ملخص
يشكل الأجانب 85 في المئة من زوار البتراء التي تشكو قلة روادها والسلطات تفكر بأنماط سياحية بديلة مثل السياحة الدينية... فهل فقدت "المدينة الوردية" بريقها؟
بموازاة ركود سياحي حاد يشهده الأردن بصورة عامة، فقدت البتراء "المدينة الوردية" بريقها السياحي وباتت تشكو قلة زوارها ومرتاديها في الأشهر الأخيرة على نحو بات يهدد مصدر الزرق الوحيد للمجتمع المحلي في المدينة، الذي تعتاش غالبيته على الموسم السياحي ويقدم خدمات الضيافة والحرف والمنتجات المحلية لتأمين مصدر رزقه، إذ يعتمد نحو 80 في المئة من أهالي المنطقة على الدخل السياحي بصورة مباشرة.
تداعيات حرب غزة
ظلت "البتراء" لأعوام طويلة تروي حكايات حضارة نبطية عريقة لملايين الزوار من كل بقاع العالم، لكنها اليوم لم تعد تعج بالحياة، فتوقف صخبها وخف ضجيج سياحها بعدما تأثر الأردن في تداعيات ما يحدث بغزة.
وهي تداعيات طاولت وفق مراقبين، ما يسمى المثلث الذهبي للسياحة في الأردن الذي يشمل (العقبة والبتراء ووادي رام)، نتيجة إلغاء عدد من الرحلات الجوية الدولية للطيران الاقتصادي التي كانت تصل إلى العقبة في موسم الشتاء.
ويتحدث وزير السياحة مكرم القيسي عن تراجع حجوزات الفنادق في الأردن بنسبة 50 في المئة منذ بدء الحرب على غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
ويضيف أن الطلب على المواقع السياحية تراجع 40 في المئة، كما تراجعت حجوزات المطاعم السياحية بنسبة 60 في المئة.
وتشير النشرة الأخيرة للبنك المركزي إلى أن الدخل السياحي الأردني بلغ نحو 6.3 مليار دولار، حتى نهاية أكتوبر 2023.
تراجع بنسبة 70 في المئة
وفقاً لسلطة إقليم البتراء التنموي، وصل عدد زوار المدينة السياحية منذ عام 2023 إلى نحو 1.17 مليون زائر 86 في المئة منهم أجانب، إلا أن الأحداث السياسية المتعلقة بحرب غزة تسببت بتراجع الحركة السياحية إلى نحو 70 في المئة في الوقت الحالي.
يأتي هذا التراجع على رغم ما تبذله السلطات من جهود لتعزيز السياحة في المدينة من قبيل تنشيط أنواع جديدة، مثل سياحة الفلك والمسارات البيئية. وتكمن أهمية هذه المدينة سياحياً بأنها أسهمت بنحو مليار دولار من الدخل السياحي الكلي.
ويبلغ عدد المنشآت الفندقية في البتراء 77 فندقاً، بسعة نحو 3700 غرفة، تشغل قرابة 1737 عاملاً، لكن التراجع أدى إلى فقدان نحو نصف مليون زائر العام الحالي، وإغلاق 28 فندقاً لم تتجاوز نسب الإشغال فيها خمسة في المئة، وتسريح نحو 300 عامل لديها. في المقابل يترقب القائمون على 25 فندقاً قيد الإنشاء بسعة 1400 غرفة في المدينة، مصيراً مشابهاً في ظل هذا التراجع.
المجتمع المحلي متضرر
يلقي مراقبون باللائمة على تأثيرات جائحة كورونا التي تسببت بأزمة تراجع السياحة في المدينة التي صنفت عام 2007 ضمن عجائب الدنيا السبع، فضلاً عن تقلبات الاقتصاد العالمي من دون إغفال وجود منافسة شرسة من قبل وجهات سياحية بديلة، لكن الوضع السياسي في المنطقة يبقى العامل الأكثر تأثيراً إذ تبرز مخاوف السياح من عدم الاستقرار الأمني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يبرر مالك أحد فنادق البتراء قرار إغلاق فندقه بتوالي الخسائر وقلة السياح، مما أدى إلى عدم تمكنه من سداد الالتزامات المترتبة عليه من رواتب وأجور ورسوم كهرباء ومياه، ويقول إن أزمة فندقه بدأت منذ 10 أشهر، مطالباً بتعويض المتضررين.
ويضيف آخر "هناك استثمارات من قبل أبناء المنطقة وخارجها، لكن الوضع الحالي لا يبشر بالخير مع استمرار تداعيات الأزمة، فيما يطالب ملاك آخرون بحلول جذرية لهذه المعضلة مع تفاقم أزمة السياحة، مثل تعزيز السياحة الداخلية.
يقول أصحاب المحال التجارية إنهم يعانون نتائج هذا التراجع السياحي، إذ انخفضت نسبة المبيعات لديهم إلى ما يقارب 98 في المئة، وينسحب الأمر ذاته على كثير من الخدمات مثل المقاهي والمطاعم وقطاع الضيافة عموماً.
يؤكد مرشدون سياحيون أنهم تضرروا كثيراً بهذا التراجع، بسبب انخفاض الطلب عليهم، كما يبدو الأمر مشابهاً لمن يمتهنون الصناعات اليدوية والحرفية التقليدية.
أما أصحاب مكاتب السياحة الوافدة، فوصلت نسبة الإلغاء لديهم إلى 90 في المئة منذ أكتوبر 2023 حتى بداية 2024.
التوجه إلى أسواق جديدة
ويدعو رئيس سلطة إقليم البتراء فارس بريزات إلى حلول عدة من بينها التوجه إلى أسواق سياحية جديدة تكون أقل حساسية مما يحدث في المنطقة من نزاعات مثل السوق الصيني والماليزي وأميركا اللاتينية.
يضيف "كل عامين تقريباً، ثمة مشكلة إقليمية تنعكس على السياحة في الأردن، لذلك علينا التركيز على أنواع سياحة مختلفة عن السياحة الثقافية في البتراء كما اعتدنا لأعوام طويلة بهدف إطالة أمد الإقامة في هذه المدينة التي لا تتجاوز ليلة ونصف الليلة".
ويكشف بريزات عن خطط لربط البتراء بمناطق سياحية محيطة وقريبة مثل قلعة الشوبك وجبل التحكيم وتفعيل 25 مساراً سياحياً جديداً.
يؤكد بريزات أن ثمة إعادة جدولة للديون والمستحقات على العاملين في القطاع السياحي في البتراء بهدف مساعدتهم لأنهم الأكثر تضرراً من هذه الأزمة.
جوالون
ومنذ خمسينيات القرن الماضي، بدأت حكاية السياحة في مدينة البتراء التي تبعد نحو 240 كيلومتراً عن العاصمة عمان، إذ عمل أهالي المنطقة وتحديداً من عشيرة "البدول" في هذه المهنة، واليوم توارث أبناؤهم المهمة وأصبحوا يتقنون اللغات الأجنبية ويعملون مرشدين سياحيين وجوالين يقومون بنقل السياح على ظهور الخيل والحمير في أروقة المدينة الوردية ووديانها وصولاً إلى "الخزنة"، أهم معلم سياحي فيها.
يبلغ عدد المرشدين السياحيين في مدينة البتراء نحو 300 شخص نصفهم غير مرخصين ويعملون بصورة حرة، ومنذ أن توافد السياح إلى المدينة عمل جيلان من أبنائها في هذه المهنة.
ووفق جمعية أدلاء السياح الأردنية، يبلغ عدد المرشدين المتحدثين باللغة الإنجليزية نحو 800 دليل سياحي، بينما يصل عدد الأدلاء الذين يتحدثون لغات أخرى مثل الفرنسية والألمانية والإيطالية والإسبانية إلى نحو 700 مرشد.
ويعتمد كثير من سكان المنطقة على السياحة بوصفها مصدراً رئيساً للدخل، إلا أن تراجع السياحة في المدينة أدى إلى عدد من التبعات مثل ازدياد أرقام البطالة في المدينة، وتضرر الأعمال الصغيرة والمحلية مثل المتاجر والبازارات والمطاعم.
ويطالب مراقبون بتنظيم المشهد السياحي في المدينة في محاولة لجذب أكبر عدد ممكن من السياح، إذ إن الضغط المتزايد على بعض المعالم الأثرية بسبب استخدام الحمير لنقل السياح يؤدي إلى الإضرار ببعض المعالم التاريخية، كما يعاني السكان التلوث الناتج عن روث الحيوانات.
ويقول آخرون إن ثمة فوضى واستغلالاً لبعض المغارات الأثرية للسكن أو التخزين، واستخدام بعض المناطق السياحية إسطبلات للحمير، مما يشوه المظهر السياحي ويجعله بيئة طاردة للسياحة.