ملخص
قد يستخدم إيلون ماسك، الذي يمتلك تويتر/إكس ويؤيد دونالد ترمب بصورة علنية، منصته لتغيير نتائج الانتخابات الأميركية عبر تعزيز تغريدات معينة وتعديل الخوارزميات بصورة سرية، مما يثير القلق في شأن مدى تأثيره في الرأي العام.
تصوروا الفكرة على صورة مخطط فن البياني. من شبه المؤكد أن إيلون ماسك هو أثرى أثرياء العالم، ويسيطر على منصة واسعة النطاق للتواصل الاجتماعي. وربما كان الرئيس الأميركي الشخص الأكثر نفوذاً في العالم. فهل يستطيع الشخص الأكثر ثراء تحديد هوية الشخص الذي سيصبح الأكثر نفوذاً، وهل سنعرف أساساً؟
لا شك أنكم تابعتم تعبير ماسك العلني تماماً عن محبته لدونالد ترمب. إذ لم يكد الرئيس السابق ينهض عن الأرض بعد فشل محاولة الاغتيال التي تعرض لها حتى استخدم ماسك منصته الخاصة- تويتر/إكس- ليعلن لمئات الملايين من متابعيه بأنه يدعمه "كلياً".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتبع ذلك سلسلة من المنشورات التي حملت طابع المؤامرة، وقد لمح في إحداها إلى أن جهاز الأمن السري ربما تعمد الإخفاق في حماية ترمب. وصرح أيضاً بأن "وسائل الإعلام التقليدية… آلة دعاية محض". وذلك خلافاً لـ"تويتر/إكس" التي تعد صوت الشعب. إنه اقتباس من كلامه.
لقد أعلن أيضاً عن تأييده الثنائي ترمب-فانس ("أصوات النصر"). وحقر وسائل الإعلام التقليدية من جديد، ثم نقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" أنه بصدد تخصيص مبلغ 45 مليون دولار (35 مليون جنيه استرليني) شهرياً إلى لجنة جديدة وقوية للعمل السياسي موالية لترمب تكون قادرة على ضخ مبالغ مالية غير محدودة دعماً لمرشح معين.
يقول ماسك، إن قيمة المبلغ لا تصل إلى 45 مليون دولار، وإن هذه اللجنة القوية الغامضة ليست معنية فقط بإيصال ترمب إلى البيت الأبيض- على رغم تعبير ترمب نفسه عن سعادته بها في أحد مهرجاناته الانتخابية. على أي حال، ثمة قدر كبير من التفاني بين ماسك وترمب وعلينا جميعاً أن نسعد لهما.
لكن المشكلة هي التالية. يمتلك ماسك المنصة الرئيسة التي تتداخل فيها جماهير السياسيين والصحافيين وعامة الناس في أميركا اليوم. صحيح أن "فيسبوك" أكبر حجماً منها بـ10 مرات، لكن مارك زوكربيرغ تعب من فوضى الأخبار والسياسة. وتكتسي منصة "تويتر/إكس" أهمية ضخمة باعتبارها مساحة للأخبار والآراء والتأثير والنفوذ. وهي بيد رجل واحد.
رأينا عبر التاريخ الحديث كيف حاول هيرست وبيفربروك ونورثكليف وأمثالهم تطويع الرأي العام وفق إرادتهم. هذا الأسبوع، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" أن روبرت مردوخ، سيد الترويج للبروباغندا، يحاول إعادة تنظيم أسرته لكي تستمر شركات الإعلام التابعة له -حتى بعد وفاته- في نشر نهجه المحافظ للرأي العام. وهذا شكل جديد من أشكال العمل السياسي ما بعد الموت.
لكن يحتمل أن يتفوق ماسك عليهم جميعاً بسبب حجم "تويتر/إكس"، ولأن ماسك قادر على التحرك بسرية، إن شاء ذلك. ولن يعلم أحد بما فعله.
تعد الخوارزميات سراً من أسرار المهنة وهذا يعني أنها مبهمة تماماً. بإمكاننا أن نحاول التكهن بما يفعلونه، لكن لا يمكننا أن نتيقن مما حدث إلا إذا قام أحدهم بتسريب الوثائق من داخل الشركة أو بالتصريح للصحافة.
ربما توفر القوانين المستقبلية بعض السبل التي تسمح للمشرعين والأكاديميين بالتدقيق في هذه الخوارزميات والتوصل إلى طرق تسمح باكتشاف مدى حياديتها وعدلها من عدمه، لكن هذه العملية بطيئة ولا تفيدنا في مواقف كهذه، إذ يستطيع ماسك أن يبطئ أو يسكت أصوات اليسار على "تويتر/إكس" لمدة كافية تسمح بتغيير نتيجة الانتخابات.
وقالت كايتي هارباث، مستشارة السياسات التكنولوجية كانت قد عملت سابقاً في تطبيق استراتيجيات الانتخابات في "فيسبوك" لـ"بلومبيرغ"، "رأينا قبلاً رؤساء تنفيذيين يختارون طرفاً ويتبرعون له بمبالغ كبيرة، لكننا لم نر ذلك يحدث على هذا النطاق، حين يملك الرئيس التنفيذي كذلك منبراً للتعبير يستقي منه الجمهور معلوماته والأخبار العاجلة".
لكن ماسك لن يفعل ذلك طبعاً، أليس كذلك؟ هذا هو شكل ترهات المؤامرات الذي يروج له ماسك وصديقه المقرب ديفيد ساكس أخيراً على "تويتر/إكس". ينشر ساكس، وهو رائد أعمال في مجال التكنولوجيا مثل ماسك، خرافات موالية لترمب لنحو مليون شخص يتابعونه على "تويتر/إكس"، بما في ذلك وصف ترشيح كامالا هاريس على أنه "انقلاب" والتلميح إلى أنها لعبة بيد جورج سوروس.
لكن فكروا في وقت غضب فيه ماسك لأن إحدى تغريداته في شأن بطولة كرة القدم الأميركية حصلت على تفاعل أقل (يعادل 9.1 مليون انطباع) من تغريدة الرئيس بايدن (نحو 29 مليون انطباع).
تلت هذه الواقعة أحداث كشفتها في فبراير (شباط) 2023 مجلة "بلاتفورمر" الرقمية التي تغطي عالم التكنولوجيا. شرح مهندس سيئ الحظ لماسك سبب عدم وصول تغريداته إلى عدد الأشخاص الذي يرغبه- فطرد فوراً.
وفقاً لمجلة "ذا فيرج"، بعد بطولة كرة القدم الأميركية، هدد ماسك بطرد المهندسين الباقين في حال لم يتمكنوا من "تصميم نظام يضمن بأن يستفيد ماسك- وحده- من ترويج غير مسبوق لتغريداته لقاعدة المستخدمين كافة".
بعد تحطيم عدد كبير من الأرقام القياسية، يعيد ماسك اليوم تعريف عبارة المصاب بجنون العظمة.
أصلح المهندسون "المشكلة" عبر تغيير الشيفرة لكي "تعطي الضوء الأخضر" تلقائياً لكل تغريدات ماسك. وكما قالت ذا فيرف "باتت الخوارزمية الآن تعزز تغريدات ماسك بشكل اصطناعي أكثر من ألف مرة، وهو معدل ثابت يضمن بأن تحتل تغريداته مكانة أعلى من تغريدات أي شخص آخر في صفحة الاستقبال".
يسمى ذلك "مضاعفة (انتشار) مستخدم قوي"، وهذا ما يفسر سبب رؤيتكم عدداً من تغريدات ماسك على صفحاتكم، حتى لو لم تكونوا تتبعونه. حتى إن ماسك نفسه مزح حول هذا الموضوع، ونشر صورة ساخرة على صفحته تظهر سيدة سماها "تغريدات إيلون" تطعم سيدة أخرى سماها "تويتر" على رغم عنها، وهي تشد شعرها إلى الخلف. حصلت هذه التغريدة على 178 مليون انطباع.
ونقلت "ذا فيرج" أنه "بسبب شعورهم بالرعب من خسارة وظائفهم، هذا هو النظام الذي يصممه مهندسو تويتر الآن".
بعبارات أخرى، نعلم أن ماسك قادر على استخدام "تويتر/إكس" لتعزيز انتشار الآراء التي يعتقد أنها مهمة (وإن أردنا إعطاء مثل عشوائي، كآرائه الشخصية) وهذا ما يفعله فعلاً. كما نعلم من الأبحاث بأنه يمكن استخدام المنصات بصورة سرية للقيام بأفعال جيدة خلال الانتخابات، مثل زيادة الإقبال على التصويت مثلاً. الذي لا نعرفه هو أن كانت رغبة ماسك الحارة لرؤية ترمب في البيت الأبيض ستؤدي به إلى تغيير خوارزميته الخاصة.
وقالت لي هارباث "لدينا قدرة أقل على رؤية ما يحدث في المنصة بسبب التغييرات في واجهة برمجة التطبيقات". وأضافت أنها لاحظت أخيراً منشورات من ساكس يتحدث فيها عن ترمب على صفحة الاستقبال خاصتها، وتساءلت عن السبب، لا سيما أنها لا تتبع حسابه.
"لا أعلم إن كان السبب هو معرفة الخوارزمية بأنني أحب مواضيع التكنولوجيا والسياسة والقضايا الشبيهة. أو إن كان شيئاً آخر. ليس من الواضح بالنسبة إلينا كيف يمكن أن يفصل ماسك بالفعل بين ما يفعله بوصفه شخصاً منفرداً، مقابل ما الذي يمكنه أن يجعل المنصة تفعله".
أما شعار هارباث فهو "الشعور بالذعر بمسؤولية". ربما حان الوقت لكي نبدأ بذلك.
آلان راسبريدجر، هو محرر سابق في "ذا غارديان" وهو محرر مجلة "بروسبيكت"
© The Independent