Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحولت قرى الأردن إلى مقاصد سياحية عالمية؟

تجربة فريدة تدعم المجتمعات المحلية وتنعش اقتصادها وتجمع بين الطبيعة والثقافة بعيداً من صخب المدن

هذا النوع من السياحة الذي يجمع بين جمال الطبيعة والثقافة المحلية الغنية (مؤسسة "وجهات البركة" للسياحة الريفية)

ملخص

السياحة الريفية نتيجة حتمية للتطور الكبير الذي طرأ على قطاع الخدمات السياحية، إضافة إلى استنزاف الموارد الطبيعية أو المعالم الأثرية.

أصبحت القرى الأردنية وجهات سياحية مفضلة للباحثين عن تجربة مختلفة وفريدة بعيدة من صخب المدن وضوضائها، وتحولت منازل ريفية في شمال الأردن تحديداً إلى مقصد سياحي رائج لكثير من السياح الأجانب والأردنيين على حد سواء، إذ يخوضون تجربة المبيت مع الأهالي وتناول وجبات تقليدية والقيام بجولات في أنحاء القرى.

ولا يقتصر الأمر على المناطق الريفية في شمال البلاد فحسب، بل يمتد إلى بيوت عمان القديمة والتراثية في العاصمة، حيث بعض التفاصيل العتيقة التي تدل على عراقة هذه المنازل وجمالياتها.

بالنظر إلى إسهام السياحة في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 15 في المئة، وبلوغ عدد العاملين في الأنشطة السياحية نحو 60 ألف شخص، تكمن أهمية السياحة الريفية في الأردن التي تتنامى يوماً بعد آخر.

بيوت ضيافة

تقول الحكومة الأردنية إنها تشجع ما تسميه "سياحة الريف" وتعززها، دعماً للمجتمعات المحلية وتعريفاً بالثقافة الأردنية، لكن العاملين في هذا المجال قلقون من تبعات قانونية تتعلق بضرورة الترخيص بصورة رسمية.

هذا النوع من السياحة الذي يجمع بين جمال الطبيعة والثقافة المحلية الغنية، أصبح يعرف ببيوت الضيافة التي باتت مفضلة لدى السياح عن الفنادق لأنها توفر لهم تجربة فريدة للتعايش مع المجتمع المحلي والاطلاع على عاداته وتقاليده، فيستثمر القرويون في منازلهم، بخاصة تلك التي ما زالت تحافظ على طابعها القروي القديم لجهة طراز البناء وإطلالته ومحتوياته التي تعكس التراث الأردني، مثل الأثاث المصنوع يدوياً.

 

 

وبينما تتكفل النساء صباح كل يوم بتحضير وجبة فطور "بلدية" غالبية مكوناتها من إنتاج القرية، يقوم الرجال بتنظيم جولات راجلة توفّر تجربة إقامة تقليدية تتسم بالبساطة والراحة للتعرف إلى نمط الحياة الريفية، مثل جولات المشي والمسارات الجبلية وركوب الخيل وتجربة الحرف اليدوية، مع انتشار ورش عمل لتعليم الحرف التقليدية مثل النسيج والفخار.

تشغيل الأيدي العاملة

يؤكد عيسى دويكات الذي يعمل دليلاً سياحياً في الجبال ودليل مغامرات وتخييم، أن بيت الضيافة يمنح السائح أجواء أكثر دفئاً من الفنادق، حيث الاحتكاك بالأهالي والمواطنين المحليين والتجول في القرى والبلدات وقضاء أجواء عائلية وتناول الأطعمة البيتية التي لا تتوافر في الفنادق والمنتجعات السياحية.

ويشير إلى أن السياحة الريفية تشغل الأيدي العاملة وتمنح الأهالي فرصة للحصول على دخل إضافي عبر بيع منتجاتهم مباشرة للسياح.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويقول دويكات، "أعمل في هذا المجال منذ 24 عاماً، ولم تكُن فكرة بيوت الضيافة حينها منتشرة كما اليوم، ومعظم عملي في مناطق شمال الأردن، تحديداً مدينة عجلون التي تتمتع بغطاء نباتي وغابات كثيفة، وعلى رغم أن هذه السياحة مكلفة بالنسبة إلى السائح فإن هناك إقبالاً عليها، مما دفع بعض شركات السياحة إلى تبنيها وترويجها".

يتحدث دويكات أيضاً عن فكرة مسار سياحي بطول 675 كيلومتراً يضم 75 قرية أردنية و20 موقعاً أثرياً يبدأ من منطقة أم قيس وحتى مدينة العقبة ويسمى "درب الأردن"، ويقسم إلى ثماني مناطق مكونة من 35 مساراً.

وجبات شعبية

أحد الجوانب الجذابة في سياحة الريف هو تجربة المأكولات الشعبية الطازجة والأصلية وبمكونات طبيعية، ومن بين هذه الوجبات الفطور الأردني القروي وقوامه الألبان والأجبان والبيض الطازج وزيت الزيتون والزعتر والعسل والقشطة والفطائر وخبز الصاج والطابون، فضلاً عن المنسف وهو الطبق الشعبي في الأردن، ويتكون من الرز واللحم المطبوخ باللبن المجفف، بينما تقدم بعض بيوت الضيافة وجبة الزرب، وفيها يطهى اللحم والدجاج في حفرة تحت الأرض مع توابل ونكهات مميزة.

اليوم ثمة قرى عدة أصبحت وجهات سياحية شهيرة بفضل مبادرات سكانها المحليين، مثل قرية أم قيس الأردنية المطلة على وادي الأردن وبحيرة طبريا، إذ تستضيف عائلات محلية السياح في منازلها وتقدم لهم وجبات تقليدية وتوفر جولات سياحية في المنطقة.

 

 

تشير دراسات إلى نشأة السياحة الريفية كنتيجة حتمية للتطور الكبير الذي طرأ على قطاع الخدمات السياحية من فنادق ومطاعم ومطارات، إضافة إلى ارتفاع مستوى معيشة الأفراد وزيادة أوقات الفراغ والعطل الرسمية مدفوعة الأجر، والاهتمام بالجوانب النفسية والاجتماعية للأفراد.

ويرى مراقبون أن السياحة الريفية تسهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وتحسين مستويات المعيشة في القرى، حيث يتم خلق فرص عمل جديدة للسكان المحليين، وتنتعش الصناعات اليدوية والحرفية التقليدية ويصار إلى الاهتمام بتحسين البنى التحتية في القرى بفعل الاستثمارات السياحية التي بدأت بالالتفات إلى هذا النوع من السياحة الذي تتجاوز فوائده الجانب الاقتصادي إلى الحفاظ على التراث ونمط الحياة التقليدية والتحول نحو السياحة المستدامة.

مع تعافي السياحة في الأردن إثر جائحة كورونا، تشير تقارير وزارة السياحة إلى زيادة ملحوظة في عدد بيوت الضيافة في المناطق الريفية، لكنها لا تملك أرقاماً دقيقة حول عددها بسبب عدم ترخيص كثير منها، لكن ثمة تقديرات تتحدث عن نحو 200 بيت ضيافة.

 

 

في قرية أم قيس تنشط سيدات في جلسات لتعليم صناعة السلال التقليدية وتهديب الشماغ والطبخ وترويج المنتجات التراثية للقرية. وتعمل إحدى الشركات المعنية بالسياحة الريفية مع أكثر من 130 أسرة محلية لتوفير وجبات تراثية ومنتجات من المزرعة إلى المائدة، وفي قرى أخرى لم تعُد مهمات إعداد المخبوزات التقليدية واستخراج العسل من المناحل وحلب الماعز حكراً على النساء القرويات، بل أصبح بإمكان السياح القيام بها بأنفسهم في تجربة فريدة من نوعها ضمن بيوت الضيافة التي تنتشر في أكثر من مدينة أردنية.

استضافة ومغامرات

أما مدينة كفرنجة في محافظة عجلون، فتنشط سياحياً بوصفها أحد الأماكن المفضلة لسياحة المغامرة والاستضافة، وفيها قررت عائلة فريحات افتتاح "مطبخ إنتاجي" في منزلها القروي إلى جانب مزرعة صغيرة كمقصد للسياح ووسيلة لتشغيل كل أفراد العائلة.

ويقوم هذا المشروع باستضافة السياح وتقديم أكلات بلدية وطبخات شعبية متنوعة ويساعدهم في خوض مغامرات بالمنطقة، وهو أحد النشاطات التي حظيت أخيراً بدعم الجهات الرسمية بهدف تحويل الأردن إلى مقصد سياحي في مجالات الثقافة والطبيعة والسياحة العلاجية والدينية.

 

 

يشير رئيس جمعية "درب الأردن" أيسر البطاينة إلى أن جمعيته تشجع المجتمعات المحلية على السياحة الريفية، وتسهم في إعادة تأهيل المنازل وأحياناً بناء منازل أو غرف وتأهيلها لاستقبال السياح، فضلاً عن تدريب أصحاب هذه المنازل لتقديم الخدمة بأفضل صورة، موضحاً أن السياحة الريفية وسياحة المغامرات أكثر جدوى للمجتمعات المحلية من السياحة التقليدية.

 وتوضح دراسة عن السياحة الريفية ودورها في تنمية المجتمعات المحلية في الأردن صادرة عن المجلة الأردنية للعلوم الاجتماعية عام 2022، أن هذا النوع السياحي يعتبر رافداً اقتصادياً مهماً للمجتمعات المحلية وأن معظم الخدمات السياحية تقدم من قبل أبناء المجتمعات المحلية، إضافة الى وجود أثر واضح في تمكين المرأة ضمن المناطق النائية.

أما في الجانبين الاجتماعي والبيئي، فتعمل السياحة الريفية على تعزيز التفاعل الثقافي بين المجتمعات المحلية والسياح، والحفاظ على التنوع الحيوي وتقليل التلوث الناتج من وسائل النقل التقليدية.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي