Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أزمة القرن الأفريقي

على الولايات المتحدة المساعدة في تثبيت الاستقرار لتلافي دوامة العنف بالمنطقة

طائرة هليكوبتر أميركية تحلق فوق البحر الأحمر، فبراير 2024   (رويترز)

ملخص

إن أزمة البحر الأحمر تمتد إلى ما هو أبعد من المتمردين الحوثيين في اليمن إلى منطقة القرن الأفريقي الأوسع. لمنع مزيد من الفوضى، يتعين على الولايات المتحدة أن تقود تحالفاً دبلوماسياً لتهدئة التوترات وردع التدخلات الأجنبية، ومعالجة الأزمات الإنسانية في المنطقة

البحر الأحمر في أزمة. وبقلب العاصفة المخيمة اليوم في المنطقة هناك جماعة الحوثي في اليمن الذين أطلقوا موجة من الهجمات على السفن العابرة في أحد أكثر المضائق البحرية أهمية في العالم، وذلك دعماً لـ"حماس" في حربها ضد إسرائيل، كما يزعمون. وتفرض مغامرة الحوثيين في البحر الأحمر راهناً كلفاً باهظة على التجارة العالمية مثلما فعلت في السابق مشكلة القرصنة الصومالية التي بلغت ذروتها عام 2010. وتدخلت الولايات المتحدة وبعض حلفائها للقضاء على التهديدات عسكرياً عبر قصف مواقع الحوثيين داخل اليمن. لكن على رغم تعبير هذه الوقائع عن صعوبة الأمن في البحر الأحمر إلا أن الأزمة الراهنة باتت أكبر بكثير من المشكلات المنبثقة عن اليمن وحده.

فالعنف السياسي وظاهرة تفكك الدول التي أدت إلى صعود الحوثيين في اليمن يعيثان اليوم فساداً في أنحاء القرن الأفريقي الأوسع. إذ يمكن لشبكة متفشية من الصراعات داخل الدول وفيما بينها، تمتد من السودان إلى الصومال أن تفرض حال فوضى غير مسبوقة في أنحاء القرن الأفريقي برمته، فتخلق فضاء مناسباً لشبكات مسلحة متطرفة ودول معادية لمصالح الغرب ولفكرة البحر الأحمر الحر والمفتوح. ومنع هذا الوضع من التفاقم إلى حال أكثر سوءاً حتى من الآن سيتطلب تحالفاً دبلوماسياً ذا قاعدة عريضة لنزع فتيل الصراعات المتعددة في القرن الأفريقي. لكن نجاح هكذا جهد سيبقى مرهوناً بدعم دبلوماسي قوي من الولايات المتحدة. وسيكون على تلك الاندفاعة التي تقودها الولايات المتحدة أن تردع التدخلات المزعزعة للاستقرار من جانب أطراف خارجية (من خارج القرن الأفريقي). وينبغي من تلك الاندفاعة أيضاً أن تجنب المنطقة بأسرها مجاعة مستفحلة يكون خطرها أكثر حدة في السودان وإثيوبيا. وتولي هذه المهام الشاقة في الحقيقة سيتطلب من المسؤولين الأميركيين في أعلى الهرم بمن فيهم الرئيس الأميركي جو بايدن تعزيز التواصل الدبلوماسي. لأنه إذا ما تفاقمت الأزمات المترابطة في منطقة القرن فإن الأطراف المعادية لمصالح الولايات المتحدة ولفكرة البحر الأحمر الحر والمفتوح، قد تكتسب تفوقاً استراتيجياً في هذا الممر البحري الأساس والمهم.

منطقة في أتون الحرب

تتسبب حروب عديدة بحال عدم استقرار عميق في منطقة القرن الأفريقي وهي تسهم بالأزمة الراهنة التي يشهدها البحر الأحمر. وكانت انتفاضات شعبية وقعت بين عامي 2018 و2019، أدت إلى إسقاط نظامين سلطويين قديمين في إثيوبيا والسودان. إلا أن البلدين المذكورين غرقا منذ ذلك الحين بمستويات عنف مذهلة. إذ تسبب عام من الحرب بين السلطات الفيدرالية الإثيوبية وبين قوات عسكرية من منطقة تيغراي بمصرع 500 ألف شخص وتشريد الملايين من السكان. ويتعرض راهناً اتفاق نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 التي أوقفت ذاك الصراع لضغوط متزايدة إذ ما زال عدد من بنودها والأكثر إثارة للجدل تحديداً ينتظر التنفيذ. وفي السياق عينه تعاني المنطقتان الأكبر في إثيوبيا – أوروميا وأمهرا – من حالات تمرد مسلحة مستعصية، فيما المحادثات الهادفة لحل النزاع سلمياً في أوروميا انتهت بالفشل خلال شهر نوفمبر. وعلى رغم أن الأوضاع في عاصمة البلاد أديس أبابا ما زالت مستقرة فإن انعدام الأمن في معظم المناطق الريفية النائية يبقى ظاهرة مستشرية. وتمثل التوترات الداخلية في إثيوبيا خلفية لعلاقاتها المتردية مع إريتريا، هذه الأخيرة التي تواجه أسئلة صعبة تلوح في الأفق تتعلق بزعيمها المسن وباحتمال انتقال سياسي مضطرب (قد تشهده). فرئيس إريتريا إساياس أفويركي البالغ من العمر 78 سنة تولى السلطة طوال ثلاثة عقود على رأس منظومة استبدادية مرتبطة بشخصه لا توفر آليات كافية وقابلة للتطبيق تسمح بإدارة الخلافة (في حال وفاته). وفي يناير (كانون الثاني) قامت إثيوبيا البلد غير الساحلي والمفتقر إلى منافذ بحرية بتوقيع مذكرة تفاهم في شأن الوصول إلى الموانئ مع صوماليلاند الإقليم الذي انفصل عن الصومال عام 1991، لكن لم يحظ بالاعتراف من أي بلد. وفي وقت توقيع تلك المذكرة قال رئيس صوماليلاند موسى بيهي عبدي إن الاتفاق سيقتضي اعتراف إثيوبيا بصوماليلاند كدولة مستقلة، مما قد يؤدي إلى خلاف جدي بين أديس أبابا ومقديشو وإلى عرقلة الجهود الهشة الرامية لتحقيق الاستقرار في الصومال. وجيبوتي من جهتها المنفذ المرفئي التقليدي للسلع والخدمات الإثيوبية قد تواجه أيضاً عواقب وتداعيات سياسية واقتصادية جراء تنامي العلاقات بين إثيوبيا وصوماليلاند، وهي التي أيضاً في الوقت عينه تواجه احتمالات ضبابية في شأن الخلافة السياسية في نظامها السياسي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الإطار عينه وفيما كانت الأمور تتكشف وتسلك مساراتها في إثيوبيا، شهدت الدولة في السودان انهياراً فعلياً إذ قامت الأجهزة الأمنية السودانية المنقسمة بإسقاط الإدارة الانتقالية لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وبعدها جرى الانزلاق إلى حال نزاع داخلي وخيمة خلال أبريل (نيسان) 2023. وفي مطلع عام 2024 كانت البلاد (السودان) غدت موقع أكبر أزمة نزوح في العالم، إذ أجبر العنف نحو 10 ملايين نسمة من الناس على مغادرة منازلهم. وخلال معظم فترات الحرب شهدت العاصمة وعموم البلاد انقساماً فعلياً إلى جزءين، إذ بات طرفا النزاع – "قوات الدعم السريع" و"الجيش السوداني" – في مأزق مكلف يعتقد كل منهما أن بإمكانه الخروج منه منتصراً. وعلى نحو مثير للقلق تتهيأ هذه الحرب التي هي سلفاً حرب ضارية لأن تغدو أكثر فتكاً حتى، وذلك تزامناً مع شن قوات "الدعم السريع" هجمات على شرق السودان، ومع إظهار الطرفين علامات انشقاق داخلي وسعي كل منهما إلى تعبئة المؤيدين على أسس طائفية.

إلى هذا أدت الحرب في السودان أيضاً إلى تعطيل نقل نفط جنوب السودان إلى البحر الأحمر وخفضت أكثر من 75 في المئة من الإيرادات المتدفقة إلى السلطات في جوبا عاصمة جنوب السودان. بالتالي فإن خسارة هذه الإيرادات والأموال تؤدي إلى انهيار صفقات المحسوبية التي تنهض عليها سياسات الدولة التي مزقتها الحرب (جنوب السودان). فمرافق الخدمة المدنية كما المؤسسات العسكرية والأمنية مضى عليها سلفاً أشهر من دون تلقي مدفوعات، وهذا التطور المقلق يسبق عملية انتخابية غير محددة المعالم وربما متقلبة، يتوقع حصولها في وقت لاحق من هذا العام. وإلى الشرق والشمال يسهم الاضطراب في السودان في زيادة التوترات ذات الأبعاد الثلاثية بين حكومة إثيوبيا الفيدرالية وسلطات تيغراي وإريتريا، والتي تعتمد جميعها اعتماداً كبيراً على ميزان القوى في الشرق السوداني. كذلك أدت الاضطرابات السودانية إلى شل المفاوضات حول "سد النهضة الإثيوبي الكبير" مشروع البنى التحتية الهائل الذي يؤثر في إمدادات المياه لمصر والسودان. وكانت الجولة الأخيرة من المحادثات المتعلقة بهذا المشروع انهارت خلال ديسمبر (كانون الأول) الماضي وسط تبادل اتهامات بسوء النية بين مصر وإثيوبيا. وكينيا بدورها تواجه نقطة انعطاف سياسي داخلية إذ إن هناك ضغوطاً على قادتها لتعديل موازنتها كي تماشي أولويات المواطنين، وفق ما أظهرته أخيراً تحركات ضد السياسات الضريبية وما أعقبها من انفراط للحكومة. فتلك العاصفة التي تتصاعد على طول الحدود الكينية باتت تتطلب من القادة الكينيين اليوم مزيداً من الوقت والتركيز والمهارة الدبلوماسية.

مصادر الاضطراب   

هذه المنطقة ليست جديدة على حال عدم الاستقرار. إلا أن الأزمة التي تطل برأسها اليوم هي أزمة غير مسبوقة من حيث الحجم والاتساع. كما أنها تتفاقم على ضوء ثلاث مشكلات ناشئة لها علاقة بتغير النظام العالمي خلال القرن الـ21. وتتمثل المشكلة الأولى والأكثر ارتباطاً بالقرن الأفريقي والبحر الأحمر بتنامي نفوذ قوى متوسطة الحجم تحرص على تأكيد حضورها وسلطتها في مجالاتها المباشرة وعلى المسرح الدولي للأحداث.

وتأتي الضغوط الديموغرافية والمناخية والاقتصادية الكلية المتزامنة لتشكل عوامل محفزة إضافية للاضطرابات. فتضخم حجم شريحة الشباب ضمن سكان المنطقة والتوسع العمراني الحاصل يخلقان حاجة جديدة لحراك اقتصادي يعجز عدد من حكومات القرن عن تأمينه. إذ بين عامي 2020 و2023 عانى القرن الأفريقي من خمسة فصول مطر شحيحة مما أحدث موجة الجفاف الأسوأ منذ أعوام الثمانينيات. وفي المقابل عانى كل من السودان وكينيا من فيضانات كارثية مدمرة. هذه الصدمات البيئية معطوفة على حال النزاع والصراعات تقوم بخلق أزمات جوع حادة في السودان وجنوب السودان وتيغراي، إذ هناك نحو 30 مليون شخص مهددين بالمجاعة. وتقريباً جميع البلدان في المنطقة تعاني مزيجاً ساماً من المديونية والتضخم الحاد والنقص الشديد في العملة الصعبة، وهي مشكلات متضافرة تتعدى سيطرتها وسببتها قوى وعوامل اقتصادية دولية مثل تعطل سلاسل التوريد وزيادة كلف الاقتراض.

وفي الأثناء أدى انهيار نظام الأقطاب المتعددة العالمي إلى تقويض ردود الفعل الدولية إزاء الأزمات المتداخلة التي تضرب القرن الأفريقي. فعلى مدى أربعة أعوام تسببت المنافسة الجيوسياسية بين الصين وروسيا والولايات المتحدة بإحباط كل خطوة جدية من قبل مجلس الأمن في الأمم المتحدة تجاه النزاعين في السودان وإثيوبيا. وأصحاب السلطة والنفوذ في الاتحاد الأفريقي بدورهم قوضوا إلى حد كبير المبادئ الأساس التي يقوم عليها ذاك الاتحاد والقائلة بعدم "جواز اللامبالاة" (تجاه ما يحصل من أزمات في المنطقة)، فلم يبذلوا جهوداً تذكر لمعالجة النزاعات القائمة حتى وهم يطلبون تولي أدوار أساس في أية عملية أو مسار سلام. وتعاني "الهيئة الحكومية الدولية للتنمية" وهي منظمة التجارة المشتركة في القرن الأفريقي من الشلل نتيجة التنافس الداخلي، وعدم اهتمامها في "دفع السفينة قدماً" عبر اعتماد مبادرات سلام تحيد بعض الدول الأعضاء (في تلك المنظمة). وحتى لو أظهرت منظمات أفريقية مشتركة إرادة في التحرك بهذا الإطار، فإن النجاح سيتطلب في هذه اللحظة تعاوناً مع أطراف أقوياء من الشرق الأوسط فيما لا يوجد أي منتدى للبحر الأحمر يمكنه جمع دول أفريقية وشرق أوسطية وإيجاد حلول إقليمية ممكنة.

الدولة السودانية انهارت على نحو فعلي

الاضطراب المتنامي هذا يعد أمراً كارثياً بالنسبة إلى شعوب المنطقة. كما سيجري استغلاله من قبل مجموعة أطراف معادين للمصالح الغربية ولفكرة البحر الأحمر الحر والمفتوح. فحركة "الشباب" الجهادية مثلاً مستعدة لأي تحرك واضطراب مستجد في الصومال. ويجهد الرئيس حسن الشيخ لكبح هذه الجماعة وتقليص قدرتها على تشكيل السردية الوطنية لذاك البلد. ويشتت تركيز الشيخ بفعل التقارب المتنامي بين إثيوبيا وصوماليلاند والتنافس بين إدارته والولايات الاتحادية الصومالية. كذلك يواجه الشيخ تراجعاً في الدعم العسكري الذي يتلقاه من شركاء دوليين. ولا يخفي بعض المراقبين فكرة عودة "حركة الشباب" إلى مقديشو حيث سبق وتمتعت بحضور قوي بين عامي 2009 و2012، وهذا احتمال سيشبه عودة "طالبان" إلى كابول في أفغانستان عام 2021. على أن هذا الواقع سيسبب في الحال تهديداً لكينيا المجاورة وحتى لإثيوبيا، التي كانت تاريخياً حصينة تجاه هجمات "الشباب" لكنها تعرضت لاختراق أساس خلال يوليو (تموز) 2022. أما بالنسبة للسودان فيعبر مسؤولو استخبارات غربيون بصراحة عن قلقهم من أن تؤدي حال الفوضى المستشرية إلى خلق فرص ومنافذ جديدة لشبكات إرهابية داخلية أو تابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش" قادمة من منطقة الساحل وليبيا.

وأيضاً تقوم الدول المتمردة (والخارجة على حدودها الرسمية في القرن الأفريقي) بالسعي على نحو ملموس وواضح إلى مزيد من النفوذ في البحر الأحمر ومنطقته وفي خليج عدن. وفي السياق قدمت "جماعة فاغنر" قوة المرتزقة الروسية دعماً لقوات التدخل السريع (السودانية)، غير أن الكرملين الآن يقوم برعاية طرفي الحرب في السودان بمسعى إلى استعادة حصصه في اقتصاد الذهب السوداني وتطبيق الاتفاق العائد لعام 2020 الذي يمنح موسكو قاعدة بحرية على الساحل السوداني. ونفوذ روسيا هذا في السودان اليوم بات مهماً. كذلك تقوم روسيا باستغلال مخاوف إريتريا تجاه تعميق إثيوبيا علاقتها بهذه الدولة (أي السودان) ذات الموقع الاستراتيجي على البحر الأحمر. وفي الأثناء تقوم إيران أيضاً بالتقدم في هذا الإقليم. فخلال عام 2015 قادت ضغوط سعودية دولاً في المنطقة إلى خفض وتقليص علاقاتها المتبادلة مع طهران، إلا أن الأخيرة غدت اليوم لاعباً فاعلاً في الحرب السودانية إذ أمنت تسليح الجيش السوداني خلال الأشهر الأخيرة الماضية بمسعى إلى استعادة العلاقات التاريخية التي ربطتها بالجهاز الأمني السوداني. ويأتي ذلك على خلفية أدلة تفيد بأن إيران وفي ذروة حرب تيغراي زودت الجيش الإثيوبي بطائرات مسيرة.

الاعتماد على الأصدقاء

الأزمات المتعددة في القرن الأفريقي لا يمكن حلها على نحو مستدام إلا عبر أطراف من داخل المنطقة. غير أن أكثرية تلك الأطراف ترى وتقر أن على الولايات المتحدة أن تكون المحفز الحاسم للسلام. إدارة بايدن من جهتها، وذاك أمر يحسب لها، تقدر هذا الواقع. إذ إن حل النزاعات في السودان وإثيوبيا ونزع فتيل التوترات في سياق اتفاق بين إثيوبيا وصوماليلاند تمثل مهام في صلب الجهود الدبلوماسية. وتستمر الولايات المتحدة في لعب دور المصدر الرئيس للمساعدات الإنسانية في المنطقة، وتبقى داعماً أساساً لجهود مكافحة الإرهاب في هذا الإقليم. لكن من الواضح أيضاً أن تلك الجهود لم توقف انزلاق المنطقة نحو الفوضى الراهنة. ولتجنب الكارثة الاستراتيجية المحتشدة في الأفق والتي قد تشمل ضمن عناصرها خصوم الولايات المتحدة الذين يستغلون عدم استقرار القرن الأفريقي لتوسيع نفوذهم السياسي والعسكري في منطقة البحر الأحمر، على الولايات المتحدة زيادة جهودها لتقليص توترات المنطقة والتعامل مع مسرح الأحداث الشامل في منطقة البحر الأحمر – الذي يتضمن خطوط الملاحة وطرقها والبلدان المحيطة (الساحلية وما بعدها) في القرن والخليج – كفضاء جيوسياسي متصل ومترابط. وعلى الولايات المتحدة أن تتحرك كي تمنع حصول مجاعة في القرن الأفريقي وهي مجاعة تعد عارضاً مباشراً لعمق الأزمة والعنف في المنطقة. وللنجاح بهذه المهمة ثمة حاجة لتعيين منسق لأعمال الإغاثة الإنسانية في منطقة القرن، يكلف بعقد تفاهمات مع الأطراف المسلحة ومع منظمات الإغاثة الدولية ومنظمات إنسانية محلية وأصحاب مصالح اقتصادية، لتحديد ممرات آمنة بغية إيصال الغذاء والإمدادات الأساس. إذ إن التحدي الأكثر إلحاحاً اليوم هو في السودان إذ تعوق الأطراف المتقاتلة حركة قوافل المساعدات عبر الحدود الدولية للبلاد وعبر خطوط سيطرتها.

على الولايات المتحدة أن تتحرك لمنع حصول مجاعة في منطقة القرن الأفريقي

مبادرة دبلوماسية من هذا النوع لا تنجح إلا بمشاركة واضحة ومستدامة من قبل الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، إضافة إلى مسؤولي الدفاع والاستخبارات الرئيسين الذين لهم وزنهم في المنطقة. إذ إن الدور الواضح لقادة ومسؤولين أميركيين كبار من شأنه أن يقوي موقف المبعوثين الأميركيين على الأرض في المنطقة، والذين يجب أن يكونوا مزودين بفرق عمل متخصصة وموارد جيدة لمواجهة تعقيدات الأزمة. وإن لم تحظ الأزمة الراهنة بهذا المستوى من الاهتمام فإن صدقية الولايات المتحدة بتلك المنطقة ستستمر في التآكل بسبب الانطباع السائد في القرن الأفريقي والقائل إن كبار صانعي السياسة الأميركيين منشغلون للغاية بمشكلات غزة وأوكرانيا (من دون ذكر الانتخابات الرئاسية الأميركية) بحيث لا يمكنهم الانخراط المتواصل في محاولة حل الأزمة بالقرن الأفريقي.

على الولايات المتحدة ألا تبذل كل تلك الجهود وحيدة. فعدم الاستقرار بمنطقتي البحر الأحمر والقرن الأفريقي يمثل تهديداً اقتصادياً وأمنياً مباشراً للمصالح الاقتصادية والتجارية الأوروبية. إذ إن مسألة الهجرة والنزوح باتت تهيمن على السجالات السياسية الأوروبية، بالتالي فإن تصاعد عدم الاستقرار بمنطقة القرن يهدد بمفاقمة هذه المشكلة وبزيادة انحراف السياسة الأوروبية (عن مساراتها المستقرة) بطرق تعقد التحالف عبر الأطلسي. وعلى الولايات المتحدة الاستفادة من المصالح الأوروبية المباشرة في منطقة القرن من خلال الشراكة مع الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه ومع المملكة المتحدة، في جهود فاعلة لتأمين السلام الإقليمي، وذلك مع التركيز خصوصاً على دعم الوساطة لإنهاء الحربين التوأمين في السودان وإثيوبيا. وعلى نحو مماثل، يمكن لأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يعمل بتعاون وثيق مع الاتحاد الأفريقي والدول الأعضاء فيه، أن يلعب دوراً رفيع المستوى لتجنب أزمة أعمق وذلك عبر إتاحة تنسيق أفضل بين مجموعة المبعوثين الدوليين الذين يحاولون التعامل مع الأماكن الساخنة العديدة في منطقة القرن الأفريقي.

ولم يفت الأوان بعد لتحقيق الاستقرار بمنطقة البحر الأحمر، لكن النافذة تضيق مع انتشار العنف وتفكك الدول وتوسع نفوذ وتأثير منافسي أميركا. وعلى الولايات المتحدة وشركائها التحرك بسرعة لوقف توسع الأزمة على الأرض، أو المخاطرة بمطاردة تيار من عدم الاستقرار في أحد أكثر الممرات المائية حيوية في العالم.

 

جوني كارسون مستشار رفيع لرئيس "المعهد الأميركي للسلام". بين عامي 2009 و2013 شغل منصب مساعد وزير الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية.

أليكس روندوس مستشار رفيع في مركز أفريقيا بـ"المعهد الأميركي للسلام". سبق له أن تولى منصب الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي في القرن الأفريقي.

سوزان ستيغانت مديرة برامج أفريقيا في "المعهد الأميركي للسلام".

مايكل ولديماريام أستاذ مشارك بكلية السياسة العامة في جامعة ماريلاند.

مترجم عن "فورين أفيرز"، 19 يوليو 2024

المزيد من آراء