Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل نجح هدف ترمب في خطاب ترشيح الحزب الجمهوري؟

يعتمد فوز الرئيس السابق على إثبات قدرته خلال الأسابيع المقبلة على احتواء ميوله الذاتية

ترمب (يسار) والمرشح الجمهوري لمنصب نائب الرئيس جيه دي فانس (أ ب)

ملخص

ربما يكون فشل بايدن المذهل في المناظرة قد دفع استطلاعات الرأي إلى نقطة أو نقطتين لمصلحة ترمب، لكنه لم يغير السباق بصورة جذرية، كما أن محاولة الاغتيال لم تنجح أيضاً في تغيير السباق بفارق كبير، إذ لا يزال المرشحان لا يحظيان بشعبية كبيرة

كان هدف المرشح الجمهوري دونالد ترمب الرئيس في خطاب قبول ترشيحه من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري، تعزيز جاذبيته السياسية، وتوظيف محاولة اغتياله من خلال إبراز الوحدة بين الأميركيين وإنهاء الانقسامات السياسية، ومن ثم كسب أصوات المترددين والوسطيين من المستقلين في الولايات المتأرجحة بالغرب الأوسط الأميركي التي تحسم نتيجة الانتخابات وهي وسكنسن (حيث عقد المؤتمر) وبنسلفانيا (حيث جرت محاولة اغتياله) وميشيغان (حيث يعاني الرئيس جو بايدن من تراجع تأييده). فهل نجحت رسالته؟

رسائل المصير الواحد

بينما يبدو من الوهلة الأولى أن ترمب قدم خطاباً واحداً للأميركيين في أول كلمة مباشرة له عقب محاولة اغتياله، إلا أنه قدم خطابين مختلفين، الأول استغرق نحو ربع ساعة وكان هادئاً ورزيناً، التزم خلاله النص المكتوب عبر جهاز التلقين، وتحدث عن محاولة اغتياله السبت الماضي بالتفصيل في مسعى متوقع إلى جذب تعاطف الأميركيين، إذ بدا متأثراً بتفاني أنصاره، واصفاً إطلاق النار بأنه تجربة روحية تقريباً وأنه لولا العناية الإلهية لما كان بينهم في المؤتمر.

 

كما قدم ترمب الدعوة الموعودة للوحدة رافضاً تجريم المعارضة أو شيطنة الخلاف السياسي، قائلاً إنه يترشح ليكون رئيساً لأميركا كلها، وليس لنصف أميركا، ووعد بسد الانقسامات السياسية التي كثيراً ما اتهمه خصومه بتعميقها، ولم يذكر الرئيس بايدن بالاسم إلا مرة واحدة، وفي لحظات وجيزة، استخدم نغمات أقرب إلى رسالة الأمل والشفاء والمصير الواحد.

ووفقاً لما نقلته صحف أميركية عن حلفاء مقربين من ترمب، فإن كثيراً من الاعتدال لدى الرئيس السابق كان نتيجة تجربة الاقتراب من الموت خلال تجمعه الانتخابي السبت، فقد كان مرعوباً منذ فترة طويلة من احتمال تعرضه للاغتيال، وعندما أصبح رئيساً، أخبر اثنين من حلفائه أنه يخشى أن يأتي قاتله من داخل وكالات الاستخبارات أو قوات إنفاذ القانون التابعة لإدارته، وبعدما نجا بأعجوبة السبت، كشف عن مستوى نادر من التفكير خلف الأبواب المغلقة، حينما تحدث إلى مستشاريه حول إرثه وكيف يمكن أن يتذكره أحفاده.

مساوئ الارتجال

أما الخطاب الثاني فكان ارتجالياً من الرئيس السابق الذي يفضل دائماً الخروج عن النص المكتوب عبر جهاز التلقين ومخاطبة جمهوره بما يروق له، إذ مازح حلفاءه وتفاخر بسجله على مدى ساعة ونصف الساعة، جعلت خطابه هو الأطول في تاريخ خطابات قبول المرشحين الرئاسيين من أحزابهم في الولايات المتحدة.

غير أن تهديدات ترمب السابقة التي غلبت على لقاءاته الجماهيرية والصور الشريرة الصريحة التي يرسمها لخصومه الديمقراطيين كانت قليلة نوعاً ما في خطابه، ومع ذلك لم يتمكن من إضفاء وجه أكثر ودية على الترمبية، عبر مقاومة طريقته التقليدية في المبالغات والهجمات الشخصية على الديمقراطيين، وسخر من رئيسة مجلس النواب السابقة نانسي بيلوسي ووصفها بأنها مجنونة، وأن أميركا أصبحت أمة في حالة انحدار، مع قيادة فاشلة غير كفؤة (في إشارة للرئيس بايدن) الذي تعهد بعدم ذكره، لكنه ذكره بالاسم قائلاً إنه أحدث ضرراً بالولايات المتحدة أكثر من أسوأ 10 رؤساء في تاريخ البلاد، كما بالغ في الحديث عن أزمة الهجرة، واصفاً إياها بأنها أعظم غزو في التاريخ، وقارن المهاجرين غير الشرعيين بهانيبال ليكتر، القاتل المتسلسل الخيالي وآكل لحوم البشر في فيلم "صمت الحملان".

 

فرصة ضائعة

وبالنسبة إلى الديمقراطيين والليبراليين كانت هذه فرصة ضائعة من ترمب لتوسيع جاذبيته بصورة كبيرة من دون أن يفقد أياً من قاعدته، إذ يؤدي إطلاق النار عادة إلى حسابات سياسية في الأقل، ولهذا يرى الكاتب السياسي ديفيد أغناتيوس أن ترمب الذي كان يبدو مثل سوبرمان في هذه اللحظة لم يكن يرتدي عباءته، وأنه لن يتغير، ومن ثم فهو قابل للهزيمة ربما ليس من قبل شخص يدعى بايدن أو كامالا هاريس، ولكن من أي مرشح ديمقراطي آخر.

ويبدو لخصوم ترمب أنه لم يكن مهتماً أو قادراً على القيام بذلك، لأنه لو رغب في أن يكون شخصية موحدة في السياسة الأميركية، لأتيح لديه كثير من الفرص على مدى السنوات التسع الماضية، بخاصة أن خطاب قبول الترشيح ليس خطاباً سياسياً عادياً، وإنما لحظة فريدة من نوعها بالنسبة إلى مرشح يتحدث إلى الأميركيين والناخبين، ويشرح لهم لماذا يستحق ترشيحه دعمهم، لذا أصبحت محاولة اغتيال الرئيس السابق ورقة مساومة، أضعفها عدم وجود أدلة على أن مطلق النار كان بدافع العداء الحزبي.

تحد للديمقراطيين

لكن بالنسبة إلى الجمهوريين والمحافظين كان ترمب ينتقد سياسات الديمقراطيين وإدارة بايدن بينما كانت تهكماته وسخريته المعهودة في أقل درجاتها، وإذا استمر الأمر على هذا النحو إلى ما بعد المؤتمر الوطني الجمهوري، فإن نهج ترمب الجديد يفرض تحديات جديدة على الديمقراطيين، ذلك أنه على مدى ثماني سنوات كان ترمب أقوى سلاح سياسي لديهم، ووسيلة لحشد قاعدتهم ضد زعيم كانوا يكرهونه أكثر مما يحبون قادة حزبهم.

حاول الديمقراطيون تحويل هذا السباق إلى استفتاء آخر على ترمب، بدلاً من التساؤل عما إذا كان بايدن لا يزال لائقاً لولاية ثانية، بل إن مساعدي بايدن يعترفون أنهم يكافحون من أجل تذكير الأميركيين بشعورهم خلال سنوات حكم ترمب، ومدى كرههم الفوضى والانقسام تحت حكمه.

رسائل ناجحة

لكن الكاتب السياسي في "ناشيونال ريفيو" جيم غيراغتي اعتبر أن الحزب الجمهوري فعل ما أراد أن يفعله في ميلووكي، إذ نجح الجمهوريون في إبعاد الأكثر تطرفاً في صفوفهم مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، وقدم المرشح لمنصب نائب الرئيس، السيناتور جيه دي فانس، نفسه على أنه قصة نجاح أميركية، كما كانت الاحتجاجات خارج المؤتمر ضعيفة نسبياً، وكان تكريم الجنود الأميركيين الـ13 الذين قتلوا في كابول خلال انسحاب القوات الأميركية لحظة مؤثرة، وتذكيراً حاداً بخطأ الرئيس بايدن الذي ادعى في مناظرة الـ27 من يونيو (حزيران) الماضي مع دونالد ترمب أنه الرئيس الوحيد في هذا القرن الذي لم يشهد أي جنود يموتون في أي مكان في العالم.

كما بدا ترمب قوياً في خطابه حينما حذر من عواقب عدم إطلاق الرهائن الأميركيين لدى "حماس" قبل أن يصل إلى البيت الأبيض في الـ20 من يناير (كانون الثاني) المقبل، وهو ما لم يفعله الرئيس بايدن، في حين أظهر الرئيس السابق شيئاً لم يتمكن الأميركيون من رؤيته منه أبداً وهو الضعف الذي كان دوماً يعده نقيصة ينبغي تجنبها، لكنه في حكايته عن محاولة اغتياله نجح في استقطاب التعاطف اللازم من الأميركيين.

حزب موحد

وبرعاية ترمب ظهر الحزب الجمهوري موحداً أكثر من أي وقت مضى، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن معظم منتقدي ترمب السابقين من الحزب الجمهوري إما تحولوا إلى الترمبية أو لم يعودوا جمهوريين بعد الآن، وعلى سبيل المثال، كان جيه دي فانس واحداً من الذين انتقدوا ترمب بأعلى صوت في عام 2016 لكنه وقع ليكون نائباً له، وقرر السيناتور والمرشح الرئاسي الجمهوري السابق ميت رومني التقاعد من مجلس الشيوخ، وخسرت النائبة الجمهورية ليز تشيني الانتخابات التمهيدية، وأيد خصما ترمب السابقان حاكمة ولاية كارولاينا الجنوبية السابقة نيكي هيلي وحاكم فلوريدا رون ديسانتيس، الرئيس السابق هذا الأسبوع وأثنيا عليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان خطاب ترمب بمثابة تتويج لمؤتمر فعال بصورة لافتة للنظر بالنسبة إلى الجمهوريين، وبدلاً من التركيز على بايدن، الذي يبدو أن قبضته على ترشيحه من الحزب الديمقراطي أصبحت تتأرجح يوماً بعد يوم، احتشد الجمهوريون حول الوحدة التي افتقدوها خلال معظم عهد ترمب، وخصصوا الأسبوع لإعادة صياغة الرئيس السابق باعتباره جداً مخلصاً وصديقاً حنوناً وقائداً عطوفاً، كما صور الجمهوريون حزبهم على أنه "خيمة كبيرة" من الأفكار التي تتسع لزعيم نقابي كبير وجمهوريين مؤيدين لقطاع الأعمال ومحافظين وسياسيين وديمقراطيين من السود واللاتين الساخطين، الغاضبين من الجريمة والهجرة.

رهان الولايات المتأرجحة

وتحاول حملة ترمب واللجنة الوطنية للحزب الجمهوري، التي أصبحت الآن تحت سيطرته بالكامل، جذب الدوائر الانتخابية ذات الميول الديمقراطية التقليدية التي أصيبت بخيبة أمل في الحزب الجمهوري، بما في ذلك أعضاء النقابات من الطبقة العاملة والناخبون الشباب من السود واللاتين غير الأيديولوجيين نسبياً، وبخاصة في الولايات الثلاث التي تعد ساحة المعركة الرئيسة وهي الولايات المتأرجحة ذاتها التي حسمت انتخابات 2016 وفاز بها ترمب الذي يسعى إلى استعادتها مرة أخرى.

ولم يكن اختيار ولاية وسكنسن لانعقاد المؤتمر الوطني الجمهوري بها من قبيل المصادفة، إذ استهدف الجمهوريون استقطاب الشباب والمتعلمين الحاصلين على مؤهلات جامعية ونساء الضواحي، الذين لعبوا دوراً حاسماً في انتخابات 2016 و2020 وينتظر أن يكون صوتهم مؤثراً بالنظر إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع دعمهم لبايدن مقارنة بعام 2020، كما أن وقوع حادثة محاولة اغتيال ترمب في بنسلفانيا قد يزيد من التعاطف الشعبي لهذه الولاية المهمة دعماً له، فضلاً عن أن الرئيس السابق يغازل الناخبين بإعادة الحفر لاستخراج البترول والغاز من الولاية مرة أخرى.

اختبار مستمر

وسيعتمد نجاح ترمب في نهاية المطاف على ما إذا كان قادراً خلال الأسابيع الـ15 الأخيرة من الحملة على احتواء ميوله الذاتية والتخفيف من تفضيله الانتقام وسياسات اليمين المتشدد التي لا تحظى بشعبية، بخاصة أنه تبنى منذ أن خسر الانتخابات في عام 2020 نسخة راديكالية من النزعة المحافظة. وصاغ في مارس (آذار) الماضي، حملته الانتخابية على أنها المعركة الأخيرة ضد خصومه السياسيين وقال لمؤيديه "أنا قصاصكم"، وفي أكتوبر (تشرين الأول)، أعلن أن المهاجرين "يسممون دماء" البلاد، وبعد شهر، وصف خصومه بأنهم حشرات يجب استئصالهم، وفي ديسمبر (كانون الأول) قال إنه سيكون ديكتاتوراً، في أول يوم فقط في منصبه، والشهر الماضي وعد ترمب بتعيين مدع خاص لاستهداف الرئيس بايدن وعائلته.

سباق لم يتغير

وعلى رغم التقدم الذي يسجله ترمب في استطلاعات الرأي وبخاصة بعد محاولة الاغتيال، يراهن الديمقراطيون على أن العالم لم يتوقف، أو حتى يتباطأ، إذ حمل الجمهوريون الديمقراطيين مسؤولية إطلاق النار على ترمب، وعاد بايدن والديمقراطيون إلى وصف الرئيس السابق بأنه كاذب ومجرم ومستبد طموح، وعادت التغطية الصحافية إلى ما كانت عليه من قبل، بينما لم يهتم الجمهور كثيراً بأي منها.

وأظهرت أرقام مركز "نيلسن" للرأي العام أنه بعد إطلاق النار، شاهد 16 مليون شخص تغطية الحدث المروع عبر البث الإذاعي والتلفزيوني، لكن هذا كان أقل بكثير من 24 مليوناً شاهدوا المؤتمر الصحافي لبايدن بعد قمة "الناتو" قبل يومين، كما أظهر استطلاع للرأي أجرته "رويترز-إبسوس" الثلاثاء الماضي أن السباق الرئاسي لم يتغير بصورة أساسية، إذ يتقدم ترمب على بايدن بنقطتين مئويتين.

ويشير ذلك إلى أن رد الفعل الهزيل ليس بالأمر الجيد، لأنه يظهر أن الأميركيين أصبحوا الآن لا يبالون بالعنف المسلح، وحوادث إطلاق النار الجماعية، بل وحتى العنف السياسي، كما أن اللامبالاة التي شوهدت في نسبة المشاهدة واستطلاعات الرأي تقدم مزيداً من الأدلة على أن الأميركيين قد اتخذوا قرارهم بالفعل في شأن هذه المنافسة الرئاسية، وأنه لا يوجد على ما يبدو أي شيء من شأنه أن يغير رأيهم ما دام هذان المرشحان غير المستساغين يظلان الاختيارين الوحيدين.

وربما يكون فشل بايدن المذهل في المناظرة قد دفع استطلاعات الرأي إلى نقطة أو نقطتين لمصلحة ترمب، لكنه لم يغير السباق بصورة جذرية، كما أن محاولة الاغتيال لم تنجح أيضاً في تغيير السباق بفارق كبير، إذ لا يزال المرشحان لا يحظيان بشعبية كبيرة، ويعتقد معظم الناخبين أن بايدن كبير في السن وغير لائق عقلياً، في حين يعتقد معظم الناخبين أن ترمب خطر للغاية وغير لائق مزاجياً، ولهذا تتمنى الغالبية أن ينسحب الرجلان من السباق.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير