Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

توقع اندلاع حرب أهلية أميركية في 2040 لكنها تبدو أقرب

فيما تستمر تداعيات محاولة اغتيال دونالد ترمب، يقول مؤلف "الحرب الأهلية التالية" إن كل المؤشرات تدل على دخول المجتمع الأميركي أخطر مرحلة سياسية حتى تاريخه، وتنبئ بحدوث مزيد من العنف في الفترة المقبلة

حمّل جيه دي فانس "خطاب" حملة جو بايدن مسؤولية محاولة اغتيال دونالد ترمب (أ ب)

ملخص

هل دخلت الولايات المتحدة حقبة تدهور لا يمكن إيقافه يؤدي إلى حرب أهلية تالية وشيكة؟

عام 2018، عندما كنت أعمل على تأليف كتابي "الحرب الأهلية التالية"، أذكر أنني أجريت حديثاً مع عميل في مكتب التحقيقات الفيدرالي عمل متخفياً لأعوام طويلة في أوساط اليمين المتشدد. بحلول ذلك الوقت، كنت أنا أيضاً قضيت وقتاً مع متطرفين من الجانبين وكان لدي سؤال: إن اليمين مسؤول عن أكثر من نصف الاغتيالات السياسية في الولايات المتحدة بينما اليسار مسؤول عن أربعة في المئة منها تقريباً. فكيف يفسّر هذا الفارق؟ ولماذا كان أحد الطرفين أكثر عنفاً بكثير من الطرف الثاني؟.  

جاءت إجابته سريعة. فقال لي إن اليسار يفجّر نفسه قبل أن يتمكن من تفجير أي طرف آخر. أما اليمين، وحتى الجانب المتطرف المجنون من اليمين، فقادر على حشد تضامن أساسي وقادر على تنظيم نفسه. ومع احتدام الصراع في انتخابات 2024، تبدو الحقيقة التي تفوه بها ذلك العميل السري صالحة حتى في وقتنا هذا بالنسبة لي. فيبدو لي أن اليمين نظّم أساساً الطريق الذي سيشقه نحو الديكتاتورية. أما اليسار الذي يزعم بصورة صاخبة بأنه يدافع عن الديمقراطية الأميركية، فيعيش حالاً من الفوضى.

ترسخت أسباب الانهيار المستقبلي للجمهورية الأميركية منذ عام 2008 على أقل تقدير. فالدول لا تنهار بسبب أحداث منفردة بل بسبب الإخفاقات العميقة في النظام، وما يظهر في الولايات المتحدة هو عدد من أسوأ إخفاقات النظام: إذ يقوم النظام السياسي على التحزب السلبي وهذا ما يؤثر بصورة متزايدة أيضاً في النظام القضائي في البلاد، وقد بلغ انعدام المساواة في الدخل مستويات لم يشهدها البلد منذ نشأته، فيما تنهار الثقة بالمؤسسات بكل أنواعها- الكونغرس والإعلام والمؤسسات الدينية والمحاكم- بسرعة وقوة.   

ومن ناحية أخرى، تجد أن نظام الاقتراع البائد المتبع في البلد، وهو نظام المجمع الانتخابي، لا يعكس ببساطة إرادة الشعب بأي صورة حقيقية. يتناقص عدد الأفراد في الولايات المتحدة الذين يؤمنون بنظامهم السياسي على نحو متزايد- أما الذين يؤمنون به، فيتقوّض إيمانهم به شيئاً فشيئاً. 

كانت كل هذه الحقائق صحيحة عندما نشرت كتابي "الحرب الأهلية التالية" منذ عامين، لكنها كانت في الخلفية. وكان على المرء أن يبحث عنها ليراها. وعندما كنت أكتب السيناريوهات التي تؤطر فصول الكتاب، استخدمت تاريخ عام 2040 كمرجع سريع، وهو بعيد من عام 2024. لكن الدول التي تكون في طور الانهيار، تشكّل ما يسميه الخبراء "أنظمة معقدة متعاقبة" تتغذى عناصر مختلفة فيها على بعضها بعضاً. وأثبتت النماذج التي استخدمتها ثباتها لدرجة أدهشتني. إنما يبدو أن العملية التي تصفها تتسارع أكثر بكثير مما تخيلت.

لكن الفارق بين الجانبين في الانتخابات الأميركية الحالية هو أن اليمين مدرك تماماً لهذا التدهور السريع على ما يبدو، بينما يظهر أن اليسار غير قادر أو غير مستعد للاعتراف به. لا تزال نخبة الديمقراطيين الأميركيين، تلك المجموعة التي تشمل برأيي المحللين والشخصيات الإعلامية إلى جانب العاملين في السياسة والمسؤولين المنتخبين، تتصرف كما لو أنها تعيش في الولايات المتحدة في عهد أوباما. ولا تزال تحكمها عقلية مسلسل الجناح الغربي West Wing. وتعتقد بأن السياسة في كنف النظام الديمقراطي، تعتمد على استشارة خبراء السياسات والتفاوض للحصول على توافق من خلال المساومات والتسويات والعثور على شخصيات يمكنها تجسيد ذلك التوافق في الانتخابات.

لكن اليمين يعلم ويدرك أن كثيرين يشعرون بأن النظام استفحل فيه العفن ولذلك تلجأ الشخصيات اليمينية إلى استغلال هذا التردي للحلم الأميركي في أوساط الشخصيات العادية من أجل تعزيز شخصها.

أعتقد بأن محاولة اغتيال دونالد ترمب لم تكُن على الإطلاق أهم حدث سياسي وقع الأسبوع الماضي. في المستقبل، عندما سيُكتب تاريخ سقوط الجمهورية الأميركية، سيشكّل رد الدعوى التي رُفعت ضده بسبب الوثائق المصنفة سرية والتي اعتقد كثيرون بأنها ستؤدي إلى سجنه، حدثاً أهم بكثير. لقد تحضّر الجمهوريون واستعدوا جيداً. وجهّزوا النظام القضائي على نحو يعطي نفوذاً غير مسبوق للسلطة التنفيذية. لوّثوا نظام الاقتراع عبر التشكيك المسبق في أي نتيجة لا يوافقون عليها. وجهّزوا الآن طبعاً رواية الضحية.

غرّد جيه دي فانس بعد لحظات من إصابة أذن ترمب بالطلقة النارية "ليس اليوم حدثاً معزولاً. فحملة بايدن تقوم بصورة أساسية على أن الرئيس دونالد ترمب فاشي ديكتاتوري يجب توقيفه بأي ثمن. وأدّى ذلك الخطاب بصورة مباشرة إلى محاولة اغتيال الرئيس ترمب". ستمنحهم محاولة الاغتيال الغطاء الأخلاقي الذي يحتاجون إليه من أجل اضطهاد خصومهم إلى أقصى حد ممكن. فالحشود تصرخ بالفعل "قاتل، قاتل، قاتل". هذه ليس لغة السلام والانسجام. بل لغة تحقيق النفوذ والقوة "بأي وسيلة ممكنة". 

وفي المقابل، تجد الديمقراطيون عاجزين عن رصّ الصفوف وراء مرشحهم حتى. ولا يمكنهم تنظيم أنفسهم لدعم أي مرشح آخر كذلك. لا يملك الديمقراطيون قصة يعيدونها على الأذهان. ولا يمكنهم حتى إظهار كراهية مُقنعة لخصومهم.

والمشكلة أعمق من سياسات السباق. فما يريده الديمقراطيون هو الحفاظ على استمرارية المؤسسات. وبغية الحفاظ على استمرارية هذه المؤسسات، عليهم الإيمان بأنها لا تزال فاعلة. عليهم بعبارات أخرى أن يشيحوا بنظرهم عن الانهيار. ولا يزال كثيرون من بينهم يتمسّكون في أعماقهم بباراك أوباما الذي قال إنه لا وجود لأميركا الحمراء (جمهورية) وأميركا الزرقاء (ديمقراطية)، وإنه لا وجود لأميركا السوداء وأميركا البيضاء. وقال أوباما كذلك إنه لو كدّ المرء واجتهد والتزم القوانين، يمكنه أن يصعد السلّم في أميركا. وهذه الأكاذيب أجمل بكثير من تلك التي يقصّها ترمب على أنصاره، لكن لياقتها الجميلة هي التي تزيد من درجة الخداع الساحر التي تنطوي عليه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تسير الولايات المتحدة على درب التدهور منذ 10 أعوام في الأقل. لكن قرار الوثائق السرية ومحاولة اغتيال ترمب يشكّلان نقطة تحول صغيرة إنما مهمة. دخلت الولايات المتحدة مرحلة الأنوقراطية، تلك المساحة الضبابية بين الأوتوقراطية (أو الاستبداد) والديمقراطية. وسيقول لكم أي خبير متخصص في شؤون الحروب الأهلية إن الأنوقراطية أخطر حالة سياسية يمكن بلوغها، وفيها أكبر النزعات نحو العنف.

والسبب واضح. إن كان النظام الانتخابي لا يمثل ولاية شعبية، وإذا بدا أن المحاكم ليست سوى أدوات بيد المصالح السياسية القوية، وفي حال غياب أي مؤسسات يمكنها الالتفاف على عمل النظام السياسي السيئ، فيصبح احتكار الدولة للعنف غير شرعي بالأساس. والشعب الأميركي هو الأكثر تسليحاً في العالم المتقدم. في الولايات المتحدة، يفوق عدد الأسلحة تعداد السكان. انتهى وقت الوحدة الأميركية. وانتهى ذلك منذ فترة طويلة. لكن يبدو أن أحد الطرفين فقط يدرك هذا الواقع. ومن دواعي الأسف أن الطرف الثاني سيقتنع بذلك بطريقة أو بأخرى، آجلاً وليس عاجلاً. في حال اندلعت الحرب الأهلية في أميركا حقاً، ستكون مسلحة تماماً. 

 "الحرب الأهلية التالية: رسائل من مستقبل أميركا" لستيفن مارش، صدر عن دار سايمون وشوستر

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل