Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هكذا تحولت المقابر والسجون إلى مأوى نازحي غزة

يعيش في منطقة "المواصي" التي تقدر مساحتها بـ12 كيلومتر مربع فقط نحو 1.7 مليون نسمة جميعهم لاجئون يعانون ندرة المياه والغذاء

أصبحت المقابر في غزة واحدة من الأماكن التي يأوي إليها النازحون (اندبندنت عربية - مريم أبو دقة) 

ملخص

أصبحت المقابر في غزة من الأماكن التي يأوي إليها النازحون، لكن الأشخاص الذين هربوا من خان يونس ولم يجدوا متسعاً في منطقة المواصي، توجهوا أيضاً إلى سجن أصداء المركزي في خان يونس الذي كانت حركة "حماس" تحتجز فيه القتلة واللصوص.

على شاهد القبر ربط سالم طرف حبل طويل، والطرف الآخر شد فيه خيمة إيوائه التي شيدها بين الأموات، بعد أن تعثر عليه الحصول على مكان صغير ينصب عليه قطع القماش والنايلون المتهالك التي يصنع منها خيمة تؤويه من الضربات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.


قرب أحد الأموات حفر سالم الأرض وثبت القضبان الخشبية بحذر شديد خوفاً من أن يقترب من الجثمان تحت الأرض، وبعدما جهز هيكلية خيمته جلس ليحدث أطفاله عن خطورة العيش في المقبرة، قائلاً "في الليل تأتي الكلاب الضالة وبعض الحشرات والحيوانات وقد نسمع أصواتاً مخيفة".

 

وسط المدافن

انتاب الأطفال شعور الرعب، لكن سالم واصل حديثه أن "التزام التعليمات وعدم الخروج من الخيمة سيجعلنا في مأمن، ولن تهاجمنا الكلاب، لذلك أتمنى منكم يا صغاري الصبر، حتى نعود إلى بيتنا شرق مدينة خان يونس".

مجبر سالم على العيش في المدافن، إذ تعذر عليه الحصول على قطعة أرض صغيرة في "منطقة المواصي" الإنسانية التي تصنفها إسرائيل مأوى سكان غزة، ليقيم عليها خيمته، وبعد بحث طويل عن أي مكان فارغ قرر الأب نصب خيمة إيوائه بين القبور.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولسالم قصة طويلة قبل اللجوء إلى المقابر، إذ يعيش الرجل في شرق مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، وكان عاد للسكن في تلك البقعة بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي أنه انتهى من القضاء على كتائب "حماس" في مسقط رأس زعيم الحركة يحيى السنوار.

عودة ونزوح

ولم يرجع سالم إلى خان يونس من تلقاء نفسه، بل كان استجابة لأوامر الجيش الإسرائيلي الذي طلب من النازحين في محافظة رفح مغادرتها إلى منطقة إنسانية موسعة، تشمل مدينة خان يونس بأكملها إضافة إلى المواصي وهي مأوى النازحين الذي حددته تل أبيب منذ بداية الحرب على القطاع.

عندما بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية في رفح، قرر سالم العودة إلى خان يونس، ومثله فعل آلاف المشردين، وبعد أسابيع قليلة من استقرار الرجل هناك، أمرته قوات تل أبيب بالنزوح مجدداً إلى منطقة المواصي.

 

يعقب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي على إصدار الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة لمدينة خان يونس على رغم انتهاء القتال فيها وتصنيفها من ضمن المناطق الإنسانية، قائلاً "لقد عادت ’حماس‘ للعمل في تلك المنطقة، هذا انتهاك خطير من الحركة".

ويضيف أن "حماس استغلت المنطقة الإنسانية لأعمال قتالية وإطلاق صواريخ نحو دولة إسرائيل، لقد رصدنا رشقة من 20 قذيفة، ولمنع حماس من إعادة بناء نفسها جيشنا سيعمل بقوة ضد المنظمات الفلسطينية".

ويقول "حذرنا الموجودين في تلك المنطقة وطلبنا منهم الإخلاء الفوري نحو المواصي، أصبح جنوب خان يونس وشرقها مناطق خطرة، وباتت خارج المنطقة الإنسانية، لقد أجرينا تقليص المساحة الإنسانية بناء على نشاط حماس في بعض الأجزاء".

ربع مليون نسمة بلا مأوى

تقدر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) بأن هناك 250 ألف نسمة شرق خان يونس وجنوبها، وطلب الجيش الإسرائيلي من ربع مليون شخص الإخلاء، مما شكل ضغطاً على المنطقة الإنسانية المواصي.

وتوجه سالم إلى المواصي، وهي منطقة تقع على شاطئ بحر غزة، وتبدأ من محافظة دير البلح وسط القطاع، حتى رفح أقصى جنوب غزة، وتقدر مساحتها بـ12 كيلومتر مربع فقط، ويعيش فيها حالياً نحو 1.7 مليون نسمة جميعهم نازحون يعانون ظروفاً غير إنسانية مثل ندرة المياه والغذاء والإمدادات.

 

لا مكان في المواصي والمقابر مخيفة

استجاب سالم لأوامر الجيش وتوجه إلى المواصي، كان منظرها مدهشاً، ففي كل شبر من الأرض خيمة وإنسان، حاول الأب البحث بعمق عن مكان يقيم عليه خيمته لكنه فشل في ذلك وقرر العيش في المقابر.

ويقول "العيش إلى جوار الأموات مرعب وأطفالي يرتعشون من النوم بين القبور، لم نجد أي مكان آمن لنا عندما وصلنا إلى منطقة المواصي، فالناس افترشت أرصفة الطرقات وتكدست في كل متر بالمنطقة، والمدافن بها أشواك وزواحف ورعب كثير".

 

ويضيف أن "هذا الصباح كانت الكلاب تبحث عما تأكله قرب خيمتنا وأخرجوا جثة من المقبرة وكانوا يأكلونها، ومن المساء حتى بزوغ الفجر لم تتركنا الكلاب، كانت الأجواء مرعبة، عندما يسمع الأطفال أصوات الكلاب خارج خيمتنا البلاستيكية يتمسكون بي خوفاً".

فعلياً أصبحت المقابر في غزة واحدة من الأماكن التي يأوي إليها النازحون، لكن الأشخاص الذين هربوا من خان يونس ولم يجدوا متسعاً في المواصي، توجهوا أيضاً إلى سجن أصداء المركزي في خان يونس الذي كانت حركة "حماس" تحتجز فيه القتلة واللصوص.

في السجن

سهام كانت تائهة إلى أي مكان تنزح بعد تعذر حصولها على قطعة أرض في المواصي، وقررت التوجه إلى سجن أصداء والعيش مكان السجناء الأمنيين في زنازينهم المظلمة وخلف أبواب حديدية أكلها الصدأ.

وتقول "تحولت الزنازين إلى غرف معيشة لأشخاص أنهكتهم رحلة النزوح، هنا لا مقومات للحياة، كل شيء في السجن له ذكريات سيئة، وهذه ليست طبيعة معيشتنا، لكن ماذا نفعل، إنها الحرب المدمرة".

 

في ممرات السجن تجلس العائلات النازحة وتمارس أنشطتها اليومية من طهي وإشعال نار، بينما يلهو الأطفال بين قضبان الزنازين والأبواب الحديدية، ويحاول الرجال جاهدين توفير المياه والطعام لكن عبثاً يفعلون بسبب توقف الإمدادات عن القطاع.

 

إخلاء واسع

للمرة الرابعة خلال شهرين، يطلب الجيش من سكان مناطق خان يونس الإخلاء من أجل عمليات عسكرية، هذه المرة شملت 14 إخلاء من قرى وبلدات وأحياء كبيرة، و17 إخلاء من مناطق تصنف بأنها تجمعات سكنية واسعة.

معظم المهجرين لا يزالون من دون مأوى بعد أن أصبحت منطقة المواصي مكتظة بالبشر، وتقول منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في غزة سيغريد كاغ "كثافة السكان حالياً تبلغ أكثر من 22 ألف شخص لكل كيلومتر مربع، وهي الكثافة الأعلى في العالم، لم يسبق لي أن زرت منطقة يعيش فيها هذا العدد".

 

وتضيف أن "الناس نزحوا إلى الملاعب، لقد شاهدت أكبر أندية الكرة مكتظاً بالخيام. إن ما يحدث في غزة أمر مهول ومرعب، آلاف الأشخاص لم يجدوا مأوى، الآن يجلسون في الشوارع تحت أشعة الشمس الملتهبة".

وتوضح كاغ أن "ليس هناك مكان ولا توجد وجهة ولا خيام حتى إن وسائل نقل النازحين معدومة، مشيرة إلى أنه يجب على ’حماس‘ وإسرائيل في الوقت نفسه مراعاة ظروف سكان غزة والعمل على تجنب القتال في المنطقة الإنسانية".

المزيد من تقارير