Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنشئ حرب السودان بؤر إرهاب جديدة في القرن الأفريقي؟

يعتقد خبراء أمنيون أن "الاتفاق الإطاري" لن ينهي المعارك بل سيزيدها ضراوة

30 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة و19 مليون طفل محرومون من التعليم في السودان (أ ف ب)

ملخص

من المستبعد أن تكون حرب السودان مدعاة للإرهاب في المنطقة إلا إذا كانت تلك رغبة فاعلين خارجيين بقصد استغلال الحرب لإدخال الإرهاب للمنطقة

في الوقت الذي يسعي فيه العالم للتخلص من الإرهاب وما يسببه من خسائر وانعكاسات على السلم والأمن، تلوح في الأفق بؤر إرهاب جديدة جراء سياسات أو حروب أو توترات أمنية وفوضى تشكل بيئة خصبة لنشوئها.

بالأمس القريب اعتمدت سياسات خاطئة، وفق خبراء في الشأن الدولي، أودت بالصومال إلى منزلق الإرهاب ليشهد ولادة "جماعة الشباب الصوماليين" وما تقوم به من أعمال شكلت قلقاً للدول المحيطة. كما يأتي تدهور الأوضاع في ليبيا وما تعانيه سوريا على مدى عقود كمؤشر على اتباع سياسة غير ناجعة تقود إلى تفلت أمني وما يتبعه من ظهور عناصر إرهابية.

والسودان الذي دخلت حربه بين "الدعم السريع" والجيش السوداني عامها الثاني في أبريل (نيسان) الماضي، تسببت معاركه في واقع لا إنساني يظل يشهد العالم تطوراته بما ترتكبه الجماعات المسلحة من أعمال قتل وسلب ونهب في دارفور والجزيرة وكردفان والنيل الأزرق والخرطوم، مما أدى إلى هروب ملايين السكان من ديارهم إلى أصقاع الداخل والجوار الإقليمي، في مسار تشرد جيل الشباب ليكونوا عرضة لأي أحداث وأزمات لا يستبعد أن تخلق واقعاً متشدداً.

وكان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية فرض في مايو (أيار) الجاري عقوبات على قادة "الدعم السريع"، وهم علي يعقوب جبريل وعثمان محمد حامد المتهمان بقيادة الحملة الحربية لقوات "الدعم السريع" لإسقاط مدينة الفاشر، وفق بيان نشر على موقع الوزارة الرسمي.

وأوضح وكيل وزارة الخزانة لشؤون الإرهاب والاستخبارات بريان إي. نيلسون، أن (قادة الدعم السريع) "ركزوا على التوسع إلى جبهات جديدة من أجل السيطرة على المزيد من الأراضي، بينما الشعب السوداني يتطلع لإنهاء الصراع".

وتسببت هجمات قوات "الدعم السريع" على شمال دارفور، والتي بدأت الشهر الماضي، في سقوط آلاف المدنيين، بينهم أطفال، بحسب وزارة الخزانة الأميركية. وأدى تطويق قوات "الدعم السريع" للفاشر عاصمة شمال دارفور إلى تعريض ما يقارب مليون مدني للخطر في آخر ملاذ آمن رئيسي في دارفور، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.

وكانت الولايات المتحدة الاميركية أعلنت في سبتمبر (أيلول) الماضي فرض عقوبات على كل من عبدالرحيم حمدان دقلو، نائب قائد قوات "الدعم السريع" وقائد القوات في ولاية غرب دارفور عبدالرحمن جمعة، في خطوة اعتبرها المراقبون الأولى من نوعها منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023. وجاء القرار الأميركي امتداداً لفرض واشنطن مطلع يونيو (حزيران) الماضي عقوبات على أربع شركات تابعة للجيش السوداني و"الدعم السريع" اتهمتها بإذكاء الصراع في السودان.

تقارير وأرقام

وفي تقارير منظمات محلية وعالمية، قالت نقابة أطباء السودان في مايو الجاري، إن ما يزيد على 30 ألف شخص قُتلوا العام الماضي، وأصيب أكثر من 70 ألفاً، مؤكدة نزوح أكثر من 9 ملايين شخص داخلياً ولجوء أكثر من ثلاثة ملايين لدول الجوار، وفقاً للإحصاءات. وأشارت مصادر إنسانية إلى أن هناك أكثر من 35 مليون شخص يحتاجون إلى المساعدة والدعم الإنساني العاجل، بما في ذلك 16 مليون طفل.

وفي أبريل (نيسان) الماضي، قالت وكالة "شيخو" الصينية إن السودان يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات التعليمية، حيث لا يتمكن 90 في المئة من الأطفال في سن الدراسة والبالغ عددهم 19 مليوناً من الوصول إلى التعليم الرسمي.

ويواجه ملايين الطلاب في السودان مصيراً مجهولاً جراء التعطل الكامل لعملية التعليم في ظل النزوح والدمار الكبير الذي أصاب المؤسسات التعليمية، بحسب ما أفادت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) في أحدث تقرير لها. وحذرت الجهات التعليمية من خطر ضياع مستقبل جيل كامل من الطلاب.

وأشارت لجنة المعلمين السودانيين والمنظمة السودانية لدعم التعليم (سيدسو) إلى تضرر 900 مدرسة في ولاية الجزيرة وسط البلاد، فيما تضررت 401 مدرسة بولاية القضارف شرق البلاد. ووفقاً لإحصاءات رسمية لوزارة التعليم العالي في السودان، فإن الحرب تسببت في إغلاق أكثر من 100 جامعة حكومية وخاصة وتدمير بعضها. وهذا التسرب المدرسي من شأنه أن يبدد روح الطفولة ويطيح بمستقبل أجيال قد يعصف بها الجهل والضياع.

إدانات

وفي فبراير (شباط) الماضي، طرحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من ديمقراطيين وجمهوريين، مشروع قانون يصنف "أفعال قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها في دارفور ضد المجتمعات العرقية على أنها إبادة جماعية"، وقدم المشروع رسمياً رئيس لجنة العلاقات الخارجية بنجامين كاردن وكبير الجمهوريين جيم ريش ومجموعة من المشرعين من الحزبين. ويقول المشروع في نصه "إن مجلس الشيوخ يدين الفظائع، بما فيها تلك التي تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية، التي ترتكبها (قوات الدعم السريع) والميليشيات المتحالفة معها ضد قبيلة المساليت وغيرها من المجموعات العرقية غير العربية في دارفور"، كذلك دان التقرير القوات المسلحة السودانية في مشاركتها بتدمير السودان. وعلى رغم الإدانات الأميركية، إلا أنها لا ترقى إلى مستوى قرار يدعو بشكل صريح إلى وقف القتال والفظائع المرتكبة، إذ وصف محللون الموقف الأميركي بـ"المهادن تجاه ما يحدث على رغم الفظائع المنقولة له عبر التقارير الرسمية".

وحذر مسؤولون كبار بالأمم المتحدة في الفترة الأخيرة، مجلس الأمن، من أن نحو 800 ألف شخص في مدينة الفاشر عاصمة شمال دارفور معرضون حالياً "لخطر شديد ومباشر".

وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية إن الهيئات الأممية وجمعيات حقوق الإنسان اتّهمت قوات "الدعم السريع" التي يقودها محمد حمدان دقلو، بارتكاب انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بما في ذلك قتل المدنيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاتفاق الإطاري

الخضر هارون أحمد، سفير السودان السابق لدى الولايات المتحدة الأميركية وعميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة أفريقيا العالمية، يقول: "الأطراف الدولية والأممية والإقليمية التي تبنت معالجة فترة الانتقال في السودان من الشمولية للحكم الديمقراطي، والتي كانت جاءت بها حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك عبر خطاب لمجلس الأمن لم يتم عرضه حتى على مجلس وزرائه، عرضت وثيقة ذكرت مريم الصادق وزيرة الخارجية السابقة أنهم استعانوا بخبيرة من جنوب أفريقيا لإعدادها، ويشاع أن الوثيقة كتبتها شركة قانونية أميركية تستعين بها الخارجية الأميركية تدعى "بي أل بي أند جي" (BLB&G)".

وأضاف هارون في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية"، "المتأمل في الوثيقة يجد أنها مشروع دستور دائم للسودان وليست مجرد تدابير موقتة للانتقال. كما أنها وثيقة تمثل شريحة صغيرة من السودانيين، هي أحزاب قوى الحرية والتغيير والمنظمات المدنية التابعة لها، وهي ذات التيارات التي حكم بها حمدوك ولم تنجز شيئاً من مستلزمات الهياكل الضرورية لعملية الانتقال الديمقراطي، ولا تمثل الحد الأدنى الضروري للوفاق المطلوب لاستقرار الأوضاع".

ويتابع هارون "كذلك كانت الوثيقة المقترحة تثير مخاوف مشروعة من أن تستأثر الدعم السريع على السلطة، ومن ثم تمارس عملية الفرز العرقي واستجلاب مكونات بشرية من خارج السودان تستقوي بها، وتتبدد رغبة الشعب السوداني في قيام الديمقراطية المنشودة".

يتابع "هذه الوثيقة طورت ما عرف بـ‘الاتفاق الإطاري‘ جرى اعتماده بالأحرف الأولى من قبل الدعم السريع والجيش. تجلى الخلاف على نقطة جوهرية هي تكوين جيش وطني محترف أي دمج الدعم السريع في الجيش. وعندما لاحظ الجيش الاستعجال بتفكيكه مع إطالة مدى دمج الدعم السريع فيه إلى ما بين 10 و22 عاماً، أحجم (الجيش) عن التوقيع النهائي. وعلى ذلك جاء التهديد للجيش، إما أن يوقع وإما يتم قسره على التوقيع ‘من دون لف أو دوران‘".

يشير إلى أن "الاتفاق الإطاري أصرت عليه أميركا وظل يردده مبعوثها الخاص للسودان في جلسة استجواب من قبل لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ. وقد ادعى المبعوث أن (الاتفاق الإطاري) تم الاتفاق عليه بين السودانيين وأنه يحظى بإجماع، وهذا ليس صحيحاً".

يضيف هارون "ويدعي المبعوث أن جهوده مع الآخرين تنصب حالياً على وقف الحرب لتطبيقه، مع ترك العملية السياسية تأتي لاحقاً، بما فيها عملية دمج قوات الدعم السريع في الجيش". ويتابع "وفي حال أقيم الحل على هذا الأساس فسيكون السودان في خضم الأزمة التي بسببها اندلعت الحرب، وستزداد الحرب ضراوة لأن آلاف المواطنين قد استنفروا وحملوا السلاح دفاعاً عن أرواحهم وممتلكاتهم وأعراضهم بعدما ذاقوا الويلات الرهيبة على يد الجماعات المسلحة".

إطفاء النيران

صلاح الدين عبدالرحمن الدومة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان، ينسب الأزمة في جملتها إلى الانقلاب العسكري الذي استولى بواسطته الرئيس عمر البشير على السلطة في يونيو (حزيران) 1989، ويقول "نعم هذه الحرب ستضيف قواعد إرهاب جديدة وهي بالفعل أضافتها منذ الاستيلاء على السلطة حينها". ويتابع "ما يلوح في الآفق هو إصرار الانقلابيين على الاستمرار في السلطة".

ويضيف "نعلم أن الشعب السوداني منقسم إلى فئتين، الأولى تنادي بالحل السياسي وفق ما قادت إليه الأحداث بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس البشير، وأخرى تصر على الحرب، وهذه الفرقة التي تصر على الحرب هي التي ستضيف قواعد إرهاب جديدة إلى منطقة القرن الأفريقي".

وفي ما يتعلق بالدول الكبرى وسياساتها، يوضح الدومة "الدول الكبرى بريئة من صنع الإرهاب ومن مصلحتها إطفاء النيران بخاصة في هذا الوقت من تاريخ البشرية، وما يموج في مسارح العلاقات الدولية من أحداث".

فاعلون دوليون

من جهتها، تقول أميرة علي أحمد همت، أستاذة علوم سياسية في جامعة الزعيم الأزهري، "ما يحدث في السودان ليس بعيداً من الأطماع بشكل أو بآخر، وإلا كانت كل الدول والمنظمات دانت الهجوم الذي قامت به القوات المتمردة منذ اليوم الأول، ولكن حضور الأطماع جعل الكثير من دول الإقليم والمنطقة، والعالم والمنظمات، تأخذ موقف المتفرج تجاه المواطن السوداني الذي تعرض لأبشع أنواع الانتهاكات في هذه الحرب، على رغم أن ذلك يخالف الشعارات التي ترفعها الدول والمنظمات في شأن حقوق الإنسان والمدنيين".

وتضيف "أما بخصوص قواعد الإرهاب في المنطقة، فإن وجدت فهي من صنع الدول ذات الأطماع في منطقه القرن الأفريقي، فليس جديداً على أحد ما تتمتع به منطقة القرن الأفريقي من خيرات ناهيك عن المياه التي تعتبر من أبرز الثروات التي يقاتل عليها الغرب، ويستغل في ذلك بعض دول المنطقة بالتلويح بالمساعدات والمساندة في المحافل الدولية".

وتشير "لكن إلى متى يظل حكام منطقة القرن الأفريقي بعيدين من فهم تلك الأطماع ليتصدوا لها باتحادهم في ما بينهم وإلى جانب الشعوب حتى يحافظوا على خيرات وثروات المنطقة؟ ومتى ستكون العلاقات الخارجية لدول القرن قائمة على مصلحة المنطقة بدلاً عن مصلحة الرؤساء للبقاء على سدة الحكم؟".

وتوضح أميرة "طبيعة أرض وشعب السودان لا تنجذب للإرهاب، وبالتالي من المستبعد أن تكون حرب الخرطوم مدعاة للإرهاب في المنطقة إلا إذا كانت تلك رغبة خارجية بقصد استغلال الحرب لإدخال الإرهاب إلى المنطقة، وهذا لا محالة سيدخل المنطقة في ما لا تحمد عقباه، إذ إنها تعاني من الكثير من القضايا والخلافات بين دولها وحكامها".

المستقبل الغامض

 من جهته، وفي ما يتعلق بإفرازات حرب السودان وما تؤدي إليه من أخطار، يضيف الخضر هارون "الحكومة المتوخاة على (الاتفاق الإطاري) إذا نجحت القوى الدولية في فرضها على أهل السودان، فستكون حكومة ضعيفة تدار من الخارج، لا سيما وأن المكون السوداني الإطاري لا يمثل سوى شريحة صغيرة محدودة، تمثل فقط تيار قوى الحرية والتغيير، متجاهلاً القوى السياسية الأخرى التي شاركت في التغيير، ومتجاهلاً كذلك المكون الديني والصوفي، السمة الأبرز لغالب أهل السودان ومستودع منظومتهم الأخلاقية، وأرضية حياتهم الاجتماعية الصلبة".

ويشير إلى أنه "في حال تزايد الضغوط لإنفاذ (الإطاري) ستتضاعف مشاركة الشباب في حمل السلاح واعتبار الإملاءات الخارجية ضرباً من غزو استعماري جديد لا سبيل للعيش الكريم معه في كنف الحرية والاستقلال، سوى التصدي له ومقاومته بالسلاح. وإذ أبطأ الجيش في حسم التمرد ستكون الغلبة للمستنفرين فيه، وعند ذلك لن يلتفتوا لنعوت الإرهاب التي قد تطلق".

يخلص هارون "وقد ينحدر الأمر إلى توافد جماعات متشددة بحجة دعم التطرف في السودان كما حدث في أماكن أخرى، ومن ثم ستنشأ بؤر جماعات متشددة يؤدي نشاطها إلى عدم استقرار منطقة القرن الأفريقي في كل دول الجوار، ليمتد أثرها إلى البحر الأحمر على الساحل الأفريقي مما يعطل المصالح العالمية. الأفضل الحذر من هذا المخطط ومنع وقوعه".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير