حول أن هناك حاجة ماسة إلى تصفية ’حماس‘ عسكرياً وسلطوياً، غير أن الإدارة الفاشلة للحرب وتسويف نتنياهو وغياب الاستراتيجية تستدعي منا الآن تقليص الخسائر والحفاظ على الإنجازات التكتيكية للجيش ووقف الحرب". وأضاف متناولاً نتنياهو "بعد نحو 10 أشهر فإن الرجل الذي فشل أمام إيران وفشل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، فشل أيضاً في هزيمة ’حماس‘. لا شك على الإطلاق أنه لو كان في رئاسة الحكومة شخص آخر جدير وحاسم لكانت الحرب أقصر وأشد قوة، في هذه الأثناء ولأسباب سياسية نجده يناور ويلوح بالشعار المحرج ’نصر مطلق‘، فقط كي لا تسقط حكومته الأكثر سوءاً وفشلاً في تاريخ إسرائيل، وحتى يواصل هو الجلوس على كرسيه ويتمكن من مواصلة الحكم، وبذلك فهو يواصل التشهير بالجيش ويشل جهاز القضاء والشرطة ويمزق المجتمع".
يذكر أن حرب "طوفان الأقصى" كلفت إسرائيل نحو 68 مليار دولار، بحسب ما أعلن محافظ "بنك إسرائيل" أمير يارون، بعد ظهر أمس الخميس.