Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السترة الجلدية: رمز التمرد والثقافة المضادة

قطعة اللباس التي منعت وجرى تخليدها كرمز للاضطراب المدني تعود الآن إلى الواجهة بفضل فيلم "سائقو الدراجات النارية"

جحيم الجلود: نورمان ريدوس في فيلم "سائقو الدراجات النارية" (يونيفرسال)

ملخص

تطورت السترة الجلدية منذ صدور فيلم مارلون براندو "الوحشي" عام 1953 من قطعة ملابس عسكرية وللشرطة إلى أيقونة الثقافة المضادة ومرادفاً لتمرد الشباب

منذ ذلك المشهد الذي رأينا فيه مارلون براندو يدخل حانة في فيلم "الوحشي" The Wild One عام 1953، مرتدياً سروال جينز موديل 501 من علامة ليفايز وسترة سائق دراجة نارية وجزمة عالية، أصبحت السترة الجلدية رمزاً للتمرد. تأثير فيلم المخرج لازلو بينيدك على ثقافة الشباب وصناعة الأفلام ونجومية السينما لا يمكن قياسه، فإن الإرث الأكثر ديمومة لهذا الفيلم لم يكن في خطوات براندو الواثقة، بل في سترته الجلدية السوداء التي ميزت شخصية المتمرد العاصي ذي القبضة الحديدية الذي جسده في الفيلم.

في ذلك الوقت، كان فيلم "الوحشي" يعد تهديداً كبيراً للمجتمع لدرجة أن هيئة تصنيف الأفلام البريطانية رفضت منحه ترخيصاً رقابياً لمدة 14 عاماً، مبررة ذلك بأنه يعرض "سلوكاً فوضوياً غير منضبط". حتى إن ارتداء السترة الجلدية نفسها منع في المدارس الأميركية، إذ اعتبرت بحد ذاتها رمزاً للنية الإجرامية. منذ ذلك الحين، أصبحت السترة الجلدية الخيار المفضل للجانحين والمتمردين وأتباع ثقافة البانك. الفيلم الدارمي الجديد الذي يعرض حالياً في الصالات البريطانية للمخرج جيف نيكولز، "سائقو الدراجات النارية" The Bikeriders، من بطولة توم هاردي، يستعيد تلك اللحظة في التاريخ الأميركي - لحظة كانت فيها سترة الجلد رمزاً للاضطراب والثورة، ولكنها كانت أيضاً رمزاً للانتماء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قبل أن تصبح أيقونة ثقافية، كانت السترة الجلدية مجرد قطعة ملابس عملية، يرتديها الطيارون ورجال شرطة الطرق السريعة لحمايتهم من المطر والطقس القاسي. إيرفينغ شوت، الذي بدأ بصناعة معاطف مطرية في قبو في مدينة نيويورك وبيعها وتوصيلها مع شقيقه، قام عام 1928 بتصميم سترة "بيرفيكتو" Perfecto التي صارت الآن أيقونية، وسماها تيمناً بسيجاره المفضل.

وبيعت هذه السترات بداية في متاجر هارلي ديفيدسون، مما جعلها منذ البداية جزءاً من نسيج ثقافة الدراجات النارية. لاحقاً، تم تكليف شوت بإنتاج زي رسمي لطياري القوات الجوية الأميركية، فابتكر سترة المقاتل الجوي.

يخبرني روجر كيه بيرتن، المصمم ومؤسس مجموعة "كونتيمبوراري ووردروب" Contemporary Wardrobe Collection ومؤلف كتاب "أنسجة التمرد" Rebel Threads "كانت السترة مرتبطة دائماً بالرياضات الخطرة". كانت مرتبطة بالرياضات الخطرة وبصورة غير متوقعة بالسلطة.

وتقول الناقدة السينمائية كريستينا نيولاند "كان الجلد متيناً ويوفر الدفء للطيارين في الارتفاعات الباردة وللجيوش أثناء التنقل، لم يكن يتمزق بسهولة... لنفس السبب، تبناه الدراجون، الذين كانوا غالباً من المحاربين القدامى". بعد الحرب العالمية الثانية، أدى الفائض الهائل من سترات الطيارين الجلدية إلى توفرها بأسعار معقولة. يقول بيرتن ضاحكاً إنه حتى أفراد عصابة "هيلز آنجلز" Hell’s Angels، وبفضل ركوبهم دراجات هارلي ديفيدسون، راحوا يقلدون رجال شرطة الطرق السريعة. سرعان ما تمت إعادة تشكيل هذا الرمز الفخم للنظام والعملية والانضباط ليصبح رمزاً للتمرد ضد السلطة.

لكن السينما هي التي كانت وراء تحول سترات سائقي الدراجات النارية والمهاجمين من زي رسمي مهيب إلى رمز للثقافة المضادة والأناقة العصرية.

في فيلم "سائقو الدراجات النارية" يجد جوني (يجسده هاردي) سائق شاحنة متزوج ولديه أطفال إلهاماً قوياً في سلوك براندو في الفيلم، مما يدفعه لتأسيس نادي دراجات نارية خاص به ويطلق عليه اسم "فاندالز" (المخربون) The Vandals. يتحد أفراد النادي بحبهم للدراجات والجعة وروحهم الجماعية العدوانية، التي تجسدها السترة الجلدية أو "ياقاتهم" كما يسمونها. في المشهد الافتتاحي، يتعرض بيني (أوستن بتلر) من فرقة "المخربون" إلى هجوم في الحانة لأنه يرفض خلع سترته. يقول بحدة: "عليك أن تقتلني لتخلع هذه السترة عني". السترة الجلدية (أو المصنوعة من الجينز أحياناً) هي الزي الرسمي للمتمرد.

كثيراً ما رمزت السترة الجلدية بمختلف صورها إلى التمرد والانتماء معاً. في الفيلم الكلاسيكي "السائق البسيط" Easy Rider الصادر سنة 1969، يرتدي وايت، الذي يجسده بيتر فوندا، سترة جلدية ضيقة مطرز ظهرها بنجوم وأشرطة، بينما يقود دراجته عبر الطرق السريعة الأميركية، ويدخن الماريجوانا ويتورط في المتاعب. في فيلم "غريس" Grease الصادر عام 1978، هناك عصابتان في المدرسة الثانوية: "تي بيردز" T-Birds التي يتميز أفرادها بستراتهم الجلدية السوداء، و"بينك ليديز" Pink Ladies بستراتها الوردية المصنوعة من الساتان. وفي المسلسل التلفزيوني لليافعين "ريفرديل" Riverdale، عندما يدخل الراوي وابن الحي غريب الأطوار جاغهيد (يجسده كول سبراوس) المدرسة مرتدياً سترة عصابة "ساوث سايد" SouthSide المتميزة برسمة ثعبان على ظهرها، ينشر الخوف والرهبة فوراً (أو قدر ما يمكن لسبراوس أن ينشر من خوف ورهبة). وفي فيلم "متوحش في الصميم" Wild at Heart الصادر عام 1990 للمخرج ديفيد لينش، يتحدث نيكولاس كيج بشغف عن سترته الجلدية المصنوعة من جلد ثعبان، قائلاً "هل أخبرتك من قبل أن هذه السترة تمثل رمزاً لفرديتي وإيماني بالحرية الشخصية؟".

تقول نيولاند إن كل ذلك يمكن أن يعزى إلى براندو، الذي أدى دور جوني في فيلم "الوحشي"، "الذي كان يعبر عن تيار ثقافة الشباب المتصاعدة وولادة المراهقة... وقد فعل كل ذلك بسترة جلدية وثقة في النفس من خلال جملته الشهيرة 'ما الذي تتمرد عليه يا جوني؟ ماذا لديك؟'".

أداء براندو ألهم بصورة مباشرة الزي الذي ارتداه إلفيس بريسلي في فيلم "جيلهاوس روك" Jailhouse Rock الصادر عام 1957، وعلى رغم أن جيمس دين لم يرتد سترة جلدية في فيلم "تمرد من دون سبب" Rebel Without a Cause سنة 1955، فإنه تأثر بأداء براندو وموقفه التمردي.

في المملكة المتحدة، لم تصبح السترات الجلدية شائعة إلا في أوائل الستينيات. يعزو بيرتن ذلك إلى ظهور مغني موسيقى الروكابيلي جين فينسنت للمرة الأولى على التلفزيون البريطاني في برنامج "الفتى يلتقي الفتيات" Boy Meets Girls الذي كان يقدمه جاك غود عام 1959، إذ كان يرتدي زياً مصنوعاً من "الجلد بأكمله". كذلك، قدمت فرقة "بيتلز" عرضها الشهير في هامبورغ وأفرادها يرتدون سترات جلدية متطابقة، وأصبح هذا الزي جزءاً من هويتهم على المسرح من عام 1960 وحتى 1962. وبطبيعة الحال، كانت الثقافات الفرعية المتناحرة في ذلك الوقت تتجسد في "المودز" [اختصاراً من مودرن أي حداثوي والمقصود الاتجاهات الحديثة] ببدلاتهم ومعاطفهم، و"الروكرز" [محبي موسيقى الروك] بستراتهم الجلدية وتسريحات شعرهم المشدود إلى الخلف، المستوحاة مباشرة من فيلم "الوحشي". أدت مشاجراتهم إلى تغطية إعلامية واسعة، مما خلق ادعاء أن ثقافة الشباب كانت عنيفة وغير منضبطة، ووصف وسائل الإعلام لهم بأنهم "أعداء الداخل" في المملكة المتحدة.

بعد سنوات، قام عالم الاجتماع ستانلي كوهن بدراسة هذه الظاهرة وأطلق عليها مصطلح "الهلع الأخلاقي" في كتابه "شياطين الشعب والهلع الأخلاقي" الصادر عام 1972، ليصف الفوضى والغضب المبالغ فيهما الناتجين عن مشاجرات الشباب المولعين بالموضة على الشواطئ. يتذكر بيرتن، الذي زود فيلم "كوادروفينيا" Quadrophenia الكلاسيكي الصادر سنة 1978 بملابس المودز، قائلاً "عندما تصبح الموضة شائعة في الشوارع، دائماً ما يظهر من يستغلها لصنع منتجات رخيصة ومتاحة للأطفال... كانت هناك إعلانات صغيرة لا تعد ولا تحصى على صفحات المجلات الموسيقية تروج للسترات الجلدية".

في فرنسا، حاول مصمم الأزياء الشهير إيف سان لوران، الذي كان يترأس دار ديور في ذلك الوقت، تحويل سترة الجلد إلى قطعة من أزياء العروض الفاخرة. عام 1960، وبتأثير من ثقافة البيتنكس الأميركية [حركة اجتماعية في منتصف القرن الـ20 قامت على مناهضة المادية والنزعة الاستهلاكية للثقافة الأميركية السائدة] والتيارات الثقافية المضادة [هو توصيف يطلق على كل حركة ثقافية معارضة للقيم الثقافية، والجمالية والأخلاقية السائدة في مجتمع ما]، قدم مجموعة أزياء تميزت بالجلد. ولكن ذلك لم يعجب النقاد والمشترين على حد سواء في البداية. لم تصبح سترة الجلد أنيقة وراقية حتى ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأ نجوم البوب والمشاهير مثل مادونا وغريس جونز وشير بارتداء سترات الجلد وأزياء جلدية مصممة خصيصاً لهم، فأصبحت رمزاً للفخامة والتميز. منذ ذلك الحين، انتشرت سترة الجلد واستخدمت على نطاق واسع في مختلف السياقات، سواء على منصات عرض الأزياء أو في الأفلام.

في الوقت الحاضر، لم تعد سترة الجلد شيئاً يتعلق بالتمرد أو مرتبطاً بالثقافات الفرعية، لكن فيلم "سائقو الدراجات النارية" يعيد إليها معناها الأصلي. في الفيلم، يظهر أعضاء فرقة "المخربون"، "بملابسهم المصنوعة من الجينز والجلد، بعيدين كل البعد من أجواء فيلم ’غريس‘" كما تقول الناقدة السينمائية نيولاند. تتمتع الأزياء التي صممتها إيرين بيناش بطابع "المستخدمة والمستهلكة. إنها قطع متينة وجرى ارتداؤها لفترة طويلة، مليئة بالتمزقات وبقع زيت المحركات والخدوش".

يذكرنا فيلم نيكولز بأن سترة الجلد كانت في وقت من الأوقات رمزاً لموقف وأسلوب حياة والتزام بقضية معينة، ولم تكن مجرد قطعة ملابس يمكن شراؤها من متاجر "زارا". إنه تذكير بأن سترة الجلد، منذ أن ارتداها براندو في تلك الحانة بجرأته المتحدية، كانت دائماً بياناً لموقف ونيات.

يعرض فيلم "سائقو الدراجات النارية" الآن في صالات السينما البريطانية

© The Independent

المزيد من منوعات