ملخص
على رغم أن كوارث الحرائق دائمة الحضور في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة بفعل أجواء المناخ الحار والطقس الجاف والحركة النشطة للرياح، وتندلع في الغابات والأحراش لأيام عدة قبل أن تتمكن طواقم الإطفاء من السيطرة عليها، تتهم جهات أمنية وعسكرية إسرائيلية الفلسطينيين بالوقوف وراء بعضها.
ما إن أخمدت نيران حريق ضخم شب في منطقة "وادي الصليب" المتاخمة لمقر الكنيست الإسرائيلي ومتحف إسرائيل غرب القدس حتى سارعت السلطات الإسرائيلية لشن حملة اعتقالات واسعة طاولت عشرات المقدسيين، فخلال التحقيقات اكتشفت الشرطة الإسرائيلية أن النيران اندلعت في ثلاثة مواقع منفصلة أدت إلى اتساع رقعة الحريق وحشد 23 طاقم إطفاء و8 طائرات لإخماده.
وعلى رغم أن كوارث الحرائق دائمة الحضور في إسرائيل خلال السنوات الأخيرة بفعل أجواء المناخ الحار والطقس الجاف والحركة النشطة للرياح وتندلع في الغابات والأحراش لأيام عدة قبل أن تتمكن طواقم الإطفاء من السيطرة عليها تتهم جهات أمنية وعسكرية إسرائيلية الفلسطينيين بالوقوف وراء بعضها، خصوصاً أن الحرائق الأخيرة التي اندلعت في عدد من المستوطنات طاولت قواعد عسكرية مهمة واستراتيجية.
ووفقاً لتقرير وضعه المتخصص في شأن المناخ من قسم العلوم البيئية في جامعة تل أبيب أمير جفعاتي عام 2021 لهيئة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية فإنه بين عامي 1986 و2019 كانت هناك زيادة بنسبة 22 في المئة تقريباً في احتمال انتشار الحرائق بجبال القدس بسبب التغيرات المناخية في حين بينت معطيات "البرنامج الوطني لتقييم حال الطبيعة" أن الحرائق في إسرائيل تندلع في المناطق المفتوحة مرة كل بضع سنوات وتلتهم مساحات كبيرة لأيام عدة كجزء من ظرف عالمي يتزايد فيه تواتر الحرائق.
قواعد عسكرية
خلال الأسابيع الماضية شهدت الضفة الغربية تصاعداً في عدد الحرائق بالمستوطنات، وذكرت هيئة البث الإسرائيلية "مكان" أن مسلحين بملابس عسكرية أشعلوا النار في شاحنة ببؤرة "سدي إفرايم" الاستيطانية قرب قرية "راس كركر" غرب رام الله في حين أشارت القناة الـ12 الإسرائيلية إلى أن الحريق الضخم الذي شب في محمية "بور هاتسيبوريم" بمستوطنة "يتسهار" جنوب مدينة نابلس في شهر يونيو (حزيران) الماضي امتد نحو المستوطنة من ثلاث جهات، تلاه اندلاع حريق في محيط مستوطنة "حريش" المقامة على أراضي بلدة "قفين" القريبة من مدينة طولكرم شمال الضفة، وحريق آخر قرب قاعدة "أوفريت" العسكرية في منطقة جبل المشارف شرق القدس، وبعد أقل من 48 ساعة على إخماده شب حريق هائل في مستوطنة "كفار عتصيون" جنوب بيت لحم بالضفة الغربية ووصل إلى داخل قاعدة "عتصيون" العسكرية مما أدى إلى إجلاء 200 جندي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ووفقاً لما أفادت به وسائل إعلام إسرائيلية فإن حريقاً كبيراً اندلع بعد حريق "عتصيون" بساعات قليلة داخل قاعدة عسكرية أخرى للجيش قرب مستوطنة "معاليه أدوميم" التي تعد واحدة من كبرى المستوطنات الإسرائيلية بالضفة الغربية وأكثرها توسعاً منذ تأسيسها عام 1975. وكانت عضو "الكنيست" شارين هاسكل طالبت في وقت سابق بضرورة سن قانون يقضي باعتبار إشعال الحرائق بقصد جريمة إرهابية، ويسري على منفذيها قانون مكافحة الإرهاب، ودعت وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف إلى شطب إقامة من يثبت تورطهم بالحرائق.
ضرب واعتداء
في المقابل رفض الفلسطينيون الاتهامات الإسرائيلية وقالوا إن الشرطة شريكة في حملة التحريض تلك وتقود حملة اعتقالات عشوائية ضد الفلسطينيين في القرى والبلدات القريبة من المستوطنات التي شبت فيها حرائق، مؤكدين أن المستوطنين افتعلوا حرائق في أراضي الفلسطينيين في مواقع عديدة وأحرقوا مئات الأمتار من حقول الزيتون، ومنعهم أمن المستوطنات تحت تهديد السلاح من إطفائها، بل وصادر أدوات الإطفاء البسيطة وصهاريج المياه التي كانت بحوزة المزارعين، مما دفع الجانب الإسرائيلي إلى التدخل لإخمادها في بعض المواقع، بعد أن امتدت رقعة الحرائق إلى حدود مستوطنات قريبة.
وقال مسؤول ملف الاستيطان في محافظة طوباس معتز بشارات إن التدريبات العسكرية للجيش الإسرائيلي أدت إلى اشتعال النيران في قرابة 200 ألف متر مربع من الأراضي الزراعية، ونحو مليوني متر مربع الأراضي الرعوية في مناطق سمرا وحمصة ومكحول والمكسر بالأغوار الشمالية.
وبحسب الأرقام الفلسطينية الرسمية تعرضت طواقم الدفاع المدني الفلسطيني منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، لأكثر من 36 اعتداءً شملت ضرب الطواقم بالحجارة وحجز معداتهم ومنعهم من الوصول إلى وجهتهم أو مواجهتهم مستوطنين مسلحين. وأكد مسؤولون في الجهاز الفلسطيني أن المستوطنين في قرية "المغير" شمال شرقي رام الله أحرقوا مركبة للدفاع المدني.
وتشير الإحصاءات إلى أن الدفاع المدني الفلسطيني تعامل منذ بدء الحرب مع 224 حادثة مختلفة نتجت من اعتداءات من الجيش أو المستوطنين، ومن بينها حرائق في ممتلكات وحرائق أعشاب وأشجار ومركبات وشاحنات ومنازل ومنشآت تجارية وشبكات كهرباء وأخرى للاتصالات وشبكات البنى التحتية. وأدت القنابل الحارقة التي أطلقها الجيش الإسرائيلي خلال اقتحامه مدينة رام لله نهاية مايو (أيار) الماضي لحريق هائل في سوق الخضراوات المركزية تسبب في خسائر فادحة بالمتاجر ومبانٍ مجاورة تجاوزت قيمتها بحسب التقديرات الرسمية 10 ملايين دولار، كما أن عرقلة ومنع الدفاع المدني الفلسطيني من الوصول لإخماد الحريق في الوقت المناسب تسبب في اتساع رقعة الحريق وفاقم الأضرار.
خسائر فادحة
حرائق المستوطنات في الضفة الغربية التي زادت وتيرتها خلال الأسابيع الماضية ووصلت إلى قواعد عسكرية دفعت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية والجيش وسلطة الطبيعة والشرطة لرفع درجة التأهب تخوفاً من تطورها واتساع نطاقها، خصوصاً أن طواقم سلطة الإطفاء والإنقاذ الإسرائيلية منهمكة بأقصى طاقتها في ملاحقة وإطفاء الحرائق التي تشتعل عند الجبهة الشمالية مع لبنان جراء القصف المتبادل بين إسرائيل و"حزب الله"، والتي أدت إلى أضرار تفوق التي خلفتها حرائق حرب لبنان الثانية بمرتين، وفقاً للصندوق اليهودي القومي، الذي أشار إلى أن الحرائق أتت على أكثر من 14 مليون متر مربع في مناطق الشمال، وأحرقت 90 في المئة من غابة جبل نفتالي.
وذكرت إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا) أن صوراً من شمال إسرائيل التقطت مطلع يونيو الماضي أظهرت التهام الحرائق التي اندلعت في الغابات مساحات واسعة من الجليل الغربي بعدما أشعلت الصواريخ التي أطلقها "حزب الله" النار في المنطقة، تركزت أشدها في "كريات شمونة" وما حولها، كما تعرضت مدينة كتسرين في هضبة الجولان لحرائق كثيفة، أدت إلى إجلاء آلاف السكان الإسرائيليين، وقال رئيس الإطفاء في محطة طبريا بوريس أيزنبرغ إن الحرائق التهمت أكثر من أربعة كيلومترات مربعة بعد سقوط صاروخ عليها تسبب في اشتعال النيران في هضبة الجولان بخاصة في مستوطنة "شعل" ومنطقة صفد. في حين أكد قائد المنطقة الشمالية في سلطة الإطفاء والإنقاذ يائير الكيام أن صواريخ أطلقها "حزب الله" على شمال إسرائيل "شكلت خطراً على منشآت استراتيجية" من دون تحديدها.
وأفادت هيئة الطبيعة الإسرائيلية بأنه منذ بداية العام وحتى الأول من يوليو (تموز) الجاري أحرق أكثر من 177 مليون متر مربع في المحميات الطبيعية والمتنزهات والمساحات المفتوحة والغابات. ومن بين المناطق المتضررة من الحرائق وقع ما يقارب 49 في المئة من الأضرار بالمناطق الشمالية المعرضة للحرب، وكانت الأضرار الأكبر في الجولان والجليل الأعلى. وهي لا تشمل المناطق المتضررة من حرائق الأسبوع الماضي، بما في ذلك الحرائق المشتعلة حالياً.
يذكر أن إسرائيل عانت لسنوات حرائق مساحات واسعة من الأراضي والحقول الزراعية والمحميات الطبيعية التابعة للمستوطنات الإسرائيلية القريبة من حدود قطاع غزة جراء إطلاق شبان فلسطينيين في قطاع غزة المئات من الطائرات الورقية وبالونات الهيليوم الحارقة التي بدأ استخدامها عام 2018، للتعبير عن احتجاج سكان القطاع على الحصار الإسرائيلي المطبق منذ 17 عاماً.