ملخص
بشكل إجباري أحيت الحرب مهنة الإسكافي، بعد أن كانت هذه الحرفة قد انقرضت قبل اندلاع شرارة القتال وانضم حرفيوها إلى صفوف البطالة، لكن بفعل الظروف الصعبة في غزة اتجه الناس لحياكة أحذيتهم لمراوغة أزمة عدم توافر النعال في السوق.
بواسطة مخرز أحدث سهيل ثقباً في الحذاء التالف، لكنه لم يمرر فيه خيطاً سميكاً، بل عقد "الغرزة" بواسطة سلك حديدي رفيع، وكرر ما فعله ليحيك الأجزاء المقطوعة من النعل. يضحك الرجل أمام زبائنه ويقول "لم أتخيل أن مهنة الإسكافي قد عادت في غزة".
بعد دقائق قليلة جهز سهيل الحذاء التالف وأعاد له الحياة مرة أخرى وأصبح صالحاً للاستخدام لأشهر إضافية، وبمجرد ما سلمه لصاحبه هتف قائلاً "أنت لست إسكافياً، أنت دكتور شوز، ومهنتك معالجة أحذيتنا، لقد أسهمت في عدم سيري حافي الأقدام".
سبب الأزمة
مع بدء الحرب على غزة، شنت الطائرات الإسرائيلية المقاتلة سلسلة غارات على مخازن البضائع وكان من بينها مستودعات الأحذية، ما تسبب في نقص توافر النعال في السوق المحلية، إلى جانب ذلك أغلقت إسرائيل جميع المعابر وباتت تتحكم بكل البضائع التي تتدفق إلى القطاع، ووضعت الأحذية على قائمة السلع الثانوية غير المهمة للسكان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مع طول فترة القتال وتكرار النزوح سيراً على الأقدام في شوارع ذابت عنها طبقة الإسفلت وانتشر فيها ردم المباني المقصوفة، ووسط انعدام وسائل المواصلات، اهترأت أحذية سكان غزة بشكل مبالغ فيه، ولم يجد الناس حلاً سوى إصلاحها.
بشكل إجباري أحيت الحرب مهنة الإسكافي، بعد أن كانت هذه الحرفة قد انقرضت قبل اندلاع شرارة القتال وانضم حرفيوها إلى صفوف البطالة، لكن بفعل الظروف الصعبة في غزة اتجه الناس لحياكة أحذيتهم لمراوغة أزمة عدم توافر النعال في السوق.
طريقة بدائية
كما بدأت مهنة الإسكافي عادت من جديد بطريقة بدائية جداً، حتى إن التحديث الذي أدخل عليها عن طريق ماكينات الخياطة الآلية توقف في غزة بسبب انقطاع الكهرباء الدائم في القطاع، وبات حرفيو المهنة يعملون بطرق بدائية.
من صندوق خشبي انتشل سهيل حذاء آخر يعاني مشكلة أكثر صعوبة، إذ انفصلت أجزاؤه عن بعضها، وبات يحتاج إلى عمل طويل، بسرعة أحضر صنارة يدوية وأحدث ثقوباً متتالية في النعل، وبعدها أمسك الجزء الآخر ووضع عليه غراء أصفر وألصقه.
لا يوجد لدى سهيل الخيوط السميكة التي تستخدم في إصلاح الأحذية، ويستعيض عنها في سلك حديدي رفيع، يحيك بواسطته أجزاء النعال ببعضها لترقيع "الشوز" بدلاً من أن يضطر سكان غزة على السير حفاة في الطرقات المدمرة.
مئات الحرفيين
يقول سهيل "عادت الحياة إلى مهنة الإسكافي ومن أوسع أبواب الرزق، فلا يحصل العاملون في هذه المهنة على أي قسط من الراحة خلال اليوم، نستقبل أحذية بشكل متواصل، بسبب تكدس النازحين في منطقة واحدة".
فعلياً انتشر المئات الذين يمتهنون حرفة الإسكافي ومعظمهم يجلسون على قارعة الطريق يقيمون بسطات صغيرة فلا محال لهم، ويطمح هؤلاء الحرفيون إلى مساعدة سكان غزة وكذلك البحث عن مصدر دخل ولو قليل.
مرات عدة
بعيداً من سهيل، كان صدام يجلس يصلح حذاء مقطوعاً من طرفه ويربطه بواسطة حبل سميك ثم يطرق عليه حتى يتأكد أن الأجزاء تداخلت مع بعضها. يقول الرجل "أعمل في هذه الحرفة منذ 18 سنة لكن انقطعت عنها بسبب اندثارها، عندما عدت إليها وجدت الناس يصلحون نعالاً متهالكة لا تصلح حتى للرقع، هذا يتطلب جهداً كبيراً في إصلاح الثقوب وربط الأجزاء المقطوعة".
يؤكد سهيل أنه تعامل مع بعض الأحذية مرات عدة، يضحك عندما يمسك نعل لونه زهري ويقول "لقد أصلحت هذا الشبشب قبل ذلك، واليوم أعود لأقوم بعمل رقعة له، لقد أجبر الناس على ذلك بسبب نقص توافر النعال في السوق".
كل ما يلزم سهيل إبرة ومخرز وصندوق صغير يضم أدوات ومستلزمات العمل من شاكوش ومسامير وقطع بلاستيكية وغراء وخيوط وأسلاك حديدية، وشمسية تقيه حر الشمس الحارقة في صيف غزة.
وعن الفرق بين الحياكة الآلية واليدوية، يوضح الإسكافي زاهر "الغرزة اليدوية أقوى وأمتن من تلك التي تحيكها الماكينات، وتكون العقدة اليدوية منفصلة عن الأخرى بحيث لو تقطعت واحدة لا تؤثر في متانة وتماسك الحذاء بخلاف الطريقة الآلية التي يؤدي انقطاع إحدى العقد لانفلات كل الخيط".