Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المشاهد المصري يودع الـ"توك شو" ويكتفي ببراح "السوشيال ميديا"

من كان يملك قناعة للرأي العام بالأمس صار يستضيف الفنانين ليتحدثوا عن زيجاتهم وطلاقهم

تحول كوكبة من المذيعين والمذيعات إلى صناع رأي عام في مصر قبل أحداث يناير 2011   (رويترز)

ملخص

المواطنون كانوا حتى أعوام قليلة مضت يشكلون "ألتراس" هذا المذيع و"فانز" هذه المذيعة. واليوم تغير الوضع وتحرك "الألتراس" بعيداً ووجد الـ"فانز" لأنفسهم قناعات أخرى وشخصيات مختلفة.

ملوك وملكات صنعوا التاريخ، أو فلنقل شاركوا أو أثروا أو وجهوا صفحة من صناعة التاريخ. وصعدوا إلى المجد وأبقاهم المتلقون في القمة، لكن ما هي إلا أعوام قليلة حتى شهدت قصورهم المشيدة في الأثير اهتزازات عنيفة وارتجاجات شديدة، فهوى بعضها وبقي الآخر قائماً، ولكن على أسس مختلفة وأساسات مغايرة.

غيرت الأعوام القليلة الماضية الأوضاع القائمة، ومن كان يملك الرأي العام ويوجه مزاجه ويتحكم في قناعاته بالأمس القريب صار يحكي حكايات عن أشهر الشوارع وأقدم الميادين، أو يستضيف الفنانين ويلتقي المشاهير ليتحدثوا عن أسرارهم وتفاصيل زيجاتهم وكيف تم الطلاق، أو يمشي على صراط الأخبار المستقيم ولا يتطرق إلا إلى قضايا المجتمع المتفق عليها أو معضلاته بما لا يخالف صالح الوطن وسلامة المواطنين.

ألتراس المذيع

المواطنون أي المتلقون أو المشاهدون أو المتابعون كانوا حتى أعوام قليلة مضت يشكلون "ألتراس" هذا المذيع و"فانز" هذه المذيعة. واليوم تغير الوضع وتحرك "الألتراس" بعيداً ووجد الـ"فانز" لأنفسهم قناعات أخرى وشخصيات مختلفة.

وخلال العقد السابق لأحداث يناير (كانون الثاني) 2011 تحولت كوكبة من المذيعين والمذيعات إلى صناع رأي عام ومتحكمين في صياغة وعي الملايين. وفعلياً، أصبحوا "ملوك التوك شو" من واقع التأثير.

 الحكومة أعلنت أنه لا زيادة في أسعار الحديد لكن المذيع قال إن الزيادة مرتقبة، إذاً هي كذلك. الوزير أكد أنه لا مساس بأسعار الكهرباء لكن المذيعة قالت إن هناك مساساً، إذاً هناك مساس.

وظلت ظاهرة "ملوك التوك شو" تكبر وتتوسع وتتوغل حتى أصبحت بمثابة منظومة معارضة تتمتع بالصدق وصوت زاعق لمن لا صوت له من دون مقابل، أو هكذا بدت الأمور.

الأمور خلال عام 2010 أي قبل عام فقط من اندلاع أحداث 2011، بدت وكأن الشاشة الفضية أصبحت فاعلاً أو عاملاً أو منصة تعبير سياسي باسم النظام أو ضده. وفي الصراع المحموم نحو مجلس الشعب (البرلمان) المصري في ذلك العام لعب "ملوك التوك شو" دوراً سياسياً كما لم يلعبوا من قبل.

تسعينيات السماوات المفتوحة

من قبل، وحتى بدء ما يسمى "عصر السماوات المفتوحة" خلال تسعينيات القرن الماضي، وهو عصر القنوات التلفزيونية الفضائية التي أنهت احتكار القنوات الرسمية للخطاب الإعلامي، كان التلفزيون الرسمي أي القنوات المملوكة للدولة تلعب دور الوكيل السياسي للنظام الحاكم.

 وفي مصر ظلت القنوات الرسمية بمثابة لسان حال "الحزب الوطني الديمقراطي" الحاكم. وجاءت التسعينيات لتغير الوضع القائم وتفتح أبواب الأثير لقنوات تلفزيونية فضائية خاصة تمتعت بهامش حرية وجرأة غير مسبوق، فهيمنت على وعي الجماهير الغفيرة واهتمامها ومتابعتها.

متابعة ما كان عليه ملوك الـ"توك شو" على الشاشات المصرية، سواء تلك المملوكة للدولة أو الخاصة في التسعينيات وما بعدها وحتى منتصف العقد الثاني من الألفية الثالثة من جهة، ثم ما آلت إليه أوضاعهم ومكاناتهم الشعبية وأثرهم من جهة أخرى تطرح تساؤلات أكثر مما تعطي إجابات.

تلفزيون الدولة يناطح النظام

الإجابة عن سؤال كيف أمكن للنظام المصري في تسعينيات القرن الماضي أن يدفع ببرنامج مثل "البيت بيتك" على شاشة التلفزيون الرسمي المملوكة للدولة، والتي كان يمكن تصنيفها باعتبارها الناطق الرسمي باسم النظام والحزب الحاكم، وفيه هذا القدر من الجرأة والقدرة على انتقاد المسؤولين والوزراء ومتابعة مشكلات المواطنين التي قلما يمكن التطرق إليها من دون توجيه اتهامات الإهمال والتسيب والفساد لكبار المسؤولين؟ يبقى سؤالاً مفتوحاً لا يجد إجابة على رغم مرور ما يزيد على عقد ونصف العقد منذ توقف البرنامج.

 

ووصل الأمر لدرجة أن صحفاً تملكها الدولة وأخرى لسان حال الحزب الحاكم "الوطني الديمقراطي" السابق دأبت على انتقاد كثير مما يرد وتتم مناقشته في "البيت بيتك" على مدار أعوام بثه، باعتبارها قضايا مثيرة للجدل أو تلحق الضرر بالنظام أو فيها من الانتقاد والاتهام لأجهزة الدولة ما لا يليق بـ"تلفزيون الدولة".

"ملوك" تلفزيون الدولة

تلفزيون الدولة قدم "ملوكاً" مثل محمود سعد ولميس الحديدي وغيرهما ممن كانوا يطلون على الملايين من داخل مبنى "ماسبيرو"، فيشفون غليل مظلومين ويتحدثون باسم متضررين ويصوبون سهام الاتهامات تجاه كبار الوزراء والمسؤولين فيسعدون قلوب الملايين ولو من منطلق "فش الخلق".

البعض يرى أن توسيع هامش المعارضة والانتقاد عبر برامج ومذيعين محسوبين على "الدولة" كان عملية محسوبة وتكتيكاً مدروساً لامتصاص الغضب وتسكين الألم. والحق يقال، سواء كان سيناريو مصنوعاً محسوباً أو عرضاً ديمقراطياً طبيعياً فقد كان ناجحاً ونافذاً ومحققاً لمعادلة صعبة ألا وهي رعاية المعارضة في عرين النظام.

المؤكد أن هذه البرامج تفننت في ملء الفراغ الذي تركته صحف المعارضة، سواء لوهن أصابها أو أصاب أحزابها، أو من منطلق عصر السماوات المفتوحة الذي أزاح الصحف وحل محلها كمصدر رئيس للأخبار متعددة المصادر، ومنصة لفش غل المواطن.

ووجد المواطن ما يصبو إليه وأكثر مع توسع قاعدة المعارضة الفضائية، وذلك عبر سياسة الباب المفتوح التي انتهجتها الدولة بدءاً من التسعينيات أمام القنوات الفضائية الخاصة التي تحولت إلى منصات معارضة "محسوبة" يتزعمها "ملوك التوك شو".

باسم المواطن

"دريم" و"المحور" و"أون تي في" و"الحياة" و"سي بي سي" وغيرها من القنوات الخاصة تبارت فيما بينها في التحدث باسم المواطن. من السياسة إلى الاقتصاد إلى الدين وتفاصيل الحياة الكبيرة والصغيرة، كان مذيعو ومذيعات الـ"توك شو" يشفون الغليل الشعبي نهاراً في برامج صباحية ويعيدون الكرة في فترات الإعادة.

قائمة الملوك والملكات "كانت" طويلة. منى الشاذلي وإبراهيم عيسى وريم ماجد ودينا عبدالرحمن ووائل الإبراشي وعمرو أديب وغيرهم دخلوا ملايين البيوت المصرية من بوابة المعارضة، ورسخوا مواقعهم عبر الحديث اليومي باسم المواطن عن الفساد والإهمال والفقر والتعليم والصحة والسكن والمواصلات والرواتب وفرص العمل وكرة القدم وكل ما يتعلق بحياة الناس اليومية، مع وجبات تتعلق بالدور المصري في السياسة الدولية كلما لزم الأمر.

المذيعون لاعبون وعوامل تغيير

يلزم التنويه إلى أن برامج الـ"توك شو" وملوكها لا يمكن إلا اعتبارهم لاعباً أو عاملاً وفي أقوال أخرى محركاً لأحداث يناير عام 2011. أستاذة الإعلام البريطانية ناعومي صقر تقول في دراسة عنوانها "السوشيال ميديا برامج التوك شو التلفزيونية والتغيير السياسي في مصر" (2012)، إن غالب سكان مصر البالغ عددهم 83 مليون نسمة (آنذاك) في إمكانهم الوصول بسهولة إلى التلفزيون أكثر من الإنترنت بكثير. وعلى رغم الرقابة التي فرضها نظام مبارك فإن بعض اللحظات المحورية في الانتفاضة الوطنية وتداعياتها لم تحدث على قناة (الجزيرة)، بل على القنوات الفضائية الخاصة في مصر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وترصد صقر ما سمته بـ"الفضاءات التلفزيونية المفتوحة لمناقشة السياسة المصرية" بين عامي 2001 و2004، وهي أعوام فتح أبواب الأثير على مصاريعها وإن تحت أعين الدولة أمام قنوات تلفزيونية مصرية خاصة.

وتضيف أن هذا الانفتاح غير المسبوق وترخيص لقنوات تلفزيونية مصرية خاصة للمرة الأولى حدث تحت ضغط لإرضاء نخبة من رجال الأعمال المحليين (الذين كانوا مقربين من جمال مبارك نجل الرئيس)، واستجابة لتوجهات سياسة الخصخصة وتعضيد موقع القاهرة كعاصمة الإنتاج الإعلامي العربي خوفاً من منافسة مدن عربية أخرى.

وتشير صقر إلى أنه تم تقييد القنوات الخاصة المرخصة بمنعها من بث نشرات الأخبار حتى لا تنافس شاشات الدولة أو تطرح رؤى مغايرة للمحتوى والتوجه الرسمي. وتنقل عن الإعلامية المصرية الرائدة في مجال الفضائيات هالة سرحان التي انضمت إلى قنوات "دريم" الخاصة التي انطلقت عام 2001، البديل الذي قدمته وهو برامج حوارية تذاع على الهواء مباشرة وتستقبل مداخلات هاتفية من الجمهور كانت بمثابة "برامج سياسية تحليلية" تتيح "تمثيل الشعب عبر التعبير عن وجهة نظره".

العصر الذهبي ورأي الشعب

في العصر الذهبي لبرامج الـ"توك شو" كان ملوك وملكات البرامج الوسيلة الوحيدة الحقيقية للتعبير عن الشعب، أو هكذا بدا. وتحول في معظمه إلى معارضة محسوبة إلى حد كبير ولكن بهامش حرية كبير طالما لا يتطرق إلى شخص الرئيس وحفنة من القضايا والشخصيات بالغة الحساسية، وهو الهامش الذي أدهش المتلقين أنفسهم. من الإعلامي الراحل حمدي قنديل إلى الإعلامي المثير للجدل إبراهيم عيسى والإعلامي الراحل الذي اكتسب ألقاباً مثل "السخان" و"حريقة" لفرط قدرته على الانتقاد الساخن وائل الإبراشي وغيرهم، اعتبرهم البعض مرآة قاعدة عريضة من المشاهدين وصنفهم آخرون باعتبارهم قادة فكرة وصناع وعي ومحركين (أو مهيجين) للرأي العام. وفي كل الأحوال أصبحوا ملوكاً.

 

عام مفصلي

ملوك جدد أضيفوا خلال عام 2005 وهو أحد الأعوام المفصلية في تاريخ مصر المعاصر. هامش حرية بدا أكثر اتساعاً وصدر رسمي أكثر رحابة، وذلك تزامناً مع انتخابات رئاسية وبرلمانية هي الأكثر سخونة وإثارة للغضب وتفجيراً للسخط، جميعها وجد في ملوك وملكات برامج الـ"توك شو" منجماً ينضح بالشعبية والانتشار والمنفعة.

أصبح ملوك الـ"توك شو" أكثر شعبية من الوزراء، وآراؤهم وتحليلاتهم أكثر انتشاراً وإقناعاً من تصريحات المسؤولين إضافة إلى منافع بالجملة تمثلت في فيض من الإعلانات للقنوات وحراك غير مسبوق، ومزيد من الشهرة والانتشار للملوك والملكات.

ملكة امتصاص الغضب الشعبي بلغت أوجها خلال الأسابيع القليلة السابقة لأحداث عام 2011، لكن تفجر الأوضاع في الشارع ونزول أعداد غفيرة من المصريين إلى الميادين على مدار 18 يوماً انتهت في الـ12 من فبراير (شباط) 2011 أفقد عدداً من البرامج توازنها.

ألوان المعارضة

هي برامج اتشحت بألوان المعارضة؟ نعم. وهم مقدمو برامج أصبحوا قادة رأي وزعماء تغيير؟ نعم. لكن هذا لا يمنع فقدانهم الشعور بالتوازن في خضم الأحداث. فقد ظل المحتوى الساخن الشرس المشاكس يحظى بمظلة حماية من الدولة. غياب الدولة أو وهنها أو مخاوف سقوطها أفقدت عشرات البرامج البوصلة لبضعة أيام أو أسابيع. وتبعثرت توجهات المذيعين بين مؤيد للأحداث لكن بحذر، أو متخوف منها مع بعض الأمل.

بالطبع بقي فريق من المذيعين المنتمين للشاشات الرسمية في زاوية خاصة بهم تصف الأحداث بالمؤامرة، وحراك الشارع بالمخطط، والمطالب برؤية إسقاط مصر.

 

لم تسقط مصر، لكن تعثرت الأمور بعض الشيء خلال أعوام ما بعد الأحداث، سواء خلال عام 2011 أو أثناء عام 2013، وذلك في تصنيف الاحتجاجات وحسابات الانتماء، وقياس الوطنية ومراجعة المواقف سواء مواقف الدولة أو مواقف برامج التلفزيون أو مواقف ملوك وملكات الـ"توك شو".

سقوط الجماعة

ما زال البعض ينسب فضل أو تهمة إسقاط حكم الرئيس الإخواني السابق الراحل محمد مرسي للإعلام، وتحديداً مجموعة برامج الـ"توك شو" ومعظمها كان يذاع على القنوات التلفزيونية الخاصة التي أبحرت في سماوات مفتوحة على مصاريعها، ومعها نجوم البرامج الذين تحولوا إلى "أيقونات" وطنية ورموز للحرية والجرأة والإقدام، وذلك حتى تحقق سقوط الإخوان.

وحتى بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين في أعقاب تظاهرات شعبية جارفة شجعها وباركها ودعمها نجوم الـ"توك شو" بدوافع مختلفة معظمها طغى عليه في رأي كثيرين الوطنية والرغبة في إنقاذ الوطن من قبضة الدولة الدينية.

وانقشاع قبضة الدولة الدينية بسقوط حكم الجماعة تبعته فترات هدوء وكمون شعبي، بعضها عبر عن نفسه بالانسحاب بعيداً من برامج الـ"توك شو" والتي أصبحت على مدار عقدين كاملين منصة سياسية شعبية لا يستهان بها.

راحة إجبارية

بدا الانسحاب مفهوماً ومنطقياً. فبعد أعوام من انخراط ملايين المشاهدين في أتون التنظير التلفزيوني ومهالك التحليل والتحليل المضاد، واستوديوهات التحريض الإقليمي والتحريض المحلي المضاد، وتواتر آلاف الضيوف من ثوريين وحقوقيين وسياسيين واقتصاديين وعلماء نفس واجتماع واقتصاد وحتى تنجيم، حان وقت الراحة الإجبارية للمتلقين بعد ماراثون السياسة والثورة والاضطراب، وذلك قبل العودة لإيقاع المتابعة الطبيعية على الشاشات.

شاشات التلفزيون شهدت هي الأخرى تطورات وتغيرات أدت إلى ما هي عليه حالياً من تأرجح في الشعبية وتفاوت في الإقبال وتذبذب في الثقة في ملوك الـ"توك شو". وبين مشاهدة مرتفعة ومتوسطة وانصراف شبه كامل لم يعد ملوك البرامج قادرين أو راغبين أو ربما مسموحاً لهم بأن يكونوا مرآة الشارع، يشكلون الرأي العام ويوجهون الوعي ويضبطون دفة المسار.

التغيرات التي طرأت على ملكية القنوات التلفزيونية وبعض القيود المفروضة على المحتوى والتهديدات والتوترات الإقليمية التي تمثل رقيباً حتمياً يعيد ترتيب الأولويات، ويؤجل طرح أوجاع المشاهدين المحلية من أوضاع اقتصادية صعبة ومعضلات سياسية معقدة وحاجات ماسة لمواجهة الفساد والإهمال والمحاباة وغيرها من أوجاع المشاهد اليومية، جميعها ألقى بظلال وخيمة على البرامج وملوكها.

 

مسامير الحياة

لم يعد المتلقي المصري يخصص ساعة أو ساعتين أو ثلاثاً أو أكثر من يومه ليتجول بين مجموعات القنوات التي تبث برامجها المسائية وإلى حد ما الصباحية، لتدق على أوتار مصاعب المعيشة وفساد بعض المسؤولين وتضييق بعض الجهات وإهمال بعض الوزراء. فالمتلقي بات يخصص ساعاته لبراح "السوشيال ميديا" الضيق بحكم سيولته الشديدة من جهة، ومن جهة أخرى لم تعد البرامج تدق على ما سبق من "مسامير" الحياة.

واختفت برامج الرأي الجماهيرية وهي التي كانت تعتمد على مشاركة الجمهور مع الخبراء لمناقشة قضايا تهم غالبية الناس.

وتقول أستاذة الإعلام سوزان القلليني في كتابها "إنتاج القوالب الإعلامية وتطبيقاتها" (2007) إن برامج الرأي تجمع بين الجمهور وأصحاب الاختصاص والرأي من الضيوف لمناقشة موضوعات جماهيرية تهم أكبر عدد من الجمهور. وكانت هذه البرامج تقدم نوعاً من الخطاب الذي يجمع بين العام أي عامة الناس، والخاص أي الاختصاصيين، وتهتم بالجمهور العام والفئات الخاصة على حد سواء بالوجود في الاستوديو أو اللقاءات الخارجية والاتصالات الهاتفية والبريد الإلكتروني. وكان الهدف من الحوار في هذه البرامج التي كانت تتميز بمشاهدات كبيرة ويحظى مذيعوها بشعبية هائلة هو مناقشة القضايا الجماهيرية من مختلف الزوايا، وعرض وجهات النظر المختلفة. وأهم ما "كان" يميزها هو البعد الجماهيري.

البعد الجماهيري حاضر

البعد الجماهيري ما زال موجوداً على الشاشات. وحتى صياح بعض المذيعين والتنويع في نبرات الغضب بين السخط الشديد والامتعاض الوسطي والحزن العميق وغيرها من تكتيكات الجذب وصناعة الجماهيرية ما زالت سمة من سمات البرامج، لكن خفت الوهج وتضاءلت الجاذبية، ولم يعد حديث الجمهرة المنتظرة الباص صباح اليوم التالي أو الفيلق المتكدس في الميكروباص ظهراً ما وجهه هذا المذيع من انتقاد حاد للمسؤول أو ما فجرته هذه المذيعة من حقائق في قضية مسكوت عنها أو ملف حساس.

حساسية البرامج

حساسية البرامج التلفزيونية ومحتواها سواء كانت مملوكة للدولة أو شركات وثيقة الصلة بها أو خاصة، وثيقة الصلة بالحسابات الدقيقة التي تخضع لها على مدار الأعوام القليلة الماضية، وبصورة مكثفة على مدار الأعوام السبعة الماضية. جهود إعادة تشكيل المشهد الإعلامي المصري أو تنظيمه وذلك في أعقاب الأحداث الجسام التي شهدتها مصر بدءاً من عام 2011، أثرت بصورة واضحة على برامج الـ"توك شو". الجانب الأكبر من هذه البرامج تحول من طرف نقيض الانتقاد الحاد والمبالغ فيه أحياناً إلى طرف النقيض الآخر.

النقيض الآخر لا ينفي قيام هذه البرامج ومقدميها بأدوار سياسية في وقت تعاني فيه الأحزاب السياسية من خفوت شعبية وتقلص جماهيرية، وأدوار اقتصادية من محاولات شرح وتحليل وتبرير الأزمة وأبعادها، إضافة للمكون الإخباري والتوعوي والثقافي والديني والاجتماعي وربما النقدي، ولكن في إطار المساحة التي لا تعرض المذيع والضيف والمعد ورئيس التحرير للمساءلة.

الخوف من المساءلة إضافة إلى قائمة من الاتهامات التي دأب البعض من المواطنين العاديين توجيهها لهذه البرامج ومذيعيها منذ أحداث عام 2011، مثل تأليب الرأي العام وتخويف المواطنين وإشاعة البلبلة وإثارة "العكننة" أثرت في البرامج ومذيعيها.

لم تعد البرامج ساخنة

لم تعد البرامج ساخنة ولم يعد المذيعون ملوكاً متوجين ولم يعد المحتوى قادراً على التهييج أو التهدئة. ولم يعد ما يقدم على الشاشات باختلاف أنماط ملكيتها وتراوح نبراتها ونوعية ضيوفها يهيمن على اهتمام القاعدة العريضة، أو يمثل مصدراً ملهماً للأفكار أو منبعاً للمناقشات التي تسفر عن حراك أو نشاط أو حوار في الشارع.

الشارع بات يكتفي بالخبر الرسمي أو ينهل مما يفيض به الـ"سوشيال ميديا" من تحليل وتعليل بغض النظر عن تقييم المحتوى، أو مل تكرار البرامج من حيث توجه المحتوى، أو فقد الثقة في ملوك وملكات الأمس بعدما أصبحوا نسخاً مكررة، ومع تقلص هوامش الاختلاف والخلاف، أو لا يعجبه التغيرات الحادثة في قوائم الأولويات معتبراً أولويات البرامج مختلفة عن أولويات المواطن في الأقل من حيث الترتيب والتوقيت والتوجيه أو كل ما سبق أدى إلى وضعية "وداعاً ملوك التوك شو".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات