Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الزراعة في لبنان تعاني ما بين نار الحرب والإهمال الحكومي

يطالب متخصصون بسلسلة إجراءات حكومية تخفف من آثار الضربات الإسرائيلية على الجنوب

في سنوات سابقة تخلى لبنانيون عن الحياة الحضرية واتجهوا إلى القرى التقليدية للزراعة (أ ف ب)

ملخص

تعاني الزراعة في لبنان من أزمة بنيوية ولا تشكل أكثر من خمسة في المئة من إجمال النشاط الاقتصادي في البلاد، وعمقت حرب الجنوب المعاناة باحتراق أكثر من 1800 هكتار.

تاريخياً، تعامل لبنان الرسمي مع الزراعة كقطاع ثانوي، ويكفي النظر إلى "الواحد في المئة" الذي يشكل حصة وزارة الزراعة من إجمال الموازنة العامة في البلاد لمعرفة حجم الاهتمام الذي توليه الحكومات للقطاع. ومن النتائج المباشرة لهذا الأمر الأزمة البنيوية والهشاشة التي يعانيها الاقتصاد. وجاءت الأحداث التي أعقبت اندلاع حرب غزة لتعمق من معاناة الزراعة والمزارعين، وتتحمل أقضية محافظتي الجنوب والنبطية أثماناً كبيرة نتيجة الاعتداءات الإسرائيلية.

خسائر كبيرة

يجري مجلس البحوث العلمية في لبنان مسحاً دورياً مستمراً لما تتعرض له القرى اللبنانية الجنوبية من خسائر، إذ أدت الهجمات الإسرائيلية إلى احتراق قرابة 1800 هكتار حتى منتصف يونيو (تموز) 2024. ويشير مدير المركز الوطني للأخطار الطبيعية والإنذار المبكر الدكتور شادي عبدالله لـ"اندبندنت عربية" إلى تفاوت الأضرار بين مناطق زراعية محروقة بشدة وأخرى تضررت بصورة غير مباشرة، بسبب ترك الأرض وإهمالها بفعل النزوح ناهيك بإتلاف المزروعات وأخطار بيئية وتدهور بنوعية التربة بسبب القصف.

وقال عبدالله إن "إعطاء صورة نهائية لحجم الضرر هو رهن توقف الاعتداءات وتمكن الفرق من النزول إلى الأرض لإجراء المسوح الميدانية، لأنه في المرحلة الحالية يلجأ المتخصصون إلى الصور الملتقطة عبر الأقمار الاصطناعية لتحديد المناطق المتضررة"، مضيفاً "لا بد من أخذ عينات للتربة من أجل اختبار حجم الضرر الناجم من الفوسفور واكتشاف المعادن الأخرى المستعملة التي تؤثر في نوعية المياه والأشجار والتربة".

لذلك طالب بعدم التسرع والقفز إلى الاستنتاجات المتشائمة قبل التحقق ميدانياً من حجم الأضرار، قائلاً "نعرف جميعاً حجم العدوانية لدى إسرائيل واتباعها تاريخياً لاستراتيجية الأرض المحروقة، ولكن يجب عدم إعلان نتائج بصورة مسبقة لكي لا نخوف مستقبلاً من الإنتاج الزراعي الجنوبي، كما أنه لا يرقى إلى مستوى الخلاصات العلمية". وأشار إلى وضع خطة عمل جاهزة لمرحلة ما بعد الحرب بغية تحرك مجلس البحوث العلمية مع مجلس الجنوب والوزارات المتخصصة لإجراء تقييمي أولي لجميع الأضرار، والبناء على ضوئها من أجل التعامل معها.

واستعرض مدير المركز الوطني للأخطار الطبيعية والإنذار المبكر في لبنان أبرز القطاعات المتضررة، موضحاً أن الزراعة في الجنوب خسرت 35 هكتاراً من الموز و40 هكتاراً من الحمضيات و75 هكتاراً من المراعي، وسبعة هكتارات من الأراضي المزروعة بأنواع مختلفة من الثمار و14 هكتاراً من أشجار الفاكهة. ولحقت خسارة واسعة بأراضي الزيتون التي فقدت 112 هكتاراً إضافة إلى الغابات التي تضم أشجاراً معمرة مثل السنديان، وتضررت بمستويات متفاوتة.

 

 

وتأتي عيتا الشعب في صدارة القرى التي تعرضت للاعتداءات جنوباً تليها حولا وبرج الناقورة وعلما الشعب وكفر كلا وطير حرفا والخيام وعيترون وميس الجبل ويارون والضهيرة والمروانية. وتوزعت القرى التي تعرضت لحرائق كبيرة بين الأقضية ففي محافظة النبطية تعرضت 27 قرية للضرر في بنت جبيل، و17 قرية في مرجعيون وقريتان في حاصبيا. أما في الجنوب فهناك قريتان ضمن قضاء صيدا و44 قرية تعرضت لحرائق في الأراضي الزراعية من أصل 55 تشكل اتحاد بلديات قضاء صور.

مشكلة في العمق

بعد الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 شكلت الهجمات الإسرائيلية عامل ضغط إضافياً على قطاع يعاني في الأصل، ولا يلقى الاهتمام المطلوب. وفي نظرة تاريخية تراجعت حصة الزراعة في بنية الإنتاج بحسب النشاط الاقتصادي بين عامي 1950 و2013، من 20 في المئة إلى خمسة في المئة فحسب، وفق دراسة للدكتور توفيق كسبار تحت عنوان "خطة عمل لازدهار لبنان"، والتي تشير إلى "مشكلات بنيوية مستوطنة ودائمة في لبنان لأنها موجودة منذ الاستقلال وليست من مخلفات الحرب وحسب"، والتي تكمن في ضعف الإنتاجية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً للدراسة فإن ثلاثة أسباب رئيسة تقف وراء تلك المشكلات أولها تدني مستويات المهارات والتحصيل، وثانيها قصور المؤسسات العامة وأخيراً المناطق المحرومة حيث ينطبع الاقتصاد اللبناني منذ الاستقلال بتفاوت شديد في توزيع المداخيل والثروات، وبفروق اقتصادية كبيرة بين المركز والأطراف.

إن الانطلاق من التشخيص السابق يؤدي إلى دق ناقوس الخطر بالنسبة إلى مناطق الأطراف التي ما زالت تنتظر "خطط الإنماء المتوازن"، وفي غيابها تعاني الزراعة من تراجع كبير ومشكلات خطرة. ويتحدث المهندس الزراعي محمد رفاعي عن صعوبات كبيرة تعترض الزراعة في لبنان، مشيراً إلى "اضطرار المزارع المتمسك بأرضه إلى شراء السماد بأسعار باهظة، كما تضطر فئة أخرى إلى بيع متر الأرض في سهل عكار بخمسة دولارات فقط وأحياناً أقل لأن المزارعين يتخلون عن الأراضي بسبب الخسائر التي تعترضهم، وابتعادهم من الزراعة".

ونبه رفاعي إلى "وجود تأثير قوي للقرار السياسي بالزراعة في لبنان، إذ يتأثر بالسياسات الحكومية. على سبيل المثال، عندما تقرر الحكومة الحد من استيراد البطاطا من مصر ينتعش سوقها محلياً، وإلا تعرض لخسائر كبيرة إذ لا يتمكن من استعادة الكلفة الأولية".

الكلفة أعلى من العائد؟

يشكو المزارع اللبناني من ارتفاع الكلفة وهنا يؤكد أحد المتعهدين أنه "في أحسن الأحوال لا يستعيد التاجر من السوق كلفة الإنتاج الزراعي ففي المرحلة الراهنة، دخل الموسم الزراعي مرحلة قطاف الإجاص في المناطق الجردية (الجرداء)، إذ تبلغ كلفة الكيلو الواحد دولاراً أميركياً، ويطلب أصحاب الأرض من الضامن سعراً يراوح ما بين 18-20 دولاراً، ويحتاج قطافه ثلاثة دولارات أجرة عامل للقطاف. ومن أجل الحفاظ عليه من التلف بفعل القيود الخارجية على الصادرات اللبنانية، يلجأ التاجر إلى وضعه في البرادات، ويلتزم ببدل أربعة دولارات".

أعباء كثيرة

إلى جانب ارتفاع كلفة الإنتاج يعاني المزارع اللبناني من مشكلة التصدير والأبواب المغلقة. وهنا يشكو رئيس تجمع المزارعين إبراهيم ترشيشي من كثرة المشكلات التي "تهبط على رأس المزارع اللبناني"، إذ "يواجه صعوبة في توريد الإنتاج في حدود السوق المحلية الضيق وتبرز الحاجة إلى فتح أبواب التصدير إلى الخارج، وحل المشكلات المتصلة بها على طول الطريق"، مذكراً بالصعوبات التي يعانيها المصدر في الطريق البرية عبر المعابر في سوريا والأردن والعراق وصعوبة الدخول إلى الخليج العربي، مما يرفع كلفة التصدير ويتسبب في خسائر جمة.

أما في ما يتعلق بالخط البحري الذي افتتح بعد استفحال الحرب السورية، يلفت ترشيشي إلى "صعوبات إضافية طرأت بفعل الاضطرابات في البحر الأحمر وعرقلة حركة السفن ورفع شركات التأمين أسعار البوالص من ناحية، وتكبد ثمن هائل للمحروقات بسبب تحويل الطريق إلى رأس الرجاء الصالح". ويقارن ترشيشي بين مرحلتين قائلاً "في السابق كانت فترة الشحن تقدر بتسعة أيام عبر الطريق المنتظم في البحر الأحمر، أما حالياً فيبلغ متوسطها ما بين 40 و50 يوماً بسبب عبور طرق بديلة، ناهيك بالقدوم غير المنتظم لشركات الشحن إلى بيروت من أجل تحميل البضائع".

 

 

ورحب بزيارة رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إلى العراق من أجل تسهيل التعاملات، ولكنه في المقابل يتحدث عن غياب فاضح للدولة عن دعم التصدير الزراعي وعدم تمويل برنامج دعم الصادرات إلى الخارج المعروف بـ"إيدال"، مما ينذر بخسارة الزبائن والمكانة الخارجية. ويشير إلى أن القطاع الزراعي ليس بخير، و"في السابق بلغ حجم التصدير 600 ألف طن أما حالياً فلا يصل حدود الـ200 ألف طن سنوياً في أحسن الأحوال".

الأسمدة المهربة

أساءت الأسمدة والمبيدات المهربة عبر الحدود إلى سمعة الصادرات الزراعية اللبنانية إلى الخارج، وفرضت عدداً من الدول العربية قيوداً عليها بسبب النسب المرتفعة من المبيدات السامة. ويعزو بعض المراقبين الأضرار إلى مبيدات ممنوعة دولياً يستحضرها مهربون سوريون من تركيا ويروجونها في الدوائر الخارجة عن رقابة وزارة الزراعة، التي تقوم بجولات ميدانية تفقدية وتفتيشية على الصيدليات والمزارع. وتبرز التأكيدات بأن 90 في المئة من المزروعات اللبنانية نظيفة وقلة قليلة من المزارعين تستخدم مبيدات ملوثة كونها أرخص قليلاً. أما أبرز تلك المبيدات المهربة والممنوعة فهي كلوربيريفوس 48 في المئة وسايبرمثرين بتركيز 25 في المئة، وكلورفينابير 24 في المئة.

وعاد إبراهيم ترشيشي للحديث عن أنه "عبر التاريخ، لم نشهد قيام صاحب كرم برش مزروعاته بالمبيدات المغشوشة إلا فئة لا تذكر، وهم من الأغبياء لأن كلفة الرش لا تصل في أسوأ الأحوال إلى خمسة في المئة من إجمال كلفة الإنتاج، بالتالي فهي ليست باباً للتوفير. وينتشر استخدام المبيدات المسموحة من قبل وزارة الزراعة والتي تستوفي الشروط الفنية والكيماوية"، مؤكداً أن "الوعي منتشر في أوساط المزارعين اللبنانيين بضرورة اتباع الأساليب العلمية والمواد الصحية".

ويرد ترشيشي على شبهة "تهريب الممنوعات داخل شحنات الفاكهة" قائلاً "أصبح من المؤكد أن تلك الشحنات المشبوهة وتحديداً شحنة الرمان المحشوة بالكبتاغون لا يتحمل مسؤوليتها تجار من لبنان، وتعود لأشخاص غير لبنانيين"، مطالباً الحكومة بخطوات نحو الأردن وسوريا من أجل إلغاء الرسوم المفروضة على الشاحنات، إضافة إلى الانفتاح على دول الخليج العربي وطمأنتها إلى سلامة أجهزة الرقابة، وإعادة تفعيل برنامج ’إيدال‘ لدعم التصدير قبل أن يبلغ القطاع الزراعي مرحلة اللاعودة".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات