Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا تحتاج الهند لتصبح الصين الثانية وتقود النمو العالمي؟

جدل حول إمكان تطور اقتصاد نيودلهي على غرار تجربة بكين لنحو نصف قرن

يقدر "غولدمان ساكس" أن تحتل الهند مكانة الصين الاقتصادية العالمية بحلول عام 2075. (أ ف ب)

ملخص

بحسب تحليل وكالة "بلومبيرغ" فإن الصين احتاجت إلى متوسط نمو سنوي عند نسبة 10 في المئة على مدى أكثر من 30 عاماً كي تصل إلى وضعها الحالي كثاني أكبر اقتصاد في العالم.

في أحدث تقديراته للنمو الاقتصادي هذا الشهر، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو اقتصاد الهند خلال العام الجاري إلى سبعة في المئة في المتوسط، مقارنة بـ 6.8 في المئة توقعها في أبريل (نيسان) الماضي، كما رفع الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، إلى خمسة في المئة في مقابل 4.6 في المئة توقعها خلال أبريل الماضي.

وفي تقريره "آفاق الاقتصاد العالمي" الصادر في يوليو (تموز) الجاري، يخلص صندوق النقد الدولي إلى أن الاقتصادات الآسيوية تظل المحرك الأساس للنمو الاقتصادي العالمي مع تباطؤ النمو في أوروبا وضعفه في أكبر اقتصاد عالمي داخل الولايات المتحدة، ونقلت شبكة "سي أن بي سي" عن كبير الاقتصاديين في الصندوق بيير أوليفييه غورينكا قوله إن "اقتصادات الأسواق الصاعدة في آسيا تظل المحرك الأساس للاقتصاد العالمي، وقد جرت مراجعة النمو المتوقع لاقتصاد الصين والهند بالزيادة ليمثلا معاً نصف النمو الاقتصادي العالمي تقريباً، إلا أن التقديرات للأعوام الخمسة المقبلة تبقى ضعيفة".

وشجعت تلك التقديرات المتفائلة في شأن الاقتصاد الهندي على تعزيز تفاؤل مؤسسات دولية بأن الهند على الطريق لتجاوز الصين، كثاني أكبر اقتصاد في العالم، إذ يقدر "غولدمان ساكس" أن تحتل الهند مكانة الصين الاقتصادية العالمية بحلول عام 2075، أما "بلومبيرغ إيكونوميكس" فتتوقع أن تقود الهند النمو الاقتصادي العالمي بحلول عام 2028 في أفضل الأحوال، وفي أقل تقديراتها تفاؤلاً أن يحدث ذلك عام 2037 حين يتجاوز الاقتصاد الهندي نظيره الصيني.

تفاؤل شديد

وتبدو تلك التقديرات والتوقعات للاقتصاد الهندي متفائلة بشدة إذا ما أخذنا في الاعتبار البيانات والأرقام الحالية وعوامل السياسات الاقتصادية في ضوء سياق العقود الأخيرة من التطور الاقتصادي العالمي وفي البلدين الآسيويين، وإذا أخذنا أرقام وبيانات وتقديرات صندوق النقد الدولي فإن اقتصادات آسيا تظل المكون الأكبر للنمو الاقتصادي العالمي خلال الأعوام المقبلة.

ولم يغير الصندوق توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي هذا العام عن أرقام أبريل الماضي لتظل عند 3.2 في المئة في المتوسط، مع توقعه ارتفاعاً طفيفاً العام المقبل إلى 3.3 في المئة.

ولن يسهم أكبر اقتصاد في العالم، وهو الاقتصاد الأميركي، بقدر كبير في نسبة النمو العالمي تلك، إذ خفض الصندوق في تقريره الأخير توقعات النمو داخل الولايات المتحدة بشكل طفيف إلى 2.6 في المئة مقارنة بـ 2.7 خلال تقديراته السابقة في الربيع.

أما بخصوص اقتصاد دول منطقة اليورو فقد رفع الصندوق توقعاته للنمو بصورة طفيفة أيضاً إلى 0.9 مئة، بزيادة 0.1 في المئة عن توقعاته السابقة.

وبالمقارنة مع العام الماضي وتوقعات الأعوام المقبلة نجد أن نمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيكون هذا العام أقل بقدر طفيف عن نسبة النمو التي حققها العام الماضي، إذ بلغت نسبة النمو في الاقتصاد الصيني خلال عام 2023 ما يصل إلى 5.2 في المئة في المتوسط، ويتوقع الصندوق أن تتراجع إلى 4.5 في المئة عام 2025، ثم تنخفض إلى 3.3 في المئة بحلول عام 2029.

ومما يدل على التفاؤل بالتقدم السريع للاقتصاد الهندي ليحل مكان الصيني أن نسبة نمو هذا العام حتى عند سبعة في المئة المتوقعة تظل أقل بكثير من نسبة النمو حين حقق الاقتصاد الهندي 8.2 في المئة خلال العام المالي من أبريل 2023 إلى مارس (آذار) الماضي، كما يتوقع الصندوق أن ينخفض معدل النمو إلى 6.5 في المئة العام المقبل، أي أن معدل تباطؤ النمو يتسع في الهند عما هو عليه في الصين، والفارق في النمو الصيني بين العام الماضي والمقبل سيكون أقل من نقطة مئوية، أي 0.7 في المئة، أما بالنسبة إلى الهند فيقترب من نقطتين مئويتين، أي 1.7 في المئة.

المقارنة بالحجم

وفي ما يتعلق بالنمو الاقتصادي تظل الهند الأسرع عالمياً وستظل تقود النمو الاقتصادي العالم خلال الأعوام القليلة المقبلة ما لم تحدث أية مفاجآت كبرى، لكن معيار بلوغ الاقتصاد الهندي وضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم على حساب الصين لا يقتصر فقط على معدل النمو، بسبب الفارق الكبير في الحجم بين الاقتصادين الآسيويين الكبيرين، فحجم الاقتصاد الهندي لا يزيد على 3.5 تريليون دولار، بينما حجم الاقتصاد الصيني عند 17.8 تريليون دولار، وبالتالي يحتاج اقتصاد الهند إلى نمو بنحو خمسة أضعاف نظيره الصيني، ليصبح حجم اقتصاد نيودلهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وفي ضوء ضعف مستويات التعليم في الهند مقارنة بالصين، إضافة إلى القيود البيروقراطية وقلة العمالة الماهرة التي راكمتها نيودلهي على مدى نحو نصف قرن من التحول الاقتصادي، يصعب على الهند الوصول إلى حجم الاقتصاد الصيني في غضون عقود قليلة.

وبحسب تحليل وكالة "بلومبيرغ" فإن الصين احتاجت إلى متوسط نمو سنوي بـ 10 في المئة على مدى أكثر من 30 عاماً كي تصل إلى وضعها الحالي كثاني أكبر اقتصاد في العالم، لذا ومع ما يبدو من نهاية معجزة التصنيع في الصين حالياً فقد أصبحت لا تعتمد على التصدير فقط في نمو اقتصادها، وإنما أيضاً بقدر معقول على نمو الاستهلاك المحلي وتطوير قطاعات التكنولوجيا التي توطنت في الصناعات الصينية.

وتتطلع الهند إلى أن تصبح "مصنع العالم" بجذب الشركات العالمية، بخاصة تلك التي بدأت تراجع إستراتيجياتها للعمل في الصين، مستفيدة من عامل جذب أساس وهو العمالة الرخيصة. ولأن الهند تجاوزت بالفعل ا2لصين كأكبر بلاد العالم سكاناً بـ 1.4 مليار نسمة، فتلك ميزة مهمة تغري الشركات العالمية والمستثمرين الأجانب، إضافة إلى تشجيع نمو الاستهلاك المحلي وبخاصة في المناطق الريفية الهندية ذات الكثافة السكانية العالية، لذا نجد أن بعض الشركات العالمية الكبرى مثل "آبل" و "غوغل" بدأت تفكر في نقل صناعاتها من الصين إلى الهند وفيتنام وبعض الدول الاسيوية الأخرى، لكن معدل انتقال الصناعات لا يزال ضعيفاً ويبقى القدر الأكبر منها في الصين.

متطلبات هندية

تحتاج الهند إلى العمل على جبهات لتحافظ على معدل النمو الاقتصادي المرتفع من ناحية ولتهيئة المناخ لجذب مزيد من الشركات والاستثمارات الأجنبية، ومن ذلك تطوير البنية التحتية في شبه القارة الهندية، إذ بدأت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا اليميني المتشدد بزعامة رئيس الوزراء نارندا مودي خطط تطوير البنية التحتية خلال فترتي حكمه الأوليين، وعلى مدى الأعوام الخمسة الأخيرة ارتفع الإنفاق على البينة التحتية إلى نحو 11 تريليون روبية (132 مليار دولار).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكان نارندرا مودي يحكم بغالبية مريحة لحزبه خلال الفترتين السابقتين، إلا أن الانتخابات الأخيرة هذا العام أبقت مودي في السلطة لفترة ثالثة لكن من دون تلك الغالبية، مما اضطر الحزب إلى تحالفات سياسية يمكن أن تحد من قدرته على تنفيذ سياسات اقتصادية جريئة كالمعتاد، بخاصة أن الهند بحاجة إلى تطوير المدن الكبيرة من ناحية، وربما أيضاً تقليل المركزية السياسية بما يسمح بإنشاء عدد آخر من الولايات، وتفويض السلطات المحلية بسياسات اقتصادية من الضرائب والرسوم إلى الإنفاق العام وغيرها.

ومع أن التطور الاقتصادي في الصين منذ سبعينيات القرن الماضي واكبه أيضاً تطوير الحكومات المحلية في الأقاليم الصينية، إلا أن الحكومة المركزية في بكين تظل لها اليد الطولى في تحديد السياسات الاقتصادية والمالية للبلاد، ذلك أن نظام الحكم في الصين، وفي قمته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، يسهّل ذلك، أما في الهند التي يحكمها نظام ديموقراطي يضمن الاستقرار في ظل تعدد العرقيات وغيرها فربما لا يوفر للعاصمة المركزية دلهي ما يتوفر لبكين من مركزية سياسية واقتصادية.

وتظل هناك فرصة أمام الهند لينمو اقتصادها بالقدر الذي يجعله يتقدم على سلم ترتيب الاقتصادات العالمية، لكن تبقى الشكوك قوية حول وصوله إلى "صين ثانية" في غضون الأعوام القليلة المقبلة، بخاصة أن كل تلك التوقعات المتفائلة تفترض ثبات العوامل الأخرى، بمعنى استمرار بقية العالم على ما هو عليه من دون حراك للأعلى أو الأسفل.

اقرأ المزيد