ملخص
شكلت زيارتا رئيس مجلس الدوما الروسي فولودين فياتشيسلاف فيكتوروفيتش، ثم قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانغلي إلى الجزائر، محور النقاشات السياسية في البلد الذي يتحضر للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية.
أثار تسابق شرقي وغربي باتجاه الجزائر استفهامات ونقاشات عدة حول زيارة رئيس مجلس الدوما الروسي فولودين فياتشيسلاف فيكتوروفيتش ثم قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) الجنرال مايكل لانغلي إلى البلد الغني بالموارد الطبيعية والواقع في شمال أفريقيا.
وسرت التكهنات بين ضغط الدولتين العظميين لتحقيق مصالحهما، ولتغيير المواقف والتقرب والاستمالة من أجل تغيير موازين الحضور بين واشنطن وموسكو، وبخاصة أن التحرك يأتي في خضم الاستعداد للإعلان عن المرشحين للانتخابات الرئاسية.
تصريحات دبلوماسية
وعلى رغم أن تصريحات المسؤولين الأميركيين والروس والجزائريين أتت دبلوماسية فإن "معركة" التموقع استعداداً لمرحلة ما بعد حربي غزة وأوكرانيا تبقى أقرب إلى تحقيق إجماع النقاشات.
وأكد رئيس مجلس الدوما الروسي فولودين فياتشيسلاف فيكتوروفيتش عقب استقباله من قبل الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون حرص بلاده على الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستويات أعلى، قائلاً "تجمعنا بالجزائر مواقف متطابقة ومتقاربة في ما يخص مختلف المسائل الدولية والإقليمية، ونحن نعد الجزائر دولة صديقة وشريكاً استراتيجياً، ونحرص على أن ترتقي علاقاتنا إلى مستويات أفضل".
وبعد أن تحدث عما عدها "الزيارة التاريخية" التي قام بها الرئيس تبون إلى روسيا العام الماضي والتي "أعطت دفعاً قوياً لتطوير علاقاتنا في شتى المجالات"، أوضح المسؤول الروسي أن لقاءه الرئيس الجزائري كان مهماً ومثمراً إذ "جرت مناقشة مواضيع عدة من شأنها تطوير علاقاتنا التي تعود إلى عهد الاتحاد السوفياتي". وشدد على "أهمية أن تسهم العلاقات البرلمانية في تطوير باقي الجوانب من علاقاتنا الثنائية التي تتطور بصورة ديناميكية ملحوظة".
تطوير العلاقات
وبالعودة إلى تكرار جملة "تطوير علاقاتنا" على لسان رئيس الدوما ظهرت تفسيرات تحدثت عن "سوء تفاهم" بين الجزائر وموسكو، على خلفية ملفات وقضايا عدة أبرزها الأحداث في منطقة الساحل مع حضور ميليشيات "فاغنر"، وهو أمر سبق للجزائر أن عبرت عن رفضه كونها تعد أي وجود أجنبي في المنطقة محركاً لمزيد من الأزمات والحروب الداخلية، إضافة إلى عدم تسهيل موسكو انضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس".
وأعلن البرلمان الجزائري في بيان أن زيارة رئيس الدوما الروسي "تشكل لبنة جديدة في صرح العلاقات التي تجمع البلدين اللذين يطمحان إلى تعزيز علاقتهما الثنائية"، مما جعل المتابعين يصفون الزيارة بأنها لترميم العلاقات بين شريكين تقليديين.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي ذكر وزير الخارجية الجزائري أحمد عطاف أن بلاده فتحت رسمياً ملف وجود قوات "فاغنر" على حدودها الجنوبية، مع روسيا، مضيفاً أنه ناقش الأمر شخصياً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف. وأشار عطاف إلى أن لجنة ثنائية تشكلت بغرض متابعة وجود قوات "فاغنر" في منطقة الساحل.
وكان تبون انتقد في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية حضور قوات "فاغنر" في الساحل، قائلاً إن "الأموال التي يكلفها هذا الوجود ستكون في وضع أفضل وأكثر فائدة لو ذهبت لتطوير المنطقة".
أميركا ومكافحة الإرهاب
أما قائد القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل لانغلي الذي يزور الجزائر للمرة الثانية منذ توليه قيادة "أفريكوم"، فخصه تبون بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع باستقبال لم تتسرب تفاصيله، في ما عدا تصريح المسؤول العسكري الأميركي أن الجزائر أدت دوراً ريادياً في مكافحة الإرهاب في الماضي والحاضر بجميع أنحاء منطقة أفريقيا، موضحاً أن "الجزائر تتقاسم بعض المخاوف مع الولايات المتحدة بخصوص توسع التنظيمات الإرهابية العنيفة في جميع أنحاء أفريقيا جنوب الصحراء، وتحديداً في منطقة الساحل".
وقال قائد "أفريكوم" إنه أعرب للرئيس تبون خلال المحادثات التي جمعتهما عن التقدير الكبير لفرصة هذه الزيارة وإجراء محادثات معه، مبرزاً أن الجزائر تلعب دوراً محورياً في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار في المنطقة، ووجه شكره للدعم الذي قدمته الجزائر لأفريكوم ومشاركتها في مناورتها الإقليمية. وأضاف أن المحادثات تركزت أيضاً على أهمية مواصلة التنسيق وبناء الصداقة الثنائية ودعم سبل العمل من أجل تحقيق مزيد من الأمن وتعزيز العلاقات الثنائية لتكون أكثر قوة.
وقبل ذلك، أعلن قائد أركان الجيش الجزائري السعيد شنقريحة إثر لقائه قائد "أفريكوم" أن "الجزائر تواصل بذل الجهود لتعزيز المسعى الأفريقي المشترك إلى مكافحة الإرهاب والوقاية منه"، مشيراً إلى أنها "رفعت مبادرات عدة على غرار إعداد مخطط أفريقي لمحاربة الإرهاب وتفعيل الصندوق الأفريقي لصد هذا التهديد، وإعداد قائمة أفريقية بالأشخاص والكيانات المتورطة في أعمال إرهابية إضافة إلى إعداد مذكرة توقيف أفريقية".
وأوضح شنقريحة وفق بيان لوزارة الدفاع الجزائرية أن "الجزائر ملتزمة دعم كل مبادرة أفريقية لمواكبة المسائل الأمنية التي تواجه القارة عموماً ومنطقة شمال أفريقيا خصوصاً، على اعتبار ما تخوله لها مهمتها في الاتحاد الأفريقي كمنسق لمحاربة الإرهاب والتطرف العنيف بالمنطقة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الوضع في الساحل
وفي السياق رأى الدبلوماسي الجزائري المقيم بسويسرا محمد خدير أن "الوضع في الساحل هو ما جلب المسؤول الروسي إلى الجزائر"، مضيفاً أن "موسكو تحاول توجيه رسائل طمأنة بخصوص ما يجري في المنطقة إضافة إلى إعادة تنشيط العلاقات".
إلا أن خدير رأى في المقابل أن "زيارة قائد "أفريكوم" بروتوكولية عادية على اعتبار أن ما يجمع الجزائر مع هذه الهيئة العسكرية ضعيف جداً"، ووصفها بـ"زيارة تهدئة كاذبة روحها جس النبض".
وتابع خدير أن "الزيارتين تندرجان في سياق ترتيبات ما بعد حربي غزة وأوكرانيا"، مشيراً إلى أن "الوضع على كف عفريت مما يستدعي عدم المغامرة بتغييرات في المنطقة، وبخاصة بعد الذي حصل ويحصل مع طرد القوات الفرنسية والأميركية وتعويضها بالروسية". وختم مستبعداً أن تكون زيارات ضغط عشية الانتخابات الرئاسية في الجزائر.
تفهم روسيا والولايات المتحدة
ومن جانبه رأى المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية عبدالقادر عبدالعالي أن "هاتين الزيارتين تتسمان بكونهما على مستوى رسمي منخفض، وضمن مستويات مدنية وعسكرية مختلفة تعكس مصالح الجزائر وتفهم كل من روسيا والولايات المتحدة لها، وكذلك حاجة كلا البلدين إلى الجزائر باعتبارها دولة محورية في شمال أفريقيا". وأضاف عبدالعالي أن "روسيا من خلال هذه الزيارة وتأكيد التعاون الاستراتيجي وترقيته تحاول تعويض موقفها السابق الصادر عن وزير الخارجية الروسي الذي قلل من أهمية الجزائر ومكانتها الدولية، في سياق تعليقه على الطلب الجزائري الانضمام إلى مجموعة بريكس".
"أما الولايات المتحدة فهي تحتاج الجزائر كشريك في المجالين الأمني والطاقوي وهو هدف زيارة مسؤول أفريكوم"، بحسب المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية.
تشكيل قوة أفريقية
ومن ناحية ثانية يشير المتخصص في مجال العلوم السياسية والعلاقات الدولية أبوالفضل بهلولي إلى أن "هناك توافقاً أميركياً روسياً حول تكوين جيل جديد في مكافحة الإرهاب في أفريقيا يتمثل في تشكيل قوة أفريقية، كما هناك توافق على الحلول الإقليمية خاصة، بالتالي لا يمكن الاعتماد على الوسائل التقليدية لحفظ السلام نظراً إلى الطبيعة المعقدة للنزاعات ونطاقها". وأضاف بهلولي أن "الاتحاد الأفريقي سيفعل الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة في ظل تنامي النشاط الإرهابي للجماعات المسلحة، وبخاصة في منطقة الساحل حيث تمكنت الكيانات الإرهابية من امتلاك التكنولوجيا على غرار طائرات من دون طيار وغيرها". وتوقع أن تشن ضربات عسكرية بقوات أفريقية مشتركة ضد معاقل الجماعات المسلحة تحت غطاء الاتحاد الأفريقي وبإذن من مجلس الأمن.