Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف استقبل المصريون ذكرى "30 يونيو"؟

على مدى الـ11 عاماً الماضية تفاقمت المشكلات في مصر والخلاف بين المؤيدين والمعارضين ما زال قائماً ويتسع لكل الأطياف

خرج المصريون في الـ 30 من يونيو عام 2013 إلى الشوارع مطالبين برحيل الإخوان بعد عام من الحكم (رويترز)

ملخص

"30 يونيو في مصر"... الموجود في الذكرى الـ11 يوم عطلة رسمية، وفعاليات فنية وثقافية تنظمها وزارة الثقافة، وعروض سينما ومطاعم مخفضة مدعومة من وزارة الداخلية، وجدال على منصات الـ"سوشيال ميديا" بين مؤيد ومعارض

الصورة اليوم أوضح كثيراً مما كانت عليه طوال احتفالات السنوات الـ10 السابقة بالذكرى. مع مرور كل عام تهدأ نشوة التغيير، أي تغيير، وتخفت شهوة الإصلاح، أي إصلاح. "الإصلاح" في حد ذاته لم يكن هدفاً من الأهداف المعلنة أو غير المعلنة وقت تفجر أحداث الـ30 من يونيو (حزيران) 2013 في مصر، وهي أحداث الغضب الشعبي العارم المطالب بإسقاط نظام جماعة الإخوان المسلمين.

بعد 11 عاماً بالتمام والكمال من تفجر الأحداث واندلاع تظاهرات صنفها البعض بأنها "محاولات إنقاذ"، وآخرون اعتبروها تدخلات تشبه ما يجري في وحدات الرعاية المركزة هدفها الأسمى، وربما الأوحد، إبقاء المريض على قيد الحياة. الحياة في مصر في الـ30 من يونيو 2024 مختلفة عما كانت عليه قبل 11 عاماً.

أحاديث الشارع اليوم تقف على طرف نقيض من أحاديثه في 2013. نظرياً، الأمور أكثر هدوءاً، وتفاصيل الحياة أكثر طبيعية، والوضع العام مستقر. النظرية لا تعني مجافاة الواقع أو مخاصمة الحقيقة، لكنها قد تحمل قدراً من الخداع البصري. عملياً، الأمور معقدة، وتفاصيل الحياة أكثر صعوبة، والوضع العام مستقر لكن يدعو إلى القلق.

قلق يونيو المتجدد

قلق يونيو 2024 يختلف كثيراً عن قلق يونيو 2013. البعض يجادل بأن القلق من ضياع دولة، وطمس هويتها، وتدمير ثقافتها يختلف كثيراً عن قلق مصاعب اقتصادية، وتضييقات سياسية، وترجيح كفة مبان خرسانية على حساب أشجار ومساحات خضراء.

في العام الـ11 من أحداث يونيو 2013، التي انتهت بخلع حكم الإخوان، وانتخابات رئاسية في العام التالي أتت بوزير الدفاع آنذاك عبدالفتاح السيسي رئيساً، ما زالت ملايين المصريين تتخذ من منصات الـ"سوشيال ميديا" أرضاً للنزال وساحة للقتال، تماماً كما كانت في 2013. الفرق الوحيد في النزال الحالي جوهري. المتجادلون والواقفون على جبهات متناقضة متنافرة من بعضها بعضاً اليوم يمثلون كل الأطياف، وينتمون إلى جميع الأيديولوجيات، ومنهم من لم ينتم إلى طيف أصلاً أو سبق له اعتناق أيديولوجيا.

 

الأيديولوجيات المتناحرة بين المصريين خرجت على مراحل في أعوام ما بعد 2013، ولم تعد، وذلك باستثناء ما يتعلق منها بالإسلام السياسي. فالإسلام السياسي فكرة، والفكرة لا تموت بالتعويم، أو تندثر بارتفاع سعر اللحوم، أو تعي بأن عليها أن لا تكون أولوية، لأن حرباً تجري على الحدود أو كهرباء تنقطع بلا قواعد أو قيود.

القيود المفروضة على المحال التجارية في مصر، باستثناء محال السوبرماركت والصيدليات، بدءاً من أول يوليو (تموز) بغرض ترشيد استهلاك الكهرباء، تلقي بعض الضوء على نبض الشارع بعد مرور ما يزيد على عقد من غضبة شعبية عارمة أطاحت حكم الجماعة، وكان ضمن أسباب الغضب حينئذ ملف الكهرباء.

عام من حكم الإخوان عكرته عشرات المشكلات المعيشية والأيديولوجية، لكن أزمة الكهرباء والانقطاع المتكرر وسبل حلها، وحتى المقترحات "الرسمية" المعروضة للتعامل مع الانقطاع المتكرر للكهرباء في شتى أرجاء مصر في أثناء حكم الجماعة، كانت ومعها أزمة الوقود عنوان الغضبة الشعبية الأعنف.

كان انقطاع الكهرباء حديث الجميع في 2012 و2013. صب النقمات وتوجيه اللعنات على المسؤولين والموظفين، وإمطار القطاعات الحكومية بنظريات المؤامرة، إذ المؤسسات الرسمية "تأخونت"، والقطاعات الحكومية واقعة في قبضة الجماعة وأبناء عمومها، استغرق كثيراً من وقت وجهد المصريين.

حراك السوشيال ميديا

غير العالم ببواطن الأمور يقول إن المصريين يمضون الوقت والجهد نفسيهما هذه الأيام، إذ أزمة الكهرباء ومعضلة التفسيرات الرسمية وكارثة التخبطات الحكومية بلغت الزبى. اليوم، وبينما قطاعات عريضة في الدولة منشغلة بعرض إنجازات "الجمهورية الجديدة"، وسرد إنفاذات الوزارات والهيئات والتفاخر بما كانت عليه مصر ثم أصبحت، فإن قطاعات أخرى، لكن من المواطنين العاديين منشغلة هي الأخرى، لكن بـ"الهبد العنكبوتي والرزع" على أثير الـ"سوشيال ميديا".

الحراك على منصات الـ"سوشيال ميديا" في الذكرى الـ11 لـ"30 يونيو" لا يشد في اتجاه "أخونة" قطاعات في الدولة تعمل على قطع الكهرباء عنوة، أو يجذب صوب نظريات المؤامرة. هو حراك من النوع الساخن على الجهة والشخص والرمز التي عليها أن تتحمل المسؤولية كاملة، بما فيها مسؤولية الاعتذار.

اعتذار كل من وزيري الكهرباء والبترول لجموع الشعب المصري عن إجراءات تخفيف الأحمال، وهو التخفيف الذي طال أمده، وتقلص أمله، وتفاقم أثره في ظل درجات حرارة لا ترحم جاء في وقته تماماً. الشعوب تحب اعتذار المسؤولين إليها. الاعتذار الرسمي يجعلها تشعر أنها ذات قيمة. المؤيدون للنظام يقولون إن مثل هذه الاعتذارات من إنجازات "الجمهورية الجديدة"، والمعارضون يقولون "يا فرحتي!" تقليلاً من قيمة الاعتذار وتركيزاً على حجم المشكلات.

 

حجم المشكلات في مصر تفاقم على مدى السنوات الـ11 الماضية، وهذا ما يمثل نقطة خلاف أخرى بين المؤيدين والمعارضين في مناسبة حلول ذكرى الـ30 يونيو: تدهور قيمة الجنيه، غلاء جنوني، تضخم غير مسبوق، نقص أدوية، استمرار وحش الدروس الخصوصية، ارتفاع فواتير الماء والكهرباء والوقود وغيرها كثير من انعكاسات أزمة اقتصادية طاحنة يتجاذبها الفريقان. إرث أم ما صنعت أيديهم؟ سؤال يطرح نهاراً جهاراً على أثير الـ"سوشيال ميديا"، ويفتح أبواباً من التنابزات.

تغريدات وتدوينات ومقاطع فيديو تجول الفضاء العنكبوتي، يعاد تناقلها وتشاركها تارة بدافع التأييد والتعضيد، ويجري نقضها ومهاجمتها تارة أخرى من منطلق المعارضة والمكايدة.

من باب المكايدة، يجري في مثل هذه الأيام من كل عام على مدى السنوات الـ11 الماضية عمليات إغاظة متبادلة. المؤيدون يباهون بالإنجازات والإبداعات، والمعارضون يسمونها إخفاقات وكوارث، فيرد المؤيدون بعقد المقارنات إما بنظام مبارك، الذي سقط في 2011 أو نظام الإخوان الذي سقط في 2013، وهلم جرا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذا العام الجميع منهك والمشكلات المعيشية تتحدث عن نفسها. جزئية الكيد في أضيق الحدود. أسباب الشد والجذب تقتصر على الأولويات في ظل الظروف الاقتصادية المحلية الصعبة والإقليمية الملتهبة. تدوينتان رئيستان تلخصان مكمن الجدل والخلاف في مناسبة إحياء ذكرى الـ30 من يونيو. الأولى: "نعاني انقطاع كهرباء وغلاء أسعار وإعادة ترتيب أولويات الإنفاق بحسب المتاح؟ أم نغضب ونثور ونهدم دولة، وإما أن تقوم لنا قومة أو لا تقوم وحولنا بدلاً من المثال الواحد ثلاثة أو أربعة؟"، والثانية: "كفانا مقارنة أنفسنا بدول ضربتها صراعات. الاقتصاد في أسوأ حالاته، والديون تتراكم، والاقتراض مستمر، والحلول الجذرية والحقيقية موجودة لكن يرفضونها".

وبين "رفض الحلول" و"أفضل من غيرنا" يصر البعض على إحياء الذكرى بالجدل المرتكز على تأييد النظام أو معارضته، وهذا مفهوم كما يقول علماء السياسة، ومقبول كما يؤكد خبراء الاجتماع، بل صحي ومحمود في عرف الإعلام.

إنجازات "الجمهورية الجديدة"

الإعلام يقف هذا العام في موقف واضح وصريح. الغالبية المطلقة من وسائل الإعلام المصرية ترفع شعار إنجازات "الجمهورية الجديدة". مقالات وبرامج وفقرات مخصصة لاستعراض أبرز ما جرى إنجازه على مدى الأعوام الـ11 الماضية. من قطاع النقل والطرق والمواصلات إلى القضاء على العشوائيات وتوفير مساكن آمنة للجميع ومشروعات 100 مليون صحة ويزيد، إلى القضاء على الإرهاب في شمال سيناء وباقي أنحاء مصر.

يركز المحتوى الإعلامي الذي يعيب عليه البعض الأحادية، ويدعو إلى توسيع الهوامش والعودة إلى قدر من سعة الصدر بغية الانتقاد من أجل الإصلاح على الإنجازات. بدا استعراض الإنجازات أمراً طبيعياً في مناسبة الذكرى الـ11، لكن ما أثار بعض التعجب كان استعراض إنجازات قطاع الكهرباء، في وقت تعاني البلاد أزمة انقطاع كهرباء ليست خافية على أحد، وصلت معدلات انقطاعها إلى ساعات غير مسبوقة.

 

هذا العام يفرض ملف الكهرباء نفسه ضمن فعاليات الذكرى، ولأن الوضع ملتبس على كثر، إذ يسود اعتقاد أن المصريين نزلوا إلى الشوارع في يونيو عام 2013، مطالبين بإسقاط حكم الجماعة، لأن التيار الكهربائي دائم الانقطاع، أو بسبب أزمة الوقود واصطفاف المواطنين ساعات وأياماً، فإن من ضمن "محاسن" مشكلة الكهرباء في عام 2024 هو أنها أثبتت أن غضبة المصريين في عام 2013 كانت موجهة ضد الحكم الديني وهيمنة جماعة الإخوان المسلمين على دولة ومواطنين في المقام الأول والأخير، إذ لم تكن غضبة لها أهداف اجتماعية وتحظى بشعارات، فخرج من خرج في تلك الأيام من أراد إسقاط حكم الجماعة، حتى شعار أحداث الـ25 من يناير (كانون الثاني) عام 2011، "عيش، حرية، عدالة اجتماعية" لم يكن موجوداً.

في الذكرى الـ11 تضاءل خطر جماعة الإخوان في مصر، وهذا لا يعود إلى تضاؤل الجماعة المنتعشة في ربوع البلدان التي احتضنت الهاربين، أو لتضاؤل خطرهم، فخطر الإسلام السياسي ما زال يتربص بدول عدة وليس مصر فحسب، لكن لأن المصريين في يونيو 2013 خرجوا على الجماعة وفكرها وسطوتها وسلطتها.

خروج المصريين في الـ30 من يونيو 2013 اتسم بقلق عارم وخوف جارف، وهو ما ضخ كميات وفيرة من الأدرينالين الثوري بين الجموع الغاضبة. عاد الناس إلى بيوتهم، وخفت الأدرينالين في أجسادهم، وانطفأ الوهج الثوري، وعادت الغالبية أدراجها إلى متابعة تفاصيل الحياة اليومية، مع إيلاء قدر أكبر من الوقت والجهد للشكوى من صعوبة الأوضاع، وهي الأوضاع التي ساءت على أرض الواقع بفعل سياسات وأولويات اقتصادية يصفها البعض بـ"الخاطئة"، وتوليفة من الأسباب والعوامل الخارجية من حرب في غزة وتوابعها، وصراع في أوكرانيا وآثاره، وقبلهما جائحة أغلقت الكوكب عامين.الموجود في الذكرى الـ11 هو يوم عطلة رسمية، و200 فعالية فنية وثقافية تنظمها وزارة الثقافة، وعروض سينما ومطاعم مخفضة بدعم من وزارة الداخلية، وجدال على منصات الـ"سوشيال ميديا" بين مؤيد ومعارض، ومحاولات قفز واقتناص موسمية يبذلها أعضاء الجماعة ومحبوها، ولا يخلو الأمر من تكهنات حول أداء الحكومة الجديدة على هامش الذكرى.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات