Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيماءات اليد... وسيلة السياسيين المؤثرة لكسب التأييد

القبضة التي لوح بها ترمب بعد محاولة اغتياله ارتبطت تاريخياً بأيديولوجيات عدة وربما متناقضة

ترتبط القبضة التي يلوح بها ترمب تاريخياً بأيديولوجيات عدة وربما متناقضة (ا ف ب)

ملخص

ستبقى قبضة ترمب دلالة وعلامة على موقف لا ينسى لتعبر عنه تماماً من دون الحاجة لشرح أو تفاصيل، لكن اللافت أن هذه القبضة إشارة سياسية لطالما ارتبطت بأيديولوجيات عدة وربما متناقضة ولم تكن اختراعاً ترمبياً بالطبع.

تحولت قبضة المرشح الجمهوري دونالد ترمب التي لوح بها بثبات عقب ثوان من نجاته من محاولة اغتيال أثناء تجمع انتخابي في بنسلفانيا إلى لقطة أيقونية في الخطاب السياسي الأميركي، تسللت إلى الثقافة الشعبية سريعاً، بعدما باتت صورته وهو يلوح مرسومة على القمصان والملصقات، وكذلك وشماً على أذرع المعجبين بخطابه والداعين إلى التصويت له في سباق الانتخابات الأميركية. واختصرت تلك القبضة التي ضم فيها صاحب الـ78 سنة الأصابع الخمسة إلى داخل الكف، كثيراً من العبارات الأيديولوجية وعلى رغم أنها إحدى الوسائل المفضلة لدى ترمب للتعبير عن قوته وتوحده مع أنصاره إذ لم تكن المرة الأولى التي يلجأ إليها، ولكنها المرة الأكثر مشاهدة وأهمية إذ اختارها بعدما كان على شفا الموت وتفادى لتوه رصاصة على بعد ميلليميترات، يسيل من أذنه ويلطخ جانباً من وجهه، وأصابع يده مضمومة في الهواء معلناً الاستمرار.

القبضة وقوة أميركا

ستبقى قبضة ترمب دلالة وعلامة على موقف لا ينسى لتعبر عنه تماماً من دون الحاجة للشرح، لكن اللافت أن هذه القبضة إشارة سياسية لطالما ارتبطت بأيديولوجيات عدة وربما متناقضة ولم تكن اختراعاً ترمبياً بالطبع، ولكنها حديثاً ارتبطت بخطابه وفكره، في الأقل بالنسبة إلى الأجيال الصاعدة. وتجلى تأثير لقطة ترمب في تشبيه البعض لها بالصورة الشهيرة للجنود الأميركيين الستة أثناء وضعهم علم البلاد فوق فوهة أيو جيما البركانية باليابان في الـ23 من فبراير (شباط) 1945، بعد معركة صعبة في المنطقة الواقعة قرب العاصمة اليابانية طوكيو، وقد تحولت الصورة التاريخية التي ترمز إلى صمود أميركا ومثابرة الجيش والوحدة، إلى نصب تذكاري كما أصبحت علامة للوطنية وطبعت على الملابس وطوابع البريد وملصقات على دور الترفيه.

وتعود أصول القبضة إلى حركات عدة حيث ترتبط بالفاشية وأيضاً بالشيوعية، كما ارتبطت في ستينيات القرن الماضي بالثورة الثقافية في الصين التي كانت تمجد اليسار، كما استخدمتها الحركات العمالية بوصفها علامة على النضال والوحدة، واستعارتها حركات سياسية معاصرة كثيرة في الولايات المتحدة وبينها حركة "حياة السود مهمة" التي انتشرت تظاهراتها عقب مقتل جورج فلويد قبل نحو أربعة أعوام.

وفي ما يتعلق بلغة جسد ترمب على وجه التحديد إبان الحادثة، فيشير أستاذ العلاقات الدولية الدكتور أيمن سمير إلى أن الرئيس السابق حرص على إظهار ملامح القوة والقتال، كما أصر على أن يبرز ملامح وجهه حتى وهو في السيارة، ويرفع قبضته اليمنى ليشير إلى قوة أميركا ويتحدث عن "ماغا" التيار الذي ينادي بعودة البلاد عظيمة مرة أخرى، لافتاً إلى أن هذه الإيماءات متوافقة مع كون ترمب رمزاً سياسياً في الولايات المتحدة البلد المرتبط دوماً بعنصر القوة العسكرية والسياسية، التي تنفق على قوتها العسكرية ما يساوي ضعف ما تنفقه روسيا وكذلك الصين باعتبارهما القوتين المناوئتين لها.

وأضاف الباحث المتخصص في العلاقات الدولية أيضاً أن هذه الإيماءات بعثت برسائل لا تدع مجالاً للشك للكتلة المحايدة أو المتأرجحة من الناخبين، إذ إن هذه الفئة عادة ما تنجذب لرموز القوة لذا نجح ترمب في استمالتها بسرعة بديهته في اختيار إشارة بعينها، وتابع "تلويح ترمب بهذه القبضة مثّل غزلاً لفئة المحايدين الذين عليهم العامل الأكبر في حسم نتيجة الانتخابات الأميركية المنتظرة، ورفع اليد هنا أيضاً يتناغم مع سمات الخطاب السياسي للحزب الجمهوري الذي يصور منافسيه في الحزب الديمقراطي دوماً على أنهم أكثر ضعفاً وأن على ترمب العودة إلى مقعد الرئاسة لأنه الأجدر بإعادة الهيبة إلى الدولة، كما أنه الشخص المناسب للتعامل مع الفوضى في الشارع الأميركي وفوضى الحدود واستقبال اللاجئين".

وبحسب دراسة حملت عنوان "استخدام إيماءة اليد في الخطابات السياسية" للأكاديمي بيتر بول قدمها لمصلحة جامعة يورك الإنجليزية فإن هناك ارتباطاً وثيقاً بين إيماءة اليد وطبقات الصوت أثناء خطابات السياسيين، إذ إن المعاني الحركية والكلامية تكمل بعضها بعضاً، كما أظهرت النتائج أيضاً أن إيماءة اليد مرتبطة بصورة وثيقة بإثارة التصفيق والتحكم فيه وإدارة الجماهير المستمعة.

ورطة الكف

رموز الكف والأصابع وإشارات اليد بصورة عامة لطالما كانت مكوناً أساسياً في الثقافة الإنسانية، ومن ثم باتت علامات معتمدة للتعبير عن الآراء والمشاعر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كانت مصافحة أو إعجاباً أوموافقة أو شعار النصر وغيرها، وفي بعض الأوقات قد تنشأ أزمات بسبب الارتباك في استخدام تلك الرموز وبخاصة أن بعضها يكون غامضاً أو يحمل أكثر من معنى، تماماً مثلما يحدث على أرض الواقع، فقبل أعوام على سبيل المثال اتهم عدد من المشاهير بالترويج لعلامة "رابعة" عرفت عقب فض الاعتصام الشهير لجماعة الإخوان المسلمين المصنفة إرهابياً في مصر عام 2013، وذلك خلال الأحداث التي شهدت نهاية حكم محمد مرسي للبلاد، حيث تم استدعاء صور قديمة لنجوم مثل تامر حسني وكندة علوش وغيرهم وهم يرفعون شعار الأربعة أصابع المرتبط بالجماعة المحظورة، ولكنهم سارعوا بتوضيح الموقف إذ إن غالبية الصور كانت قد التقطت في وقت سابق للأحداث وكانت كثير منها دلالة على فوز فرق معينة في مباريات الكرة بأربعة أهداف، وقد انتشر "شعار رابعة" الذي يتكون من الأصابع المفتوحة فيما عدا الإبهام بين مؤيدي الإخوان بكثرة عقب فض الاعتصام في مدينة رابعة العدوية في مصر، وقد تم تظليل الأصابع باللون الأسود على خلفيه صفراء، وباتت علامة سياسية لا لبس فيها على التوجه الفكري المؤيد للجماعة.

حرب الأيدي في تركيا

الإشارة نفسها استخدمها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مؤتمراته الانتخابية الجماهيرية، إذ كان يرفع يده ملوحاً بأصابعه الأربعة فقط، وبعض تزعم أنه من خلاله يؤكد تأييده لجماعة الإخوان المسلمين لا سيما وأن حزبه العدالة والتنمية الذي يصنف على أنه محافظ يعتبره بعض ذراعاً للجماعة بصورة أو بأخرى، إلا أن الحقيقة أن أردوغان أوضح أكثر من مرة المقصد من تلك العلامة وهو يدلل بها على أن سياسته تسعى إلى الوحدة والتضامن بين كافة فئات الشعب التركي أي "وطن واحد ـ أمة واحدة ـ دولة واحدة ـ علم واحد".

وعلى ذكر الانتخابات التركية فهي تتحول دوماً إلى منافسة حامية الوطيس في ما يتعلق بإِشارات اليد، وبات كل طرف سياسي يعلن عن نفسه اختصاراً بعلامة معينة يدعو أنصاره لتبنيها، ولعل أكثرها إثارة للجدل، حركة الذئب الرمادي التي يستخدمها حزب الحركة القومية، وتعود تاريخياً إلى أسطورة تركية تشير إلى أنه بعد حصار الأتراك في واد سحيق تم إنقاذهم بواسطة أحد الذئاب ذات اللون الرصاصي، وقد تشكلت منظمة الذئاب الرمادية اليمينية المتطرفة في أواخر خمسينيات القرن الماضي بتركيا وعرفت بأنها ذراع مسلحة لحزب الحركة القومية الذي ينبذ القوميات المختلفة على الأراضي التركية وبينهم الأكراد والعرب وغيرهم، وقد تم حظر تلك الجماعة ذات التوجه العنصري في عدة دول أوربية وبينها ألمانيا والنمسا لما تبثه من أفكار متطرفة وصفت بالفاشية، إذ يؤمن أنصارها بالنزعة الاستعمارية وتفوق العرق التركي وضرورة استعادة أمجاد الدولة العثمانية وضم عدد من البلدان تحت لوائها، ويتم تجسيد إشارتها برفع إصبعي الخنصر والسبابة للأعلى مع تجميع الأصابع الثلاثة المتبقية للأمام لتبدو الصورة النهائية مثل رأس الذئب.

كما أطلق عدد من الأحزاب والحركات السياسية في تركيا رموزاً أخرى وبينها إشارة الثلاثة أصابع التي تعبر عن المسار الثالث بعيداً من الحكومة والمعارضة وأيضاً حركة القلب التي أطلقها كليتشدار أوغلو الذي نافس أردوغان بقوة على منصب الرئيس وهي تشير إلى قربه من أنصاره، كما استخدم بعض إشارة رفع الإبهام وضم بقية الأصابع للتدليل على أن الأمور بخير، وفيما من المعتاد أن علامة النصر أو حرف v تستخدم عادة علامة للسلام أو الاتحاد في مواجهة العدو، وهي ترمز للحرف الأول من كلمة النصر بلفظها الإنجليزي، إذ استعملها وينستون تشرشل بكثافة إبان الحرب العالمية الثانية، وعلى رغم معناها الإيجابي فإنها قد تتحول إلى رمز سياسي منبوذ وبخاصة في تركيا، فقد ارتبطت تلك العلامة التي يستخدم فيها إصبعا السبابة والوسطى من قبل مناصري حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا، ولكن في المحيط العربي ظلت دلالاتها كما هي تعني السلام أو النصر.

 

التحية تتحول إلى جريمة

في المقابل هناك إشارات باليد لا تقبل التأويل وأبرزها علامة النازية التي تقضي بمد الذراع على استقامتها ورفعها للأعلى والأمام مع إبقاء الكف مفتوحاً، وهي التحية النازية الشهيرة، إذ تختلف تماماً عن التحية العسكرية المعتادة التي تتخذها غالبية الجيوش في العالم، فيما اعتمدت التحية النازية في ألمانيا منذ ثلاثينيات القرن الماضي للتدليل على الولاء والطاعة للزعيم الألماني النازي أدولف هتلر، وبعض أيضاً كان يتبعها بعبارة "يحيا النصر"، أو "يحيا قائدي"، ولكنها ربما تعود إلى نهاية القرن الـ19 ومطلع القرن الـ20 إذ رافقت القادة الأوروبيين الذين تبنوا أفكاراً متطرفة تقضي بإقصاء المختلفين معهم، كما ربط بعض بينها وبين تحيات شبيهة بالفاشية الإيطالية.

 وتجرم القوانين الجنائية في بلدان كثيرة تلك الإشارة لما تحمله من أفكار متطرفة ذات نزعة إجرامية وبسبب خطاب الكراهية العنصري الذي تدعو إليه، وبينها ألمانيا والنمسا وفرنسا وبولندا وإيطاليا وهولندا، وعلى رغم أنها تعتبر من أكثر إشارات اليد المستهجنة دولياً، لكن بعضاً قد يجهل أيضاً ما ترمز إليه، إذ وقع كثير في خطأ استخدامها من دون قصد تبني ما ترمز إليه وبينهم حارس منتخب ويلز ونادي كريستال بالاس عام 2019 ، واين هينيسي الذي التقطت صورة وهو يؤدي التحية النازية الشهيرة بيده اليمنى عن جهل وفقاً لما ذكرته التحقيقات وتمت تبرئته بعدما أوضح أنه لم يكن يقصد أبداً ولا يعرف ما ترمز إليه إذ لجأ إلى تلك الإشارة ليجذب انتباه أحدهم، وذلك بعد حملة ضارية شنت ضده من قبل لاعبين يحملون الجنسية الألمانية على مواقع التواصل الاجتماعي تطالب بمعاقبته لاعتناقه فكر هتلر.

 

شارة الفاشية وقرون الشيطان

 تحظر إيطاليا استرجاع رموز الفاشية وتبني خطابهم الإقصائي الذي يدعو إلى العنف وتمجيد الدولة وحظر المعارضة، كما إن إشارتها الشهيرة التي تقضي بمد الذراع الأيمن مع لمس راحة اليد باستخدام الإبهام تعتبر مرفوضة رغم أنها إشارة تعود إلى الرومان وفقاً للمصادر التاريخية.

وفي تطور غير متوقع قضت محكمة إيطالية مطلع هذا العام بجواز استخدام علامة الفاشية في المسيرات والتظاهرات التي لا تهدد السلم والأمن. ورحبت الجماعات التي تعتنق أفكار الفاشيين الجدد بالقرار فيما أبدت الحركات المعارضة البقية قلقها من تأكيد المحكمة العليا في إيطاليا أن أداء التحية الفاشية أمر قانوني في المسيرات، ولا يمكن تجريمه طالما أنه لا يطالب بإعادة الحزب المحظور ولا يعادي النظام العام في البلاد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كانت أشكال مثل الصليب المعقوف والمطرقة والمنجل والنجمة الحمراء والمحراث وغيرها هي رموز تعبر عن حركات سياسية وأيديولوجية بعينها، فإن إشارات اليد تعتبر هي الإشارات الأيسر التي لا تحتاج إلى أدوات معينة لتحقيق الهدف منها، فأي شخص يمكن أن يكون رمزاً محتكراً لما يؤمن به فقط من خلال أصابعه، كما أن للحركة الماسونية على سبيل المثال رموزاً ودلالات كثيرة ولكن أنصارها أيضاً يستخدمون الأصابع والأيدي للتعبير عن أفكارها وبينها إشارة قرني الشيطان حيث يتم ضم إصبعي البنصر والوسط لباطن الكف وفتح بقية الأصابع فيتشكل القرنان.

وعلى رغم ربط بعض بينها وبين بعض أفكار الماسونية أو البنائين الأحرار التي تُتهم بأنها تسعى إلى السيطرة على العالم وتقف وراء حركات سياسية وعسكرية ذات طابع ثوري وانقلابي، فإنها أيضاً تستخدم بكثرة في بعض الحفلات الغنائية وبخاصة موسيقى الميتاليك، وانتشر الشكل أيضاً بين بعض الجماعات التي تدعي عبادة الشيطان، كما أن ضم الكفين على شكل هرمي مع وجود فراغ بينهما يبرز شكل عين يرمز أيضاً إلى تلك الحركة إذ إن العين من أكثر الرموز المستخدمة وتشير إلى عين الله بحسب معتنقي تلك الأفكار، كما أن لمس السبابة والإبهام لصنع دائرة مع ترك بقية الإصبع مفتوحة هي من العلامات التي تدل لديهم على الكمال والإيجابية.

المزيد من تحقيقات ومطولات